يشهد الاقتصاد المصرى حاليا فترة عصيبة تعتبر الأصعب من نوعها منذ حرب 1973، حيث بات يواجه حالة من الركود الداخلى بعدما استطاع اجتياز ثورتين متتاليتين من جانب، وتداعيات حالة الركود العالمى كنتيجة طبيعية للأزمة المالية العالمية من جانب آخر، بالإضافة إلى انعكاسات الأزمات السياسية المختلفة التى باتت تموج بها منطقة الشرق الأوسط والتى ساهمت بشكل كبير فى عرقلة الجهود المبذولة للوصول إلى التنمية المنشودة. فقد عانى الاقتصاد المصرى - جراء ما سبق - من تباطؤ معدلات النمو الاقتصادى التى لم تتجاوز 3% منذ عام 2011، وانخفاض حاد فى صافى الاحتياطى النقدى الأجنبى وصل إلى 16.53 مليار دولار فى نهاية فبراير 2016 بسبب الانخفاض الحاد فى أهم مكونات احتياطى النقد الأجنبى المتمثلة فى السياحة التى تمثل حوالى خُمس عائدات النقد الأجنبى، حيث تراجعت عائداتها بنحو34% لتسجل 7.4 مليار دولار فى عام 2015 مقارنة ب 10.6 مليار دولار فى عام 2010. واتصالا بما سبق، انخفضت نسبة الصادرات المصرية مُسجلةً نسبة محدودة جدا مُقارنةً بالواردات، حيث تراجعت الصادرات إلى نحو 23 مليار دولار فى عام 2015، بالإضافة إلى انخفاض حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة منذ حدوث الأزمة المالية العالمية، حيث تراجعت الاستثمارات من 13 مليار دولار فى عام 2008 إلى 6.3 مليار دولار عام 2015. أما فيما يتعلق بمتحصلات قناة السويس، فقد ثبتت نسبيا عند 5.4 مليار دولار فى عام 2015 على الرغم من التوقعات بزيادة عائدات قناة السويس بعد افتتاح الممر المائى الجديد للقناة، وهو ما يرجع بالأساس إلى انخفاض حجم التجارة العالمى والركود الاقتصادى العالمي، كما استمر ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج بنسبة متواضعة ليبلغ نحو 19.2 مليار دولار خلال عام 2015 مقارنة بنحو 18.4 مليار دولار فى العام السابق له، ويرجع ذلك إلى عدم استقرار الأوضاع السياسية بعدد من الدول العربية التى يعمل بها النسبة الأكبر من المصريين، وكذا تحديد سقف الإيداع والسحب النقدى بالعملة الأجنبية فى عام 2015، وإلغاء البنك المركزى له مؤخرا الذى بدأت نتائجه الإيجابية فى الظهور. ومن هذا المنطلق، اتجهت الحكومة إلى البحث عن مسارات جديدة يستطيع الاقتصاد من خلالها الخروج من أزمته الحالية، على رأسها تدشين عدد من المشروعات القومية الكبرى توقع الخبراء أنها سوف تُحدث نقلة نوعية فى الاقتصاد مثل قناة السويس الجديدة، العاصمة الإدارية الجديدة وغيرهما، لما لها من قدرة على خلق حالة نشطة وفعّالة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فعلى مدار التاريخ نجحت مثل هذه المشروعات فى إحداث تغير جوهرى فى اقتصادات دول كثيرة كدول شرق آسيا وجعلتها فى مصاف الدول المُتقدمة. فمشروع قناة السويس الجديدة من المشاريع التنموية الهامة الذى سيسهم فى خلق ملايين من فرص العمل ويجعل مصر مركزا صناعيا وتجاريا ولوجستيا عالميا، وسيزيد من فرص الاستثمار الوطنى والأجنبى وسيزيد من الدخل القومى والعملة الصعبة، فضلاً عن إنشاء مشروعات تنموية تتكامل معه بالمنطقة، الأمر الذى من شأنه دفع عجلة الاقتصاد مرة أخرى. ورغم أهمية تلك المشروعات لتحقيق التنمية الاقتصادية، فإن نتائجها تحتاج إلى وقت طويل لتؤثر فى مختلف مناحى الحياة الاقتصادية والاجتماعية بالشكل الذى يلمسه المواطن، فهى ليست الأداة الوحيدة فحسب لتحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة، فاقتصادنا فى أمس الحاجة إلى اتباع سياسات اقتصادية متكاملة وترتيب الأولويات لتحقيق النتائج المرجوة. وبناءً على ما تقدم، فقد بات من الضرورى قيام الحكومة بوضع خُطة عاجلة وشاملة تسير جنبا إلى جنب مع الاهتمام بالمشروعات الكبرى، من خلال الارتكاز على عدة محاور تتمثل فى: إعادة هيكلة الإنفاق العام بحيث يتم توجيه الإنفاق الحالى إلى الانفاق على المشروعات القائمة بالفعل (أبرزها الصناعات التحويلية/ المواد الغذائية/النسيج) وتحديد المشكلات التى تواجهها وتذليل العقبات التى تواجه القائمين عليها أولاً. توسيع القاعدة الضريبية وتجنب زيادتها على نفس حجم الوعاء الضريبى الموجود، حيث تُمثل نسبة العاملين فى القطاع غير الرسمى أكثر من 54% وكلها غير خاضعة للضرائب، ولذا تضطر الدولة إلى زيادة قيمة الضريبة على العاملين فى القطاع الرسمى لزيادة ايراداتها لمواجهة العجز المتزايد فى موازنتها العامة. زيادة الاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة من قبل جميع الهيئات والوزارات (وزارة المالية والاستثمار والصندوق الاجتماعى للتنمية بجانب البنك المركزى) لتنمية هذه المشروعات، فسياسات البنك المركزى لا تعمل بمفردها، فمن الضرورى أن يكون هناك تنسيق وتكامل بين السياسات الاقتصادية المختلفة المعنية وليس فقط السياسة النقدية. ضرورة تركيز إنفاق الدولة على توفير الخدمات الاجتماعية المتمثلة فى الصحة والتعليم وضبط الأسواق، وإفساح المجال بشكل أوسع لدور القطاع الخاص ومشاركته فى عدد من المشروعات التنموية فى القطاعات الحيوية التى لها أولوية حاليا فى الاقتصاد المحلى. إعادة النظر سريعا فى قانون الاستثمار الحالى لعدم جدواه، وإجراء تعديلات على القانون القديم. وأخيرا، فلا شك أن المشروعات القومية هى أداة هامة ومؤثرة لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية بمفهومها الشامل، إلا أنها ليست الأداة الوحيدة والأكثر تأثيراً لإصلاح وضع الاقتصاد الحالي، ومن ثم فلقد أصبح وضع وتنفيذ الدولة لخطة اقتصادية متكاملة الأركان عبر هيكلة الإنفاق العام فى القنوات السالفة الذكر بما يتناسب مع أولويات المرحلة الحالية ضرورة قصوى يجب تبنيها تحقيقاً لأهداف التنمية المنشودة.