اثارت استقالة الدكتور فاروق العقدة من منصب محافظ البنك المركزي المصري العديد من التساؤلات حول مدي ملاءمة التوقيت في ظل الاتجاه الي استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول علي قرض4.8 مليار دولار, وحول قدرة هشام رامز علي القيام بنفس الدور الذي كان يقوم به العقدة فيما يتعلق بادارة أزمة الجنيه مقابل الدولار وماشهده من تراجع في قيمته خلال الايام القليلة الماضية فضلا عن قدرته علي ادارة السياسة النقدية والائتمانية بذات كفاءة العقدة علي مدي تسع سنوات متتالية. وذلك بالاضافة الي الادعاء بأن العقدة وجد أن السفينة الاقتصادية أوشكت علي الغرق فأراد أن ينجو بنفسه قبل فوات الآوان ومن قائل بأنه يعلم إصرار صندوق النقد الدولي علي تعويم الجنيه تعويما حرا دون تأثير من البنك المركزي فهو لا يوافق علي ذلك ومن ثم فانه لايريد أن يكون عائقا دون توقيع الاتفاق النهائي بين مصر والصندوق.. الخ. ------------------ لا أحد يريد أن يصدق ماجاء في المؤتمر الصحفي يوم إعلان نبأ الاستقالة وترشيح رامز, أن الاستقالة جاءت بناء علي حكم الدستور الذي جعل مدة ولاية محافظ البنك المركزي اربع سنوات مرتين متتاليتين علي الاكثر أي ثماني سنوات فقط مما يتطلب انتهاء مدة شغل الوظيفة بعد قضاء تسع سنوات فيها كما سبق القول. بل إن الدكتور العقدة اوضح صراحة انه يريد أن يعتزل العمل العام طائعا مختارا نافيا ما يشاع عن وجود خلافات بينه وبين رئيس الوزراء هشام قنديل مما دفعه الي تقديم الاستقالة. وبعيدا عن الشائعات والنفي لها فإنني أرجو أن يكون معلوما لغير المتخصصين أن ادارة البنك المركزي عملية مؤسسية لا ترتبط بالاشخاص حيث جعل القانون88 لسنة2003 بخصوص الجهاز المصري والبنك المركزي والنقد للبنك, شخصية اعتبارية مستقلة تدار بواسطة مجلس ادارة قرارات نافذة بذاتها ولا تحتاج لاعتماد أو موافقة من أي سلطة تنفيذية وزير رئيس الوزراء رئيس جمهورية وبذلك فان سياسة البنك المركزي تنظر الي المصلحة العليا للبلاد والظروف التي يمر بها الاقتصاد القومي والاحوال وتداعياتها الاقتصادية وضبط المعروض من النقود بما يتفق مع معدل نمو المعروض من السلع والخدمات في المجتمع ويمتلك البنك المركزي أدوات متعارف عليها مثل تغيير نسبة الاحتياطي الالزامي وسعر الخصم, وعمليات السوق المفتوحة والادوات النوعية والاقناع الادبي للبنوك بشأن اتجاهات معينة تحقق المصلحة العليا للاقتصاد المصري. ولكي لايعمل البنك المركزي بمعزل عن الحكومة التنفيذية جعل القانون88 لسنة2003 لجنة تنسيق بين البنك والحكومة وبذلك فان تبعية البنك المركزي لرئاسة الجمهورية قبل الثورة او بعدها لاتحول دون استقلاله عن تدخل السلطة التنفيذية وهو ما أكد عليه الدستور الجديد, وفي ضوء كل ذلك جاءت إدارة البنك المركزي لأزمة سعر الصرف حيث اتخذ مجموعة من القرارات للتأثير علي آلية العرض والطلب علي العملات الاجنبية مثل اجراءات تخفيض الطلب المتعلقة بالخروج بالنقد الي الخارج في حدود عشرة آلاف دولار وحد أقصي لفتح اعتمادات الاستيراد بالعملات الاجنبية يوميا لايتجاوز خمسة آلاف دولار وفرض رسوم3% علي شراء وبيع النقد الاجنبي وعدم التحول للنقد الاجنبي إلا لمن له حساب لدي أحد البنك بالعملة الاجنبية, وذلك بالاضافة الي نظام عطاءات النقد الاجنبي بمقدار75 مليون دولار يوميا خفضت بعد ذلك الي49 مليون دولار ثم إعادتها الي75 مليون دولارمرتين في الاسبوع فقط, وذلك حفاظا علي الاحتياطي النقدي الاجنبي لدي البنك المركزي, غيرأن ظروف الطلب المتزايد علي النقد الاجنبي وعدم كفاية العرض ترتب عليه عجز البنوك وشركات الصرافة عن تلبية كافة الطلبات مما أدي الي عودة السوق السوداء للعملة بعد أن كانت لا وجود لها طوال أكثر من عشر سنوات مضت, وفي هذا السوق تجاوز سعر الدولار حاجز السبعة جنيهات للدولار وهو ما لم يحدث منذ عام2003 وللخروج من هذا المأزق الدولاري أقترح بعض الاجراءات العاجلة التي يتعين علي البنك المركزي اتخاذها وهي: أولا: عودة العمل مؤقتا بنظام الاستثمارات ت. ص التي تفرض علي المصدرين تحويل النقد الاجنبي الي أحد البنوك العاملة في مصر خلال مدة أقصاها تسعين يوما وإلا اعتبر مهربا للنقد الاجنبي خارج البلاد ويعاقب بالحبس. ثانيا: تطبيق آلية السعر المركزي للعملة وهو النظام الذي كان معمولا به قبل عام2003 حيث يقوم البنك المركزي بتحديد هذا السعر وليكن ستة جنيهات للدولار مع وضع هامش لارتفاع أو انخفاض. ثالثا: إصدار تعليمات للبنوك العاملة في مصر بمنع تحويل الودائع بالجنيه المصري الي ودائع دولارية او بالعملات الاجنبية وذلك لمدة لاتقل عن ثلاثة أشهر. رابعا: فرض قيود علي الواردات من السلع التي لهابديل محلي من خلال زيادة الرسوم والضرائب الجمركية. خامسا: اطلاق التراخيص بالعملات الاجنبية للمشروعات الاستثمارية في مجالات الاتصالات المحمولة والاسمنت والحديد والاسمدة باعتبارها أنشطة احتكارية حاليا. سادسا: عدم السماح بتحويل حصيلة بيع السندات الحكومية بالنقد الاجنبي الي الخارج حتي نهاية السنة المالية الحالية في30/6/2013 بصفة مؤقتة مراعاة لظروف انخفاض النقد الاجنبي بالموازنة العامة* ** عضو مجلس ادارة جمعية الاقتصاد السياسي والاحصاء والتشريع