الحكاية هى الاحتياج.... ربنا ما يكتبه علي السامعين ولا الشايفين.. يعني القاعدة ده والشكل ده.. مش علشان أصعب علي الناس وبس.. بجد أنا ظروفي وحشة أوي.. والاحتياج هو السبب فى إللى انت شايفاه دلوقتى... هي دى السكة اللي ممكن تناسب واحدة زيي.. جاهلة ومعندهاش صنعة وفي رقبتها كوم لحم. هكذا جاء رد إحدى المتسولات على سؤال وجهته إليها، عن حكاتيها وظروفها التي قادتها للجلوس في هذا المكان لاستجداء الناس وطلب مساعدتهم، أملا في الحصول على قوت يومها، بعد أن تركها زوجها معلقة بلا مال ولا عمل ولا أي شىء هي وبناتها الست وطفلها الرضيع. أضافت: هي دى السكة اللي ممكن تناسب واحدة زي.. جاهلة ومعندهاش صنعة وفي رقبتها كوم عيال. تجلس تلك المرأة في أحد أرقي أحياء القاهرة - شارع 26 يوليو بالزمالك - لتستجدي المارة.. مصريين وعربًا وأجانب، تجلس حاملة ابنها بين يديها ولا تتحدث مع أحد.. فمظهرها كفيل بجعل المارين يعطونها المساعدات دون أن تطلب أو تنطق بكلمة واحدة. تركها زوجها - حسب قولها - لأنها أم البنات ولم ينتظر أن تضع مولودها السابع الذى جاء ذكرًا، وبذلك تكون قد لبت نداءه وحققت أمنيته في أن يكون له نجل يرثه ويحفظ اسمه واسم عائلته، "ما هو ده سلونا إحنا الصعايدة. نعم هذا هو سِلِوي بلدها.. وسلوي بلدنا أيضًا هو أن يصبح العيد موسم فاضحًا وكاشفًا لحال التسول والمتسولين فى مصر وخصوصًا بالعاصمة. وهذا ما تؤكد المتسولة قائلة: الأعياد دي بتكون موسم مهم قوي.. إزاي أروح وأقعد في البيت والناس بتدى فلوس ولحوم تنهال علي من كل الناس .. يعني أقطع برزقي ورزق عيالي؟". طبعا طوال شهر رمضان الكريم موسم مهم جدا: صدقات وإفطار وسحور بالمجان، إضافة إلي انتظارها زكاة الفطر حتي صلاة العيد، وتستمر الصدقات في أيام العيد فالكل يخرج ليحتفل بالعيد وهي أيضا تحتفل بالعيد علي طريقتها في الحدائق والأماكن العامة لتحصل علي مايكفيها ويزيد. " الصدقات والحسنات اللي بحصل عليها طول العام كوم، وأيام الأعياد كوم تاني". ففي عيد الأضحي يكون الخير خيرين ، يعني لحوم وملابس وأموال وكل مايمكن أن تحصل عليه من أهل الخير، لا تتردد في امتلاكه علي الفور. قد تكون هذه هي حكاية واحدة، ولكنها نتيجة لعدد كبير من الحكايات التي تبدأ بمعاناة وتنتهي بتسول، وحالات تملأ شوارع وأحياء القاهرة، منهم المحتاجون ومنهم المحتال. هذا ما أشار له تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية، حيث وجود مايقرب من مليون متسول فى مصر لا يقل دخل الفرد منهم عن 300 جنيه يومياً. فى حين أشارت دراسة، أجراها المركز القومى للبحوث ونشرت نتائجها أخيراً، إلى وجود ما يقرب من مليوني متسول فى مصر، وأكدت أن العدد يزيد على ذلك باستمرار فى المواسم والأعياد الدينية. معنى ذلك أن هناك ملايين الجنيهات، التى يتم تدويرها فى بيزنس التسول فى مصر يومياً، وتعتبر أيام الأعياد موسما مهما جدا لهم. ويوضح الدكتور صلاح رسلان، أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة، أن الأمر يرجع أولا لانعدام التربية السليمة والسوية، وترسيخ مبدأ عزة النفس والكرامة والسعي وراء لقمة العيش الحلال، التي تأتي من "عرق جبينه"، وهي كلمة مصرية مأثورة. ولكن يبدو أنها في بعض الفئات المجتمعية، لاتعمل ولا تؤمن بهذه المقولة، وإنما تؤمن فقط بالحصول علي لقمة عيشها، دون جهد أو تعب بحثا عن الراحة والحصول علي مبتغاهم، من الأموال من خلال التسول. وهؤلاء يستندون إلى المعتقدات الدينية التي نشأ عليها المجتمع من خلال مساعدة المجتاجين، وتقديم يد المساعدة والعون لهم :"صدقة أو زكاة ..إلخ"، فكلها أشكال من المساعدات، التي تحث عليها كل الأديان السماوية. هؤلاء المتسولون للأسف لايدركون أن المنظومة الدينية أيضا، تحث علي عبارة: "أعطوا الطريق حقه"، ولكنهم يأخذون منه مايريدون فقط ويتركون باقي الأحكام الدينية. ويضيف د. صلاح أن أيام الأعياد والمناسبات، تعتبر مواسم لهم ينتشرون في الشوارع ويحتفلون فيها علي طريقتهم الخاصة، من جمع الأموال من المواطنين بطرق متعددة، وذلك إما من خلال الدعاء لهم، أو دعوتهم للتصدق عليهم وإقامة إحدى الفرائض الإسلامية الأصيلة وانتظار الأضحية لإطعامهم. ويؤكد د. رسلان أن الحل، يأتي من خلال وقوف الدولة بجانب منظمات المجتمع المدني للقيام بدور فعال في الحد من هذه الظاهرة، وذلك بإنشاء بيوت لإقامة هؤلاء المتسولين، وخلق فرص عمل لهم، حتي نتخلص من هذا المظهرالمؤذي والاستفادة من تلك القوة العاملة، غير المستغلة، وتحويل احترافهم للتسول إلي احتراف مهن، يستفيد منها المجتمع والبلد، والاهتمام بتأهيلهم نفسيا للعمل علي تغيير مسار حياتهم، إضافة إلي زيادة عدد الجهات الرقابية لمظهر الشارع، بما يليق بمظهر وتاريخ مصر أمام العالمين: العربي والعالمي. تقول الدكتورة سامية خضر أستاذة علم الاجتماع بكلية تربية عين شمس، إن التسول في كل دول العالم مثل:أمريكا وفرنسا وألمانيا، ولكن صوره مختلفة، ويأتي ذلك نتيجة انتشار الأزمة الأقتصادية العالمية. ولكن في مصر تحديدا، تكون للتسول مواسم، حيث إن فترات الرواج تنشط في الأعياد وأول الشهر والمواسم، والتسول فيها يكون متعددا، من طلب لأموال، أو ملابس ،أو زكاة الفطر في رمضان ،ولحمة العيد في "الأضحي" ،وحلاوة المولد في المولد النبوي. وتوضح أن في هذه الفترات ينتشرون في الشوارع ويطلبون احتياجاتهم، كنوع من الدعاية والإعلان، عن أنفسهم، وعن أحقيتهم في صدقات وأموال القادرين. وهذه الصورة غير الحضارية وغير المشرفة، أصبحت مهنة لهذه الفئة من المجتمع.. مدعين أنهم ليس لديهم أي مصادر رزق غير ذلك، ولا يملكون حرفة أو تعليما، يمكن من خلاله الحصول على لقمة العيش لهم ولباقي المعلقين في رقبتهم. وتؤكد أستاذة علم الاجتماع بتربية عين شمس، ضرورة الاستفادة من التجربة الصينية التي استطاعت الاستفادة من الزيادة السكانية، وتحويلها إلي قوة اقتصادية من خلال تدريب هذه الأيادي الراكدة، إلي أياد عاملة في مصانع وتدريبهم علي بعض الأعمال الحرفية واليدوية، للاستفادة من هذه القدرة البشرية الهائلة. وللحد من هذه الظاهرة، بادر مركز الصاوي الثقافي "ساقية الصاوي" إلى مكافحة التسول، وذلك من خلال حملة تحت عنوان "لا فقر" وهي دعوة لحث المواطنين إلي وقف التعامل مع المتسولين.. تحت شعار "لاتمنع المحتاج وتعطي المحتال". وقد أطلق هذه الدعوة المهندس محمد الصاوي، مدير الساقية إيمانا منه بضرورة توجيه المواطنين، وتوضيح أهمية مساعدة المحتاجين الحقيقيين، وليس المحتالين، الذين ينتشرون في شوارع المحروسة في مواسم الصدقات، للحصول علي مالا حق لهم فيه. علي الجانب الآخر يرتفع رصيد المواقع الاجتماعية، وظهور دورها في العديد من القضايا المجتمعية، وكان لها أيضا دور في قضية التسول، من خلال بعض الشباب الذين أسسوا "جروبا" علي "الفيس بوك" بعنوان "كرامتي". وكان هدف هؤلاء الشباب من هذا الجروب، بث روح الكرامة لدي المتسولين وتوعيتهم بضرورة البحث عن فرص عمل بدلا من التسول. يأتي ذلك من خلال حث المواطنين علي مقاطعة هذه الفئة، من المجتمع وعدم تقديم أي مساعدات لهم.. مع إعطاء جهات رسمية مختصة توزيع الصدقات والزكاة في كل مناسبة، حتى تصل الحسنة إلى مستحقيها.