صفحة مضيئة في سجل الحضارة الإسلامية تمثلها رحلة الحجيج إلى مكةالمكرمة عبر سيناء بداية من طريق المحمل الشريف والقافلة منذ بداية العصر الإسلامي في ظل 3 حقب زمنية، الأولى من الفتح الإسلامي حتى أواخر حكم الفاطميين، والثانية من أواخر حكم الفاطميين حتى أوائل حكم المماليك، لتأتي الثالثة من أوائل حكم المماليك حتى عام (1303ه / 1885م) حين تحول للطريق البحري. يؤكد الدكتور عبد الرحيم ريحان، مدير عام البحوث والدراسات الأثرية بوزارة الآثار، أن درب الحاج المصري القديم ينقسم إلى أرباع، الربع الأول من صحراء القاهرة المعزية إلى عقبة آيلة، والثاني من عقبة آيلة إلى قلعة الأزلم، والثالث من قلعة الأزلم إلى ينبع، والرابع من ينبع إلى مكةالمكرمة. أما الجزء الخاص بطريق الحاج بسيناء فينقسم لثلاث مراحل تتقارب في مسافاتها يقضي الحاج فيها 3 أيام سيرًا في قوافل وجماعات . وعن أهمية الطريق، يشير د. ريحان إلى أنه لم يكن قاصرًا على خدمة حجاج مصر وإنما كان يخدم حجاج المغرب العربي والأندلس وحجاج غرب إفريقيا. كما تزايدت أهمية الطريق مع قيام دولة سلاطين المماليك باستخدامه كمعبر لقوافل الحجاج إلا إنه لم يكن المسلك الوحيد لهذه الرحلة المقدسة، فهناك المسالك البحرية من خلال السفن المستخدمة لموانئ مصر على خليج السويس. ويوضح د. ريحان أن الحج طوال العصر الإسلامي، كان شعيرة روحية إلى جانب فوائدة الاقتصادية، لذا حرص الخلفاء المسلمون على تيسير كل السبل لتأدية هذه الفريضة وإعمار الطرق وإمدادها بكل سبل الراحة كما أقاموا القلاع لحمايته وتأمينه. كما كان الحج فكرًا راقيًا بانتقال مجتمع بأكمله يضم الأمراء والجند والأئمة ورجال الإدارة والمؤنة والطبيب والقاضي والمختص برعاية الدواب والشعراء الذين كانوا يترنمون بالأشعار الدينية في جو البادية الممتدة التي تمنحهم الخيال الخصب برؤية الكعبة المشرفة. منذ 15 قرناً من الزمان، كانت محطات هذا الطريق عبارة عن أسواق تجارية تحوي منتجات من مصر والشام والجزيرة العربية وكانت مصر تجهز كسوة الكعبة وكسوة مقام إبراهيم والمحمل الشريف الذي يتضمن كل خيرات الله لأهل الحرمين الشريفين.
وعن المظاهر المرتبطة بخروج المحمل من مصر يوضح د. ريحان أنه منذ عام 675ه في عهد الظاهر بيبرس كان يدور المحمل بالقاهرة دورتين الأولى في رجب لإعلان أن الطريق آمن لمن أراد الحج والثانية في شوال ويبدأ الموكب من باب النصر وكان الناس يخرجون للفرجة على المحمل الشريف ويقود القافلة أمير الحاج وهو القائد العام للقافلة كلها. وفى أيام المماليك كان السلطان هو الذي يعين أمير الحاج كل عام وكانت مهمته اختيار زمن التحرك وترتيب الركب والنزول والحراسة وقتال من يتعرض للقافلة ومن أشهرهم الأمير سلار نائب السلطنة وله أفضال عديدة حتى عم الخير فدعوا له "يا سلار كفاك الله شر النار" . ينوه د. ريحان إلى أن قافلة الحج لم تنس الرفق بالحيوان حيث كان هناك شخص مهمته مراقبة الدواب وحالتهم الصحية يطلق عليه أميراخور، وأنه كان هناك تقسيم عادل للمؤن طوال الرحلة ومشرفون وأطباء وجراح (الجرائحي) وبعض الأدوية. مقدم الضوئية هو قائد حاملي المشاعل التي توقد بالزيت وبعضها بالخشب ومقدم الهجانة الذي يشرف على أكسية الجمال التي تتصف بشيء من الأبهة للحرص على جمال القافلة أثناء السير – ضمن فريق القافلة حسب د. ريحان الذي أضاف وجود "الميقاتىي" المسئول عن تحديد مواعيد الصلاة والمؤذن ومغسلي الموتى. ويتابع د. ريحان: القافلة كانت تغادر مصر على النظام الآتي: الرسميون ثم الأعيان ثم الحجاج، أما صندوق المال والمؤن والنساء والبضائع الثمينة فقد كانت توضع في وسط القافلة ويتبعها ركب الحجاج العاديين. يضيف أيضًا: المرتب الخاص لرئيس المحمل كان يقدر بنحو 18 ألف دينار وألف أردب من القمح و4 آلاف إردب من الفول، مؤكدًا أن سوق التجارة في مكة كان أعظم سوق في العالم في أيام الحج وكانت تقدر بملايين الدينارات. يسير بنا د. ريحان في محطات طريق الحج موضحًا أن طريق الحج عبر سيناء كانت له مميزات عديدة فهو أقصر الطرق بين القاهرة والعقبة ويرتبط بمجموعة من الطرق الأخرى التجارية. وفي العصر الأيوبي تراجعت الوظيفة الدينية لهذا الطريق لتتحول لوظيفة حربية تسلكه الجيوش لقتال الصليبيين شرق نهر الأردن وأنشأ عليه صلاح الدين القلاع الحربية كقلعة الجندي بوسط سيناء وقلعته الشهيرة بجزيرة فرعون بطابا. وفى أوائل حكم المماليك سيطر الصليبيون على آيلة واستردها الظاهر بيبرس 665ه 1267م وفى عام 666ه استعاد الطريق سابق عهده كطريق للحج وغطى الظاهر بيبرس الكعبة وعمل لها مفتاحًا ثم أخرج قافلة على هذا الدرب عام 667ه وزار مكة عن طريق آيلة. ويؤكد د. ريحان أن نقطة انطلاق قافلة الحجيج كانت من بركة الحاج (موقعها بنفس الإسم حتى الآن بالقاهرة) وكان يتجمع الحجاج لمدة ثلاثة إلى خمسة أيام وينصب بها سوق كبيرة فيها الجمال والملابس وما يحتاج إليه الحجاج من مأكل وملبس. ويسير بنا الدكتور ريحان في الطريق عبر وسط سيناء حيث تنتقل القافلة من عجرود قرب السويس إلى نخل(240كم من القاهرة) الذي كان يعقد فيها سوقًا وخان لمبيت الحجاج وقلعة وحواصل لذخائر الحجاج ومسجد. ويستمر بنا السير إلى منطقة دبة البغلة التي تبعد 20كم من قرية النقب بوسط سيناء طريق النقب – نخل، حيث توجد علامة مهمة وهى نقش السلطان الغوري الذي يحوى نصًا قرآنيًا " إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً وينصرك الله نصراَ عزيزاً". ومن "دبة البغلة" يتجه الحجاج إلى قلعة العقبة التي أنشأها الغوري 914ه على بعد 50م من شاطئ خليج العقبة وكانت تستغرق المسافة من بركة الحاج حتى قلعة العقبة 9 أيام حتى الوصول ل مكةالمكرمة. يلفت د. ريحان إلى حرص خلفاء المسلمين على تأمين طريق الحج على مر العصور بتأمينه وتوفير سبل الراحة التي تفيد الحجيج وتقدم لهم رحلة آمنة. كان عدد الحجاج الذين يعبرون سيناء يتراوح بين 50 ألفًا و 300 ألف وانتظم الحج في العهد العثماني وتكونت له إدارة سهلت على الحجاج قيامهم بفروضهم الدينية وسافرت أول قافلة بعد الفتح العثمانى لمصر (922ه/1517م) وتقرر لحراسة المحمل قوة عسكرية من 60 إلى 100 جندي . "أشهر المعارك التي تعرض لها وفد الحجيج كانت في عام (578ه / 1182م) حين فكر الأمير الصليبى أرناط أمير حصن الكرك، توجيه ضربة حربية قوية لصلاح الدين تستهدف إعادة السيطرة على قلعة آيلة بجزيرة وقطع طريق الحج المصري على الحجاج والاستيلاء على مراكب التجار القادمة من اليمن وتخريب الموانئ والنزول إلى البر لاختطاف ما فى القوافل العابرة بل والوصول إلى الأراضي المقدسة ومضاعفة خطورة الحملة وآثارها المدمرة لو نجحت"-وفق ما قاله الخبير. ويتابع الخبير الأثري: أرناط انتهز فرصة غياب صلاح الدين عن مصر ونجح في تصنيع السفن ونقلها إلى أيلة وبدأ بمحاصرة القلعة في جزيرة فرعون بمركبين بهدف تضييق الخناق على المدافعين وقطع المياه والمعونة حتى الاستسلام و أما الفريق الآخر من سفن أرناط فقد اتجهت لمياه البحرالأحمر لتنفيذ مهامها التخريبية في الموانئ المصرية والحجازية. حين وصلت أخبار هذه الحملة إلى القاهرة لنائب السلطان (الملك العادل أبو بكر أيوب) أمر الحاجب حسام الدين لؤلؤ بإرسال مراكب في بحر القلزم (البحر الأحمر) وشحنها بالرجال وفك الحصار البحري حول القلعة وأحرق سفن الصليبيين وأسر من فيها مع ملاحقة مراكب الصليبيين في البحر الأحمر وحال دون تقدمهم بلاد الحجاز وأسر من تبقى منهم على قيد الحياة.