منذ ولادته أعطت له الحياة ظهرها، وتبدل حاله من سئ إلى أسوأ، فقرر قتل رضيعه عل الحياة تبتسم له من جديد.. كان يوماً غابت فيه الشمس، وكأن السماء أعلنت حدادها على ذلك البرئ.. سالت دموع الأم، التي اتشحت بالسواد حزنا على مقتل رضيعها، الذي مازالت صورته تلاحقها.. فقد دفع حياته ثمنا لخطئها، عندما أصرت أن تتزوج من رجل ضلت الإنسانية طريقها إلى قلبة، ولم تستمع إلى نصائح والدها. كان والدها يرفض زواجها منه، مؤكدا أن هذا العاطل لا يصلح أن يكون زوجا أو أبا، فقد اعتاد الجلوس على المقاهي، والتسكع في الشوارع، والبحث عن من ينفق عليه.. كل الدلائل كانت تؤكد أنه إنسان فاشل ملعون، ويكفي أن بنات عائلته رفضن جميعا الزواج منه لسوء سلوكه، وسوء سمعته في حلوان. وقد توسلت الأم لابنتها من بداية معرفتها به، وطالبتها بأن تقطع علاقتها معه، لكن الابنة ضربت بكل التوسلات عرض الحائط، واعتبرته حبيب القلب منذ الصغر، وتخيلت أنه على يديها ستكون هدايته واستقامته، وتم الزواج، وبدأ الوجه القبيح لفتى الأحلام يتجلى أمام جولييت.. الرجولة لم تطرق بابه.. الأخلاق لم تعرف طريقه.. مخدرات وعربدة وتيقنت أخيرا أنها سقطت فى الوحل .. حرمها كسرة الخبز.. باع أثاث شقتها.. وباع ملابسها.. لم تجد أمامها طريقاً سوى الخروج للعمل، خصوصا عندما دب فى أحشائها جنينها الأول، واستسلمت لتصرفاته السيئة، وباتت هى رجل البيت، تعمل وتنفق.. أنجبت طفلها وازدادت متطلبات الحياة، فتوسلت إليه أن يخرج إلى العمل، حيث كانت لديه خبرة العمل في المحاجر، وهي مهنة تدر دخلا كبيرا، فكان يعمل يوما ويقضي عشرة في التسكع والسهر. رفضت أن تبوح لأسرتها بخيبة أملها، ودفعت همومها داخلها، وزعمت أمام أسرتها أنها أسعد امرأة فى العالم، وأن زوجها لا مثيل له، ومرت الأعوام الثلاثة فى رحلة شاقة من العناء والتعب، ودب بين أحشائها جنينها الثانى، وعندما زفت لزوجها خبر حملها انهال عليها سباً وضرباً، وراح يلعن القدر والحظ والحياة، ومرت الشهور التسعة وأنجبت الولد الثانى.. كان وجهه ملائكيا نال حب وإعجاب كل أفراد عائلة أبيه وعائلة أمه، لكن كان للأب رأى آخر فى ذلك الرضيع، ومنذ اللحظة الأولى لولادته وهو يكره النظر إليه، وكلما سمع بكاءه دعى عليه بالموت ويتوسل إلى الله أن يريحه من ذلك البرئ، ومر الشهر الأول والثانى وكراهية الأب تزيد، خصوصا بعد أن طرده صاحب المحجر ازداد تشاؤمه من فلذه كبده منذ ولادته، والمتاعب تنصب على رأسه، وكشر له الدهر عن أنيابة وباتت الحياة له كثقب الإبرة. وسوس له الشيطان أن رضيعه سبب شقائه فى الدنيا، وأنه نحس منذ ولادته ولابد أن يتخلص منه فى أسرع وقت، فعقد العزم على قتل رضيعه، وطلب من زوجته إعداد طعام الغذاء وترك الصغير معه، ولم يرق قلبه لتعلق الرضيع بالنظر إليه، واستجمع كل قوته فى يده ولكم الرضيه فى وجهه حتى سالت الدماء من فمه، ثم ركله بقدميه حتى فارق الصغير الحياة.. هرولت الأم إلى حجرتها حينما سمعت الصراخ.. كان المشهد يهز الجبال.. البرئ على الأرض والدماء تكسو وجهه.. وعلى السرير يجلس الأب يدخن سيجارة محشوة بالمخدرات، وكأنه لم يفعل شيئا.. صرخت الأم الثكلى.. انهالت عليه ضربا، فقام ولف الصغير بملاية، انتظارا لهبوط ظلام الليل ليلقى بجثته فى أى مقلب قمامة أو مكان مهجور، لعل الكلاب تنهشه ومعه يدفن سر مقتله.. تظاهرت الأم بالموافقة، وهربت بابنها إلى قسم شرطة حلوان، وحررت محضرا بالواقعة. انتقلت قوة من المباحث وألقت القبض على المتهم، وأحيل إلى نيابة حلوان، فأمر عاصم نعيم رئيس نيابة حلوان بحبسه، ودفن جثة الصغير.