عندما تجلس مباشرة إلى أحد الأبطال الذين شاركوا فى نصر أكتوبر الذى يمر عليه اليوم 38 عامًا لعل أول ما يلفتك هو التواضع الشديد والأثرة التى يمتازون بها، فكل ضابط منهم يحكى لك عن بطولات جنوده، وكل مجند يروى كيف استشهد زميله وهو يزود عن أرض مصر بجسده النحيل وبكل شجاعة، كيف رفض وحيد العائلة أن يقدم شهادة ليعفى من التجنيد ليستشهد أو يحرر تراب مصر وتعيش حرة .. وتتجدد ذكرى النصر الملهم الذى فتح أفاق تحرير الأرض والعرض ونبدأ برجال أطلق عليه جمال الغيطانى (أكلة الدبابات أو أكلة الحديد) نلتقى مع البطل اللواء عبدالجابر أحمد على عبدالكريم قائد الكتيبة 35 فهد، وهى المخصصة للصواريخ المضادة للدبابات بالجيش الثانى فى القطاع الأوسط من الضفة نسمع اليوم ونفتح قلوبنا قبل آذاننا لنستلهم روح النصر والوحدة ونتعلم من تاريخنا العظيم بدلاً من التعلم من تجارب أجنبية، ربما تكون ناجحة لكنها لا تمثلنا لا تشبه بشرتناالسمراء ولا زرقة نيلنا ولاخصوصية شعبنا. فتعالوا نأخذ "فاصل" لنحتفل بأهم انتصار فى تاريخنا العربى ثم نعود" لنواصل "التشاحن والتنافس على الرئاسة والبرلمان والحقوق الفئوية والمادية والحقوقية. فالظروف كانت مماثلة لما يحدث الآن - يبدأ البطل اللواء عبدالجابر الحديث – مصر يمكن أن تمرض لكن لا تموت .. وهناك ثلاثة أشياء حدثت بعد الهزيمة فى عام 67 أولها: معركة رأس العش التى صمدت فيها قوات الصاعقة التى كبدت القوات الاسرائيلة خسائر ضخمة، ولم يمر أسبوعين على النكسة. ثانياً: ضربة الطيران التى قام بها الفريق مدكور أبو العز يوم 14 يوليو وقبل مرور شهر على النكسة. ثالثاً: تدمير المدمرة ايلات أما شواطئ بورسعيد بصواريخ مصرية أذهلت العالم ثم تدمير ميناء إيلات بواسطة الضفادع البشرية. هذه القوات المتنوعة مثلت الركيزة الأساسية للقيادة العامة للقوات المسلحة لتستعيد بها أرض سيناء . وعند بداية حرب الاستنزاف فى عام 69 كنا بدأنا نشعر أن العدو الذى كان مصور أنه لا يقهرأكذوبة وعلى النقيض تتلاشى الفكرة التى رددوها أننا جثة هامدة لن تستوعب الأجهزة الحديثة ولن تواجه الآلة الإسرائيلية. وفى صمت شديد بدأ الإعداد للمعركة وركيزته الأساسية، لابد أن نفاجأ العدو وأعدت القوات المسلحة أكثر من مفاجأة للعدو، الساتر الترابى تم عمل فيه ثغرات لعبور الدبابات والمؤن والمعدات الثقيلة. وبدأت الأفكار العملاقة للعبور أهمها نظرية إزالة الساتر الترابى الهائل بخراطيم المياه، وكانت بالجهود العادية تستلزم الكبارى العادية نحو 18 ساعة لكن تم اختصارها الى فترة 6 إلى 8 ساعات وأحيانًا 4 ساعات هذه المفاجأة صدمت العدو وأربكت حساباته. ثم جاءت مفاجأة خراطيم النابالم التى استطاعت القوات الخاصة غلقها وكانوا يعتقدون أنها ستحرق الجنود فأحرقنا خططهم بالتدريب والاعداد، ومن كان يستشهد كان سعيد بخطوات النصر التى بدأت تلوح فى الأفق. وجاء دور صواريخ الفاع الجوى التى تتعامل مع الطيران وكبدته خسائر ضخمة. أما موجات جنود المشاة فكانت مهمة جداً فلحظات العبور الأولى كانت حاسمة وفيصلية، كيف نعبر بالجنود ونتعامل مع الدبابات وجهًا لوجه، وهنا جاء دور الصواريخ المضادة للدبابات (مالوتيكا) وهو من صناعة روسية ومداه 3 كيلومترات من الجيل الأول – يستطرد اللواء عبدالجابر – وهو ما يعنى الاعتماد كليًا على الفرد وتدريبه وهى درجة الصعوبة كيف نعد فرد لمواجهة دبابة؟ هذهمن أهم المفاجآت التى أذهلت العدو فهم يعرفون اننا نملك الصواريخ لكن لا يعرفون أننا نملك السلاح ( الصواريخ ) لكن لم يتخيلوا المهارة التى وصل اليها الجندى المصرى فى استخدام السلاح وتلك كانت نقطة فارقة فى الحرب، وأرى أنهذا الصاروخ من أسباب قلب الموازين فى الحرب وسبب خسائر هائلة للعدو. واستطاع الجندى المصرى أن يسجل اسمه بحروف من نور فى سجل البطولات العالمية أسماء لاتنسى من صائدى الدبابات والتى أطلق عليها جمال الغيطانى أكلة الدبابات وكتبت عن بطولاتها كتاب بنفس الاسم فيه قصص حصدنا ل140 دبابة إسرائيلية والتدريب كان قاسيًا جداً والسرية لم تكن فى السلاح بل فى كيفية استخدامه ومدى الكفاءة التى وصل اليها الجندى المصرى. فالجميع كان يتسابق فى حصد الدبابات الاسرائيلية وعلى رأسهم محمد عبدالعاطى ابن الشرقية الذى دمر 23 دبابة و3 مجنزرات ومنها مدرعات اللواء 190 وقائده عساف ياجورى الذى تم أسره. وعن أحداث الثورة المصرية فى 25 يناير يقول اللواء عبد الجابر الحاصل على نوط الشجاعة فى حرب أكتوبر ووسام الرياضة من الطبقة الأولى شباب مصر دائماً يفاجأالعالم بقدراته وقد قام بثورة نقية طاهرة زلزلت النظام القديم دون استخدام عنف أو قسوة وانحازت له القوات المسلحة وحمته من الغدر والبطش يومها لم نعرف أحزاب ولا تكتلات ولا أجندات داخلية ولا خارجية، فالثورة كانت صورة أخرى من نصر أكتوبر، لا فرق بسبب دين أو عرق أو حزب أو تيار ونحن الآن أحوج ما نكون الى الاجتماع على هدف واحد هذه هى ثورة 25 يناير . ولكن ماذا حدث يضيف اللواء عبد الجابر ..هناك من ركب الموجة وأراد أن يحصد بسرعة قبل أن يزرع.. فماذا يعنى أكثر من 40 حزبًا وائتلافًا يجب أن ننتبه لمن نترك ثورتنا.. وعن القوات المسلحة اليوم ودورها يؤكد اللواء عبدالجابر قواتنا المسلحة دخلت اليوم مجال الإنتاج وأصبحت من أهم المنتجين الذين نعتمد عليهم فى حياتنا وعلى مشروعاتها التى تدر الدخل للبلاد وليست مستهلكة فهى تسعى جاهدة لتحسين مستوى الفرد فالقوات المسلحة أنديتها ومستشفياتها ومنافذها الإنتاجية تخدم كل الشعب . وبالتالى ليس هناك انفصال بين الجيش والشعب، ولم تفكر القوات المسلحة فى رفع بندقية على أى فرد رغم الانفلات والاستفزاز، فليحذر الشباب من محاولة الوقيعة مع القوات المسلحة التى أعلنت أنها ملك للشعب، ولا يمكن أن ترفع سلاحًا فى وجه أى فرد من الشعب.