أصبحت الخدمات المالية الرقمية واقعاً حتمياً يعيشه العالم فى إطار تطوير قنوات الوصول إلى شرائح جديدة من العملاء لم تحظى مسبقاً بمثل هذه الخدمات، وتيسير المعاملات المالية للعملاء الحاليين لدى المؤسسات المالية المختلفة وفي هذا الصدد يقول الدكتور أحمد حسين خبير تنمية نشاط التمويل متناهى الصغر بالهيئة العامة للرقابة المالية أنه تظهر العديد من التجارب الدولية فى عدة بقاع بالعالم الآثار الايجابية لإستخدام الدفع بالهاتف المحمول فى تقديم الخدمات المالية المختلفة، وبشكل خاص فى نشاط التمويل متناهى الصغر كأبرز الأدوات التكنولوجية وأبسطها فى تفعيل الخدمات المالية الرقمية وانتشارها بين أطياف كثيرة فى المجتمع، وفى مصر وتضامناً مع جهود عدّة لإستخدام قنوات الدفع الرقمية لزيادة معدلات الشمول المالى فى الدولة تأسس المجلس القومى للمدفوعات فى أوائل عام 2017 ليضع هدفاً استراتيجياً للدولة متمثلاً فى التحول إلى الاقتصاد غير النقدىCashless Economy والذى تبلور حالياً تحت عنوان قانون المدفوعات غير النقدية الجارى مناقشته حالياً بمجلس النواب المصرى. وفى هذا السياق فقد حرصت الهيئة العامة للرقابة المالية بالتعاون مع الأطراف المعنية والممثلة فى البنك المركزى المصرى والاتحاد المصرى للتمويل متناهى الصغر، على اتاحة الفرصةلجهات التمويل متناهى الصغر على الإستفادة من هذه التقنية فى الصناعة من خلال إدراجها بشكل واضح ضمن أطراف المنظومة الرسمية لتيسير خدمات الدفع باستخدام الهاتف المحمول التى أصدرها البنك المركزى المصرى فى نوفمبر 2016، حيث تم الإعتداد للمرة الأولى فى مصر أن يتم السماح لجهات التمويل متناهى الصغر المُرخصة من الهيئة بمزاولة النشاط باعتمادها كمقدم خدمة الدفع بالهاتف المحمول بالتعاون مع البنوك التجارية المُشاركة فى هذه المنظومة أى كوكيل Agentعن هذه البنوك لخدمة عملائها فى نشاط التمويل متناهى الصغر بالمحافظات المختلفة، وتشتمل هذه الوكالة على القيام بثلاثة مهام رئيسية هى اتمام اجراءات التعرف على الهوية KYCوصرف التمويلات وتحصيل الأقساط،للسماح لعملاءها بالاستفادة من تلك الخدمات من خلال شبكة فروع تلك البنوك أو وكلائهم الآخرين من محال تجارية وخلافه وبشكل خاص منافذ شركات الهاتف المحمول فى عمليات الصرف والايداع وفقاً للنطاق الجغرافى الذى يتناسب مع كل عميل. وحرصاً على تقديم بيئة عمل ملائمة ومؤمنة أصدرت الهيئة العامة للرقابة المالية قواعد الاستفادة من تلك الخدمات فى مارس 2018 وذلك لجهات التمويل متناهى الصغر المختلفة من الجمعيات والمؤسسات الأهلية والشركات المُرخص لها، وبحيث يتم تفعيل الخدمات بالسوق المصرى من خلال تطبيقات الكترونية مؤمنة على الهاتف المحمول الخاص بالعميل تعُرف باسم المحافظ الذكية الSmart Walletلدى البنوكدون اشتراط وجود حساب بنكى مسبق للعميل، وكذلك تطبيق المحافظ الإلكترونيةE-walletلدى شركات الهاتف المحمول المختلفة، حيث تم العمل على تقديم حلول تكنولوجية ملائمة تسمح بالتعامل على الأنواع المختلفة من الهواتف سواء الهواتف المحمولة الذكية أوالهواتف المحمولة العادية لتنفيذ المعاملات المالية ببساطة وفقاً للاختيار الأفضل للعميل. فضلاً عن تحمل البنك التجارى وشركات الهاتف المحمول بالتكاليف الاستثمارية الخاصة بالربط التكنولوجى والبيئة الفنية والمعلوماتية المطلوبة وإدارة مخاطر تشغيل النظام، بالإضافة للتكاليف التشغيلية الخاصة بإصدار التقارير الرقابية الدورية لسجلات المدفوعات اليومية، وتقديم التدريب والتوعية الخاصة باستخدام تلك الخدمات لموظفى جهات التمويل متناهى الصغر. كما اهتمت القواعد المنظمة لتقديم تلك الخدمات بتوفير وسائل توعية إرشادية مبسطة للعميل لتوضيح كيفية استخدام الخدمة ووسائل الاستفسارات أو تقديم الشكوى بشأنها (ان وجدت). وعلى هذا النحو تعكس تلك القواعد ما يمكن أن يساهم به تطبيق منظومة الدفع بالهاتف المحمول فى زيادة فرص وصول التمويل متناهى الصغر فى مصر، حيث سيتيح نموذج العمل الجديد الخاص بالهاتف المحمول الفرصة لجهات التمويل متناهى الصغر فى إحداث تحولات استراتيجية بمستقبل الصناعة يتمثل أهمها فيما يلى: * سرعة تنفيذ عمليات الصرف والتحصيل لمعاملات التمويل متناهى الصغر فى أوقات متعددة ومن أماكن مختلفة خلال جميع أيام الأسبوع طوال 24 ساعة يومياً، وهو ما سيعمل على تيسير عمليات تقديم التمويل بمناطق ريفية مختلفة تعانى من عدم وجود مؤسسات تمويل فى نطاقهاالجغرافي، ومع استخدام التقنية الجديدة ستتمكن عدد من المؤسسات من توسيع قاعدة الوصول للعملاء بأساليب مختلفة مثلاً اجراء زيارة أسبوعية لتلك المناطق لإتخاذ الخطوات المتعارف عليها فى التمويل ثم يتم الصرف والسداد والمتابعة من خلال سجلات مدفوعات الهاتف المحمول. * التخفيض الملموس فى تكلفة المعاملات اليومية للمؤسسة حيث توفيرتكاليف نقل الأموال من وإلى البنك، تخفيض موازنة تكاليف انتقال مندوبى التحصيل إلى مقار العملاء، تكاليف المتابعة الهاتفية ..الخ. * تخفيض تكلفة انتقال العملاء لمقار فروع المؤسسات للسداد المباشر، وتوفير وقت العمل المُستهلك منهم فى سداد الأقساط، بالإضافة إلى امكانية الدفع طوال ساعات اليوم مما يجنبهم عبء غرامات التأخير. * الحد من مخاطر التشغيل فى معاملات تحصيل الأقساط والصرف،وتجنيب العملاء والمؤسسات التعرض لمخاطر الاحتيال المالى والسرقات خاصة فى المناطق الريفية البعيدة والمناطق النائية. * تهيئة السوق بشأن تقديم العديد من منتجات التمويل الرقمى Digital Finance وتطبيقات تكنولوجيا الخدمات المالية Fintechفى القطاعات الإقتصادية المختلفة لعملاء التمويل متناهى الصغر، وأهمها منتجات التمويل الزراعى المطلوبة بشدة للمناطق الريفية، ومن ثم تصميم منتجات مالية تركز على العملاء وتزيد من حجم المنافع الحقيقية لهم فى هذه المناطق. * يُعد التغير الأكثر عمقاً هو امكانية اختراق مؤسسات التمويل متناهى الصغر لشرائح سوقية جديدة لم يكن ملائماً التعامل معها من قبل بالأساليب التقليدية، وأهم هذه الشرائح تتمثل فى شرائح الشباب من رواد الأعمال Micro Entrepreneurs التى تفُضل التعامل بالصيغ الإلكترونية، وترغب فى ذات الوقت فى حجم تمويلات يتراوح من50 - 100 ألف جم وهو ما سوف يساعد على زيادة متوسط حجم التمويل فى السوق بشكل ملموس والاستفادة من وفورات الحجم، ومن ثم زيادة عوائد المؤسسات بالتبعية. * تقديم نموذج جديد وموثق لإدارة النقد فى مؤسسات التمويل متناهى الصغر من خلال التنبؤبالتدفقاتالنقديةالمستقبلية بناءا على سجلات تاريخية لمدفوعات التمويلات بالهاتف المحمول خلال فترات زمنية مختلفة لعملاء المؤسسة المستمرون، مما يساهم كثيراً فى بناء خطة العمل السنوية للمؤسسة بشكل موضوعى ودقيق. * تطوير أدوات ادارة المخاطرالائتمانية للعملاء حيث تُظهربيانات سجلات الدفع بالهاتف المحمول أن العملاء الذين لم يتوفر عنهم مسبقاً بيانات مالية رسمية موثقة سوف يظهرون إلى الوجودالرسمى في النظام الرقمي، وهو ما سوف يمكن كل من مؤسسات التمويل ومؤسسات الاستعلام الائتمانى من تطوير أساليب غير تقليدية لقياس الجدارة الائتمانية لهؤلاء العملاء.
وختاماً، فإنه يتوجب على جهات التمويل متناهى الصغر أن تبادر إلى التعرف على طبيعة هذه الخدمات عن قرب، وأن تركز اهتمامها على كيفية إدماج تلك الخدمات فى نموذج العمل الخاص بها، مع ايلاء العناية الكافية بممارسات التوعية السليمة والهادفة لموظفيها وعملاءها لنشر ثقافة الدفع بالهاتف المحمول تدريجياً بين شرائح العملاء المختلفة حتى يمكنها تعظيم القيمة المضافة من تلك الخدمات فى محفظة التمويل لديها.