يبدى كثير من الخبراء تشاؤمهم إزاء جدوى العقوبات الاقتصادية المفروضة على كوريا الشمالية، وذلك على الرغم مما يزعمه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب من تكبد اقتصادها مليار دولار سنويا، وبعيدا عن الأبعاد السياسية التى يظهر فيها عنصر المراوغة الفاعل الرئيسى والمحرك الأكبر للأحداث، فالواقع يؤكد أن العقوبات الاقتصادية للنظم الشاردة لم تؤت ثمارها رغم الزخم الدولى فى هذا الشأن. ففى ضوء التصعيد الأخير لتهديدات كوريا الشمالية العسكرية، فرض مجلس الأمن يوم 5 أغسطس الجارى عقوبات اقتصادية جديدة، تشمل حظر صادراتها من الفحم، الحديد، الحديد الخام، المأكولات البحرية والرصاص، وجميعها مصدر حيوى لاقتصاد البلاد، حيث سيؤدى ذلك إلى انخفاض صادراتها بواقع الثلث أو بنحو مليار دولار سنويا. وجاء ذلك فى أعقاب قيام الكونجرس الأمريكى بإقرار مشروع قانون يفرض عقوبات اقتصادية جديدة أيضا على كل من كوريا الشماليةوروسياوإيران، بالإضافة إلى الضغوط التى تمارسها الولاياتالمتحدة على الصين لوقف معاملاتها التجارية مع كوريا الشمالية، وذكر الكونجرس أسبابه من حيث تدخل روسيا فى الانتخابات الأمريكية عام 2016، وانتهاكات حقوق الإنسان المحلية، والتدخل العسكرى فى أوكرانيا ودعمها للنظام السورى، هذا بالإضافة إلى دعم إيران للجماعات الإرهابية وتطويرها لقدراتها العسكرية. نظريا، تلك العقوبات تمثل ضغوطا على هذه الدول، لكن هل من المتوقع أن تحقق الأهداف المرجوة منها بترويض الأنظمة الشاردة؟ كانت العقوبات الاقتصادية سلاح السياسة الخارجية للولايات المتحدة، الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبى، عندما تفشل جهود الدبلوماسية الرسمية. لكن الواقع يكشف أنه نادرا ما تحقق العقوبات الاقتصادية الهدف منها، ما يعنى أن القوى المحركة لاتخاذ القرار بين الدول العظمى أكثر تعقيدا ما تبدو عليه الصورة فى معظم الأحيان. ويوضح أستاذ العلوم السياسية فى جامعة ممفيس، دورسون بيكسن، أنه بالنسبة لقادة لدول الخاضعة للعقوبات الاقتصادية فإن الأمر يمثل تهديدا صريحا لبقائهم فى السلطة، والرضوخ معناه فقدانهم مصداقيتهم السياسية ويضعف قدرتهم على الاحتفاظ بالسلطة، ومن ثم تكون المقاومة دائما هى العنصر الحاكم المقابل لتلك العقوبات. والواقع أن تأثير العقوبات الاقتصادية يقتصر فى النهاية علىحياة المواطنين من تراجع حالتهم المعيشية، التى يلقى باللوم فيها على الولاياتالمتحدة وباقى «الأعداء». وفى إيران، الأكثر تضررا من العقوبات كانت شريحة الطبقة المتوسطة التى كان من الممكن أن تدعم حكومة أكثر اعتدالا، لكن النظام استغل تلك العقوبات من أجل حشد دعم شعبى. ومن ثم ينصح محللون بأنه يجب البحث عن آليات جديدة لتعديل العقوبات الاقتصادية، مثل الرقابة على المعاملات المالية وفرض عقوبات ثانوية لتقليل خرق العقوبات. فإذا كان الغرض من العقوبات الاقتصادية على روسيا معاقبة بوتين، فمن المؤكد أنها لن تفيد، وذلك على الرغم من جدواها فى الماضى فى حالات استثنائية، حيث لعبت العقوبات الاقتصادية دورا مهما فى تغييرات رئيسية فى دول عديدة، خاصة فى حقبة التسعينيات التى كانت تتعامل بسياسة «العصا والجزرة الدبلوماسية». من أكبر مؤيدى سياسية «العقوبات»، الناشط الحقوقى الأمريكى آريه ناير، أحد مؤسسى منظمة حقوق الإنسان، والذى يؤكد أن العقوبات الاقتصادية كانت أحد العوامل وراء إقناع جنوب إفريقيا لإطلاق سراح نيلسون مانديلا والبدء فى التحول الديمقراطى عام 1990. وقبل ذلك بعشر سنوات، فى عام 1981، ساعدت العقوبات التى فرضتها إدارة الرئيس الأمريكى رونالد ريجان على الاقتصاد البولندى، فى أن تؤدى إلى التحول عن الاشتراكية فى بولندا وأوروبا الشرقية. ووفقا لناير، استند نجاح تلك العقوبات على فعالية إدارتها بكفاءة عالية، فكان يتم تخفيفها بمجرد تنفيذ الإصلاحات المطلوبة وتشديدها فى حالة زيادة الممارسات القمعية. مؤخرا، كانت العقوبات الاقتصادية، طويلة المدى، عاملا فى الانفتاح السياسى فى ميانمار. ويقول ناير: إنه مع ذلك فإن العقوبات الاقتصادية فعاليتها غير مؤكدة. الإقتصاد الروسى يحقق أسرع وتيرة للنمو (2.5% فى الربع الثانى ) روسيا تحتل المركز الثالث كأكبر متلق للاستثمارات الأجنبية أوروبيا بمبلغ 13 مليار دولار العام الماضى بعد مرور عدة أسابيع على إقرار العقوبات الأمريكية الجديدة على موسكو، تواجه الشركات المحلية والمستثمرين الأجانب فى روسيا تحديات صعبة للتعامل مع التداعيات المتتالية. لكن ما التأثير الحقيقى لتلك العقوبات؟ بدأ الاقتصاد الروسى يتعافى بعد عامين من الركود، فسجل معدل نمو 2.5% فى الربع الثانى على أساس سنوى، وهى أسرع وتيرة فى 5 سنوات. ويقول كريس ويفر فى شركة ماكرو الاستشارية فى موسكو، إن الاقتصاد الروسى تأقلم مع انخفاض أسعار النفط والعقوبات المفروضة عليه منذ عام 2014. وفى مؤشر قوى على صمودها، احتلت روسيا العام الماضى المركز الثالث كأكبر متلق للاستثمارات الأجنبية المباشرة فى أوروبا بعد بريطانيا وفرنسا، بحجم تدفقات 12.9 مليار دولار. وقامت الشركات المحلية بزيادة استثماراتها نتيجة للحوافز التى تقدمها الحكومة للمصنعين، وانخفاض الروبل ما عزز تنافسيتها. كانت الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى قد فرضا عقوبات اقتصادية على روسيا فى أعقاب ضمها لجزيرة القرم عام 2014، لكن بحلول منتصف 2015،بدأ مديرو المخاطر فى البنوك الغربية ينظرون إلى روسيا على أنها أكثر استقرارا وأقل تعرضا للمخاطر القانونية. وبعد ذلك كان التفاؤل بإدارة ترامب الودودة، مقارنة بباراك أوباما الذى مارس ضغوطا على الشركات الأمريكية من أجل مقاطعة مؤتمر سان بطرسبرج الاقتصادى وحثه لبنوك الولاياتالمتحدة على عدم شراء سندات الخزانة الروسية، جاء دونالد ترامب لينهى هذه السياسة. لكن الكونجرس الأمريكى أقر العقوبات الجديدة التى تشمل قيودا على إقراض شركات الطاقة الروسية وتمنع ترامب من تخفيف العقوبات. ووفقا لبيانات البنك المركزى الروسى، ارتفعت حصة استحواذات الأجانب على الدين الروسى إلى 30.7% فى يونيو 2017، مقارنة ب 3.7% فقط فى يناير 2012. ووفقا لستاندرد اند بورز، 50% من السندات الروسية تم إصدارها فى 2016 و2017، و70% من السندات لآجال تزيد على 7 سنوات. هذا رغم أن ميزانيتها قوية وأصولها السائلة تغطى معظم دينها، وفى الوقت نفسه، يستطيع السوق المحلى بسهولة أن يحل محل الإصدارات الخارجية. كوريا الشمالية تحارب بسلاح المراوغة وتسجل أعلى معدل نمو العام الماضى بنسبة 3.9% منذ بدأت كوريا الشمالية برنامجها النووى فى عام 2006 فرض مجلس الأمن سلسلة من العقوبات، جاءت العقوبة السابعة يوم 5 أغسطس الماضى، وهى العقوبات الاقتصادية الأكبر على الإطلاق بالنسبة لكوريا الشمالية ولأى دولة أخرى. ومع ذلك، لم يتبين بعد مدى تأثيرها وما إذا كانت ستؤتى ثمارها، فمؤشرات التنمية الاقتصادية خلال السنوات القليلة الماضية تشير إلى تحسن الأوضاع بما يكشف عن صمود اقتصادى قوى وقدر لا بأس به من الاستقلالية. ووفقا لبيانات أصدرها البنك المركزى الكورى مؤخرا، ارتفع معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى للبلاد 3.9% فى عام 2016 على الرغم من العقوبات، وهى المرة الأولى التى يتجاوز فيها النمو الاقتصادى 3% منذ عام 2008. ومن المتوقع أن ينمو اقتصاد كوريا الشمالية بمعدل نمو سنوى يتراوح بين 1 و5% بحسب إحصاءات نشرتها صحيفة نيويورك تايمز فى إبريل الماضى. وكشف تقرير الصحيفة الأمريكية عن بعض الظواهر الاقتصادية، فمنذ عام 2010، تضاعف عدد الموافقات الحكومية على إقامة مراكز تجارية جديدة إلى 440، وما يزيد على مليون شخص يعملون كبائعى تجزئة أو مديرين فى تلك المراكز، وما لا يقل عن 40% من السكان لديهم بيزنس خاص. وتشير تلك الإحصاءات إلى صمود البلاد بالرغم من نقص مصادر الطاقة والعزلة الاقتصادية بموجب العقوبات الأمريكية والدولية، وتسارع وتيرة التنمية فى السواحل الشرقية يؤكد أن كوريا الشمالية تخطو بثبات للخروج من الكساد الاقتصادى. ويبدى كثيرون تفاؤلهم باقتصاد كوريا الشمالية لعدة عوامل أبرزها اكتفاؤها الذاتى من حيث إمدادات الغذاء، والواقع أن العزلة التى فرضها المجتمع الدولى أدت إلى استقلاليتها.