في عالم تخيم عليه اجواء الازمات المتلاحقة تتزايد الحاجة الي القيادة الرشيدة صاحبة الرؤية.. وفي عالم الاعمال, المفتاح السحري هذه الايام هو خلق الوظائف والنمو أحد أبرز القضايا التي تم مناقشتها في اجتماعات المنتدي الاقتصادي العالمي دافوس أواخر الشهر الماضي, والذي عقد تحت شعار الديناميكية المرنة بما يعكس ضرورة تحسين هيكل الاقتصاد الدولي لمقاومة الازمات الحالية. وقد نظمت مجلة تايم الامريكية, علي هامش المنتدي, مائدة مستديرة جمعت صفوة المديرين التنفيذيين لأكبر الشركات العالمية للتجول في أفكارهم حول مفهوم جديد للقيادة يستند الي ادارة المخاطر والابتكار. المشاركون في المائدة, جون تشامبرز, الرئيس التنفيذي لمجموعة سيسكو سيستمز الامريكية, مايك دوك الرئيس التنفيذي لأكبر شركة عامة في العالم وهي وول مارت, اناند ماهيندرا المدير التنفيذي لشركة ماهيندرا الهندية, مارتن سن المدير التنفيذي لمجموعة زيوريخ للتأمين, كلايتون كريستنسن استاذ بكلية الاعمال في هارفارد, وأوريت جاديش العضو المنتدب لشركة بين وشركاه الامريكية إحدي شركات الاستشارات الامريكية, وتعد اوريت واحدة من اقوي عشر نساء في العالم حسب مجلة فوربس, وادار الحوار بينهم جيم فردريك محرر تايم انترناشيونال كالتالي: * التايم: وسط التخبط السياسي الحالي والوعكة الاقتصادية اللذين يؤرقان الولاياتالمتحدة, اوروبا, والصين, من أو ما الذي سيقود الابتكار الذي سيؤدي الي خلق فرص العمل والنمو؟ وهل اصبح القادة ضد فكرة المخاطرة بابتكار حلول جديدة في جهودهم لانعاش الاقتصاد؟ - جون تشامبرز: في مجال البيزنس, المنافسة هي كل شيء, والمخاطرة لازمة, واذا لم يكن هناك ابتكار فلن يتحقق النجاح, وهذا ما حدث لسيسكو التي ما كانت لتحقق ما وصلت اليه دون الاهتمام بالابتكار. - اوريت جاديش: ولكن هناك فارق بين المجازفة بالمخاطرة وما يمكن أن يسمي بالمخاطرة غير المألوفة فكثير مما يعتقده البعض مخاطرة, هو في الواقع مجرد شيء غير تقليدي. - مارتن سن: المؤكد أنه قبل اتخاذ اي قرار جريء لابد من توافر توقعات مبدئية علي العائد المترتب علي المخاطرة وهو أمر غير متاح بوضوح في الازمة الاقتصادية الحالية, مما يزيد من صعوبة اتخاذ القرارات المهمة. - تشامبرز: أكبر نجاح تحققه الشركات هو عندما تراهن علي عكس مايراه أو يتوقعه الآخرون. * تايم: باعتبار أن كلايتون لديه مؤلفات عديدة عن الابتكار في الشركات, لماذا تستثمر شركات في مجالات معينة من الابتكار دون غيرها؟ - كلايتون كريستنسن: هناك ثلاثة أنواع من الابتكار, وكل واحد منها ينطوي علي مستوي مختلف من المخاطر, الأول هو ابتكارات التمكين وهي التي تحول المنتجات, التي كان ارتفاع ثمنها وتعقيداتها يجعلها متاحة فقط للاثرياء, الي سلع في متناول عدد اكبر من المستهلكين, والحاسبات الشخصية ابرز مثال علي ذلك, والتليفونات الذكية, هذه الأيام, ستكون كذلك, ومثل هذه الابتكارات تخلق المزيد من فرص العمل في الشركات. أما النوع الثاني فهو مايطلق عليه بابتكارات التدعيم والتي تعمل علي تحسين جودة المنتجات أو تطوير الطراز الخاص بها, لكنها لا تخلق وظائف جديدة, هذا في حين أن النوع الثالث, وهو الأكثر شيوعا في الاقتصاد حاليا, ويمكن تسميته بابتكارات الكفاءة فهو يساعد علي خفض التكاليف وبالتالي السعر وذلك عن طريق تبسيط عملية انتاج وبيع سلع أو خدمات وهذا النوع من الابتكار يخفض الوظائف في الشركات. الواقع انه علي مدار العشرين عاما الماضية توقفت الشركات والمستثمرون عن الاستثمار في النوع الاول وهو ابتكارات التمكين لأنها تؤتي ثمارها من خمس الي ثماني سنوات, وفضلوا الاستثمار في النوع الثالث, ابتكارات الكفاءة التي تحقق مكاسب فورية, في غضون عام أو عامين هذا علي الرغم من أن ابتكارات التمكين تفتح اسواقا جديدة مما يعني زيادة الارباح وزيادة فرص العمل المتاحة, وبالرغم من توافر السيولة الا أن النمط الاستثماري الحالي يوحي بوجود شح في رأس المال. والاستثمارات الحالية لاتوجه الي نوعية الابتكارات التي تخلق فرص عمل ونمو اقتصادي فهل هذا يتطلب بعض الجرأة من جانب مديري الشركات؟ بالطبع نعم. - مايك دوك: ابتكارات الكفاءة هي النوع الاكثر ارتباطا بنموذج الاعمال الحالي, وكثيرا ما يطلق عليه بدورة الانتاجية, فهي تعمل علي خفض النفقات, زيادة الكفاءة, خفض الاسعار بالنسبة للعملاء والنتيجة هي المزيد من الكفاءة وشركتنا كان لها باع في ابتكارات التمكين في مجال التجارة الالكترونية. - اناند ماهيندرا: اعتقد أننا بصدد اتجاه صعودي للابتكار مع هوس الاوساط الاكاديمية بظاهرة انتشار الابتكارات الاسيوية, فحتي شركة مثل آبل تواجه صعودا قويا لشركات مثل سامسونج التي تقدم المزيد بسعر أقل. واستمرار نجاح الهند والصين يفرض علي الشركات الغربية القيام بابتكارات رائدة, والفوز هنا سيكون من نصيب الشركات التي تمتد رؤيتها لما بعد خمس أو عشر سنوات قادمة اما الذي يفكر فيما سيقدمه بعد عام أو اثنين فحسب فسيقع في ورطة. - دوك: هناك أمر آخر مهم وهو تقييم الادارة داخل الشركات علي المستوي طويل الاجل. - جاديش: السوق مليء الآن بعدم اليقين, ولكن هناك ايضا اشياء غير تقليدية, وبالتالي لابد من البدء بادارة المخاطر. - سن: سيكون هناك حاجة الي توازن في القيادة, القيادة السياسية والاقتصادية علي حد سواء حيث يتعين علي القادة فهم المخاطر والتعامل معها بفاعلية, وهو ما لا يتوافر حاليا. - كريستنسن: لايوجد حاجة لاصحاب الماجستير والدكتوراه فشركات مثل جنرال اليكتريك وجولدمان ساكس هي بمثابة جامعة يتعلم فيها اصول البيزنس وهذا نموذج مختلف للقيام بالاعمال عن النمط الاكاديمي. * التايم: نحن بصدد السنة الخامسة من الازمة الاقتصادية العالمية والتي ترتب عليها الركود العظيم وهناك تشاؤم كبير وازدراء للابتكار التكنولوجي الحالي لأن عددا قليلا من الاشياء هو الذي تغير في طريقة المعيشة, فهل هذا يعني تباطؤ الابتكار؟ - تشامبرز: اعتقد ان العكس صحيح, واتوقع تسارع وتيرة التغيير فاذا كان1% فقط من اجهزة العالم متصلة ببعضها الآن, فان هذا يعني امكانية انشاء صناعة قيمتها14 تريليون دولار لربط99% من أجهزة العالم ببعضها. - تشامبرز: ألاحظ وجود تغيير في نمط تفكير بعض القادة, فهناك من يقول الآن انه يريد منافسة دول أخري, وفي الاسواق الناشئة هناك من يرغب في منافسة اقتصادات ناشئة, الامر الذي يستدعي اصلاح بعض القواعد التنظيمية. فهناك حاجة الي توازن المناخ التنظيمي لأن أحد معوقات الابتكار هي القواعد التنظيمية في انحاء العالم وكثير من هذه الضغوط ليست متوافقة علي المستوي العالمي, خاصة في صناعة الخدمات المالية. ينبغي بذل مجهود لوضع نظم واتفاقيات لتشجيع التفكير الحر وهذا سيدعم الابتكار. - جاديش: الأمر يعتمد بصورة اساسية علي اصلاح التعليم الذي ينبغي أن يكون من أولويات اي اجندة حكومية, واصلاح التعليم يجب أن يمتد من الروضة الي التعليم الجامعي. فنظم التعليم الحالية لاتقدم حقيقة ما يحتاجه سوق العمل, والصين وشنغهاي ادركوا ذلك قبل عشر سنوات وقتها كانوا في اسفل قائمة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لكن اليوم شنغهاي تأتي في المرتبة الاولي في العلوم, في الرياضيات وفي القراءة والفهم. اما الدول الغربية فتعاني من تراجع ترتيبها وهذه يجب أن يكون نقطة انطلاق تفاعل قطاع البيزنس مع الحكومات. في النهاية الابتكار يحتاج الي هيكل ومناخ يعمل في اطاره وليس مجرد مختبر. التوصية الأخيرة التي قدمها المشاركون في المائدة المستديرة هي أنه اذا كان هناك مايمكن أن يفعله اي شخص من اجل احداث تغيير في شركته, جامعته أو بلده لكنه لا يقوم به بسبب الخوف من الاتيان بشيء غير مألوف أو بسبب الخوف من الفشل فيجب أن يقدم عليه ولايخاف لأن هذه هي القيادة الحقيقية* ** مجلة تايم 4/2/2013