مع مرور الايام تبدو نقاط الخلاف بين برلينوواشنطن أكثر بكثير من نقاط الاتفاق. التوتر الطارئ في العلاقات، التي كانت متينة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، بدت مؤشراتها حتى قبل تولي الرئيس دونالد ترامب منصب الرئاسة، ومع توليه للمنصب لم تُخف برلين قلقها. هذا القلق بدأ يترجم إلى واقع بدا جليا منذ أول لقاء يجمع المستشارة بترامب واتسم بالفتور، فمواقف الرئيس الحالي إزاء عدة قضايا مغايرة تماما لموقف سلفه. التوتر بين الحليفين التاريخيين وصل أوجه عقب الخلاف بين ترامب وبقية زعماء الدول السبع الصناعية الكبرى ودول حلف الناتو حول عدة قضايا من بينها سياسة اللاجئين وحماية المناخ وسياسة الحمائية التجارية التي تثير غضب الأوروبيين والانفاق على حلف شمال الأطلسي. وعلى إثر هذه الخلافات وجهت ميركل ومسئولون ألمان انتقادات لترامب بنبرة غير معهودة. المستشارة اعتبرت أن على الأوروبيين أن يقرروا مصائرهم بأنفسهم محذرة من أن أوروبا قد لا تستطيع الاعتماد على تحالفاتها التقليدية القديمة في إشارة للحلف الأمريكي. ومن جهته مارتن شولتس زعيم الحزب الاجتماعي الديمقراطي ومنافس ميركل لمنصب المستشارية علق بنبرة غاضبة قائلا: "المستشارة تمثلنا جميعا في هذه القمم وأنا أرفض بغضب طريقة تعامل هذا الرجل مع رئيسة حكومتنا. هذا أمر غير مقبول". أما تصريحات وزير الخارجية زيجمار جابرييل فقد جاءت أكثر نارية، جابرييل قال لصحفية "راينيشه بوست" الألمانية إن الولاياتالمتحدة لم يعد لها دور قيادي في الغرب مضيفا أن السياسة قصيرة النظر للإدارة الأمريكية الحالية تتعارض مع مصالح الاتحاد الأوروبي. فهل بدأت ألمانيا تبتعد عن حليفها القوي، وتنهج الآن سياسة مستقلة في عهد ترامب أم أن هذه التصريحات تندرج فقط في السياق الانتخابي في ألمانيا. ترامب اختار تويتر للرد على التصريحات الألمانية وغرد قائلا "لدينا عجز تجاري هائل مع ألمانيا، إضافة إلى أنهم يدفعون أقل مما يجب لحلف شمال الأطلسي والجانب العسكري. هذا أمر سيء جدا للولايات المتحدة، وسيتغير". وعن ما إذا كانت الانتقادات الألمانية الأخيرة مجرد تصريحات تندرج ضمن الحملات الانتخابية استعدادا للانتخابات العامة المقبلة، أكثر منها موقف ألماني جديد في التعامل مع واشنطن، الخبير السياسي والإقتصادي ورئيس تحرير سابق لصحيفة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية(النسخة العربية) الدكتور سمير العيطة، اعتبر أن دونالد ترامب هو من بدأ بالعداء ضد سياسات ألمانيا.وقال ان ردة الفعل الألمانية اليوم تتخطى الأحزاب والمنافسة الانتخابية وتقول بصوت واحد: ألمانيا في خطر، أوروبا في خطر. ولا ترى الخبيرة الألمانية زيلكه تيمبل رئيسة تحرير "مجلة السياسة الدولية" الألمانية أي تغير في السياسة الألمانية. وتقول "بالعكس، المستشارة أكدت على أن بلادها متمسكة بالعلاقات مع الولاياتالمتحدة، هي تعلق فقط على الرئيس الحالي الذي تعتبره غير مهتم أو ليس كما هو مطلوب، وهذا يعني أن الألمان أمام وضع جديد محير بالنسبة لطرف كان يمثل دائما عامل أمان". وعن ما إذا كان الأوروبيون قادرين بالفعل على "أخذ مصيرهم بيدهم" كما قالت ميركل، تقول تيمبل إنه لا يمكن للأوروبيين القيام بهذا الدور لأنهم لا يتوفرون على السلاح النووي كعامل ردع كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة، "وبالتأكيد من الأفضل بالنسبة للأوروبيين البقاء إلى جانب الأمريكيين على ظهر سفينة واحدة، لكن لم تعد هناك ضمانات تؤكد رغبة واشنطن البقاء إلى جانب أوروبا". وبرأي الخبيرة الألمانية فان المحور الألماني الفرنسي يمكن أن يلعب دورا استراتيجيا في قيادة أوروبا قوية، لكن ذلك يتوقف على تحقيق شروط، كما تقول زيلكه تيمبل موضحة: "قائدة العالم الحر" هي عبارة لم تطلقها ميركل على نفسها وإنما، صحيفة نيويورك تايمز هي التي أطلقت عليها هذا الوصف. وبخصوص فرنسا، تلاحظ تيمبل أن "ميركل والرئيس ماكرون يسعيان معا وبقوة إلى إعادة إحياء المحور الفرنسي-الألماني. وهناك زوايا محددة يجب معالجتها. أولها ملف الأمن، والبحث عن آليات التنسيق فيما يتعلق بالأمن الداخلي والخارجي والتبادل المعلوماتي" إضافة إلى تجاوز الإشكاليات المتصلة بالإصلاحات المالية في الإتحاد الأوروبي والتقدم في تحقيق إستثمارات مشتركة.