أوضحت دراسة علمية ان رفع سعر الفائدة هو أحد البدائل المتاحة للدولة للسيطرة على التضخم، وان هناك سياسات اخرى لعل من اهمها سياسات أسعار الصرف والسياسات المالية والسياسات الخاصة بجانب العرض و كذلك التحكم في الأجور، وان الأوضاع في مصر تستوجب اتباع عدة سياسات متوازية بعيدا عن الاعتماد على السياسات الانكماشية المتمثلة في رفع اسعار الفائدة والتي حتما سوف تودي الى وقوع الاقتصاد في حالة من الكساد. وقد تابعت د. ريهام مصطفي المدرس بكلية التجارة جامعة المنوفية ودكتوراه السياسات العامة جامعة نيويورك في دراستها اجراءات البنك المركزي المصري برفع اسعار الفائدة نقطتين بناء على توصية صندوق النقد الدولي بعد المراجعة الاولى، إثر تسارع التضخم إلى أكثر من 30% بعد قرار البنك المركزي بتعويم سعر صرف الجنيه المصري في نوفمبر الماضي، وتناولت قرار رفع اسعار الفائدة إلى 20% الذي تزامن مع قرار التعويم انذاك. والسؤال المطروح في الدراسة هل قرار رفع سعر الفائدة مرة اخرى هو البديل الوحيد لمواجهة مشكلة ارتفاع معدلات التضخم جراء تعويم العملة ام ان هناك بدائل اخرى اكثر جدوى؟ واكدت الباحثة ان هناك خمسة سياسات اقتصادية معروفة لتخفيض معدلات التضخم: اولا: سياسات نقدية Monetary Polices ثانيا : سياسات اسعار الصرف Exchange Rate Policies ثالثا : سياسات مالية Fiscal Policies رابعا :سياسات خاصة بجانب العرضSupply Side Policies خامسا: سياسات التحكم في الأجورWage Control السياسات النقدية وتختص برفع اسعار الفائدة، وهذه السياسات من شانها ان تؤدي الى زيادة تكلفة الاقتراض وتقليل الإنفاق؛ ففي هذه الحالة نجد المستهلك لا يقبل على الاقتراض من اجل الإنفاق، وعلى الجانب الآخر فالمستثمر لن يقدر على الاقتراض أيضاً. ومن ناحية اخرى سوف تحفز سياسة رفع اسعار الفائدة على الادخار. وأخيرا رفع اسعار الفائدة يؤدي الى زيادة قيمة سعر صرف الجنيه مما يؤدي الى تقليل الصادرات وزيادة الواردات. وفي اغلب الأحيان، يتم تطبيق هذه السياسات عندما تتنبأ الحكومة بحدوث التضخم وعادة ما يكون التضخم المتوقع يكون بنسب بسيطة في الفتراتالقادمة وغالبا تتراوح الزيادة في التضخم ما بين 1% الى 2% . وفي مثل هذه الحالة تلجأ الحكومة الى رفع سعر الفائدة بنسبة حوالي 2% تفاديا لحدوث هذه الزيادة في معدلات التضخم. هذا وقد تراجعت المملكة المتحدة عن تطبيق هذا النوع من السياسات منذ حدوث الأزمة الاقتصادية في 1992جراء تطبيق هذه السياسات. فقد أدت هذه السياسات الانكماشية الى تراجع النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة من 7% الى 10.5% مما أدى الى حدوث أزمة الكساد الشهيرة في 1992. وترتبط بهذه السياسات النقدية الخاصة برفع اسعار الفائدة بسياسات اسعار الصرف؛ فيعتقد الاقتصاديون ان الحفاظ على العملة قوية يؤدي الى خفض اسعار الواردات ويعزز ميل الأفراد إلى الادخار مما يؤدي أيضاً الى خفض الطلب المحلى. اما السياسات المالية فهي أيضاً خاصة بجانب الطلب وهي مشابهة في التأثير الى حد كبير لتأثير السياسات النقدية وتتضمن سياسات الحكومة الخاصة برفع معدلات الضرائب، وسياسات الحكومة الخاصة بتخفيض النفقات كل هذا لتخفيض الطلب على السلع والخدمات بما يؤدي الى خفض معدلات التضخم. وقد قامت الحكومة بالفعل بفرض ضريبة القيمة المضافة مع نهجها سياسة تخفيض النفقات الحكومية في الثلاث سنوات الاخيرة. ولكن على الجانب الاخر قد تؤدي هذه السياسات أيضاً الى تراجع النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة. وعلى الجانب الاخر، وكجزء من حزمة العدالة الاجتماعية التي تهدف إلى تخفيف الأعباء الضريبية على الفئات الأقل دخلاً، فقد وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون بتعديل قانون الضريبة على الدخل رقم 91 لسنة 2005. ويتضمن هذا التعديل، زيادة الشريحة الأولي المعفاة من الضريبة بالنسبة للأشخاص الطبيعيين من 6500 جنيه الى 7200 جنيه سنوياً، ومنح خصم او ائتمان ضريبيTax Credit متناقص على شرائح الدخل الأعلى، ويكلف هذا الإعفاء والخصم الضريبي الخزانة العامة حوالى 7 مليارات جنيه. اما بالنسبة لسياسات التحكم في الأجور؛ نجد ان تزايد الأجور هي عامل مؤثر في معدلات التضخم. الا اننا وبنهاية شهر مايو نجد ان الحكومة قد فاجأتنا بحزمة من القرارات الهامة بهدف تخفيف الأعباء على المواطنين وتحسين الأوضاع المعيشية لهم، وتدعيم شبكة الحماية الاجتماعية لتلبية متطلبات محدودي الدخل. وتشمل القرارات موافقة مجلس الوزراء على زيادة المعاش المقدم من برنامجي "تكافل وكرامة" بحد أقصى 100 جنيه بنسبة تقدر بنحو 30%، و يخدم نحو 1.7 مليون حالة مستحقة، والموافقة على مشروع قانون لزيادة معاشات التقاعد بنسبة 15% من إجمالي قيمة المعاش، وذلك اعتباراً من 1/7/2017 بحد أدنى 130 جنيهاً. كما وافق مجلس الوزراء على منح علاوة غلاء استثنائية للمخاطبين بأحكام قانون الخدمة المدنية الصادر برقم 81 لسنة 2016 وذلك بنسبة 7% من الأجر الوظيفي في30/6/2017، بحد أدنى 65 جنيهاً وحد أقصى 130 جنيهاً. كما تمت الموافقة على صرف علاوة غلاء استثنائية للعاملين بالدولة من غير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية، وغير المخاطبين بقانون العمل رقم 12 لسنة 2003، بنسبة 10% من الأجر الأساسي، وذلك بحد أدنى 65 جنيهاً وحد أقصى130 جنيهاً تضاف إلى الأجر الأساسي في 1/7/2017. وأقر مجلس الوزراء العلاوة الدورية عن العام المالي 2017/2018 وذلك بنسبة 7% من الأجر الوظيفي للمخاطبين بقانون الخدمة المدنية، وبنسبة 10% من الأجر الأساسي لغير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية. حيث ستكون بحد أدنى 65 جنيهاً وحد أقصى 130 جنيهاً لكل منهما وتضاف إلى الأجر الوظيفي أو الأساسي اعتباراً من 1/7/2017. وبالرغم من ان هذه القرارات ضرورية من اجل حماية محدودي الدخل من الغلاء، الا ان بهذه القرارات فان الحكومة قد قامت بالتأثير على جانب الطلب ولكن بزيادة الطلب وليس بتخفيض الطلب على بعض السلع والخدمات الأساسية الذي كان من شانه تقليل التضخم. وأخيرا، السياسات الخاصة بجانب العرض؛ وتهدف هذه السياسات الى زيادة القدرة التنافسية وزيادة الإنتاجية مما يودي الى زيادة المعروض. فكان الهدف من سياسات الخصخصة، وسياسات تقليل او إلغاء القيود الحكومية هو تحقيق المنافسة الكاملة. وتقوم هذه السياسة على المدى الطويل؛ فلا يمكن الاعتماد على السياسات الخاصة بجانب العرض كسياسة لمعالجة ارتفاع معدلات التضخم المفاجئة. وفي النهاية، فان معالجة التضخم في مصر يمكن التحكم فيه باتباع عدة سياسات متوازية بعيدا عن الاعتماد على السياسات الانكماشية المتمثلة في رفع اسعار الفائدة والتي حتما سوف تودي الى وقوع الاقتصاد في حالة من الكساد. منها استخدام سياسات اسعار الصرف؛ من خلال تعزيز سعر صرف العملة المحلية في مقابل الدولار، لان السبب الرئيسي لحدوث التضخم كان نتيجة لخفض قيمة العملة المحلية، حيث فقد الجنيه المصري نصف قيمته تقريبا مما أدي الى ارتفاع اسعار الواردات التي تدخل كمكونات للإنتاج، ومن ثم ارتفاع معدلات التضخم والارتفاع المبالغ في الأسعار بشكل عام. وقد يكون استخدام سياسات التحكم في بعض الأجور المبالغ فيها من الأهمية في هذا التوقيت للسيطرة على جانب الطلب. هذا فضلا عن الاهتمام بالسياسات الخاصة بجانب العرض؛ فبالرغم من ان هذا النوع من السياسات يؤتي ثماره في الأجل الطويل الا انها في اعتقاد كثير من الباحثين تعد اهم السياسات لعلاج التضخم وذلك من خلال زيادة المنافسة وزيادة الإنتاجية . ان زيادة المعروض الكلي يتطلب ضخ مزيد من الاستثمارات مع تحسين مناخ الاستثمار بشكل عام.