فيما يقف ضيوف الرحمن علي جبل عرفات ويطلقون تكبيراتهم بعد أن جاءوا إلي الأراضي المقدسة من كل فج عميق سواء بالطائرة أو جوا،ومهما كانت الوسيلة التي استقلوها فهي سهلة وآمنة ومريحة،ولم تكن صعبة ومرهقة كما كان الحال في الماضي، ولا يعرف كثيرون أن رحلة الحجيج إلي مكةالمكرمة تمثل صفحة مصرية مضيئة في سجل الحضارة الإسلامية،حيث كان هناك طريق خاص يطلق عليه درب الحج المصري القديم يخدم الحجاج من مصر وبلاد المغرب العربي والأندلس وغرب أفريقيا وشقت مصر محطات هذا الطريق وأمدتها بكل الوسائل لراحة الحجاج بما في ذلك إنشاء القلاع لحماية الطريق وتأمينه. ويوضح الدكتور عبد الرحيم ريحان خبير الاثار أن استخدام طريق الحج يتميز بوجود ثلاث مراحل زمنية، الأولي من الفتح الإسلامي حتي أواخر حكم الفاطميين، والثانية من أواخر حكم الفاطميين حتي أوائل حكم المماليك، والثالثة من أوائل حكم المماليك حتي عام 1885م حين تحول للطريق البحري ويشير إلي أن درب الحاج المصري ينقسم إلي أرباع، الربع الأول من صحراء القاهرة المعزية إلي عقبة أيلة، والثاني من عقبة أيلة إلي قلعة الأزلم، والثالث من قلعة الأزلم إلي ينبع، والرابع من ينبع إلي مكةالمكرمة أما الجزء الخاص بطريق الحاج بسيناء فينقسم لثلاث مراحل تتقارب في مسافاتها إلي حد كبير فالأولي من بداية الطريق عند العاصمة وحتي عجرود وطولها 150كم، والثانية من عجرود إلي نخل وطولها 150كم والثالثة من نخل إلي عقبة أيلة وطولها 200كم وكانت تقطع كل مرحلة من هذه المراحل الثلاث في نحو ثلاثة أيام بسير قوافل الحجيج. ويضيف د. ريحان أن درب الحاج المصري لم يكن قاصراً علي خدمة حجاج مصر في ذهابهم وعودتهم وإنما كان يخدم حجاج المغرب العربي والأندلس وحجاج غرب أفريقيا،كما كانت هناك الطرق البحرية عبر موانيء القلزم »السويس» والطور وعيذاب المواجه للأراضي المقدسة الذي كان البديل الآمن عندما هددت الحملات الصليبية درب الحاج المصري منذ آواخر حكم الفاطميين،ويوضح أن الحج كان طوال العصر الإسلامي يمثل قيمة روحية وفكر راق وأيضاً قيمة اقتصادية عظيمة،وتتجلي القيمة الروحية في حرص الخلفاء المسلمين علي تيسير أداء الفريضة وإعمار درب الحج المصري، ويعبر عن الفكر الراقي رحلة قافلة الحجيج التي ينتقل فيها كل المجتمع مجتمع بأكمله يضم الأمراء والجند والأئمة والأدلاء ورجال الإدارة والمؤنة والطبيب والقاضي والمختص برعاية الدواب والشعراء الذين كانوا يترنمون بالأشعار الدينية في جو البادية الممتدة التي تمنحهم الخيال الخصب برؤية الكعبة المشرفة أمامهم طوال الرحلة تنادي علي عمارها فيلبون النداء لبيك اللهم لبيك،وتتمثل القيمة الاقتصادية في أن محطات هذا الطريق كانت بمثابة أسواق تجارية لمنتجات مصر والشام والجزيرة العربية أي كانت سوقاً عربية مشتركة منذ خمسة عشر قرناً من الزمان،وكانت مصر تجهز كسوة الكعبة وكسوة مقام إبراهيم والمحمل الشريف الذي يتضمن كل خيرات الله لأهل الحرمين الشريفين وعن فرحة موكب الحجيج يؤكد د. ريحان أنه منذ عام 675ه في عهد الظاهر بيبرس كان يدور المحمل بالقاهرة دورتين الأولي في رجب لإعلان أن الطريق آمن لمن أراد الحج والثانية في شوال ويبدأ الموكب من باب النصر بقيادة أمير الحج الذي اختاره الخليفة،وكان من أشهرهم الأمير سلار نائب السلطنة وكان أميراً للحاج عام 703ه وعنه خرجت مقولة» يا سلار كفاك الله شر النار»، وكان يرافق القافلة قاضي المحمل ومجموعة أشخاص لهم مهام متعددة،بينهم»أميراخور»، المسئول عن الرفق بالحيوان،وكانت القافلة تغادر مصر علي النظام الآتي : الرسميون ثم الأعيان ثم الحجاج، أما صندوق المال والمؤن والنساء والبضائع الثمينة فقد كانت توضع في وسط القافلة ويتبعها ركب الحجاج العاديين من غير الرسميين والأعيان. كما يشير الباحث محمود عبدربه إلي أن واحة الخارجة بالوادي الجديد،كانت هي الباب الحقيقي إلي بلاد غرب إفريقيا، وكانت طريقا تجاريا مهما لربط السودان ومصر استمر لقرون عديدة،كما لعبت دوراً مهما علي مر العصور، حيث كان الحجاج والمتصوفون القادمون من بلاد المغرب العربي يسلكون درب الاربعين ويتخذون من الخارجة استراحات ومأوي لهم بمنطقة البجوات للتزود بالزاد والزواد،وفيها كتبوا الحجاج ذكرياتهم وسطروا الشعر والنثر علي جدران القبوات من الداخل والخارج ومازالت مدينة البجوات الاثرية بمدينة الخارجة تستقبل زوارها حتي الان، لافتا إلي أن واحة الخارجه ظلت نقطة التقاء قوافل الحجاج القادمين من غرب مصر وجنوبها لقرون عديدة.