في الوقت الذي يرهن فيه المتعاملون في البورصة المصرية عودة السوق لبريقه بضرورة إلغاء فرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية، أكد مسئولون دوليون أن ضرائب البورصة موجودة فى كل دول العالم، وأن مصر تحتاج فقط إلى توضيح اللائحة التنفيذية للقانون ومراعاة مصالح صغار المستثمرين. وبدا واضحا حتى الآن من أنه رغم الصراع الدائر بين الحكومة ممثلة في وزارة المالية من جهة وجميع أطراف سوق المال من جهة أخرى حول فرض كل منهما وجهة نظره فيما يخص الضريبة، إلا أن الحكومة تجد أنه من الصعب التراجع عن القرار لأنه يحتاج لقرار سيادي، فيما تصر مؤسسات السوق على عدم إطلاق العنان للقوى الشرائية فى أن تقود المؤشرات لأعلى إلا بعد اتخاذ قرار بفرض الضرائب. حتى إن وزير المالية المصري هاني قدري دميان قال: إن التعديلات التي تجري مناقشتها بخصوص ضريبة الأرباح الرأسمالية في البورصة، تتعلق بآلية دفع الضريبة دون التطرق إلى إمكان حتى التعديل. وأقرت "الحكومة المصرية"، في أوائل شهر أبريل 2015، اللائحة التنفيذية لقانون ضريبة الأرباح الرأسمالية وضريبة التوزيعات بالبورصة. ممثلو سوق المال رفعوا عدة توصيات للحكومة فيما يخص الضريبة، فيما اتجه البعض الآخر إلى مقاضاة الجهات المسئولة عن فرض الضريبة، لكن عبدالمنعم مطر، رئيس مصلحة الضرائب المصرية، لم يفصح إلا عن الاستعداد لإصدار منشور أو توضيحات إضافية حول القانون واللائحة التنفيذية لمزيد من الفهم دون التطرق إلى تعديلات أو إلغاء للقانون. وفى رسالة واضحة من رانجان سينج، رئيس منظمة سوق المال بماليزيا، حول ضريبة البورصة في دول العالم، بين أن فرض ضرائب علي أرباح الأسهم بالبورصة هو نظام مطبق في العديد من دول العالم وتختلف آلية تطبيقه من دولة إلي أخري وهو ليس استحداثا في مصر، علي عكس نظام الإعفاء الضريبي علي أرباح أسهم المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتنميتها. وفى مقارنة لبرت كاسبرت، رئيس مجلس الخدمات المالية في دولة جنوب إفريقيا، والذي حضر فعاليات مؤتمر الأيوسكو بمصر قبل آيام، بين بورصة بلاده وبين السوق المصرية، لم يحتل موضوع الضرائب محلا كبيرا من الاهتمام بقدر الحديث عن أهمية وجود فريق متخصص في تطوير و استحداث الأدوات المالية من المتخصصين في السوق، و يقوم بعرض مقترحاته من الأدوات المالية على أطراف العملية الاستثمارية تمهيدا لاتخاذ الخطوات التنفيذية لتطبيقه. وأشار إلى أن الأدوات المالية الموجودة بالسوق المصري تلبى احتياجات المستثمر المحلى فقط ، الذي يستوعبها و يضخ استثماراته المحدودة بها ، بينما المستثمرون فى الأسواق العالمية مثل سوقي "أمريكا" و "إنجلترا" يجدون ضالتهم من أدوات المالية ملائمة لنوعية المستثمرين هناك، و القادرة على جذب استثمارات أجنبية. وأضاف أنه من المهم أن يتم جذب الشركات العالمية للقيد، والتى تصل فى مصر إلى نحو 262 شركة بينما وصلت فى بلاده إلى نحو 400 شركة. و أوضح أن السوق الجنوب الإفريقى نجح في جذب الشركات المتعددة الجنسيات من خلال توفير مزايا و حوافز للقيد، فضلا عن الدعم الحكومي لاستثمارات الشركات و هو ما يساعدها فى التوسع خارجيا . ويرى أحمد زينهم ، محلل أسواق المال في مصر، أن هناك ضرورة للحفاظ علي تنافسية الجاذبية الاستثمارية المتاحة لدى قطاعات الاستثمار في الدولة مع العمل علي تنميتها قدر الإمكان، موضحا أن السياسات المالية إذا لم تتعامل بحرص مع قطاعات الاستثمار فإنها قد تتسبب في انكماش اقتصادي. وبين أن تأثير فرض الضريبة إنما ينطوي في الحقيقة علي الحد من حجم الاستثمارات، كما أن فرضه يحتم على الدولة زيادة إنفاقها الاستثماري للحفاظ علي استقرار سوق المال المصري لتعويض النقص في الاستثمار الخاص. وأضاف أن تلك الضريبة يمكن أن تؤدي بصفة عامة إلى تغيير هيكل الاستثمارات ، وذلك بسبب ما تؤدي إليه من توسع في الاستثمارات الأقل خطورة والتي يمكن تصنيفها بسهولة مثلا سحب الاستثمارات من سوق المال و تحويلها لودائع بنكية. أضاف أن هناك العديد من الدول تنتهج فرض ضرائب فى بورصاتها مثل إسرائيل وجنوب إفريقيا و يوجد عدد محدود من دول العالم تطبق مثل هذه الرسوم في بورصاتها. وأشار إلى أن هيئة سوق المال السعودية أصدرت الأسبوع الماضي القواعد النهائية لتنظيم استثمار المؤسسات المالية الأجنبية في سوق الأسهم، وجاءت اللائحة النهائية مطابقة تقريبا للمسودة التي كانت أصدرت في أغسطس الماضي. وأوضح أن المستثمر الأجنبي سيخضع لنظام ضريبة الدخل والمسئولة عنه مصلحة الزكاة والدخل، حيث سيتم فرض ضريبة على التوزيعات النقدية قدرها 5٪، ولن تشمل هذه الضريبة التوزيعات من أسهم المنحة ولا الأرباح الرأسمالية. وبينت دراسة للدكتور محمد السقا، أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت، أكد أن الضريبة على المعاملات المالية من القضايا الساخنة، إلا أن لها أبعادا أخرى غير تعطيل تدفق الاستثمار، فهي تمنع أن تتحول البورصات إلى شبه صالات للقمار، مثلما هو الوضع حاليا في معظم أسواق الأسهم في العالم. وأضاف أنها تجعل اتجاهات البورصة تعكس الصورة الاقتصادية الحقيقية للشركات المدرجة وأوضاع الربحية وجودة الأصول بها، كما أنها تمكن صانع السياسة الاقتصادية من السيطرة بصورة أكبر على الأزمات المالية نظرا للسيطرة المفترضة على تدفقات رءوس الأموال مع فرض الضريبة، حيث ستؤدي الضريبة إلى الحد من التدفقات الحادة لرءوس الأموال بين البورصات المختلفة في الدول التي تسمح بهذه التدفقات، فضلا عن إجبار المؤسسات المالية على المشاركة في تحمل أعباء عمليات إنقاذ الأسواق المالية نتيجة للأزمات. وأشار إلى ضخامة الأرباح التي تحققها المؤسسات المالية والمضاربون في أسواق المال، فمجرد الحديث عن فرض مثل هذه الضريبة سيواجَه بهجوم حاد من تلك المؤسسات لمحاولة إبراز المضار التي يمكن أن تتحقق على المديين القصير والبعيد من فرض مثل هذه الضريبة.