في شهر رمضان المبارك، يزداد تمسك المسلمين بالأخلاق والتعاملات التي سيقت من أدب الإسلام، وتوصيات الرسول محمد "ص"، وتترسخ تلك الفضائل بالتزام الأئمة بها، ما يعظم قيمتها وأثرها في نفوس العامة من المسلمين، لا سيما حينما تكون محسوسة وملموسة لديهم. الشيخ الإمام محمد متولي الشعراوي، ليس فقط رجل استطاع أن يوصل خواطره القرآنية إلي جموع الناس في تفسيره لمعانيه الكريمة، بل دلَّل على ضرورة أن يسير المسلمون علي نهج نبيهم الخاتم، فتصبح أخلاقهم وسيلة للتحابب والتقرب فيما بينهم، فالنبي كان قرآنًا يمشي علي الأرض، وهكذا يجب أن يكون من اتبعوه. دلالة الشيخ الشعراوي هنا تتبين في تعاملاته مع مشايخ الإسلام وعلمائه، حتي من كان منهم أصغر سنًا منه، وهنا تبرز مواقف الشيخ الشعراوي مع شيخ الأزهر الراحل، الدكتور جاد الحق علي جاد الحق، الذي كان يصر علي تقبيل يده فيما يتحفظ شيخ الأزهر علي ذلك ويرفض بشدة، وكان الشعراوي لا يعبأ بهذا الفعل أمام الجميع "العامة والخاصة". "حينما أوقر شيخ الإسلام فإنني أنصر ديني، وكما كنت أقبل يد شيخي وأستاذي، الدكتور عبدالحليم محمود، شيخ الإسلام والمسلمين، فأنا أحرص أيضًا علي تقبيل يد الشيخ جاد الحق، حتى ولو كان أصغر مني سنًا، فالإسلام أكبر منا جميعًا"، هذه الجمل القصيرة ضرب بها الشيخ الشعراوي مثالًا في الخلق والتأدب مع مشايخ الأزهر، وزرع في قلوبنا من خلالها ضرورة أن تكون تلك التعاملات مع مشايخ الأزهر فهم مشايخ المسلمين، واحترامهم جزء من نصرة الدين، كما أنه يرد على بعض الحاقدين علي الأزهر. ورغم محاولات الشيخ الشعراوي الدؤوبة لتقبيل يد شيخ الأزهر، فإنها كانت تأتي دون جدوى لرفض الإمام الأكبر الذي كان يرى في الشعراوي "الأكبر منه سنًا" أعلي منه مقامًا وعلمًا، ولا يجوز له أن يفعل ذلك، لكن محاولات الشيخ لم تتوقف، حيث جمهما لقاء في إحدى الاحتفالات في محافظة الدقهلية، وبينما عاود رغبته بتقبيل يده، رفض الشيخ جاد الحق، ورد عليه الشعراوي بالقول: ألم أقل لفضيلتكم أنني لا أقبل يدكم يا مولانا بل أقبل يد شيخ الإسلام والمسلمين، وهنا انتاب الحضور حالة من الدهشة لتأدب عالمين كبيرين بحجمهما وقيمتهما العلمية. وبمرور الأيام، وبينما يسجل الشيخ الشعراوي خواطره القرآنية بمسجد الحسين، فإذا به يشاهد الشيخ جاد الحق يدخل المسجد، ويحاول أن ينضم لبقية الحضور ليسمع خواطره، إلا أن الشعراوي استأذن المخرج بضرورة أن يوقف التسجيل لحضور شيخ الأزهر الذي باغته برد لم يكن يتوقعه قائلا: والله ما جئتكم إلا لأسعد بسماع خواطركم يا مولانا. هنا قرر الشيخ جاد الحق، أن يفوت علي الشيخ الشعراوي الفرصة لتقبيل يده، كما حاول في المرات السابقة، وسلم عليه بتحية الإسلام دون مصافحة، إلا أن الشيخ الشعراوي لجأ إلي حيلة لم يكن يتوقعها شيخ الأزهر وقتها، وهى أن أظهر الشعراوي للشيخ بأن توازنه قد اختل، وأنه سيقع علي الأرض بعدما وقف لمصافحته، وأن بدا وكأنه سيقع علي الأرض، وأسرع شيخ الأزهر لإنقاذه وأمسك بيده، وبينما التقت اليدان قام الشيخ الشعراوي بتقبيلها بمباغتة، ليضحك الشيخ جاد الحق من هذه الحيلة، قائلًا له: تاني يا مولانا؟، ورد عليه الشعراوي بالقول: ألم أقل لفضيلتك في المنصورة أنك شيخ الإسلام والمسلمين.. لقد توقعت ما تفكر فيه فقبلتها بتمكين أمكن.. وأعدك يا مولانا بأنني لم ولن أكف عن فعل هذا ما دمت حيا؟. ودامت المحبة بين الشيخين، إلي أن صعدت روح الشيخ جاد الحق إلي بارئها عام 1996، والذي أوصى قبل وفاته بأن من يصل عليه في الجنازة الشيخ الشعراوي، وهو ما فعله الشيخ وقتها.