سد النهضة اصبح حقيقة يستوجب التعامل معها بواقعية واساليب علمية سليمة علي الرغم من ان المفاوض المصري يواصل جهوده للحفاظ علي حقوق مصر التاريخية في مياه نهر النيل الا ان ملء خزان سد النهضة الإثيوبي سوف يؤثر سلبا علي كمية المياه المتدفقة الي مصر والسودان طوال سنوات الملء، ممايتطلب معه وضع خطة طوارئ لمواجهة المشكلة خاصة ان مصر تعد من دول الفقر المائي . الاخبار ناقشت الخبراء للتوصل الي رؤية تمثل الخبراء ضرورة السير في الاتجاهين، التفاوض والبحث عن بدائل،جنبا إلي جنب، مشيرين إلي أن الانشغال في الدفاع عن الحقوق، لا يجب أن ينسينا العمل علي توفير البدائل، ومنها تطوير أساليب الري والاستفادة من مياه البحر ومعالجة مياه الصرف الصحي. وتشجيع الابتكارات الجديدة . اكد د. مغاوري شحاته الخبير الدولي ومستشار الرئيس لشئون المياه الجوفية، ان عملية التفاوض علي سنوات الملئ الأول لخزان سد النهضة وسنوات التشغيل ستكون طبقا لتقارير المكاتب الاستشارية الفرنسية التي سيتم التعاقد معها، والتي ستقوم بدورها بدراسة الآثار المتوقعة علي مصر والسودان ويستطرد هناك خطورة من تشغيل سد النهضة في سنواته الأولي خاصة علي مصر، في حين ان الخطورة أقل بالنسبة للسودان وتتفاوض مصر علي أن تكون فترة الملء الأولي لخزان السد طويلة، بينما تسعي اثيوبيا لتكون أقل فترة،بدعوي سرعة انتاج الطاقة وبدء مشوار التنمية واضاف : هناك اجتهادات تشير الي أن حصة مصر من مياه النيل ستتأثر خلال عمليات الملء بنسبة تقدر ب12 مليار مترمكعب وفي الوقت نفسه تنفي اثيوبيا ذلك وتؤكد عدم تأثر حصة مصر من المياة وبالتالي يزداد العجز. وأشار أن نقص المياه سيؤثر علي مستوي المياه في مجري النيل ويترتب عليها ظواهر بيئية، منها تأثر محطات مياه الشرب الممتدة علي امتداد النهر في كل المحافظات،كذلك تأثر معدلات الري . وأوضح د. مغاوري ان كل هذه العوامل والتأثيرات متوقعة ومدروسة، وانتظار تقرير المكاتب الاستشارية يؤكد الأرقام الفعلية لحجم الخطر وما إن كان هناك ضرر يقع أم لا وطرح الحلول . سياسة جديدة وقال ان هناك دولا كثيرة جدا فيها عجز في موارد المياه العذبة، لذلك لا بد من تعظيم طرق الري واخضاع كل ما يتعلق بها من رياحات وترع ومصارف الي صيانة مستمرة، حتي لا يكون هناك هدر للمياه ، وهذه مسئولة متضامنة تحتاج الي سياسة زراعية جديدة وسياسة مائية جديدة، فوزارة الري لابد ان يكون لديها منشآت وصرف علي درجة عالية من الكفاءة لانها مهملة منذ سنوات طويلة. وأضاف ان وزارة الزراعة تستهلك حوالي 85% من موارد المياه إلا ان العائد منها لا يتعدي 12 % بالنسبة للدخل القومي،وكذلك مسألة مياه الشرب فسياساتها تحتاج الي مراجعة حيث ان هناك حوالي 35% فاقد في شبكات المياه، مع التوسع الضخم في المدن الجديدة والتجمعات السكنية . وفيما يتعلق بالمياه الجوفية، قال د. مغاوري ان المخزون الجوفي أسفل الدلتا يتراوح مابين 2 الي 3 مليارات مترمكعب سنويا، ويمكن استخدامها في المناطق التي لا تصل اليها مياه النيل وبها مشاكل ري ونهايات الترع والمصارف. وأوضح أن خزان المياه أسفل الدلتا مختلف عن الخزان الجوفي بالصحراء الغربية، حيث ان المياة الجوفية بالصحراء الغربية غير متجددة ، واكد ان التعامل مع المياه الجوفية لابد ان يخضع لتقييم ودراسات علمية مستمرة حولها وقياس معدلات السحب حتي لا نفاجأ بتجاوز المعدل المطلوب أوحدوث جور علي الخزان الجوفي كما حدث بمدينة الخارجة أومنطقة الوادي الفارغ أوالبستان حيث اصبحت المياه مالحة. التخزين الشهر القادم وفي السياق ذاته قال د. نادر نور الدين الاستاذ بكلية الزراعة والخبير المائي أن بداية الشهر القادم ستبدأ اثيوبيا في تخزين أول14 مليار مترمكعب، لكي يبدأوا المرحلة الأولي في تشغيل أول توربينين مع الفيضان القادم، لكن من الخطر أن يتم في موسم الجفاف، حيث أنه من المفترض ان ينتظروا الفيضان الغزير لبدء الملء، فالعام الحالي هوالتاسع من السنوات العجاف. ويشير نور الدين إلي طريقين للمواجهة، أحدهما خارجيا، وفي هذا الإطار يقول: « ينبغي خلال التفاوض مع اثيوبيا الحصول علي اعتراف منها بأن حصة مصر بعد بناء السد ستبقي عند معدلاتها الحالية وهي 50 مليار مترمكعب لمصر سنويا، عن طريق توقيع اتفاقية جديدة بين الطرفين. موارد بديلة أما الطريق الآخر، فيتعلق بالشأن الداخلي، ويشير د. نور الدين إلي ان مصر لديها عدد من الاستراتيجيات في ايجاد موارد مياه بديلة وتحسين نوعية المياه، وتأتي علي رأسها معالجة مياة الصرف الزراعي والصحي والصناعي وتقدر باجمالي 17 مليار متر مكعب سنويا، حيث يعاد استخدام نحو10 مليار مترمكعب من مياه الصرف الزراعي، ولكن بما تحملة من مبيدات ومتبقيات الأسمدة، كذلك الصرف الصحي ويتراوح ما بين 5 الي 7مليارات، وللأسف يصرف في نهر النيل نفسه، فيما تقدر نسبة مياه الصرف الصناعي بمليار مترمكعب ويمكن معالجتها داخل المصانع واسخدامها كما تفعل المانيا حيث تستخدم مياة الصرف الصناعي لتسع مرات تقريبا . خطة تطوير ويستطرد د. نادر قائلا ان القطاع المستهلك الاكبر للمياة هوقطاع الزراعة، ويستهلك مايقرب من 85% من الموارد المائية في مصر، لذلك يشير إلي ضرورة وجود خطط ترشيد وتطوير ورفع كفاءة الري، فعلي سبيل المثال لدينا فاقد في شبكات الري من ترع ومصارف وقنوات بامتداد 50 ألف كيلومتر تقريبا علي مستوي الجمهورية، فهي ترع مفتوحة ويحدث بها بخر وتسرب عميق وتفقد حوالي 25% من المياه، ثم نفقد مرة اخري نبسة تتراوح بين 10 الي 15 % من المياه داخل الحقول. وقال ان خطة تطوير شبكات الري لمنع حدوث أي فاقد وتتضمن تحويل القنوات الصغيرة الي مواسير، وتبطين جوانب الترع الكبيرة وقيعانها ورفع كفاءة الري داخل الحقول، مشيرا إلي أن نسبة الفاقد من قطاع الزراعة يتراوح بين 12 الي 15 مليار مترمكعب سنويا، وهذه النسبة تكفي لزراعة 3 مليون فدان في العام الواحد . وأضاف ان هناك مناطق في مصر لا غني لها عن الري بالغمر، كمنطقة الدلتا، حيث ان البحر المتوسط يهدد هذه المنطقة بتمليح التربة بها، فزراعة الأزر والري بالغمر هي المصدر الوحيد لغسيل الأملاح بهذه المنطقة، وقال ان منطقة الدلتا تحتوي علي حوالي 4 و5 مليون فدان وبها 55% من سكن مصر، وتنتج حوالي 65 % من انتاجنا الغذائي، وبالتالي لابد من الحفاظ عليها. وأوضح ان رحلة المياة من السد العالي الي منطقة الدلتا حوالي 17 يوما وتتراح نسبة المياه المهدرة خلال هذه الرحلة من 15 الي 17 مليار مترمكعب سنويا عن طريق التبخر . وحذر د. نورالدين من تأثر مصر من نقص حصتها من المياه ، بدءا من شهر أكتوبر القادم والسنوات القادمة، بعد ان تنتهي إثيوبيا من بناء السد وتخزين أول 14 مليار مترمكعب خلال فترة الفيضان القادم، وبالتالي اصبحت حصة مصر مجهولة حتي الآن بعد اكتمال السد وبدء اثيوبيا عمليات التخزين .ولذلك يجب ان يكون هناك حملة توعية وايقاظ للرأي العام المصري باهمية ترشيد استخدامات المياه . الصورة الكاملة البحوث العلمية تشير إلي امكانية استغلال مايقرب من 5 مليارات متر مكعب من مخزون المياه الجوفية سنويا ولمدة مائة عام، هكذا بدأ د. محمد نصر علام وزير الري الأسبق حديثة . وقال أن الصورة الكاملة لمصر فيما يتعلق بالوضع المائي، هي أن لدينا أمطار ومياه جوفية محدودة للغاية فضلا عن نهر النيل الذي يساهم ب55، 5 مليار مترمكعب سنويا من احتياجاتنا المائية. وفي وقت كان فيه عدد السكان لم يتجاوز ال90 مليونا، كان نصيب الفرد الواحد 620 متر مكعب من المياة في السنة، وهذا أقل بكثير من حد الفقر المائي، حيث يطلق مصطلح الفقر المائي في حالة كان نصيب الفرد ألف مترمكعب. وأشار إلي أن التعداد السكاني في مصر يزيد بمعدل مليونين في العام وهذا يتطلب توفير مياه شرب وزراعة وصناعة، في الوقت الذي تعاني فيه مصر من فجوة غذائية ( وهي الفجوة مابين نشتريه وننتجة) بما يعادل 8 مليارات دولار ( أي 90 مليار جنية سنويا) وهي فاتورة استيراد ثابتة سنويا . وقال د.علام أن حصة مصر سوف تتأثر من المياه خلال سنوات ملء التخزين خلف سد النهضة،ولذلك علينا أن نتعامل مع هذا الوضع بعدة أسس، الأول هواعتراف مصر بأنها تعاني من أزمة مائية ومواجهة الحقيقة حتي يستجيب الشعب لقرارات الحكومة. وأكد انه يجب علي مصر إعادة التفكير بالنسبة للمخزون المائي والاستراتيجي لتوفير المليارات في انشاء محطات التحلية، وقال ان الامر في حاجة الي اعادة تفكير في منظومة استخدامات المياه علي مستوي مصر بالكامل في ظل التحديات الخارجية. تشريع جديد وقد اكد العميد محيي الصيرفي المستشار الإعلامي للشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي أن الشركة تنتج مايقرب من 24، 5% مليون مترمكعب في اليوم علي مستوي الجمهورية، وهي من موارد مائية مختلفة حيث أن 85% منها مصدرها مياه النيل و14% من مياه الاَبار و1% مياه تحلية مياه بحر وتتراوح نسبة الإهدار مابين 30 إلي 35%. وحول وجود آلية لضبط عملية استهلاك المياه، قال المستشار الإعلامي أن هناك قانون مياه جديد، ومن المنتظر عرضه علي مجلس النواب في الفترة القادمة لإقراره، فللأسف لدينا ممارسات خاطئة تؤدي الي اهدار كميات هائلة من المياة الصالحة للشرب، لذلك هناك ضرورة ملحة لتوعية المواطنين بضرورة ترشيد المياه. وان هذا التشريع سيغلظ عقوبات اهدار مياه الشرب. ابتكارات مصرية الاستعداد لمواجهة تداعيات سد النهضة، أحيا أفكار قديمة، بات الاهتمام بها - حاليا - فرض عين علي مسئولي الدولة، كما أنتج أفكارا جديدة، تهدف إلي توفير تكنولوجيات محلية لمعالجة مياه البحر والصرف الصحي والاستفادة من مياه الآبار. فقد حصل المهندس هديب خليفة، علي براءة الاختراع في فبراير 1995، عن ابتكارة لماكينة ري جديدة توفر ما قيمته 24 مليار متر مكعب من المياه. ولم تحظي ماكينة المهندس هديب بفرصة في التطبيق، رغم أن تجارب عملية أجريت عليها تحت إشراف وزارة الزراعة أثبتت جدواها. والماكينة كما تظهر الفيديوهات التي شاهدتها «الأخبار»، هي عبارة عن مقطورة صغيرة مثبت عليها مضخة مياه ارتوازية، يتم إدارتها بمحرك ديزل أوبنزين مثبت عليها، وتصل فتحة السحب للمضخة بأنبوب مرن لسحب المياه، وتتصل فتحة الطرد من خلال مواسير ومحبس بمدفع الري بالرش. ويقول المهندس هديب: « يمكن لهذه الماكينة سحب المياه من قنوات الري العادية الموجودة في الأراضي، ومن الآبار الجوفيه السطحية بالأراضي الطينية، بما يساهم في توفير نحو 24 مليار متر مكعب من المياه سنويا في حالة استخدام قنوات الري الحالية أوتوفير كل مياه النيل المستخدمه في الري، أي نحوحوالي 48 مليار متر مكعب سنويا، في حال استخدام الآبار السطحية كمصدر للمياه، بدلا من مياه النيل والترع». وتؤدي هذه الماكينة وظيفتها في الري، وفق آليه بسيطة يشرحها المهندس هديب، حيث يتم وضعها بموازاة قناة الري، ويتم إنزال الأنبوب المرن في قناة الري وإدارة المحرك الذي يدير المضخة، فتقوم بسحب المياه من القناة وتدفعها تحت ضغط عال في مدفع الري بالرش، الذي يدفع رزاز المياه عاليا وبعيدا ليروي مساحة من 30 إلي 50 متر في كافة الاتجاهات خلال دورانه الذاتي المستمر. وبعد الانتهاء من ري هذه المنطقة يتم تحريك المقطورة إلي موقع آخر بموازه قناة الري « تبعد عن المنطقة السابقة حوالي من 50 إلي 70 مترا»، ويتم ري المنطقة التالية وهكذا، حتي يتم ري المزرعة بأكملها. وتبلغ تكلفة تصنيع الماكينة 3 آلاف جنيه، بينما الفدان الواحد يتكلف انشاء نظام لريه بالتنقيط حوالي 10 آلاف جنيه، أي أننا نحتاج إلي ما يقرب من 60 مليار جنيه لتعميم هذا النظام. وبالإضافة لعنصر التكلفة، يؤكد المهندس هديب، علي أن الماكينة يمكن استخدامها بسهولة ولا تحتاج إلي مجهود كبير لتدريب الفلاح علي استخدامها، بينما نظام الري بالتنقيط معقد وبه محركات وفلاتر ومحابس وخطوط فرعية ورئيسية، وهي أشياء لن يستطيع الفلاح المصري التعامل معها بسهولة. في مارس الماضي حظي المهندس هديب بفرصة اختبار الماكينة في حديقة وزارة الزراعة المصرية، ولم يحدث أي جديد. ورد النيل يتميز ورد النيل بأنه شره في امتصاصه للمياه، إذ تستهلك الوردة الواحدة ثلاثة لترات يوميا من المياه، كما أنه يحجب ضوء الشمس عن الأحياء المائية، مؤثرًا بذلك علي تكاثرها، وبينما تنفق مصر سنويًّا ما قيمته 400 مليون جنيه، لرفعه من المجاري المائية، وتمكن فريق بحثي من المركز القومي للبحوث في استخدامه لتنقية مياه الصرف الصناعي. ويسعي الفريق البحثي بهذا الابتكار، الذي نالوا عنه براءة اختراع في ديسمبر 2015، إلي الاستفادة من هذا المصدر الهام. وتقوم فكرة الابتكار، كما يشرحها مدحت إبراهيم، الباحث في قسم الطيف بشعبة البحوث الفيزيقية في المركز القومي للبحوث، علي تجفيف نبات ورد النيل وتحويله إلي مسحوق، ثم خلطه بمادة كيتوزان، وهي مادة بوليمرية لها خاصية امتصاص المخلفات غير العضوية، ويتم جمع المادتين معًا في منتج جديد علي هيئة كريات متناهية الصغر، حجمها يتراوح بين 700 إلي 900 ميكرومتر. ويقول الباحث أن هذا المنتج يمكن استخدامه بنفس الكفاءة أربع مرات، من خلال وضعه في محلول قلوي يزيل العناصر الكيميائية، كما يمكن إعادة استخدام تلك العناصر مرة أخري كمنتج ثانوي. ويجري الفريق البحثي جهودا لتطوير المنتج، باستخدام مادة ألجينات الصوديوم، المستخلصة من الطحالب البنية، كبديل لمادة الكيتوزان.