لو كان الأمر بيدى لناديت بإطلاق يد اتحاد شركات التأمين ليشرع وينظم النشاط التأمينى فى مصر بما يتماشى ويتوازى مع تطبيقات الدول المتقدمة وهو أمر ليس فيه بدعة، إذ إن اتحاد شركات التأمين يقع فى مقدمة مؤسسات المجتمع المدنى الذى يمكن بل يتحتم أن يقوم بدور فعال لتطوير القطاع التأمينى بالكامل باعتباره ممثلا للمصلحة العامة ويملك موقف الحيدة فى الصراعات التجارية التى قد تدور رحاها بين شركات التأمين وبعضها، فهو فى هذه الحالة ممثل لمصلحة المجتمع وممثل لمصلحة المؤمن عليه وأيضا شركة التأمين أيا كان موقعها. مثال ذلك عملية التأمين على السيارات التى تبدأ بتأمين هزيل يسمى بالتأمين الإجبارى قد يصاحبه بالتوازى ما يسمى بالفحص الفنى للسيارة بواسطة مهندس مرور فى غيبة معامل اختبار فنية تقرر بدقة فنية حالة السيارة من حيث الفرامل وانتظام تأثيرها فى العجلات الأربع وكفاءة التأثير الفرملى وحالة الإطارات ذاتها ونوعياتها، ناهيك عن اتزان عجلة القيادة ومقدار البوش، ونسبة العوادم الضارة المنبعثة من السيارة وحالة كهرباء السيارة بدءا من البطارية وانتهاء بالإشارات ومدى الأمان فى عدم حدوث أعطال ناجمة عن عيوب فى النظام الكهربائى. وفى الدول الآخذة بنظام الدولة العصرية فإن هذه المعامل تنشأ وتدار بصورة هادفة للربحية المتوازنة عن طريق اتحاد شركات التأمين، حيث ينتهى الفحص الفنى الذى يتم بأجر بإصدار شهادة تسمى صلاحية السيارة للتسيير لمدة سنتين وصلاحية التأمين عليها، وبموجب هذه الشهادة يمكن لصاحب السيارة أن يستصدر بوليصة التأمين من أى من شركات التأمين العاملة فى الساحة، وبذا يمكن للمرور إصدار ترخيص السيارة مغطيا هذه الفترة بالكامل أو جزءا منها. أما عن موقف السائق نفسه فهذا أمر آخر، إذ إن أمر صلاحية السيارة لا ينفصل عن موضوع صلاحية السائق نفسه إذ يجب على السائق أن يستصدر بوليصة تأمين خاصة به بأن يحصل من اتحاد شركات التأمين التى تراجع موقفه من المخالفات التى ارتكبها خلال العام السابق ليحصل على شهادة لصلاحية التأمين عليه لمدة سنة من فئة (أ) أو (ب) أو (ج) وذلك حسب المخالفات التى ارتكبها وعددها من كسر إشارة المرور والوقوف الخاطئ والحوادث البسيطة أو الجسيمة، حيث سيتحدد بموجب موقف الشهادة (أ) أو (ب) أو (ج) قيمة التأمين ارتفاعا أو انخفاضا فى القيمة التى عليه أن يسددها لشركة التأمين التى يختارها ليحصل على البوليصة التى يصدر بمقتضاها المرور رخصة القيادة الخاصة به. وقائد السيارة المبتدئ سيبدأ بالفئة (ج) الأعلى سعرا لتنخفض القيمة بعد ذلك حسب رصيده من الالتزام المرورى أو عكس هذا من المخالفات المرورية، وقد يرفض اتحاد شركات التأمين فى بعض الحالات منح الشهادة لبعض السائقين لفترة قد تطول أو تقصر لعدم استيفائهم عناصر أمان القيادة أو لارتكابهم حوادث جسيمة. هذا الأمر فى حد ذاته والمطبق بنجاح مستقر وممتد فى دول تقع فى أقاصى الأرض مثل أستراليا كما هو مطبق فى قلب العالم فى وسط أوروبا، ليعطى كل ذى حق حقه دون حاجة لتدخل سلطة أعلى مثل إدارة المرور إلا فى الحالات التى تحتاج منها إلى تدخل مثل سحب الرخصة الفورى لوجود ما يبرر ذلك. واتحاد شركات التأمين الألمانية كمثال لما هو مطبق فى الاتحاد الأوروبى نجد أنه يصدر أيضا سجلا بالمصانع التى ينطبق إنتاجها مع المواصفات القياسية المعتمدة سواء من رشاشات – مواسير- كابلات أو أجهزة إطفاء وأنظمة تلقائية بحيث يذكر اسم المصنع والأصناف المعتمدة لديه نتيجة لفحص وتمحيص مستندى يسبق القيد فى السجلات، مثال ذلك يصدر اتحاد شركات التأمين الألمانية (VdS) ما يسمى بالكتاب الأزرق وهو أمر يعاد إصداره كل عام فى صورة محدثة تخضع للإضافة والحذف حسب المقتضيات والمتغيرات. ولا يفوتنا فى هذا الشأن الأثر الإيجابى لما أتى به قانون المرور المصرى من اشتراط وجود جهاز إطفاء فى كل مركبة شرطا لترخيصها، حيث أثبتت سجلات شركات التأمين انخفاض قيمة تعويضات الخسائر إلى 10% عما كانت عليه قبل تطبيق القانون، هذا بجانب الأثر المهم من تخفيف العبء على إدارات الإطفاء والدفاع المدنى المحلية والمركزية نتيجة لانخفاض البلاغات عن حالات حرائق السيارات بالطريق والجراجات وأيضا الأنفاق نتيجة لذلك. ونحن الآن فى مصر مهيئون أكثر من أى وقت مضى لتزويد اتحاد شركات التأمين بصورة فورية بالبيانات الإلكترونية الخاصة بالمخالفات المرورية فور حدوثها المرتبطة بقائدى السيارات والأحكام التى تصدر ضدهم ولاسيما بعد أن دخل نظام الحكومة الإلكترونية فى أولى أولويات الحكومة. مثال آخر لا يقل أهمية عن دور اتحاد شركات التأمين الذى يرتبط بالفحص الفنى وإعطاء شهادة صالح للتأمين عليه لفترة ما وذلك فى مجال فحص واختيار أنظمة الإنذار والإطفاء الآلى، حيث إنه الأقدر على إمكانية الفحص الفنى بالإضافة إلى امتلاكه سجلات ترتبط بالتصريح لمزاولة المهنة للشركات القائمة بأعمال التركيب وأيضا التوريد لمعدات الإنذار والإطفاء الآلى وعليه تقع مهمة الإضافة كل عام ولاسيما الموردين المعتمدين وحذف المخالف منهم تبعا للأحوال وفى إصداره للقوائم السنوية من واقع هذه السجلات للموردين المسجلين فيه توجيه للعملاء المتعاملين بالشراء لهذه الأنظمة بالتوجه للموردين المعتمدين دون غيرهم، وهو أمر مطبق فى جميع الدول الأوروبية وغير الأوروبية بلا استثناء. وهناك مثال آخر على جانب كبير من الأهمية وهو الترخيص بتشغيل المصاعد وهو أمر يكتنفه الكثير من المآسى التى نسمع عنها، حيث كان الاختصاص بإصدار مثل هذا الترخيص لتشغيل المصاعد من اختصاص وزارة الأشغال العمومية يوم أن كان فى مصر وزارة بهذا المسمى وضاع فيما بعد هذا الاختصاص ليدخل فى نطاق مهام المحليات ممثلة فى الأحياء وهى مسئولية يهرب منها مهندسو الأحياء لغياب إمكانيات الفحص والاختبار الفنى، وفحص وسائل الأمان المرتبطة بكل مصعد، وهو ما مهد لانتشار ظاهرة المصاعد التى لا تحمل ما يدل على صانعها ولا سنة الصنع ولا جهة الصيانة المسئولة عنها. هذا الأمر ينسحب أيضا على معدات المصانع من روافع وأوناش سواء كانت علوية أو برجية أو أوناش شوكة حتى إن كانت تعمل داخل نطاق المصانع ومواقع العمل ويفترض أنها لا ترتاد الشوارع أو الطرق العامة إلا أن حماية منطقة العمل بالمصانع ومواقع الإنشاءات تستلزم دون تهاون إصدار تراخيص لها بالعمل تجدد فى ضوء الفحص والاختبار من جانب اتحاد شركات التأمين لتصدر إثر ذلك شهادة الصلاحية بالتأمين عليها من فئة (أ) أو (ب) أو (ج) أو أيضا حجب الشهادة عنها بصورة مؤقتة أو دائمة حسب حالتها الفنية واستيفاءها لعناصر الأمن والأمان. كما ينسحب أيضا على جانب من الاستعمالات الصناعية والإنشائية المهمة التى تندرج تحتها المعدات الهندسية الثقيلة من معدات رصف الطرق وتعبيدها والكراكات والأوناش السائرة فى الشوارع والتى على كثرتها تعمل دون ترخيص أو حتى لوحات معدنية تمكن من تمييزها، والذكرى مازالت تذكر الونش الذى اختفى ولم يظهر له أثر وهو الأمر الذى ما كان له أن يحدث لو كان لهذه المعدة ترخيص بالسير وتحمل لوحات معدنية يجدد سريانها دوريا. أما فى الدول التى تهتم بأمن المواطن وانضباط الشارع الصناعى وشارع الخدمات الملتزمة والملزمة المصاحبة للنمو الصناعى والفنى فإنها أناطت هذه المهمة لاتحاد شركات التأمين الذى قام بدوره وأنشأ سجلات لصناع المصاعد المعتمدين وأصناف المكونات الخاصة بالتشغيل والأمان المعتمدة لديه بحيث تحدث هذه السجلات سنويا بإضافة من يستجد إليها وشطب المخالف للاشتراطات، الأمر نفسه ينسحب على التصريح بتشغيل المراجل والقلايات البخارية والسفن البحرية والبواخر النهرية وكل أنواع العائمات، فلا يتم التصريح بتشغيلها أو دخولها فى نطاق الاستعمال إلا بعد إتمام إجراءات الفحص الفنى والموافقة على إصدار بوليصة تأمين عليها بمعرفة اتحاد شركات التأمين. إن هذا الأمر وغيره من الأمور من الواجبات الضرورية لانضباط الممارسات الفنية التى توصم فى مجتمعنا بغياب السيطرة والتحكم بما ينذر بظاهرة الترهل الإدارى على حساب المواطن سواء كان ساكنا أو زائرا أو مترددا على مبنى، وللعجب الشديد فإن هذه الحلول لا تكلف خزانة الدولة شيئا وتغطى أعباءها، محققة فائضا لاتحاد شركات التأمين ينفق منه على التوسع فى نشر خدماته فى أرجاء الدولة محققا فائضا محمودا، ومحققا فى الوقت نفسه جانبا من سيادة الدولة فى تحقيق انضباط الشارع الصناعى والمرورى والأمن والأمان.