بعد مرور 8 سنوات على حدوث الثورة الوردية في جورجيا، لا يزال الشعب الجورجي يتطلع إلى بعض الاصلاحات التي كان يصبو إليها قبل الإطاحة بنظام شيفرنادزه عام 2003. فعلى الرغم من إرساء نموذج ديمقراطي ناجح يحتذى به، لم تنقطع التظاهرات المناهضة للنظام الجديد في البلاد تحت قيادة الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي، الأمر الذي فرض تساؤلات عديدة حول جدوى الاصلاحات التي أجراها النظام عقب الثورة والأخطاء التي يمكن تفاديها في مصر، خاصة في ظل وجود تشابه كبير بين الثورة الوردية في جورجيا، وثورة 25 يناير في مصر. فقد تصاعدت التظاهرات في جورجيا بعد عام 2007 للمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية في البلاد، ثم ما لبثت أن تتطورت هذه الاحتجاجات واتسع نطاقها لتطالب باستقالة الرئيس ساكاشفيلي، الذي قال بدوره -خلال لقاء عقده مؤخرا مع وفد من الصحفيين المصريين في العاصمة الجورجية تبليسي- إن "التظاهرات التي تشهدها جورجيا بعد الثورة ليست موجهة ضد الفساد، وإنما من أجل رفع مستوى الرفاهية عند البعض". لكن الرئيس الجورجي تطرق إلى وجود أخطاء بعد الثورة الوردية كان من أبرزها تبني الحلول الوسط، مشيرا إلى أن تأجيل تنفيذ بعض الاصلاحات يعد أيضا من بين هذه الأخطاء، لكنه قال إن "الآن تم تدارك هذا الخطأ في جورجيا وأنصح بعدم الانتظار في إجراء الاصلاحات بعد الثورات". ورغم اعتراف الرئيس ساكاشفيلي بحدوث أخطاء بعد الثورة الوردية إلا أن بعض المسئولين الجورجيين ومن بينهم رئيس الوزراء نيكا جيلاوري، يرون أن هذه التظاهرات لا تعني فشل الثورة، حيث أكد هذا الأخير -في تصريح أدلى به مؤخرا لوكالة أنباء الشرق الأوسط- أن هذه التظاهرات تعكس رغبة بعض المواطنين في رفع رواتبهم بشكل يمثل مستوى عال من الرفاهية، موضحا أن هذا الأمر يمثل تطورا طبيعيا في الدول الديمقراطية. لكن بعيدا عن التظاهرات التي تطالب برفع مستوى المعيشة، طفت على السطح قضية أخرى تمس المواطنين بشكل مباشر وهي التعليم الذي لم يحقق طفرة كبيرة كما كان يأمل الجورجيون بعد الثورة، وفقا لما قاله مسئول جورجي -رفض الكشف عن اسمه- لوكالة أنباء الشرق الأوسط. لكن هذا المصدر أشار في الوقت نفسه إلى أن الدولة بدأت تتدارك هذا الأمر مؤخرا من خلال توقيع اتفاقيات مع جهات دولية لدعم العملية التعليمية في البلاد وانشاء مدارس وكليات متخصصة في مختلف المجالات. كما أوضح المصدر نفسه أن هناك خطأ آخر وقعت فيه الحكومة بعد الثورة الوردية وهو تأجيل الاصلاحات في مجال الزراعة وعدم تبني سياسات تدعم النهوض بالانتاج الزراعي الذي تأثر بسياسات سابقة فرضها الاتحاد السوفيتي المنحل وعلى غرار الاصلاحات الاقتصادية، شهدت جورجيا تغيرات جذرية في قطاع الشرطة حيث كانت المافيا الجورجية أخطر من المافيا الروسية وكانت الرشوة جزءاً من الثقافة السائدة في البلاد، وفقا لما قاله وزير الداخلية الجورجي إيفان ميرابيشفيلي، الذي أوضح -خلال لقاء مع وفد من الصحفيين المصريين في تبليسي- أن بلاده قررت بعد الثورة الاستغناء عن 90 في المائة من عناصر الشرطة الفاسدين، وتم تعيين شباب لا يملكون الخبرة ، لكنهم متحمسون لحماية العدالة، وهو ما أدى إلى انخفاض معدل الجريمة 6 مرات، لتصبح جورجيا فيما بعد واحدة من أكثر الدول الأوربية أمنا. وقال أن عدد رجال الشرطة أنخفض من 85 ألف إلى 26 ألف شرطى وشرطية ، مزودين بأحدث الأجهزة والمعدات والسيارات ، وتمت مضاعفة راتب الشرطى إلى عشرة أضعاف ما كان يتقاضاه قبل الثورة ، لأن القضاء على الفساد أدى إلى زيادة موارد الدولة. وأوضح الوزير أن الاختيار كان بين "رجال شرطة مدربين وفاسدين" وبين شباب لا يملكون الخبرة لكنهم متحمسون للعدالة، وكان الاختيار الثانى هو الأفضل. وعلى غرار الاصلاحات في جهاز الشرطة، شهدت جورجيا قفزة هامة في القطاع الصحي، وفقا لما يؤكده وزير الصحة والشئون الاجتماعية الجورجي أندريا اوروشادز ، الذي أشار إلى أن قطاع الصحة فى جورجيا كان الأقل تطورا في البلاد قبل الثورة الوردية، لكن هناك الآن خطة طموحة لتوفير التأمين الصحى لجميع سكان جورجيا بحلول عام 2020 ، لافتا إلى أنه سيتم تنفيذ ذلك على مراحل ، حيث بدأت المرحلة الأولى بتوفير الرعاية الصحية لكبار السن والأطفال قبل سن الدراسة وذوى الاحتياجات الخاصة. وقال إن الدولة تخصص 10 في المائة من إجمالى الناتج القومى للرعاية الصحية ،كما تتكفل بعلاج غير القادرين، مع توفير شركات التأمين الصحى العلاج بأسعار معتدلة لبقية فئات المجتمع ، بحيث لا يمثل العلاج أو الرعاية الصحية عبأ على ميزانية الدولة، مؤكدا على أن بلاده ترفض نظام الدعم العينى، وأنما تطبق الدعم النقدى، بالإضافة إلى بعض الامتيازات العينية مثل الخدمات الطبية والتعليم والرعاية الطبية. وقال إنه وفقا للاحصائيات الأخيرة فى جورجيا، يوجد 6.9 في المائة من المواطنين يعانون من الفقر المدقع، موضحا أن هؤلاء يحصلون على دعم نقدى كامل، فيما يحصل 6 في المائة على خدمات دون دعم نقدى. وأشار إلى أن بلاده تحارب الفقر على محوريين : الأول تقديم الدعم لمحدودى الدخل والعاطلين ليعيشوا حياة كريمة. أما المحور الثانى، فيعتمد على استئصال الفقر عن طريق توفير فرص تعليم متكاملة لأبناء محدودى الدخل، والقضاء أيضا على البطالة من جذورها. وقال الوزير إن الرعاية الطبية تعتبر صناعة، لذلك سمحت جورجيا للقطاع الخاص بالدخول فى هذا المجال ، مع وضع تشريعات صارمة لضمان جودة الخدمات الطبية ورعاية حقوق المرضى.