تدخل عليه، تتودد للجلوس فى حضرته، يقابلك صدوداً، يسألك فيه إيه، تفصح عن رغبتك، يرد عليك وأنا مالى، دخلى إيه، تقصر هدومك من عند الركبتين حرجاً، صار صدره ضيقاً حرجاً، تحس أنك صرت عارياً، بخار الينسون يتصاعد من كوبه الأثير. الينسون باعتباره مهدئاً لا يمنع الإمام من مطاردتك بأسئلة حادة مسنونة، تنسحب، تجر أذيال الخيبة، تتألم، تسمع صوت الإمام لايزال يستحثك على الخروج وبأقصى سرعة من معيته. أعترف وأقر بأننى ما قابلت الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوى، شيخ الجامع الأزهر - حتى ولو عرضا - إلا وانحنيت أقبل يده الكريمة احتراماً وإجلالاً، فله فى نفسى محبة وفى عقلى اعتباراً، عالم جليل، عكف على القرآن ففسره، وعلى الحديث فأصله، أحبه حبين، حب التقى وحباً لأنه أهلاً لذاك. آلمتنى ملياً تلك الجفوة التى بدا عليها فضيلته وهو يعنف طالبة صغيرة ارتدت النقاب ساعة دخول فضيلته ورهط من الرجال إلى فصل ثانية إعدادى ب«معهد فتيات أحمد الليبى بمدينة نصر».. طالبة غضة لا تعرف من أمر نقابها شيئاً، أفهموما فى بيتها وفى جماعتها الأقربين أن النقاب عبادة، وما هو بعبادة، ولكنه عادة - عند دخول رجل غريب الفصل. النقاب الذى أفزع الإمام لا يستأهل سوى توجيه من الكبير سناً ومقاماً، وكان يمكن لتلك الواقعة أن تكون نموذجاً للنصيحة بالحسنى، لكن أن تصدر عن الإمام الأكبر تلك الهنات المؤذيات لمشاعر طالبة ستظل تبكيها أمد الدهر، كلما طاف بخيالها الإمام وهو يعنفها، ويزجرها، ويؤلمها، ويحرجها أمام الخلق أجمعين، ويتزيد فى انفعالاته إلى حدود المس بوالديها «أنا أفهم فى الدين أكثر من اللى خلفوكى». لا أفهم ولا أعقل ولا أستسيغ أن تصدر تلك العبارات من الإمام الأكبر، ولا أفهم سر عصبيته التى صارت حالة متكررة، أحبك حبين، حب التدين الحق، وحباً لأنك أهلاً للتقوى والحلم والورع والرحمة والمغفرة، وتحفظ بين حشايا قلبك الكبير قول المولى عز وجل «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن..» (النحل/125). «أى ابتسامة مشرقة كانت ترتسم على محيى النبى الرحيم، أى بِشْر وأى سرور، يفيض من قلبه على البشر كل البشر؟ الفتاة كانت فى حاجة الى كلمة حانية، الى ابتسامة تمثل درساً أخلاقيًا، إلى من يهدئ من روعها، ويجلو عنها ويجليها، نحبك يا مولانا لأنك أهل لذاك التفسير العميق للدين، ولأنك أهل للفتيا المتقدمة العصرية التى تراعى صالح الإسلام والمسلمين، وتحدثهم عن دينهم فى إطار عالمهم الصحيح وليس العالم الافتراضى التى يركب فيه المسلمون النوق العصافير لقطع الفيافى، بدلاً من الطائرات فقط لأنها أحياناً تسقط. نحبك لأنك أهل للمحبة وعنوانك الذى نعرفه هو المحبة، ومن لا يرحم لا يرحم، وخيركم أحبكم للناس، تلك الوصايا البديعة تناساها الإمام الإكبر وهو يزجر طالبة لا تعرف من إمر نفسها شيئاً، يزجرها ويعنفها ويطلب إصدار قرار يمنع النقاب لأنها ارتدته. لا أدافع عن النقاب، فتلك عادة مرزولة ولكن أدافع عن صغيرة آلمها الإمام الأكبر «أمال لو جميلة شوية كنتى عملتى إيه» حظها كده يا مولانا، نصيبها كده يا مولانا، وحشة بنت وحشين، متى كان الجمال خلقة وليس خلقاً، ومتى كان النقاب شريطة الجمال، هن يتنقبن لأسباب آخرى لا يدرى مولانا عنها شيئاً. أحبك حبين وزيادة، إن استدعيت تلك الفتاة التى جرى قدرها بسوء إن قابلتك وكنت يا مولانا فى حالة مزاجية عكرة، بتحصل مع الكثير منا كلنا بشر ونتعرض أحياناً للشدة ولكن ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد يا مولانا من يملك نفسه عند الغضب.