يعد حادث غرق المركب المكتظ بالشباب المهاجرين غير الشرعيين على السواحل الليبية الأسبوع الماضى باتجاه أوروبا أسوأ كارثة فى هذا الشأن، خاصة أن المركب يحمل على متنه 007 راكب للبحث عن فرصة عمل بعدما ضاقت بهم بلادهم. أو ضاقوا هم ببلادهم لعدم توافر فرصة عمل تغنيهم عن رحلة الموت هذه. ورغم عدم وجود مصريين من بين هؤلاء المنكوبين فإن الحادث ينكأ جراحا عميقة بعمق أزمة البطالة فى مصر. دفعت شبابنا بالآلاف الى الاندفاع الى سلوك طريق المغامرة غير المحسوبة هذه حتى صنفت مصر بأنها الثالثة فى مجال الهجرة غير الشرعية على مستوى العالم. رصدنا دوافع ثلاثة وراء هجرة الشباب المصرى على مراكب الموت الى أوروبا على لسان الخبراء. ظروف معيشية صعبة، بطالة فى تزايد مستمر، صعوبة الحصول على فرصة العمل. اضافة الى نجاح بعض من سبق وعودته باليورو وبأرقام تمكن من خلالها اقامة المشروعات وشراء الاراضى لدرجة قول أحدهم »الشغل سنة فى ايطاليا زى الشغل 51 سنة فى مصر« كل ذلك دفع بهذا الشباب للسفر الى الموت غارما تكلفته التى تتراوح بين 04 و 05 ألف جنيه لعبور البحر من ليبيا الى ايطاليا فقط دون أى خدمات أخرى وتأتى مصر الثالثة فى الهجرة غير الشرعية بعد تونس والمغرب، ووفق رؤية الخبراء والدراسات فليس هناك رقم محدد لاعداد الهجرة غير الشرعية للشباب المصرى لأنهم يسلكون طرقا غير رسمية عبر الحدود مع ليبيا وإن كان البعض يرى أنهم يصلون إلى نسبة 01٪ من اجمالى ما لا يقل عن 5 مليون مهاجر الى أوروبا حيث هناك من يذهب سياحيا. ووفق دراسات الخبراء والمتخصصين فإنهم يقولون إن الشباب عندما يتحدثون إليك لا يذكرون لك ويلات ومخاطر الهجرة غير الشرعية وما يتعرضون له من مهانة وذل من سماسرة الموت أو عدد الشباب الذين فقدوا من قبل وعصفت الامواج باحلامهم أو مركب صيد متهالك يحمل 01 اضعاف سعته من البشر. انما كل ما يحكيه الشباب هو اليورو والثراء السريع لدرجة أن قرية تطون بمركز اطسا بالفيوم تعدادها قرابة ال 05 ألف نسمة بها ما لا يقل عن عشرة آلاف شاب مهاجر الى ايطاليا مما تسبب فى تغيير انماط الحياة الاقتصادية والاجتماعية وزادت اسعار الأراضى الى اضعاف اضعاف اسعارها، بل انتشر بالقرية الابراج الشاهقة الارتفاع حتى 11 دورا وكذلك القصور والفيلات التى يغلب على تشطيبها المكونات الايطالية، بل إن هذه القرية فقدت 051 شابا على مدار السنوات الماضية منهم عشرون فى حادث واحد ورغم كل هذه الاحداث فانها لم تمتنع عن السفر الى ايطاليا حيث اصبح هناك الاقارب والاصدقاء الذين يمكنهم تدبير فرص عمل لهم والاقامة معهم، وهناك قصة شهيرة عن احد الاباءالذى سافر ولده وعندما مات بالبحر طلب من السمسار سفر الثانى الذى مات ايضا فطلب منه سفر الثالث وكان فى ال 15 عاما من عمره وهذه قصة تداولتها وسائل اعلام عديدة. وفى دراسة حول دوافع الهجرة غير الشرعية لدى الشباب المصرى، قال الدكتور على طلبة محمد ابراهيم بكلية الاداب بقنا جامعة جنوب الوادى ان هناك ثلاث قرى شبابها هم الاكثر سفرا الى اوروبا وتحديدا ايطاليا وفرنسا هى تطون بالفيوم السابق ذكرها ثم قرية ميت بدر حلاوة مركز سمنود بالغربية وهذه لا تكاد تخلو اسرة من سفر احد شبابها، والقرية الثالثة برج مغيزل بكفر الشيخ التى سافر منها 8 الاف شاب من اجمالى تعدادها البالغ 30 الف نسمة وهذه القرية يملك غالبية سكانها مراكب للصيد مما يسهل عملية السفر الى اوروبا فى مقابل يصل الى 50 الف جنيه نظرا للاقبال الشديد من ابنائها على السفر وأوضحت الدراسة ان قرية تطون بالفيوم تصل معاملات ابنائها الى 100 مليون دولار مما ادى الى ارتفاع اسعار الاراضى الزراعية والعقارات، ايضا اشارت الدراسة الى ان 88.33٪ من عينة الشباب المبحوثين اعمارهم اقل من 35 عاما، كما كشفت الدراسة ان 40.67٪ من العينة يعملون فى أنشطة مختلفة تتمثل فى الاعمال الزراعية والحكومة والحرفية فى حين اكدت النسبة الغالبة التى وصلت إلى 59.33٪ من اجمالى العينة لا يقومون بأى عمل رغم حصول غالبيتهم على مؤهل علمى ولكنهم فشلوا فى الحصول على أى وظيفة منذ تخرجهم من سنوات مما دفعهم لتلك الهجرة، مشيرة الدراسة إلى ان 62.67٪ من العينة غير متزوجين مما يفسر اتجاه الكثير من الشباب الى تأخير سن زواجهم او الاقبال على زواج الاجنبيات. وقالت ان الدوافع الاجتماعية وراء هجرتهم غير الشرعية ترجع الى تحقيق الطموح، الغيرة والتقليد، الانبهار بالغرب، اللحاق بالاهل والاقارب ممن سافروا قبلهم، الزواج من اجنبية، اما الدوافع السياسية فمنها انتشار الفساد والمحسوبية والرشوة وانعدام مشاركة الشباب فى الاحزاب السياسية. كما ان وسائل الاعلام لدى 82٪ من اجمالى العينة لعبت دورا كبيرا فى الانبهار بالغرب وتقدمه كما لعبت السياسة الاقتصادية التى اتبعتها مصر دورا فى اقبال الشباب على الهجرة غير الشرعية وذلك بنسبة 94٪ من عينة الدراسة، والمثير فى الدراسة انها اكدت ان 92.2٪ من الشباب المهاجر بطريقة غير شرعية على علم بعدم قانونية سفرهم معللين بانه لا يوجد بديل للسفر بشكل شرعى. تفاوتت التقديرات التى تقدمها الجهات المختلفة لاعداد المهاجرين البالغ 180مليون نسمةحاليا تقدرها منظمة العمل الدولية بين 10 15٪ من اجمالى عدد المهاجرين بعد ان كان عددهم 155 مليونا عام 2004، 50 مليونا عام 1989، وحسب منظمة الهجرة الدولية فان حجم الهجرة غير القانونية فى دول الاتحاد الاوربى يصل الى 1.5 مليون فرد. وطبقا لتقدير وزارة القوى العاملة المصرية فان عدد الشباب المصريين الذين نجحوا فى دخول العديد من الدول الاوروبية خلال العشر سنوات الاخيرة بنحو 460 الف شاب منهم 90 الفا فى ايطاليا بشكل غير شرعي. وتعتبر مصر دولة مصدرة للعمالة حيث يقدر عدد المصريين بالخارج بين ثلاثة وخمسة ملايين مواطن ويتركز اكثر من ثلثى هذا العدد فى دول الخليج وليبيا والاردن ولكن مع ازدياد حدة المنافسة بين العمالة الاسيوية الرخيصة والعمالة المصرية حيث فقدت العمالة المصرية بالخليج مركز الريادة وحل محلها طوفان العمالة الرخيصة مما ادى الى صعوبة وجود فرص عمل للعديد من الشباب المصرى الراغب فى الهجرة الى هذه الدول، ومن هنا اتجه الشباب المصرى إلى الهجرة غير الشرعية الى اوروبا وخاصة ايطاليا وان ميلانو الايطالية يقيم بها ما يقرب من ثمانية آلاف شاب مصرى. وفى دراسة قامت بها المنظمة الدولية للهجرة الحكومة الايطالية وقطاع الهجرة بوزارة القوى العاملة حول »اتجاهات الشباب المصرى حول الهجرة الى اوروبا« اوضحت ان هناك 57.2٪ من عينة الدراسة قالوا ان الدخل فى مصر اقل من اوروبا، فيما 54.9٪ منها قالوا ان السبب عدم وجود فرص عمل وذلك يوضح ان عوامل الطرد فى المقام الاول اقتصادية وعوامل الجذب كانت لدى 28٪ أن هناك اصدقاء لهم بالخارج فى الدولة المقصود الهجرة اليها فيما قال 27.5٪ ان لديهم اقارب بالدولة المهاجر اليها، اما من لديهم فرصة عمل فقد بلغت نسبتهم 19٪ من العينة، وكشفت الدراسة ان ايطاليا وفرنسا اكثر دولتين يهاجر اليهما الشباب من مصر وذلك بنسة 75٪ من العينة. المثير والغريب وفقا للدراسة ان الشباب قالوا »احنا عارفين كويس اخطار الهجرة غير الشرعية لكن بنعمل ايه فى مصر غير القعاد من غير شغل او مصدر دخل واحنا ماعندناش خيار غير الهجرة.