حفلت الساحة السياسية المصرية بقيادات حزبية متعددة، طوال السنوات الماضية، لكن يظل كمال الشاذلى واحدا من العلامات البارزة، على الصعيدين الحزبى والسياسى. وعندما خرج من الوزارة قبل بضع سنوات ، توقع له كثيرون انطفاء نجمه واختفاء لمعانه داخل الحزب الوطنى، الذى كان واحدا من أبرز رموزه ، لكن حيوية وواقعية الرجل جعلته رقما مهما، حتى بعد خروجه من الوزارة، على غير عادة معظم السياسيين فى مصر. جعل من إشرافه على المجالس القومية المتخصصة نافذة يطل منها النخبة، ومن عضويته فى مجلس الشعب بابا يدخل منه إلى قلوب كثير المواطنين، خاصة أهالى الباجور بالمنوفية. تختلف أو تتفق معه، لكن لا تستطيع إلا أن تحترم الرجل الذى كان مثالا للالتزام الحزبى وهو فى أصعب أيامه السياسية. وخاض معارك متعددة، داخل الحزب الوطنى وخارجه، كسب معظمها وخسر بعضها، وبقى حتى الرمق الأخير من حياته معجونا بالسياسة. ولد كمال الشاذلي فى الباجور عام 1934 وتخرج فى كلية الحقوق عام 1957. وبعد حوالى سبع سنوات بدأ يدخل معترك السياسة من باب عضوية مجلس الأمة ، حيث تقدم وهو فى الثلاثين من عمره للترشح إلى عضويته، لكن تم رفض أوراقه في نظرا لصغر سنه. لم يمنعه هذا الموقف من تكرار المحاولة، فقد كان يعتقد أنه ولد برلمانيا بالفطرة. ساند الحظ كمال الشاذلي عندما أصدر جمال عبدالناصر قراراً جمهورياً بتأجيل الانتخابات لمدة شهر لظروف خاصة مع سوريا. وهو ما مكنه من الترشح في الانتخابات. ويفوز ليكون أصغر أعضاء المجلس ويصبح بعد ذلك واحدا من أقدم برلماني مصر والعالم، فقد ظل عضوا في البرلمان لمدة 47 متواصلة عن دائرة الباجور بالمنوفية. في عام 1965 عينه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في منصب أمين العام للاتحاد الاشتراكى بالمنوفية ليبدأ كمال الشاذلي مشوارا حافلا في المشهد السياسيي المصري، عقب قيام ثورة يوليو وحتى رحيله فى هدوء. شارك الشاذلى فى تأسيس الحزب الوطنى فى أواخر سبعينيات القرن الماضى، وكان له دور فاعل داخل الحكومة والحزب. وأضفى على كل منهما طابعا سياسيا ورنقا حزبيا نادرا ما تجده فى وزراء أو برلمانيين. في عام 1978 اختاره الرئيس الراحل أنور السادات أمينا للتنظيم بالحزب الوطنى الوليد . بعدها واصل صعوده السياسى، حتى أصبح واحدا من رموز الحزب. وتدرج الشاذلي في عدد من المناصب في عهد الرئيس حسنى مبارك فتولي منصب أمين عام مساعد الحزب الوطنى، ثم أمينا للتنظيم وزعيما للأغلبية بمجلس الشعب. عين الراحل وزيرا لشئون مجلسي الشعب الشعب والشورى عام 1993. وهو المنصب الذي ظل يتقلده لمدة 12 عاما، دخل خلالها معارك ضارية مدافعا عن الحكومة ضد المعارضة. وكان أثناء هذه السنوات متحدثا باسم الحكومة فى مجلس الشعب والمدافع عن سياسات الحزب، في مرحلة شهدت تحولا كبيرا في توجهات مصر السياسية والاقتصادية. وظل حتى رحيله صبيحة يوم عيد الأضحى واحدا ممن يطلق عليهم بالحرس القديم فى الحزب الوطنى. كان كمال الشاذلي من غير المؤيدين للتعديلات الدستورية، التى أجريت قبل خمس سنوات، خاصة فيما يتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية وقانون ممارسة الحياة السياسية. كما كان من الرافضين للاعتراف بحق الأحزاب في مناقشة التفاصيل والإجراءات الدستورية المصاحبة لإقرار مبدأ انتخاب رئيس الجمهورية بين أكثر من مرشح. لعب الشاذلي دورا رئيسيا في حوارات الحزب الوطني مع أحزاب المعارضة بشأن عدد من القضايا السياسية. وفي عام 2005 خرج من الوزارة وعينه الرئيس مبارك مشرفا عاما علي المجالس القومية المتخصصة. وهو المنصب الذي ظل يشغله حتي وفاته. علي الرغم من تبني الرئيس مبارك سياسة منح الفرصة للدماء الشابة والقيام بتغييرات هيكلية فى بناء الحزب الوطني، إلا أن الشاذلي استطاع أن يجد له مكانا داخل الحزب الوطني بفكره المتطور وحنكته المتقدمة. ويثبت مكانته كأحد أعمدته وأركانه الثابتة داخل الحزب. قبل الانتخابات البرلمانية المزمع إقامتها أواخر شهر نوفمبر الجاري، سرت شائعات بأن الشاذلي لن يترشح في الانتخابات نظرا لظروفه الصحية التي استدعت السفر إلى أمريكا لإجراء جراحة دقيقة في الجهاز الهضمي. في مؤتمر انتخابي وبحضور عدد من قيادات الحزب الوطني في مدينة الباجور منذ عشرة أيام أكد الشاذلي أن مقعده الذى احتفظ به لمدة 47 عاماً لن يذهب إلى أى دخيل أو غريب على أهل دائرة الباجور مضيفا أن أبناء الباجور سيقفون صفا واحدا للدفاع عن هذا المقعد ليقولوا بصوت واحد "نعم لكمال الشاذلي". برحيل كمال الشاذلى، قيل أن الفرصة أصبحت مواتية لفوز لمنافسه اللدود محمد إبراهيم كامل مرشح حزب الوفد فى الانتخابات المقبلة، لكن هناك من يقول أن الحزب الوطني أخذ فى اعتباره مرض الشاذلى فى الأشهر الأخيرة، لذلك دفع بعدد من المستقلين المحسوبين عليه لدخول الانتخابات، تحسبا من أى مفاجآت قدرية.