الضغوط تحاصر السوق العقارية وتكاد تعصف بها. مصادر هذه الضغوط متعددة منها زياده أسعار الطاقة للمصانع ومنها ما صاحب عملية خفض سعر الجنيه التى تجرى حاليا. ورغم هذه الضغوط فإن المتعاملين فى السوق يؤكدون أن العام الجديد سوف يشهد موجة انتعاش عقارى مع ارتفاعات فى الأسعار تتراوح بين 10، 15 % على الأقل. فكيف تتزامن هذه الضغوط مع الانتعاش القادم. المسألة ليست لغزا. ذلك لأن ضغوط التكلفة ستؤدى إلى ارتفاع الأسعار والمخاوف من انهيار سعر الجنيه سوف تدفع الكثيرين إلى التعجيل بقرارات الشراء على اعتبار أن العقار مخزن آمن للقيمة فى زمن الاضطرابات المالية. هنا قراءة لما يجرى فى خريطة السوق العقارية فى مصر هذه الأيام. فى مطلع ديسمبر الماضى اتخذت وزارة البترول قرارا مفاجئا برفع سعر طن المازوت الذى يستخدم فى مصانع الطوب وغيرها بنسبة130 % دفعة واحدة ليقفز السعر من 100 إلى 2300 جنيه للطن الأمر الذى أشعل أسعار إحدى المواد الأساسية الداخله فى صناعة البناء. وقبلها بأسابيع كانت المصانع المستخدمة للغاز الطبيعى وفى مقدمتها الأسمنت والسيراميك قد بدأت فى سداد فواتير الغاز بالأسعار الجديدة وهى 4 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بدلا من 1.8 دولار الأمر الذى ترتب عليه ارتفاع مماثل فى أسعار منتجات هذه المصانع. وتزامن مع كل ذلك ارتفاع أسعار النحاس فى البورصات العالمية الأمر الذى انعكس على أسعار الكابلات الكهربائية بينما تعانى منذ عدة شهور مصانع خراطيم البلاستيك والبويات من جراء أزمة البروبلين المادة الخام الأساسية بعد فرض رسم إغراق على اليروبرلين الوارد من الخارج لصالح إحدى الشركات المحلية المنتجة لهذه المادة وتهيمن على حصة سوقية كبيرة. وفى نهاية ديسمبر أطلق البنك المركزى آليته الجديدة لتحديد أسعار الدولار أمام الجنيه الأمر الذى ترتب عليه ارتفاع فى حدود 40 قرشا لكل دولار حتى الان ولا يعلم أحد السقف السعرى الذى يستهدفه المضاربون للدولار فى الأسابيع القادمة وبالتالى من الطبيعى أن تتأثر أسعار المنتجات الواردة من الخارج والداخلة فى صناعة البناء والتشييد وفى مقدمتها الأخشاب والأدوات الصحية وغيرها. وبالتالى تحالفت الضغوط الداخلية والخارجية على هذا القطاع الحيوى الذى يغذى أنشطة 65 مهنة مساندة وفرعية وبات بين شقى الرحى. فى الوقت ذاته كان القطاع العقارى يراهن ولايزال فى العام الجديد على عودة جزئية للانتعاش وتحرك نسبى فى المبيعات بعد عامين من الركود الطويل منذ انطلاق ثورة يناير وحتى الآن ودعم من هذا الرهان اتساع الفجوة بين العرض والطلب فى هذين العامين حيث أضيف الطلب الناتج عن هذه المدة الزمنية إلى رصيد الطلب المؤجل من قبل الثورة وكذلك تأكد عدد كبير من راغبى الشراء أن تأجيل القرار يعنى تحمل مزيد من الاموال وأن التعجيل بالشراء هو القرار الأفضل وبالتالى كشفت مؤشرات المبيعات وضعا أفضل خلال الشهرين الماضيين لاسيما مبيعات المنزل الثانى فى المناطق الساحلية التى تعنى رسالة إيجابية للسوق لأن نشاط المبيعات الساحلية يعنى أن السوق بدأت تتحرك للأمام. من هنا يؤكد خبراء عقاريون أن العام الجارى سوف يكون هو الأفضل للقطاع بصفة عامة مقارنة بالعامين الماضيين. فى مقدمة هؤلاء الخبراء المهندس سامى القرينى رئيس مجلس إدارة مجموعة إمارات هايتس العقارية حيث يشير إلى أن هناك توقعات متفائلة خلال الفترة القادمة حيث يظل العقار مخزنا آمنا للقيمة فى فترات الاضطراب المالى وقديما قالوا إن العقار يمرض ولا يموت ومع ذلك لم تتأثر الأسعار أو تنخفض على خلفية حالة الركود التى شهدها الاقتصاد المصرى بصفة عامة بعد ثوره يناير. وقال إن حركة المبيعات بدأت تظهر مؤشرات إيجابية خلال الفتره الاخيرة ومن المتوقع أن تزداد وتيرة المبيعات فى الشهور القادمة بسبب عملية الانخفاص التى لحقت بالجنيه لأننا تتحدث الان عن تراجع فى حدود 10 % للجنيه أمام الدولار وهذه النسبة سوف تنعكس ارتفاعا فى الأسعار بشكل فورى مع افتراض ثبات العوامل الأخرى ولأن العوامل الاخرى غير ثابتة حيث ارتفعت أسعار معظم المواد الأولية إلى جانب التوقع بارتفاع تكلفة العمالة فإن مؤشر الأسعار سوف يحرز مزيدا من الارتفاع مدفوعا بهذه العوامل وهو ارتفاع سوف يتراوح بين 15،20 % حسب الجداول التنفيذية للمشروعات ومدى النسبه البنائية التى تمت قبل الارتفاع الأخير للأسعار وانخفاض الجنيه. وأوضح القرينى أن فجوة الطلب لاتزال على حالها بل تتسع يوما بعد يوم فإذا كنا نتحدث عن 250 ألف وحدة سكنية نقصا فى المعروض قبل ثورة يناير فإن هذه الفجوة الان لا تقل عن 400 ألف وحدة سكنية رغم آلاف المنازل التى تم بناؤها فى المناطق الزراعية خلال العامين الماضيين على خلفية حالة الانفلات الأمنى. وإذا وضعنا فى الاعتبار العامل الديموغرافى المتعلق بارتفاع عدد السكان بصفة عامة وارتفاع عدد الشباب من صغار السن ونسبتهم إلى إجمالى السكان نخلص إلى أن الفجوة بين العرض والطلب فى سوق الإسكان سوف تزداد بمرور الوقت لتبلغ نحو نصف مليون وحدة سنويا الأمر الذى يرشح العقار لمزيد من الارتفاع السعرى فى السنوات القليلة المقبلة لاسيما إذا شهد الاقتصاد الكلى تحسنا وارتفعت الدخول وانخفضت معدلات البطالة وبالتالى يصبح قرار الشراء الان قرارا استثماريا بامتياز ومضمون العائد الجيد على المدى المتوسط أى خلال فترة لا تجاوز الثلاث سنوات. وقال المهندس سامى القرينى إن ندرة الأراضى الصالحة للبناء وارتفاع تكلفة المرافق تمثل العنصر الحاكم فى المنظومة العقارية وبالتالى لابد من البحث عن حل جذرى لهذه المشكله بعد أن وصلت أسعار الأراضى فى بعض المدن الجديدة إلى خمسة الاف جنيه للمتر المربع الأمر الذى سوف يسهم فى مزيد من تعقيد المشكلة على المدى البعيد ويضع تحديا كبيرا أمام المطورين العقاريين الذين سيجدون أنفسهم مضطرين لبناء وحدات إسكان فاخر تغطى التكلفة المرتفعة لأسعار الأراضى والمرافق. من جهته يؤكد المهندس حسين صبور رئيس جمعية رجال الأعمال ورئيس مجلس إدارة شركة الأهلى للتنمية العقاريه أن انخفاض الجنيه وكذلك الضرائب المقرر فرضها على أسعار البناء من الحديد والأسمنت سيؤدى إلى ارتفاع أسعار الوحدات السكنية والعقارات نظرا لزيادة تكاليف الإنتاج التى يتحملها المستهلك النهائى. وقال إن هناك العديد من المواد الداخلة فى صناعة البناء والتشييد لا يتم إنتاجها محليا ويتم استيرادها من الخارج الأمر الذى يعنى حدوث تغيرات سعرية خلال الفترة الحالية ومن ثم إلقاء أعباء جديدة على كاهل محدودى الدخل تؤدى إلى تفاقم أزمة السكن مشيرا إلى أن هناك توقعا بارتفاع أسعار الوحدات السكنية بنسبة 5 % على الأقل خلال فترة الربع الأول من العام الجارى. وأوضح رئيس شركة الأهلى للتنمية العقارية أن غالبيه الاستثمارات المحلية والخارجية قبل الثوره اتجهت إلى القطاع العقارى وشراء المزيد من الوحدات السكنية والأراضى باعتبارها المخزن الآمن للقيمة والأقل تأثرا بالمتغيرات السياسية إلا أن الاضطرابات السياسية والأمنية التى أعقبت الثورة وحالة غموض الرؤى إلى جانب أزمة عقود الشركات العقارية والجدل المثار حول ملكيات الوحدات دفعت رءوس الأموال إلى الاحجام عن شراء العقارات والأراضى والاحتفاظ بالسيولة النقدية لحين استقرا ر الأوضاع ومن ثم تراجعت عمليات الشراء وإصابة السوق بالشلل التام مشيرا إلى صعوبة التنبؤ بإمكانية عودة الاستثمارات بقوة إلى هذا القطاع عقب تدهور سعر الجنيه نظرا لاستمرار عملية الانخفاض وبالتالى ظلت عمليات الشراء محدودة خلال العامين الاخيرين. وقال إن عودة عملية الشراء مرهونة بهدوء الاوضاع السياسية والاقتصادية على الرغم من زيادة الفرص الاستثماريةخاصة لرءوس الأموال الاجنبية فى شراء الوحدات السكنية نظرا لانخفاض القيم السوقية وباعتبار السوق المصرية الاكثر جاذبية من حيث ارتفاع الكثافة السكانية ووجود رغبات شراء حقيقية تدفع الأسعار للارتفاع المستمر. ويطالب المهندس حسين صبور بضرورة اتخاذ إجراءات فعلية من جانب الجهات الحكوميه لتصحيح مسار القطاع والحد من حالة الجمود التى أثرت على الشركات والمشروعات فضلا عن حاجة الشركات إلى الاستقرار الأمنى ووضوح الرؤى لتفعيل خططها الاستثمارية خلال المرحلة المقبلة .