حسم طارق عامر محافظ البنك المركزى أمر تحرير سعر الصرف ومرونته وفقا لتطورات العرض والطلب بالسوق، إذ قال عامر -فى تصريحاته لوكالة بلومبرج- إن سعر الصرف الثابت على مدى الأشهر الماضية من المحتمل أن يتحرك بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة، لا يخفى على المراقبين للسوق والمتابعين للتطورات الاقتصادية عن كثب أن الجدل غير المعلن بين دوائر الاستثمار المحلية والإقليمية والعالمية، وأيضا على مستوى شركات الصرافة، على أن ثبات سعر الصرف على مدى الفترة الماضية وسيما العام الماضى الذى شهد انخفاض -ربما تدهور- عملات لاقتصادات صاعدة، يعكس تدخلا واضحا. أزمة الأسواق الناشئة وفى القلب منها انخفاض وتدهور عملات عدد من الأسواق الصاعدة لا سيما الأرجنتين وتركيا، وإعادة هيكلة الصناديق العالمية لاستثماراتها فى الأسواق الصاعدة كان واضحا خلال 2018 وبالتحديد منذ مارس 2018، ورغم ذلك ظل سعر الصرف ثابتا، مصر لم تكن بعيدة عن ذلك إذ بلغت الاستثمارات التى خرجت منذ إبريل حتى نهاية العام ما يزيد على 12 مليار دولار، الأمر لا يتعلق بأداء الاقتصاد المصرى إذ شهدت مؤشرات الأداء تحسنا واضحا كما رفعت وكالات التصنيف العالمية تصنيفها لمصر وغيرت نظرتها المستقبلية من مستقرة إلى إيجابية، ولكن الأمر يتعلق أكثر بزيادة الوزن النسبى لمحافظ المستثمرين الأجانب فى السوق المصرى بعد أن تم سحب جانب كبير من استثماراتها من الأسواق الناشئة لا سيما مع توقف الفيدرالى الأمريكى إلى جانب رفع الفائدة على الدولار عن حزمة التحفيز التى بدأها منذ الأزمة المالية العالمية وكذلك تخفيض البنك المركزى الأوروبى حزمة التحفيز، ما أثر على السيولة وجذب جانبا من الاستثمارات العالمية إلى الأسواق المتقدمة للاستفادة من الفائدة على الدولار لا سيما مع توجه الفيدرالى الأمريكى لرفع الفائدة خلال 2019. الاحتياطى النقدى من العملات الأجنبية لدى البنك المركزى سجل أعلى ارتفاع له يكفى لتغطية واردات 8 أشهر، كما سجل ارتفاعا بمبلغ 5.5 مليار دولار العام الماضى، ولكن تراجعه لأول مرة فى ديسمبر بعد سلسلة ارتفاعات متتالية منذ نوفمبر 2016 مع تحرير سعر الصرف، بسبب تأخر تحويل الشريحة الخامسة من قرض صندوق النقد الدولى، إلى جانب الالتزامات الخارجية خلال العام الحالى التى تتجاوز 13.5 مليار دولار -وإن كان معظمها نحو 10 مليارات دولار ودائع للسعودية والإمارات والكويت- إلى جانب زيادة الفجوة فى الميزان التجارى خلال الربع الأول من العام المالى الحالى بمليار دولار لتسجل 10 مليارات -17 مليار دولار واردات مقابل نحو 7 مليارات دولار صادرات- إلى جانب تراجع صافى الاستثمار الأجنبى المباشر ليسجل 1.1 مليار دولار، ورغم الانتعاش الواضح فى ميزان الخدمات، فإن الأمر يتطلب مزيدا من المرونة فى سعر الصرف، لا سيما مع زيادة التوقعات بخفض سعر الفائدة خلال الفترة المقبلة لا سيما فى النصف الثانى من العام، إذ لم ينخفض سعر الفائدة إلا بنحو 200 نقطة أساس بعد أكثر من عامين منذ تحرير سعر الصرف الذى شهد رفع الفائدة ب800 نقطة أساس مرة واحدة، وزير المالية د. محمد معيط تمنى خفض الفائدة منذ أيام. لا أحد يمكنه أن يقبل التضحية بالاحتياطى الأجنبى للدفاع عن قيمة الجنيه، وفى مقدمة هؤلاء بالطبع محافظ البنك المركزى الذى أخذ على عاتقه قرار تحرير سعر الصرف وهو القرار الأجرأ وحجر الزاوية فى برنامج الإصلاح الاقتصادى، كما أن قرار إلغاء آلية ضمان البنك المركزى لتحويل أموال المستثمرين، يمثل نقطة تحول مهمة إذ لم يكن هناك ما يبرر استمرار العمل بهذه الآلية ولا سيما أن مؤشرات أداء الاقتصاد فى تحسن مستمر، كما أن العملات الأجنبية متوافرة، وقطاعات الاقتصاد المولدة للعملات الأجنبية فى انتعاش وتحسن مشهود، كما أن الأسواق الناشئة التى تمر اقتصاداتها بظروف غير مواتية ليس لديها مثل هذه الآلية، ولعل عودة المستثمرين الأجانب إلى السوق المصرى فى شهر يناير الحالى الذى سجل صافى تدفق للاستثمار الأجنبى إيجابيا فى أدوات الدين الحكومى وفقا لتصريحات محافظ البنك المركزى، ما يؤكد كفاءة ورشادة السياسة النقدية وجدوى قراراتها لا سيما توقيتها الذى يخضع لظروف التطورات الاقتصادية المحلية والعالمية برؤية ثاقبة.