قضت المحكمة الإدارية العليا الدائرة الأولى برئاسة المستشار أحمد الشاذلى، وعضوية المستشارين الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، ومبروك حجاج، بإجماع الآراء برفض الطعن المقام من وزارة الداخلية ضد مدير المجلس العربى لدعم المحاكمة العادلة وحقوق الإنسان، وبإلغاء قرار "الداخلية" السلبى بالامتناع عن إجراء مكالمة مجانية للمحجوزين بأقسام الشرطة، بمحاميهم وذويهم، وألزمت الوزارة بالمصروفات . وأكدت المحكمة، على عدة مبادئ مستجدة فى الحق للمحتجزين فى الاتصال بذويهم ومحاميهم، أولها أنه من حق المحتجزين بأقسام الشرطة إجراء مكالمة مجانية بمحاميهم وذويهم دستوريا وقانونيا وإنسانيا. ثانيًا: أن الحق فى الاتصال حق دولى ويجب إجراء التعديلات على التشريعات الوطنية لتتوافق مع اتفاقيات حقوق الانسان. وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن "الدستور قد أعلى من قدر الحرية الشخصية لكل مواطن، وجعلها من الحقوق الطبيعية التى لا يجوز المساس بها إلا فى أضيق الحدود، حيث لم يجز القبض على أى شخص ولا تفتيشه ولا حبسه ولا منعه من التنقل ولا تقييد حريته بأى قيد إلا فى حالة التلبس بارتكاب جريمة، أو بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق فى إحدى الجرائم". وأضافت الحيثيات: "حتى فى هاتين الحالتين كفل الدستور لمن تقيد حريته العديد من الضمانات التي تحفظ له كرامته، ومنها عدم جواز التحقيق معه إلا فى حضور محاميه فإذا لم يكن له محام فإن هناك التزام دستوري على الدولة بأن تندب له محاميا للحضور معه، وهو ما أكد عليه كذلك قانون الإجراءات الجنائية، حيث أتاح الفرصة لكل من يقبض عليه أو يحبس احتياطيا بأن يتصل بمن يري إبلاغه بما حل به ووقع عليه ، والاستعانة بمحام للدفاع عنه، وأتاح له فى جميع الأحوال، وأيا كانت ظروف التحقيق، الاتصال بمحاميه دون حضور أحد". وأكدت أن "المشرع لم يشترط أن يتم هذا الاتصال بوسيلة معينة أو محددة، وإنما أجاز أن يتم ذلك بصفة عامة بكافة وسائل الاتصال المتاحة دون أن يقصرها على وسيلة دون غيرها، وإذا كان الدستور والقانون قد كفلا هذا الحق المتفرع عن الحق فى الدفاع ، الذي يعد من الحقوق والحريات العامة، فضلا عن أن لذوى كل من يقبض عليه أو يعتقل دون علمهم الحق فى معرفة مكان من يقبض عليه أو يعتقل من أبنائهم حتى يطمئن بالهم عليهم ولا يتركوا فى جهالة من أمر أبنائهم ، حتى يمكنهم متابعة أمورهم وتوفير المحامين الذين يباشرون الحضور عن المعتقلين أو المقبوض عليهم أمام جهات الشرطة وأمام النيابة العامة". وأوضحت الحيثيات أنه "لاريب أن وسيلة الاتصال التليفونى غدت في العصر الراهن هى أيسر وأسهل وسائل الاتصال ويتعين تيسيرهما وتمكين المعتقلين أو المقبوض عليهم من هذه الوسيلة، ومما لا شك فيه أن وضع هذا الحق موضع التنفيذ يستلزم تدخل الجهات التي يتم احتجاز المواطن بها، ومنها وزارة الداخلية ، باستصدار قرار تمكن بمقضاه المحتجزين لديها من الاتصال هاتفيا بذويهم أو أحد محاميهم فور احتجازهم على نحو يغدو معه امتناعها عن إصدار هذا القرار مخالفا للقانون". وذكرت المحكمة أن "ثمة رابطة قوية لا تنفصم بين حقوق الإنسان والأمن، حيث إن احترام سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان يعدّان توأمين في سبيل مكافحة الجريمة ومواجهة الخارجين عن أحكامه لتوفير الأمن والاستقرار، وأنه بالنظر لما استقر المجتمع الدولى على أن الحق فى الاتصال إثر الاعتقال أو الاحتجاز من ضمانات الحق فى الدفاع الفعال فيحق لكل شخص متهم أن يتصل بحرية وعلى انفراد بمحاميه وذويه لإخبارهم بما وقع فيه على نحو يجعل الامتناع عن تمكينه من ذلك الاتصال يجافى ويتصادم مع نصوص ومبادئ دستورية راسخة". وانتهت المحكمة إلى أنه إعمالا لكل ما تقدم، ومتى كان الثابت بالأوراق أن المطعون ضده بصفته مدير المجلس العربى لدعم المحاكمة العادلة وحقوق الإنسان تقدم بطلب إلى الجهة الإدارية بضرورة تقديم مكالمة هاتفية مجانية للمحتجزين فى كافة أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز والاعتقال فور إلقاء القبض عليهم باعتبارها إحدي وسائل الاتصال التي كفلها الدستور والقانون لهم فى هذه الحالة، إلا أنه لم يتلق ردا على ذلك ، فمن ثم يكون امتناع الجهة الإدارية عن إصدار قرار بتمكين المقبوض عليهم والمعتقلين من الاتصال هاتفيا بذويهم أو أحد محاميهم قد صدر مخالفا لأحكام الدستور والقانون ويكون القرار المطعون فيه مخالفا لحكم القانون . اختتمت المحكمة أنه لايتبدل القول لديها بأن ما نصت عليه المادة 38 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 106 لسنة 2015 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 396 لسنة 1956 بشأن تنظيم السجون من أنه بمراعاة أحكام قانون الإجراءات الجنائية يكون لكل محكوم عليه الحق فى التراسل والاتصال التليفونى بمقابل مادى تحت رقابة وإشراف إدارة السجن، ذلك أن هذا النص إنما ينصرف الخطاب فيه إلى المحكوم عليهم الذين استقرت أوضاعهم بأحكام قضائية وليس المحتجزين الذين لم يصدر بشأنهم أحكام بعد وهم عرضة لقيام الشرطة بمصادرة كل ما يكون تحت حوزتهم من أدوات الاتصال، وهم فى الأصل أبرياء حتى تثبت إدانتهم، ومن ثم وجب إجراء المكالمة الهاتفية مجانا لهم بحكم ظروف الاحتجاز، وأضحى حق المحتجز في الاتصال بمن يحدِّده من الحقوق الدستورية العالمية فيحق للمشتبه فيه أو المشكو منه، فور احتجازه لضرورات التحقيق، الاتصال بأحد أفراد عائلته أو بمحام يختاره أو بأحد معارفه.