بعد أسابيع من الارتباك الرسمي والمعالجة السيئة لقضية استقالة الدكتور فاروق العقدة محافظ البنك المركزي انتهي الموضوع بالطريقة التي أرادها "العقدة" ولأول مرة يشهد قصر الرئاسة عملية تسليم وتسلم لأحد أهم المواقع الاقتصادية الرفيعة في مصر بأسلوب حضاري وراق. الطريقة التي أرادها "العقدة" للخروج من المركزي وترشيحه هشام رامز "ذراعه اليمني" علي حد قوله جنبت مصر هزة لم تكن لتحتملها في ظروف اقتصادية هي الأسوأ من نوعها. فملابسات الاستقالة التي أعلن عنها التليفزيون الرسمي ثم نفاها. أثارت قلق الجميع حتي الناس العادية التي أصبحت تتابع أوضاع الاقتصاد بنفس شغف متابعتها للأحداث السياسية. وعندما سألتني صديقتي التي لا تمتلك حسابات في البنوك لا بالعملة المحلية ولا الأجنبية بانزعاج شديد عن صحة خبر الاستقالة أدركت مدي فداحة الخطأ الذي ارتكبه المسئولون الجدد في إدارة هذه القضية عندما تكرر تسريب نبأ الاستقالة وهو ما كان له تأثيره السيء علي البورصة وسوق الصرف والمودعين الذين بادر بعضهم إلي سحب ودائعه من البنوك وتحول بعضهم إلي الدولار باعتبار ان القادم أسوأ. تعددت انجازات فاروق العقدة ليعبر بالجهاز المصرفي إلي بر الأمان من خلال برنامج إصلاح حاز اعجاب المؤسسات الدولية قبل المحلية لينهي أشهر مشكلة عانت منها البنوك وهي الديون المتعثرة التي تجاوزت وقتها ال 100 مليار جنيه فضلاً عن دعم الهياكل المالية ورءوس أموال الجهاز المصرفي وتوافقه مع المعايير الدولية لتعود البنوك العامة من جديد إلي تحقيق مستويات مقبولة من الربح. لكن يظل الانجاز الأعظم "للعقدة" هو القضاء علي السوق السوداء للعملة وخلق سوق صرف منتظم ومستقر والمحافظة علي قيمة الجنيه من التدهور رافضاً مطالب دولية وضغوط محلية من جانب المصدرين لتخفيض الجنيه. فقد كان استقرار الأسعار هو الهدف الرئيسي للبنك المركزي وتم توظيف السياسة النقدية لتحقيق ذلك فنجح البنك في خفض الدولار من نحو 7 جنيهات في السوق السوداء عندما تولي العقدة منصبه إلي نحو 5 جنيهات ونصف وظل كذلك حتي الثورة وتزايدت الضغوط علي الجنيه ورغم ذلك لم يفقد خلال ما يقرب من عامين إلا جانبا يسيرا من قيمته مقارنة بما كان متوقعاً له. ومع انخفاض الاحتياطي الأجنبي إلي مستويات حرجة ومع عدم مساندة السياسات المالية والاقتصادية للبنك المركزي اضطر "العقدة" أن يقدم علي القرار الصعب وكانت آلية "العطاءات الدولارية" التي فقد الجنيه معها ما يقرب من 10% من قيمته. مع خروج "العقدة" من البنك المركزي نهاية الشهر الجاري لم أستطع أن أمنع نفسي من التخوف من سياسات قادمة قد تؤدي إلي مزيد من تدهور الجنيه بعد أن فقد البنك بوصلته نحو تحقيق هدف استقرار الأسعار في ظل تعويم الجنيه.