مبدئيا، ومن الوجهة الاقتصادية، فإن مشاركة مصر فى مشروع نيوم السعودى الضخم تعد أمرا إيجابيا وتحقق العديد من الفوائد، وقد كان مدهشا أن تلقى هذه المشاركة الانتقادات من البعض فور توقيع الاتفاق المنظم للمشاركة المصرية حتى دون معرفة تفاصيلها، وكان مدهشا كذلك السعى نحو «تسييس» المشروع قبل الأوان، وقبل أن تظهر أى ملامح أو إجراءات تبرر هذا التسييس. وبسبب غياب الكثير من المعلومات الضرورية حول المشروع نفسه والمشاركة المصرية فيه فإن الاحتفاء المبالغ فيه بتوقيع الاتفاق، من البعض الآخر، جاء أيضا مبكرا ولم ينتظر إخضاع الأمر كله للنقاش العام حتى تتأكد جدواه الاقتصادية للسعوديين أولا .. وللجانب المصرى بعد ذلك. فى تقديمه المفاجئ للمشروع فى أكتوبر الماضى قال ولى العهد السعودى الأمير الشاب محمد بن سلمان: مشروع نيوم سيسهم بنحو 100 مليار دولار فى الناتج السعودى الإجمالى بحلول عام 2030، أى بما يعادل نحو 13% من الناتج السعودى حاليا، وهذا رقم مهم ولكنه ليس كبيرا جدا حيث تتوقع دوريات اقتصادية أن يصبح الاقتصاد السعودى ضمن أكبر 10 اقتصادات فى العالم بحلول هذا التاريخ، أما بقية تفاصيل المشروع «المعلنة» فقد أصبحت معروفة للجميع من حيث الاستثمارات المبدئية والأنشطة التسعة التى سيركز عليها، لكن الأهم على الإطلاق هو تبنى المشروع لخطط وبرامج تجعل الحياة فى مدنها ومرافقها التجارية والصناعية معتمدة على آخر ما توصل إليه الإنسان من علوم الإدارة والتقنيات الحديثة بما فى ذلك الاعتماد المتزايد على الروبوت فى تسيير المرافق والأعمال وتوليد طاقة نظيفة ومراعاة الاشتراطات البيئية الأكثر تطورا، وهذه كلها معطيات تحفز مصر على المشاركة فى المشروع، ليس فقط لجوانبه الاستثمارية وإنما الأهم للفرص الهائلة التى يوفرها المشروع كما أعلن عنه لاكتساب المعارف الجديدة واللحاق بركب التطور التكنولوجى المتسارع خاصة أن المشروع ينفذ مباشرة على حدود البلاد. مصر ستشارك بنحو ألف كيلومتر مربع من أراضى جنوبسيناء، أما إجمالى الأراضى التى سيقام عليها المشروع فتصل إلى 26.5 ألف كيلومتر كلها ضمن الحدود السعودية أى أن المساحة المخصصة لمصر فى المشروع تقل عن 4% من إجماليه. وبما أن المشروع فى النهاية عبارة عن «شركة « فإنه لا مبرر للقلق فيما يتعلق بوضع الأراضى المصرية ضمن المشروع فهذه أمور تنظمها القوانين التى تحدد التزامات المشروعات التى تقع أراضيها فى أكثر من دولة، وبالتالى لا داعى للحديث عن التنازل عن السيادة وغيرها من الوساوس التى تضر بأكثر مما تنفع خاصة أن ولى العهد السعودى أعلن أن «نيوم» سوف تطرح أسهمها فى البورصات الدولية كشركة ضخمة يجرى تداول أسهمها على قاعدة اقتصادية. الأمر المهم الذى ينبغى مناقشته من الزاوية المحلية هو حجم استفادة مصر من المشروع، والفرض أن السعودية التى أسندت إدارة المشروع إلى الألمانى كلاوس كلاين فيلد وهو خبير متمرس فى إدارة المشروعات الضخمة لابد أنها أجرت دراسات الجدوى الضرورية للتأكد من جدوى المشروع بما فى ذلك طبيعة الأرض المقامة عليه وكفاءة تنفيذه وآفاقه وقدرته على جذب الاستثمارت المحلية والأجنبية، وبالتالى ارتفاع عوائده . لكننا فى مصر علينا أن نتأكد من حجم الاستفادة من المشروع والقيمة المضافة المتوقعة منه ولاسيما أن الأخبار المعلنة تشير إلى أن نيوم تسعى إلى خلق مجتمع حديث يناسب النخب وأصحاب الدخول المرتفعة سواء لقاطنيه أو الراغبين فى السياحة إليه أو التردد عليه، وهنا قد يكون لازما القول إنه يجب ألا تقتصر المشاركة المصرية على توفير المنتجعات السياحية ومرافق الترفيه وإنما يجب أن يمتد النشاط المصرى فى المشروع لولوج مختلف أنشطته سواء تلك المقامة على الأراضى المصرية أو تلك التى ستتوزع على محيط المشروع وهذه أمور تحتاج إلى إجراء دراسات جدوى مستقلة ومتقدمة، فالمسألة أكبر بكثير من إنشاء صندوق بعشرة مليارات دولار لتنمية الألف كيلومتر المطلوبة للمشروع وإنما تتعدى ذلك بكثير للتيقن من أن المشروع يسهم أيضا فى تحقيق رؤية مصر 2030 ولاسيما على صعيد التحديث الشامل وخلق فرص المعمل المناسبة والمؤثرة. التربص والانشغال بالتصيد لأسباب سياسية يمكن أن يؤثر سلبا ليس فقط فى معنويات الناس ولكن أيضا يبعدنا عن مناقشة القضايا المهمة التى ينبغى طرحها بشفافية ووضوح للتأكد من مدى قدرة المساهمة المصرية فى المشروع على تحقيق أقصى استفادة ممكنة منه جنبا إلى جنب مع السعودية والأردن شركاء المشروع الذى يمكن أن يمثل رؤية حديثة ومتطورة للعمل العربى المشرك فى القرن الحادى والعشرين بعيدا عن الشعارات والعبارات الطنانة.