تجدد الأمل عند المصريين بعد افتتاح قناة السويس الجديدة على أمل انتعاش الاقتصاد المصري من جديد، وذلك بعد أن تفاقمت الأزمات الاقتصادية في مصر بعد فشل الحكومة الحالية في التعامل مع أزمة الاحتياطي النقدي الذي يتراجع باستمرار، وزيادة الأسعار التي عصفت بأجور المواطنين وفشل الحكومة بعد خمسة أشهر من انعقاد المؤتمر الاقتصادي في مارس الماضي في تنفيذ مشروعاته الاقتصادية التي تم طرحها حين ذلك، بجانب خروج نحو 11.4 مليار جنيه استثمارات أجنبية مباشرة من مصر منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي وحتى مارس 2015. وتجاوز الدين الداخلي لأول مرة في تاريخه نحو 2 تريليون جنيه وأيضًا ارتفاع الدولار لأول مرة في تاريخه مسجلًا 7.73 جنيه للبيع و7.68 جنيه للشراء، وزيادة عجز موازنة وزارة البترول إلى 10 مليارات بجانب ارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة إلى 218.8 بنسبة 9.4% مقارنة بنحو 7.3% خلال العام المالي السابق، ورفض البنك الأفريقي للتنمية وعدد من الدول المانحة طلب مصر بالحصول على قروض مالية مما يعرضها لأزمة سيولة. وبالرغم من الأمل الكبير الذي يعقده المصريون على مشروع قناة السويس الجديدة إلا أن الحكومة تواجه خطر فشل المشروع بعد مبالغتها في تقدير الإيرادات المتوقعة، وتجاهل ارتباطها بنسبة النمو الاقتصادي المتراجع، بالإضافة إلى تراجع نسبة السفن الصغيرة في الملاحة العالمية، مع صعوبة مرور ناقلات وسفن البترول الكبيرة في القناة، بحسب خبراء اقتصاديين. وفي إطار ذلك تستعرض "المصريون" آراء خبراء الاقتصاد في قناة السويس الجديدة، وهل ستكون سفينة إنقاذ للاقتصاد المصري خلال المرحلة المقبلة.
الولى: فوائد شهادات الاستثمار تأكل الإيرادات المتوقعة للتفريعة الجديدة بقناة السويس في البداية يقول ممدوح الولي الخبير الاقتصادي ونقيب الصحفيين الأسبق، إن تصريحات وزير المالية الأخيرة والتي أكدت أن الإيرادات الناتجة عن قناة السويس بعد إضافة التفريعة الجديدة سوف ترتفع بنحو 69 مليون دولار، وفوائد شهادات الاستثمار ستصل إلى 7.6 مليار جنيه في العام أي حوالي 900 مليون دولار يوضح أنه لا توجد زيادة حقيقية في إيرادات القناة حتى ولو بنحو 5%. وأشار الولي إلى أن توقعات زيادة الإيرادات بنحو 13,2 مليار دولار حتى 2023 هو أمر غير مبني على دراسات حقيقية وإنما هو مجرد احتمال، وذلك لأنه يرتبط بعدة عوامل منها معدل نمو التجارة العالمية بنحو 9% وهو صعب للغاية في ظل الركود الاقتصادي الذي يشهده العالم، ما يجعل نسبة النمو بأقل من 4% في الوقت الحالي، كما أن وزارة التخطيط توقعت انخفاض عدد السفن التي ستمر في قناة السويس خلال العام المالي المقبل إلى 1000 سفينة، وذلك لوجود اتجاه عالمي لبناء سفن كبيرة الحجم ومن ثم زيادة الحمولة والتخلص تدريجيا من السفن صغيرة الحجم، ما سيشكل خطرا محتملا على قناة السويس. وأضاف الخبير الاقتصادي أن ثلث سفن البترول الموجودة في العالم لا يمكنها المرور من قناة السويس بسبب أن غاطس السفينة يزيد عن عمق القناة الذي يبلغ 66 قدما حتى بعد التوسعة الجديدة. فالحكومة كانت قد أنشأت تفريعة سوميد من أجل تخفيف الحمولة من على السفن الكبيرة، ومن ثم عبورها من القناة وإرجاع الحمولة لأصلها عبر ميناء الإسكندرية، مضيفًا أن ذلك يشكل عبئا على تدبير سفن صغيرة والذي يتراجع إنشاؤها في الفترة الأخيرة بنحو كبير. وشدد الولي على أن ارتفاع نسبة الاقتراض الخارجي والداخلي رفع نسبة تكلفة الاقتراض في الموازنة العامة بشكل ضخم، ما أدى إلى استهلاكه لنحو 47% من الإنفاق في الموازنة العامة، وبالتالي ستؤدي إلى تراجع معدل الأجور كما ظهر في القانون الجديد للوظيفة المدنية، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة البطالة كما أن ارتفاع فائدة الدين ستؤدي إلى تقليل نسبة الاستثمار الداخلي وتأجيل الكثير من المشروعات الموضوعة على خطة الحكومة، وذلك لأن الحكومة مجبرة على دفع أقساط وفوائد الديون بشكل منتظم حتى يمكنها الاقتراض مرة أخرى، وبالتالي لا يمكن للحكومة زيادة الدعم أو الاستثمارات الطارئة التي يحتاجها المواطنون. وأضاف الولي أن هناك العديد من الأزمات التي يمر بها الاقتصاد المصري حاليا منها المتعلق بانخفاض حجم الإيرادات عن المصروفات ما يسبب عجز الموازنة، وأيضًا عجز الميزان التجاري بسبب ارتفاع نسبة الواردات التي أصبحت تمثل ثلث نسبة الصادرات، هذا بالإضافة إلى نقص الاستثمارات، وزيادة نسبة البطالة والفقر والتي ما زالت في ازدياد.
الكمالي: التصريحات الوهمية للحكومة وعدم وجود دراسات لمشروعات حقيقية يعرض الاقتصاد المصري لمزيد من التراجع من جانبه، يقول الدكتور أحمد كمالي أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية، إن زيادة عدد السفن المارة في قناة السويس الجديدة مرتبطة بمعدل النمو الاقتصادي العالمي وحركة التجارة العالمية بين الدول، مشيرا إلى أن هذا النمو في الوقت الحالي ضعيف جدا، ومتوقع أن يصل خلال العام القادم 2016 إلى 4% وهو معدل نمو لا يحقق العائد المتوقع للقناة ومن ثم سيمني الاقتصاد المصري بمزيد من الفشل. وأوضح كمالي أن التوقعات بارتفاع إيرادات قناة السويس من 5.3 مليار دولار إلى 13.2 مليار دولار ربما يكون له تفسيرات ودراسات لا يعلمها أحد، لافتا إلى أن هذا الرقم يعتبر مبالغا فيه إذا اعتمد فقط على تحصيل رسوم مرور السفن. فبهذا المعدل من النمو الاقتصادي العالمي فإنه يصعب على مصر تحقيق القيمة المقدرة بنحو 13.2 مليار دولار حتى 2023 إلا إذا كان مشروع قناة السويس الجديدة لا يقتصر فقط على توسيع القناة ومرور الشاحنات والسفن. وأوضح كمالي أن توقعات المسؤولين بأن يتجه معدل النمو في الاقتصاد وحركة التجارة العالمية نحو قناة السويس الجديدة غير صحيحة، لأن قناة السويس تستحوذ على ما يقرب من 8% من نسبة التقاء التجارة الدولية، وجذب السفن نحو القناة للمرور له بعض القواعد منها تقليل فترة المرور بالمقارنة مع توجه السفن نحو طريق رأس الرجاء الصالح، إلا أن هناك نوعا معينا من السفن لا يمثل له أمر تقليل الوقت ميزة تنافسية، ولكن يمكن أن يكون مرور هذا النوع من السفن من القناة معتمدا على تقديم الخدمات اللوجستية. وقال أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية إنه يجب على الحكومة أن تتخذ قرارات بشكل مدروس وتعلم أن تنفيذ المشروعات في وقت قصير قد يترتب عليه زيادة في التكلفة، ومن ثم فعليه دراسة العائدات المتوقعة التي يمكنها تغطية هذه التكلفة وتحقيق وفرة في الأرباح. وأضاف أن إيرادات قناة السويس ترتفع كلما ارتفعت أسعار البترول بشكل كبير، لأنه ستؤدي إلى ارتفاع تكلفة مرور ناقلات البترول، فأسعار البترول تعاني من التراجع، ما يهدد الإيرادات بالنقص.
عبده: الاقتصاد المصري معرض لأزمات مفاجئة قد تهوي به من جانبه، قال الدكتور رشاد عبده الخبير الاقتصادي ورئيس المنتدي المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن الاقتصاد المصري يمر بأزمات كبيرة تتمثل في ارتفاع عجز الموازنة العامة مع تراجع حجم الإنتاج المحلي، وفي الوقت نفسه تتجه الحكومة إلى زيادة حجم الاقتراض الداخلي والخارجي بمعدل متسارع يجعل الاقتصاد المصري عرضة للتعرض لأزمات مفاجئة. فحجم الإيرادات في الموازنة العامة للدولة منخفض جدا مقابل حجم المصروفات المتزايدة في كل عام، ما يشكل أزمة طاحنة في ظل تراجع إيرادات السياحة، إضافة إلى أن استمرار العمليات الإرهابية وعدم استقرار الأمن الداخلي، له دور كبير في هروب الاستثمارات الأجنبية وعزوف السياح الأجانب عن القدوم إلى مصر. وأشار عبده إلى أنه على الحكومة سرعة إصدار قوانين جاذبة للمستثمرين مع العمل على توفير الأمن كل ذلك يسمح بدخول استثمارات أجنبية جديدة وكبيرة.
الخزيمي: التفريعة الجديدة لن تحقق آمال المصريين والاقتصاد المصري سيواصل الخسائر إذا لم يتم تنمية محور القناة على نفس السياق، يشير الدكتور أحمد الخزيمي الخبير الاقتصادي، إلى أن مصر لن تعتمد على إيرادات تفريعة قناة السويس الجديدة، حيث إنها مرتبطة بمعدل النمو في حركة التجارة العالمية والتي تعاني من ركود في حركة الملاحة بينها. فنجاح قناة السويس في دعم الدولة بإيرادات مضاعفة حسب توقعات المسؤولين يعتمد على تنمية محور قناة السويس وإنشاء مصانع متنوعة لخدمة السفن في شتى المجالات الملاحية والمتعلقة بالسفن، مؤكدا أن فشل تحقيق هذه التنمية يعد فشلاً للتفريعة الجديدة والقناة ككل. وأشار خزيم إلى أن الاقتصاد المصري يعاني من عدم وجود قانون للاستثمار واضح حتى الآن بجانب وجود عدد كبير من العاملين من الجهاز الإداري للدولة يمثلون جانبا كبيرا من معوقات التنمية والاستثمار في مصر بسبب البيروقراطية في التعامل مع المستثمرين مما تؤدي إلى هروبهم. ولفت الخزيمي إلى أن أزمة ارتفاع الدولار والتي تعاني منها مصر والتي وصلت إلى ذروتها منذ عدة أيام هي ناتجة عن اعتماد مصر على النظام الريعي في تحصيل الإيرادات عبر السياحة وتحويلات المصريين من الخارج وهذه الأمور متأثرة في الوقت الحالي بالأوضاع السياسية والأمنية المتردية، لافتا إلى أن زيادة الاقتراض الداخلي والخارجي بمعدلات تخطت 95% من الناتج المحلي ما يشكل خطرا على الاقتصاد المصري، خاصة أن الاقتراض في وضعه الطبيعي لا يزيد عن 60% من الناتج المحلي. وقال الخزيمي إن كل المسؤولين في الدولة يعتمدون على الفكر غير التنموي الذي سيدخل مصر إلى نفق مظلم يمكن أن تتعرض من خلاله إلى الإفلاس، مضيفا أن الدين العام الداخلي والخارجي ارتفع، خلال العام المالي الجديد 2015_2016، إلى نحو 2.5 تريليون جنيه بما يعادل 95% من الناتج المحلي الإجمالي، يعد فشلًا لخطة الحكومة في معالجة الأزمات الاقتصادية وأن الإنتاج المحلى يبلغ نحو 299 مليار جنيه ويتم استخدامه لسداد أجور العاملين بالدولة وجزء الدين العام.
مرسي: تغاضي الحكومة عن الأزمات الاقتصادية يعرضها للفشل السريع من ناحيته، أوضح الدكتور حامد مرسي رئيس قسم الاقتصاد بجامعة قناة السويس، أن أكبر الأزمات التي تواجه الاقتصاد المصري هو الفساد الإداري المرسخ في مؤسسات الدولة والذي فشلت في علاجه مما يهدد النظام الحالي. فالحكومة تغاضت عن تطوير الزراعة والاكتفاء من إنتاج القمح وتجاهلت أيضًا تعمير الصحراء وتفاقم أزمة التعليم والبحث العلمي وذلك في ظل تراجع الإنتاج المحلي. ولفت مرسي إلى أن الفترة الأخيرة شهدت إغلاق نحو6500 مصنع، مما أدى إلى زيادة الاستيراد من الخارج في ظل ارتفاع أسعار الدولار، بالإضافة إلى فشل تنفيذ مشروعات العاصمة الإدارية الجديدة الذي أحبط طموحات الملايين من المصريين.