حقيقة الأمر أن كل ما يحدث في منطقة الخليج حاليًا نتيجة الأزمة بين قطر من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى، لا يمكن فصله عن المشهد المعقد بالمنطقة العربية بكل تفاصيله بداية من الأزمة في سوريا مرورا بليبيا واليمن وفلسطين، وحتى وصولا إلى الخلاف الإيراني الأمريكي بشأن البرنامج النووي، لاسيما أن ثمة عاملا مشتركًا أو عنصرا نشيطا يمكن اعتباره سببًا جوهريًا في ما وصلت إليه المنطقة العربية الآن من تفكك وفوضى، وهو تيارات الإسلام السياسي التي استطاعت بمباركة أمريكية أن تكون هي الحصان الأسود لما عرف ب"ثورات الربيع العربي". على أية حال فإن الساعات القليلة الماضية شهدت عدة متغيرات فيما يخص الأزمة الخليجية- الخليجية، قلصت من حجم التوقعات بشأن السيناريوهات المحتملة والتي وصلت في تحليلات المراقبين إلى حد نشوب حرب عسكرية في ما يمكن اعتباره نسخة مكررة لعاصفة الحزم التي تقودها الرياض في اليمن. صحيح أن أهم المتغيرات هو دخول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على خط الأزمة خلال اتصالين هاتفيين مع كل من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، على أساس أن واشنطن تملك مفاتيح الحل والعقد بالمنطقة، إلا أن التحرك الفعلي والسريع من إيرانوتركيا وإرسالهما قوات عسكرية إلى الدوحة يمثل أحد أهم المنعطفات في تلك القضية، ويمكن النظر إليه على أنه كان سببا في تحول قواعد اللعبة، حيث أصبحت الأزمة إقليمية وليست خليجية، وهنا يمكن استدعاء فكرة "الناتو العربي" التي طرحتها واشنطن في القمة العربية الإسلامية الأمريكية الأخيرة بالرياض لمواجهة وتطويق إيران، ثم الحديث عن محور مضاد يمثله "أنقرةوالدوحةوطهران". السؤال الذي يطرح نفسه الآن .. هل فشلت الجهود العربية في احتوء الأزمة أو إقناع قطر بضرورة تقديم تنازلات من خلال الموافقة على شروط "المحور السعودي الإماراتي"؟ رئيس وحدة الدراسات الإيرانية د.محمد عباس ناجي يرى أنه لاتزال هناك فرصة لنجاح الجهود العربية في احتواء الأزمة، وأن الموضوع سيبقى في إطاره الخليجي حتى الآن، ولكن "ناجي" لمح إلى احتمال تعقد الأمور واستفحالها، وهنا يمكن الحديث عن وساطات إقليمية ودولية. وكان أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح قد زار قطر والسعودية في اليومين الماضيين لمناقشة تطورات الأزمة، وإطلاع الرياض على نتيجة اللقاء مع الأمير تميم بن حمد، وكيف تعاملت قطر مع ما قيل إنها شروط سعودية وإماراتية لفك الحصار عنها بعد قطع العلاقات معها. وحسب وزير الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، فإن شروط المحور السعودي الإماراتي المصري تتمثل في تقليم أظافر التيارات المتطرفة من خلال قطع الدعم المادي والمعنوي، بالإضافة إلى ضرورة الالتزام ببيان القمة الخليجية الأمريكية وأهمها الدخول ضمن منظومة تأديب إيران، وقطع الطريق عليها في أحلامها التوسعية بالمنطقة. ويبدو أن مطالب المحور السعودي الإماراتي المصري ليست سهلة، ولا يمكن على قطر الاستجابة لها بسهولة، كما أن مباركة الدوحة لقوات تركية وإيرانية بالدخول إلى أراضيها، يعطى انطباعًا أن الدوحة اختارت التصعيد، كما أن موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب والذي فهم على أنه تراجع، يعطي هو الآخر انطباعا بأن الدوحة استطاعت استمالة واشنطن إلى صفها، خصوصا أن الرجل الأمريكي معروف عنه أنه رجل استثماري، ويدير الأمور بمنطق المصلحة. وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قال في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي تويتر: "من الجيد جدا أن زيارتي للمملكة للقاء الملك السعودي وقادة 50 دولة بدأت تؤتي ثمارها…فقد أكدوا أنهم سيتخذون موقفا متشددا من تمويل الإرهاب". وهو الكلام الذي فهم على أنه انحياز لمحور مقاطعة الدوحة، وجاءت تصريحاته الأخيرة بشأن استعداده للوساطة بين الدول الخليجية، لتطرح استفهاما حول موقف الإدارة الأمريكية من الأزمة، وكيف يمكن احتسابها على أي من الطرفين؟. موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعكس بعدًا آخر من الأزمة، وهو الخلاف في وجهة النظر داخل مؤسسة القرار الأمريكي بشأن التعامل مع الأزمة الخليجية، فمعروف أن القرار الأمريكي موزع بين أكثر من كيان أو مؤسسة، فالبنتاجون أو وزارة الدفاع الأمريكية لها رأي في هذا الموضوع خصوصًا أن الأمر يتعلق بإحدى القواعد العسكرية الأمريكية الموجودة في قطر وهي قاعدة العديد، وكانت هناك تصريحات لوزير الدفاع الأمريكي في هذا الصدد، حين قال إن واشنطن ممتنة للتعاون القطري مع القوات الأمريكية بالمنطقة، وأن واشنطن لاتفكر في نقل قاعدة العديد من قطر، وهناك أيضا مؤسسة الرئاسة والبيت الأبيض والكونجرس الأمريكي بالإضافة إلى وكالة الاستخبارات، وهناك مواقف كثيرة عكست عدم انسجام تلك المؤسسات أو التوافق حول قرار واحد، وجاءت تصريحات ترمب الأخيرة لتؤكد أن مؤسسة الرئاسة ليست وحدها المتحكمة في القرار الأمريكي، ويمكن قراءة موقف ترمب من الأزمة الخليجية في هذا السياق. "مهدي عفيفي" عضو الحزب الديمقراطي الأمريكي سابقًا أكد ل"بوابة الأهرام" فكرة أن القرار الأمريكي ليس حكرا على مؤسسة الرئاسة فقط، وأن تغريدات الرئيس الأمريكي على تويتر لا تعكس بأي حال من الأحوال السياسة الأمريكية، مشيرا إلى أن الرئيس الأمريكي في خطابه هو يركز على الداخل وليس الخارج، لافتًا إلى خطابه الأخير الذي تعمد فيه التركيز على نتائج زياراته لمنطقة الخليج التي عاد منها بمليارات الدولارات ما يعني تأثيرا إيجابيا على الأوضاع الاقتصادية في بلاده. "عفيفي" توقف عند دلالة التعاون التركي الإيراني في الأزمة الخليجية، والذي ظهر في إرسال قوات تركية وإيرانية إلى الدوحة، مستغربًا من هذا التصرف رغم تناقض المصالح بين طهرانوأنقرة في كثير من الملفات، ولكنه أكد أن هذا الموضوع تحديدا هو موضع تركيز من أجهزة الاستخبارات الأمريكية. المثير للاستغراب في هذا الموضوع هو الموقف التركي، على اعتبار أن الموقف الإيراني مفهوم، لأنها جزء من المشكلة وطبيعي أن تتخذ هذا الموقف، ولكن الشكل الذي خرج به الموقف التركي للتضامن مع قطر هو أكثر ما يثير الاستغراب. عضو المجلس المصري للشئون الخارجية د.مجاهد الزيات يرصد تضارب المصالح بين تركياوإيران في ملفات عديدة أهمها سوريا، كما أن أنقرة لا يمكنها الاستغناء عن مصالحها مع باقي دول الخليج من أجل قطر، معتبرا أن الدور التركي هو دور شكلي فقط، الهدف منه إعطاء انطباع أن هناك حركة اقليمية من أجل التأثير على المحور المصري الخليجي . ويضيف الزيات أن موقف تركيا التى لها قاعدة عسكرية فى قطر والجناح الإقليمى الآخر الداعم لتنظيم الإخوان المسلمين لم يكن على المستوى الذى يتوافق مع طموحات قطر، حيث تواجه تركيا صعوبة فالخلاف بين الطرفين خلاف حاد ولتركيا مصالح لدى السعودية و الإمارات قد تتجاوز مصالحها لدى قطر وبالتالى فإن سعيها للقيام بوساطة إنما يستهدف إيجاد مخرج لقطر ووقف الإجراءات المضادة لها و محاولة التأكيد على الحضور التركى فى المنطقة كقوة إقليمية مؤثرة ومحاولة التأثير على التلاحم المصرى مع الدول الخليجية الثلاث وفصل الموقف المصرى عنهم وتخفيف الشروط الخليجية الخاصة بالإخوان المسلمين. وتوقع الزيات أن تتراجع قطر عن مواقفها، وأن تبدي مرونة في ما يتعلق بشروط الإمارات والسعودية، ولكنها ستأخذ بعض الوقت حفاظا على ماء الوجه.