أصدرت مؤسسة التصنيف العالمية "موديز" تقريرها السنوى عن مصر توقعت فيه ازدياد عجز الميزان التجارى.ووصف التقرير قرار البنك المركزى برفع الحد الذى كان مقررا عن الايداعات الدولارية للشركات فى البنوك بأنه اجراء غير كاف لعلاج ازمة انخفاض الجنيه فى مصر. كما تطرق التقرير إلى ازمة عجز الدولار وتأثيرها السلبى على الشركات الوطنية فى تدبير احتياجاتها لشراء السلع الوسيطة التى تدخل فى عملية الانتاج. ووصف إجراءات البنك المركزى للقضاء على السوق السوداء بأنها اجراءات غير مؤثرة. ومن الجدير بالذكر أن مثل هذه التقارير تجد صدى واسعا ومصداقية كبيرة لدى الاوساط الاقتصادية العالمية ما يعنى تأثير مثل هذه التقارير وانعكاس ما جاء فيها على النشاط الاقتصادى المصرى وعلى اوجه الاستثمار المختلفة. التحقيق التالى يرصد نتائج هذا التقرير وكيفية معالجة آثارة. أوضح عمرو حسنين خبير التصنيف الائتمانى انه على الرغم من هذه الاخطاء التى وقعت فيها مؤسسات التصنيف العالمية اثناء الازمة المالية العالمية فإن النظام العالمى مازال يعترف بها وبالتقارير الصادرة عنها فصحيح ان المؤسسات أخطأت ونتج عن ذلك ازمة مالية الا ان وجود هذه المؤسسات حال دون تفاقم هذه الازمة وتحولها الى عشرات الازمات فعند تقييم أداء هذه المؤسسات يتم النظر الى عدد الازمات التى وقعت مقارنة بعدد الازمات التى كان من الممكن ان تحدث فى حالة عدم وجودها. - تقييم صعب واشار الى انه من الصعب تقييم ما ذكر فى التقرير من توقعات بأن عجز الميزان التجارى سيزداد سوءا فى عام 2016 لان التغيرات على الساحة سريعة جدا ويوميا تحدث مشاكل جديدة فلا يمكن وصف التقرير سواء بالمبالغة او انه صحيح بشكل تام فالأمر يتوقف على استمرار الوضع الحالى فى البلاد من عدمه، ودخول استثمارات جديدة او ضخ اموال كمنح فى هذه الحالة من الممكن ان يتغير الوضع الاقتصادى بصورة كبيرة. وانتقد حسنين وصف خطوات البنك المركزى بأنها غير كافية فى التقرير. واشار إلى ان البنك المركزى يتصرف فى حدود إمكاناته وسلطاته ودوره وهو ليس المسئول عن صناعة التقدم الاقتصادى أو التنمية ولكنه يحاول ان يجد حلولا للازمات الواقعة فى ظل محدودية خطواته. واشار حسنين الى ان مصر مازالت لديها مشكلة رئيسية وهى الاسراف فى الاستهلاك ومازالت انماط الاستهلاك لم تتغير. وأكد أن الحل الوحيد لزيادة حجم الصادرات زيادة الانتاج ووصف العملية الانتاجية فى مصر بأنها فى نوم عميق. - ثقة كاملة اوضحت د. أمنية حلمى استاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة انه رغم الاخطاء التى وقعت فيها مؤسسات التصنيف الائتمانية قبل الازمة المالية العالمية فإنها مازالت تتمتع بالثقة الكاملة فتناول تقارير هذه المؤسسات يجب ان يكون به قدر من الحذر ولكنها مازالت تعطى اشارة عن الاسواق فمعظم تقاريرها تعتمد على مؤشرات اقتصادية عامة كنسبة الدين العام الى الانتاج المحلى وحجم عجز الموازنة وغيرها من المؤشرات الاقتصادية كما انها مازالت تعطى نظرة للمستثمر من دولة ما واتجاه الاقتصاد بها للصعود او الهبوط فليس من الضرورى ان يكون التقرير صحيحا بشكل كامل ولكن فى مجمله يعبر عن اقتصاد الدولة. واشارت الى انه لا يجوز لوم السياسات النقدية وحدها عن عجز الميزان التجارى ولكن غياب التنسيق بين السياسات النقدية والمالية والتجارية هو ما يجب أن يشار إليه باللوم فالسياسة المالية مثلا هى المسئولة عن تزايد عجز الموازنة ولكن البنك المركزى هو من يقوم بطبع النقود لسد هذا العجز فيؤدى ذلك الى زيادة التضخم وانخفاض قيمة العملة الوطنية. وأوضحت الى ان تدخلات البنك المركزى تكون وقتية ولاجل قصير ولا تستطيع ان تحل الازمة ولكن يجب ان تحل مشكلة الصادرات التى اصبحت اهم مصادر النقد الاجنبى فى الوقت الراهن وذلك من خلال محاولة ادخال بدائل محلية فى الانتاج والاستغناء قدر الامكان عن مستلزمات الانتاج المستوردة وذلك من شأنه ان يقلل تكلفة الاستيراد وتقليل الطلب على الدولار وزيادة قيمة الصادرات وزيادة المعروض من الدولار. كما انه من الضرورى اعادة النظر فى هيكل الصادرات وانتاج سلع قابلة للتصدير وتشجيع شراء المنتج المصرى. واشارت الى اهمية معالجة عجز الموازنة ومعالجة طريقة تمويلها والبحث عن مصادر تمويل اخرى غير طبع النقود التى تؤثر فى قيمة الجنيه وزيادة مستوى الاسعار ومستوى التضخم حتى اصبح مستوى التضخم المصرى اعلى من مستوى التضخم لدى شركاء مصر التجاريين كالاتحاد الاوروبى والولايات المتحدةالامريكية وهو ما يؤثر بالسلب فى القيمة الحقيقية للجنيه. - فرصة مهدرة وأوضحت د. حلمى أن مصر كان أمامها فرصة الاستفادة من اسعار السلع الغذائية واسعار البترول العالمية فى تخفيض قيمة وارداتها ولكن مع انخفاض قيمة العملة جزء كبير من هذه الاستفادة لم يحدث كما ان التجار دائما ما يشيرون بأصابع الاتهام إلى ارتفاع اسعار الدولار. واشارت الى انه من الضرورى الاهتمام بسهولة اجراءات خروج المستثمر مثلما نهتم بدخوله فالمستثمر يبحث عن سهولة الخروج بأمواله وعدم وجود قيود على ذلك قبل ان يدخل باستثماراته اى دولة ومازلنا فى مصر لدينا مشكلات فى هذا الامر ونأمل ان يقوم البرلمان بدوره فى تحسين التشريعات الاقتصادية لنعيد الثقة فى الاقتصاد المصرى. وأرجعت د. ماجدة شلبى استاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة التوقعات باستمرار عجز الميزان التجارى لاسباب خارجية منها التباطؤ الاقتصادى فى معظم الدول الصناعية وهم الشركاء التجاريون الرئيسيون لمصر ممثلين فى الاتحاد الاوروبى والولايات المتحدةالامريكية الذين يستحوذون على 60% من حجم التجارة المصرية ولاسباب داخلية تراجع سعر صرف الجنيه المصرى فى مواجهة الدولار رغم السياسات النقدية التى يتبعها البنك المركزى من اجل استقرار سعر الصرف إلا أن ذلك لن يمنع استمرار انخفاض الجنيه المصرى فى مواجهة الدولار وما سيترتب عليه من اثار سلبية من ضمنها ارتفاع مستوى الاسعار وما يترتب على ذلك من ارتفاع معدلات التضخم فى ظل ارتفاع اسعار الواردات من السلع الاساسية ومستلزمات الانتاج ويؤدى ذلك الى ارتفاع اسعار الصادرات المصرية مما يحد من القدرة التنافسية لهذه الصادرات رغم أن انخفاض سعر صرف الجنيه المصرى كان يمكن ان يؤدى الى حفز وتشجيع الصادرات وهذا لم يحدث لارتفاع نسبة مدخلات الصناعة الخارجية من مواد خام ومستلزمات انتاجية. كما ان التراجع فى سعر الصرف من الممكن ان يؤثر على المناخ الجاذب للاستثمارات الاجنبية واثر ذلك على معدل ارباح هذه الاستثمارات خاصة بالنسبة للاستثمارات الاجنبية التى تنتج للسوق المحلى بالاضافة الى زيادة عبء الديون الخارجية وخدمتها وبذلك نجد ان سياسة تراجع سعر صرف الجنيه المصرى لم تكن مجدية فى عجز الميزان التجارى خاصة انه عجز هيكلى بالاساس يحتاج الى مواجهة حاسمة لمشكلة اختلال التوازن الداخلى وهذا الى جانب ان السياسة النقدية فى مصر قد تخلت عن سعر الصرف كمحور للارتكاز الاسمى واصبحت تستهدف التضخم حيث حدد قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى رقم 88 لسنة 2003 ان يلتزم البنك المركزى بتحقيق معدلات منخفضة للتضخم تسهم فى بناء الثقة والمحافظة على معدلات مرتفعة للاستثمار والنمو الاقتصادى. - شركاء جدد واقترحت د. شلبى عدة سياسات لمواجهة عجز الميزان التجارى من ضمنها اتباع استراتيجية شاملة لزيادة تنافسية الصادرات وتعزيز الجودة وتحسين جودة النفاذ للاسواق الخارجية واهمية العمل على ايجاد شركاء تجاريين جدد خاصة دول تكتل البريكس (الصين والبرازيل وروسيا والهند وجنوب افريقيا) وتوفير شركاء جدد مع الدول الافريقية والاسيوية والعمل على زيادة حجم التجارة البينية مع الدول العربية خاصة البحرين والسعودية والامارات والكويت كما لابد من العمل على دعم وتنمية القدرة التنافسية للصادرات المصرية التى تعد من اهم اهداف السياسة الاقتصادية فى الوقت الراهن فى ظل تزايد المنافسة والقدرة على النفاذ الى اسواق الصادرات العالمية مع تأكيد الدور الحيوى الذى تلعبه فى زيادة الانتاج المحلى والتشغيل وتوفير النقد الاجنبى اللازم لتحسين الميزان التجارى وميزان المدفوعات وخفض الدين الخارجى ولذلك فإن قضية الصادرات تعد احدى دعائم التنمية الاقتصادية الشاملة فى ظل تجارب جنوب شرق آسيا التى حققت نجاحات ملموسة وفى ظل نماذج النمو الموجه للصادرات وما حققته من نجاح فى الدول الصناعية الصاعدة، وتتصاعد الآمال فى ان تلعب الصادرات المصرية دورا رئيسيا فى ارتفاع معدل النمو الاقتصادى والتخلص من الاعتماد على القروض والمنح الخارجية ومواجهة مشكلات البطالة فى اطار تقدم تكنولوجى يعتمد على العمل الكثيف المهارات والمعارف الفنية المتطورة مع الاهتمام بعملية البحوث والتطوير بما يقوم بدعم تنافسية الصادرات.