علّق الدكتور عباس الشراقي رئيس قسم الموارد الطبيعية بمعهد البحوث والدراسات الإفريقية، على تصريحات وزير الري، التي أدلى بها أمس أمام اجتماع وزراء المياه العرب، بأن الدولة المصرية تتجه لتحلية مياه البحر لسد العجز في احتياجاتها المائية، بأن الاتجاه لتحلية مياه البحر غير واقعي. وأوضح "شراقي" في تصريحات ل"بوابة الأهرام"، أن العجز الحالي في الموارد المائية يبلغ 20 مليار م3، وأن التكلفة الاقتصادية للمياه التي يتم تحليتها مرتفعة جدًا، فضلا عن كون محطات التحلية الحالية لا تساهم إلا بنحو مليار م3 تقريبًا من المياه، وبتكلفة 20 جنيهًا للمتر من المياه المحلاة. وأشار إلى أن استهلاك منازل مصر وحمامات السباحة وملاعب الجولف يبلغ حوالي 8 مليارات م3، أي ما يعادل نسبته 10 - 12% من المياه المصرية، بينما قطاع الزراعة هو المستخدم الأكبر للمياه، بنسبة تصل إلى 85%، مؤكدًا أنه من غير المنطقي زراعة القمح أو الذرة أو الأرز بمياه محلاة، تكلفتها الاقتصادية مرتفعة. وقال "شراقي": إن كيلو واحد من الأرز يحتاج إلى حوالي 5 أمتار مكعبة من مياه النيل، وإذا استخدمت المياه المحلاة في زراعة هذا الكيلو من الأرز ستصل تكلفة إنتاجه إلى 100 جنيه، وينطبق هذا المثال أيضًا على محاصيل أخرى مثل قصب السكر. ونوه بأنه إذا استخدمت هذه المياه المحلاة في زراعة القمح، فإن اقتصادياتها ستكون أيضًا غير مجدية، لأن إنتاج كيلو من القمح يستهلك مترًا واحدًا من المياه، وإذا استخدمت المياه المحلاة ستكون تكلفة الكيلو 20 جنيهًا، في حين أن استيراده يتكلف نحو 4 جنيهات تقريبا. وعن استخدام مياه النيل في الزراعة، وسد المياه المحلاة عجز استخدامات الشرب والمنازل والصناعة، أكد "شراقي" أن تكلفتها غير اقتصادية، ومن الأفضل استخدام مياه النيل للشرب على حساب الزراعة، واستيراد المحاصيل، لأن تكلفتها ستكون أقل. وفي ذات السياق، أوضح "شراقي" أن الاتجاه نحو تحلية مياه البحر، وإنشاء محطات التحلية ضروري للمدن البعيدة عن النيل، مثل مدن البحر الأحمر، كما أن إنشاء محطات التحلية للاستخدامات الصناعية تكلفتها اقتصادية. وأكد رئيس قسم الموارد الطبيعية بمعهد البحوث والدراسات الإفريقية ل" بوابة الأهرام"، أنه لا توجد دولة بالعالم تعتمد على مياه تحلية البحر للزراعة، والعجز الذي يبلغ مقداره حوالي 21.5 مليار م3 هو في مياه الري، وليس مياه الشرب، وتتم الاستعاضة عن هذا العجز في مياه الري، بإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي. وأشار إلى أن نصيب المواطن من المياه الآن يبلغ نحو 600 م3، بينما يبلغ خط الفقر المائي 1000 م3، بما يعني وجود عجز في نصيب الفرد في مصر للوصول إلى حد الفقر المائي مقداره 400 م3 سنويا، يتم تعويض نصفها من إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، التي تتم معالجتها حاليا، والنصف الآخر البالغ 200 م3 يتم استيرادها في صورة محاصيل. وحول إمكان سد عجز المياه من الخزان الجوفي الرملي النوبي، أكد رئيس قسم الموارد الطبيعية، أن الخزان الجوفي النوبي به كمية ضخمة من المياه، ولكن الرقم الحقيقي عن كميتها غير معروف، لافتًا أن استخدامه يجب أن يقتصر على مناطق الواحات، وأن يتم ذلك في ضوء دراسات تفصيلية، حتى لا يتم سحب المياه الجوفية بصفة عامة، بشكل عشوائي. وأوضح "شراقي" في تصريحاته ل"بوابة الأهرام"، بأن مياه الخزان الجوفي النوبي يستخدمه المصريون في زراعة 250 ألف فدان منذ أيام الفراعنة، في الواحات البحرية والداخلة والفرافرة وسيوة، إلا أنه بدأ يتأثر بسبب الاستخدام العشوائي، وأدى ذلك إلى نقص منسوب الخزان، وانخفاض الضغط به، لدرجة لا تسمح بوصول المياه للسطح، لافتًا إلى أن ذلك اضطر وزارة الري إلى تركيب ماكينات للرفع، وهذا يستلزم طاقة لرفع المياه، مما يعني ارتفاع تكلفة وحدة المياه. وقال إن 80% من أراضي مشروع المليون ونصف المليون فدان، يعتمد على المياه الجوفية العميقة غير المتجددة بالواحات، لافتا إلى أن المشروع يحتاج إلى 6 مليارات م3 من المياه، وللزراعة على مياه الخزان الجوفي، يجب أن تتم حسابات كميات المياه التي تخرج من الآبار يوميا، وحساب المسافة بين الآبار، حتى لا تتملح المياه، مشيرًا إلى أن قانون وزارة الري الجديد، يؤكد ويحدد السحب الآمن من المياه الجوفية. ويؤكد أن الخزان النوبي لا يمكنه تعويض العجز في المياه إطلاقًا، والمحافظة عليه واجبة للمواطنين الذين يعيشون هناك، على أن يتم استخدامه لري الزراعات الخفيفة. ولفت إلى سحب مليار م3 من الخزان النوبي حاليًا لري 250 ألف فدان في الصحراء الغربية، ومؤكدًا إمكانية سحب مليار م3 أخرى لزراعة ربع مليون فدان أخرى على الأكثر، على أن يتم السحب لعدد ساعات معينة، وبكمية محددة، نظرًا لأن المخزون الجوفي يحاول تنظيم نفسه من جديد، مع السحب الآمن، أما مع السحب العشوائي، لا يستطيع المخزون إعادة تنظيم نفسه، أو العودة للمنسوب الذي كان موجودًا عليه. وفي سياق ذات صلة، حول سد النهضة، أوضح "شراقي"، أن موسم الأمطار على الهضبة الإثيوبية قد بدأ خلال هذه الأيام، مشيرًا إلى أن صور الأقمار الصناعية لا يمكن من خلالها التمييز حاليًا بوجود تخزين في بحيرة السد من عدمه. ولفت إلى أنه مع بدأ موسم الأمطار يتسع عرض النهر، وقد يصل إلى كيلو متر في بعض الأماكن، قائلًا إن عملية التخزين ستوضحها - إن تمت- صورًا جديدة للأقمار الصناعية خلال أسبوع، مؤكدًا أن الصور الأخيرة التي تم التقاطها منذ 10 أيام لم تظهر أي تخزين. وحول ما تردد عن عطل بتوربينات السد، أكد "شراقي" ل" بوابة الأهرام" أن ذلك ليس حقيقيًا، معللًا ذلك أن أطراف السد هي التي تم اكتمال بناؤها، ولا يوجد بها توربينات، والتوربينين اللذان تم تركيبهما على مستوى منخفض، يستطيعون فقط تشغيلهما إذا تراوح ارتفاع المياه أمام السد بين 20 - 30 مترًا، وهو ما لم يحدث حتى الآن. وفي سياق متصل، أوضح "شراقي" أن الارتفاع في معظم أجزاء السد وصل إلى 100 متر، ويتبقى 45 مترًا للوصول إلى ارتفاع التصميم النهائي للسد، والجزء الأوسط منه لم يكتمل. وفي رسالة طمأنة، قال رئيس قسم الموارد الطبيعية، إن حجز إثيوبيا الماء للتخزين لا يعني عدم وصول المياه إلى مصر، ولكن القادم إلى مصر سينخفض، ومشيرًا إلى أنه بعد اكتمال السد، وتخزينه 74 مليار م3 من المياه، ستبلغ خسارة مصر 24 مليار م3 التي تعد كمية (التخزين الميت) اللازمة لتشغيل توربينات السد، وال 50 مليار م3 المتبقية يجب تمرريها حتى تتمكن إثيوبيا من استقبال الفيضان الجديد، لأنها لو لم تفعل ستغرق، وسيهدد ذلك أمان السد. وعن الإجراءات التي يجب على الحكومة اتباعها لمواجهة نقص المياه في حالة بدأ إثيوبيا التخزين أمام سد النهضة، شدد على ضرورة السحب الآمن من الخزان الجوفي النوبي، وإعادة النظر في تطبيق الدورة الزراعية، وتخفيض مساحات الأرز والقصب، والمحاصيل الشرهة للمياه، مع تغليظ العقوبة على المخالفين، مشيرا إلى أن المحافظة على المساحة المقررة فقط من الأرز توفر نحو 3- 4 مليارات م3 من المياه. وأوصى كذلك بزيادة كفاءة الري، لأنها تضيع في الضخ والتسرب، مع الاهتمام بزراعة محاصيل استخداماتها المائية أقل، والتوسع في معالجة مياه الصرف الزراعي، لأنه لا يمكن تركها تلوث مياه النيل بهذا الشكل، بالإضافة إلى المحافظة على نوعية المياه. وعن زيادة موارد المياه، بجانب إجراءات الترشيد والتحلية ورفع الكفاءة، أوضح رئيس قسم الموارد الطبيعية، أنه لا يوجد سوى سبيل واحد لزيادة موارد المياه في النيل، وهو بالتعاون مع دولة جنوب السودان، التي تتبخر منها المياه نتيجة عدم وجود قنوات تمر بها. ولفت "شراقي" ل"بوابة الأهرام"، إلى أن التعاون مع جنوب السودان، يمكن أن يوفر كمية من المياه تصل إلى نحو 20 مليار م3، مشيرًا إلى وجود مشروعات مدروسة منذ أكثر من 70 عامًا، وجدواها الاقتصادية مرتفعة. وألمح إلى ضرورة وجود مصلحة لجنوب السودان في تنفيذ هذه المشروعات لقبول تنفيذها على أراضيها، بما يستوجب إعلاء قيمة تبادل المصالح معها، وتحقيق الاستقرار على أراضيها، منوهًا بأن تنفيذ هذه المشروعات سيضع عبئًا ماليًا على مصر بسبب ارتفاع التكلفة، وللتغلب على العقبات التي ستواجه تنفيذ المشروعات. وأكد أن إحياء مشروعات استقطاب الفواقد في جنوب السودان مثل قناة جونجلي، ومشروع بحر الغزال، هي مشروعات تحقق زيادة مائية حقيقية، لا يمكن تحقيقها في إثيوبيا أو أوغندا. وطالب "شراقي" القيادة السياسية، بضرورة التوصل إلى اتفاق مع إثيوبيا، للتوافق على أي مشروع ستقوم بإنشائه إثيوبيا على النيل، ويجب على الدولة المصرية كذلك استخدام قوتها الدولية، وقوتها مع حلفائها للضغط على إثيوبيا للرضوخ للمطالب المصرية، وعدم الإضرار بمصالحها المائية.