حتى في أحلك الظروف لا تكاد روح الفكاهة تفارق المصريين.. حين كانوا معتصمين بميدان التحرير طيلة 18 يوما انتهت بتنحي الرئيس حسني مبارك في 11 فبراير الماضي، أمطروه بسيل من الرسوم الساخرة والنكات اللاذعة واللافتات التهكمية. واليوم وهم يجنون ثمار ثورتهم في أول انتخابات برلمانية حرة لا يزالون ينتقدون الأوضاع بنظرة ساخرة. وكما لعب موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي دورا حيويا في اندلاع الثورة المصرية، استغله الشباب في نشر تعليقاتهم الساخرة عن الانتخابات. وكتب محمد حسين "الانتخابات دي غير شرعية لأن المرحوم جدي لأول مرة من سنين طويلة مبقاش عنده الحق في التصويت .. فين أيامك يا مبارك كنت بتراعي حتى الأموات" وذلك في إسقاط على الاتهامات التي كانت توجه إلى الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم سابقا بزعامة مبارك بعدم شطب أسماء المتوفين من كشوف الناخبين وإضافة أصواتهم إلى مرشحي الحزب لتزوير الانتخابات. وكتبت إيمان الشرقاوي تعليقا مشابها على فيسبوك أيضا قالت فيه "أول مرة أبويا الله يرحمه ما يطلعش من تربته (قبره) وينتخب .. أنا خايفة يكون جراله حاجة." وألغي المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تولى إدارة شئون البلاد بعد مبارك نظام التصويت بالبطاقة الانتخابية وجعل التصويت في الانتخابات بالرقم القومي فقط. وفتح هذا النظام الجديد الباب أمام الملايين للمشاركة بسهولة في عملية الاقتراع وهو ما عكسته الصفوف الطويلة من الرجال والنساء على حد سواء التي اكتظت بها الطرق المؤدية لمراكز الاقتراع. ورغم سعادة الجميع بالمشاركة الفعالة في التحول الديمقراطي عبر صناديق الاقتراع دفع طول الوقت الذي استغرقه البعض للإدلاء بصوته مروة عزت إلى كتابة "طوابير طويلة جدا من الناخبين .. فين أيام المخلوع لما صوتي كان بيوصل وأنا قاعدة في البيت." وفي تعليق آخر على شكوى من تأخر فتح بعض مراكز الاقتراع بسبب عدم وصول المواد الاساسية للعملية الانتخابية مثل أوراق التصويت والاقلام والحبر الفسفوري وتأخر بعض الموظفين عن الحضور لمراكز الاقتراع كتبت هند مختار "الشعب التزم والمسئولون هما اللي ملتزموش." واندلعت اشتباكات دامية الأسبوع الماضي حين حاولت قوات الأمن فض اعتصام بميدان التحرير مما أسفر عن اشتباكات خلفت 42 قتيلا ومئات المصابين مما دفع بعض التيارات السياسية إلى الدعوة لمقاطعة الانتخابات. ولكن حتى هؤلاء الذين دعوا إلى مقاطعة الانتخابات لم يستطيعوا منع أنفسهم من المشاركة في الحدث التاريخي ولو بكتابة تعليقات ساخرة تنتقد بعض مظاهر التجربة الجديدة والتي كان من بينها تزايد عدد المرشحين بشكل كبير دفعهم إلى اتخاذ رموز انتخابية لم تستخدم مثل (سخان المياه) و(القميص الرجالي) و(إشارة المرور) و(الموبايل). وكتب أحدهم على صفحته بموقع فيسبوك "شهاب بسام .. رمز البيت" ووضع صورة منزل وذلك تعبيرا عن عدم الخروج للمشاركة بالعملية الانتخابية. وبعد انتهاء اليوم الأول للانتخابات تبادلت التيارات الدينية والليبرالية الاتهامات باستمالة الناخبين بالرشاوى العينية مثل تقديم مواد تموينية وكروت شحن للهاتف المحمول إلى جانب مبالغ نقدية مما جعل البعض يسخر من الطرفين قائلا "الناخب الشاطر هو اللي ياخد السكر والزيت من الإسلاميين وكروت الشحن من الليبراليين والفلوس من فلول الحزب الوطني والوعد بدخول الجنة من المتشددين ثم يعطي صوته لشباب الثورة." وكتب نصري عصمت على حسابه الشخصي بموقع تويتر "اللي نازل الانتخابات بكيس سكر وازازة (زجاجة) زيت لازم يفضل يوفرهم بعد الانتخابات." وتجرى انتخابات مجلس الشعب على ثلاث مراحل تنتهي في يناير 2102 لتبدأ بعدها انتخابات مجلس الشورى على ثلاث مراحل أيضا تنتهي في مارس وبعدهما انتخابات الرئاسة التي وعد المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإجرائها قبل 30 يونيو من العام القادم. ولم يشهد اليوم الأول للاقتراع أحداث عنف تذكر رغم الشكوى المستمرة منذ اندلاع الثورة من عدم الاستقرار الأمني وأشاد كثير ممن أدلوا بأصواتهم بعملية تأمين لجان الانتخاب التي اشتركت فيها قوات الجيش والشرطة حتى أن أحد الشباب كتب على فيسبوك "بعد حالة الأمن المستتب اليوم .. الشعب المصري يطالب بجعل كل أيامه انتخابات".