بداية لا يوجد منافس حقيقى لقناة السويس فى الوقت الحاضر. ففى 21 ابريل الماضى افادت صحيفة الصين اليومية الرسمية بأن الحكومة الصينية ستحث شركات الملاحة على استخدام الممر الشمالى الغربى المار عبر القطب الشمالى الذى فتح بعد ذوبان الجليد نتيجة التغيرات المناخية. وذلك بهدف تقليل الزمن الذى تستغرقه الرحلات البحرية بين المحيطين الاطلسى والهادى. كان من الضرورى دراسة موقف قناة السويس بعد هذا التطورالذى يرى المراقبون انه ليس مفاجئا للمتخصصين. فهو واحد من تحديات تصل الى عشرة مشروعات فى مختلف دول العالم قد يكون لها تأثير فى المستقبل على الحركة الملاحية فى قناة السويس. وربما يفسر ذلك ويوضح لماذا بدأت مصر بمشروع تطوير قناة السويس الاخير الذى انفقت عليه ما يزيد على ستة مليارات دولار لكى تحافظ قناة السويس على المميزات التنافسية لها. ولكى يتم تأصيل الموضوع لابد من الاشارة الى ظاهرة الاحتباس الحرارى التى نشأ عنها ذوبان الجليد عند القطب الشمالى كما يوضح الشكل 1 مدى ارتفاع درجات الحرارة للمناخ الارضى طبقا لتقريرات ناسا ووكالة الارصاد الجوية اليابانية التى تشير الى ارتفاع درجات الحرارة المطرد وقد سجل عام 2015 ارتفاع درجة الحرارة بفارق 0.39 درجة عن عام 2014 علما بأن المقياس يقوم على زيادات تقدر بجزء من مائة من الدرجة وهو ما يوضح فداحة الزيادة عام 2015. شكل (1) وأدى ارتفاع درجات حرارة المناخ وذوبان الجليد فى القطب الشمالى الى أن يكون المسار الملاحى الذى اثارت موضوعه الصين مؤخرا. ومما هو جدير بالذكر أنه فى عام 1991 تم انشاء مجلس القطب الشمالى وهو منتدى حكومى دولى يعالج قضايا من قبل الحكومات والسكان الاصليين لمنطقة القطب الشمالى وقد اعتمد اعلان اوتاوا عام 1996 هذا المنتدى الذى أجرى دراسات بخصوص تغيرات المناخ وثروات المنطقة من بترول وغاز وكذا موضوع المسار والحركة الملاحية المتوقعة الذى انضمت اليه الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وايطاليا وسنغافورة عام 2013 بصفة مراقب دائم وهو ما يسمح لهذه الدول بأن تتابع ما يدور فى هذا المنتدى الذى يحظى بأهمية متزايدة باعتباره مسئولا عن تنمية منطقة القطب الشمالى التى سوف تؤثر على الكثير من دول العالم . وعليه فإنه يوصى بأن تنضم مصر فى أقرب وقت ممكن لهذا المنتدى لكى تتابع ما يجرى وانعكاس ذلك عليها. - مسارات حركة التجارة الدولية الحالية ولكى نوضح الموقف بعد الاعلان الصينى المثير للجدل فإننا سوف نستطلع تقريرا كتبه انا كرينا المتخصص فى اللوجستيات ونشرته منظمة بيلونز وهى متخصصة فى هذا المجال وتصدرته العبارة التالية (إن المسار القطبى الجدبد لن يكون أبدا منافسا لقناة السويس) وبنت الدراسة هذا الاستنتاج على ان استعمال هذا الطريق سوف يدمر البيئة فى منطقة الدائرة القطبية وهى بيئة هشة اساسا مما سوف يؤثر على دول العالم وان هذا المسار يمكن استخدامه فقط من يونيه الى نوفمبر وتم وضع مواصفة بناء هيكلى خاصة بالجليد للسفن التى سوف تستخدم هذا المسار ولم يمنع ذلك من حدوث حادث شهير للطراد نوردفيك فى شهر سبتمبر 2013 الذى جنح خلال ابحاره فى المسار القطبى مما اضطر المسئولين لاستدعاء كاسحة جليد تعمل بالطاقة النووية وسكب أطنانا من وقود الديزل لمياه القطب الشمالى وكان هذا الحادث تهديدا مباشرا لحياة البحارة مما استلزم وضع قواعد جديدة للابحار تجعل وجود كاسحة جليد امرا اساسيا للابحار فى هذه المنطقة ويشير التقرير إلى أن ما تم نقله خلال 2012 هو 3.8 مليون طن ارتفع الى 3.9 مليون طن فى عام 2013 مما يشير ان التطور ضئيل خاصة ان ما تم نقله خلال كامل المسار هو 1.6 مليون طن فقط ومعظم موانى المسار تفتفد البنية الاساسية الخاصة بالموانى البحرية. وفى بحث مثير للمعهد الدنماركى للبحوث الدولية كان السؤال هل فعلا مسار الدائرة القطبية هو اقصر المسارات البحرية وكانت الاجابة الصادمة بعد دراسة 14 مسار بحرى من أكثف المسارات الملاحية حول العالم وجد ان 27% من الحركة البحرية يعتبر المسار القطبى الاقصر لها . وفى المقابل 72% من الحركة البحرية يعتبر المسار القطبى طويلا بالنسبة لها بينما 46٪ من الحركة البحرية العالمية توجد زيادة لا تتجاوز عشرات الكيلومترات ولا يوجد مبرر حقيقى لتغيير مسارها الحالى الى المسار القطبى. وفى دراسة اخرى للدكتور بيورن جونارسون المدير التنفيذى للمركز النرويجى للوجستيات خلص الى ان مستقبل المسارات البحرية القطبية يشير الى ان هناك فرصا للنقل التجارى مع استكشافات البترول والغاز والمعادن والصيد والسياحة فى منطقة القطب الشمالى وقد اصبح ذلك منطقيا فى ضوء تناقص الجليد والتكنولجيات الجديدة واهتمام دول الدائرة القطبية والرغبة فى توفير تكاليف النقل البحرى ما بين آسيا وشمال وشرق أوروبا وقام الباحث بدراسة تطور وتناقص الجليد وتوقعات تنمية مصادر الطاقة ودراسة سوق الشحن وفرق الاسعار وحساسية الاسواق والبضائع والوقت الذى سيتم توفيره والتكلفة مقابل تكلفة مسار قناة السويس وتأثيرات الانبعاثات الغازية وتوافر السفن ذات المواصفات الخاصة والمناسبة للابحار بأمان عبر المنطقة القطبية بمختلف الاحجام والحمولات وكذا توافر كاسحات الجليد بعدد ومواصفات تناسب معدلات التجارة الدولية وموقف وضعف البنية التحتية لموانى المسار واهمية مراكز إعادة الشحن والملاحة والاتصالات والامكانيات المتاحة لمواجهة اى تلوث واهمية قانون القطبية الذى تضعه المنظمة البحرية الدولية للشحن البحرى عبر القطب الشمالى وبعد دراسة كل ذلك خلص الى ان (المسار القطبى لن يحدث ثورة فى النقل البحرى والتجارة الدولية ولن يكون فى موقف منافسة مع قناة السويس ) ورغم ان الخبراء والمختصين يؤكدون قوة موقف قناة السويس فإننا نوصى بإنشاء آلية استراتيجية مصرية على اعلى مستوى تضم صفوة خبراء مصر للمتابعة الدقيقة لكل التطورات فيما يخص اى مشروعات تؤثر على قناة السويس ووضع كل السيناريوهات لكى تعمل مصر بمبادرة الفعل وليس رد الفعل وحشد كل شركاء النجاح العربية والعالمية المستفيدة من قناة السويس وتطوير الاقليم ومشاركة الدول العربية والدولية بمبدأ المشاركة والمصالح حيث إنها اللغة الوحيدة التى يفهمها ويتعامل بها العالم. ومن ناحية أخرى فإن الدولة المصرية مطالبة برفع الحشد المجتمعى لمشروعات تطوير قناة السويس لان التطوير الدائم للقناة هو خط الدفاع الاول لضمان استمرار قوة التنافسية التى تتمتع بها قناة السويس. ودعم علاقات مصر الدولية مع الدول التى تشارك فى المسار الملاحى لقناة السويس والدولة فعلا تبذل جهودا هائلة الان فى هذه المشروعات خاصة ان هناك بالاضافة للمسار الملاحى من خلال الدائرة القطبية الشمالية توجد العديد من المشروعات التى تحاول كثير من الدول تقديمها كبديل او منافس لقناة السويس مثل المشروع الاسرائيلى وخط الفاو بالعراق الى اوروبا من خلال تركيا وتطوير قناة بنما وطريق الحرير البحرى والبرى الذى اعلنت عنه الصين 2014 وهى مشروعات يجب متابعتها بكامل الجدية.