سألنى مسئول فى مطار القاهرة يوم الخميس الماضى من أين أنت عائد؟ قلت : من إيران قال : ياساتر ! هذا الحوار القصير جعلنى أتأكد أن غياب المعلومات الصادقة يؤدى إلى أحكام سريعة وغير حقيقية ، لأن كثير من المصريين يتعاطفون مع إيران لأسباب بعضها تاريخى وبعضها بسبب عدائها للولايات المتحدة وإسرائيل ،والبعض الاخر يرى أن إيران خطر يهدد المشروع المصرى للتنمية وتحقيق النهضة ،لأنها تبحث عن الهيمنة على المنطقةبأكملها ،وأنها تهدد أمن الخليج العربى. أما القلة التى تزن الأمور بميزان الموضوعية ، فهى ترى أنه لاعداء دائم ولاصداقة دائمة ولكن المصالح المشتركة هى التى تحكم علاقات الدول والشعوب ،وهذه النظرة الموضوعية ترى أن مصر لها مصالح مع دولة قوية إقتصاديا مثل إيران ، وأن إيران لها مصالح مع دولة محورية مثل مصر . لهذا جاءت الزيارة التى نظمها إتحاد عام الغرف التجارية المصرية على مدى 5 أيام لنحو 20 من المنتجين والمستثمرين والمصدرين والمستوردين للعاصمة الايرانية طهران ،بالتعاون مع منتدى الأعمال المصرى الإيرانى برئاسة ومشاركة السفير أحمد الغمراوى ، بداية عملية لتحقيق نقلة موضوعية فى العلاقات التجارية مع السوق الإيرانى الذى يضم 75 مليون مستهلك . نتائج الزيارة كشفت عن وجود فرص هائلة للتعاون بين القطاع الخاص فى البلدين فى ظل تشجيع حكومى من طهران أكد عليه وزير الصناعة والتجارة والمعادن الإيراني الدكتور مهدى غضنفرى وغيره من المسئولين ، لأن حجم التجارة بين مصر وإيران لايتجاوز 130 مليون دولار ، فى حين يصل إلى نحو 18 مليار دولار مع دولة الامارات العربية وحدها ، ورفعت الولاياتالمتحدة صادراتها لإيران الشهر الماضى 35% برغم ضغوطها على دول العالم لعزل إيران وتوقيع عقوبات دولية عليها، والغريب أن الصعوبات التى تقف أمام زيادة التبادل التجارى مع إيران وأهمها صعوبة الحصول على تأشيرات لدخول مصر وهى شىء مهم لاجراء الصفقات وتبادل الاستثمارات وتشجيع السياحة . وأعجبنى ماقاله السفير خالد عمارة رئيس بعثة المصالح المصرية فى طهران الإستراتيجية المصرية فى السياسة الخارجية هى تحقيق المصلحة المصرية بمنطق التكلفة والعائد بدون أى ضغوط خارجية وهذا ماأكد عليه الرئيس محمد مرسى من خلال زياراته للصين وإيران ودول أوروبية وأفريقية أخرى . وكما أن السوق الإيرانى مهم لمصر فإن طهران تعرف جيدا أن القاهرة هى الباب للدخول إلى أفريقيا من خلال تواجدها الفاعل فى تجمع الكوميسا الذى يضم 20 دولة فى شرق ووسط أفريقيا، وهى الباب للدخول إلى دول عربية من خلال إتفاقية التجارة العربية الحرة الكبرى وهى الباب لدخول دول أمريكا اللاتينية من خلال مشاركة مصر فى إتفاقيةالكروميسور ، وأن مصر عضو فاعل فى منظمة المؤتمر الاسلامى ، ويكفى أن شركة واحدة من الشركات التى شاركت فى الوفد المصرى طلبت إستيراد مادة البروبلين بما يعادل مليار دولار،وطلب الجانب الايرانى إستيراد الفوسفات بما يعادل نفس القيمة ،وعقد رجال الاعمال إتفاقات مبدأية لتصدير البرتقال والمانجو والجوافة مقابل إستيراد التفاح والاسماك والزهور والجمبرى من إيران خاصة فى ظل الانخفاض الكبير فى سعر العملة الايرانية إلى نحو النصف . إن إيران اليوم بما حققته من نجاح فى إنتاج معظم ماتحتاجه من غذاء وسلع إستراتيجية وسيارات وقطارات ومترو وغيرها من الصناعات ليست إيران التى كان يعرفها الكثيرون ، والاهم من وجهة نظرى هو إستعداد الإيرانيين لإنشاء مشروعات مشتركة مع المصريين تستوعب الأيدى العاطلة والسيولة التى ربما تعانى من عدم وجود منافذ للإستثمار فى ظل العقوبات التى تفرضها الدول الأوربية على المعاملات مع إيران إضافة الى العقوبات الدولية. والفرصة أمامنا لنستفيد من ذلك إضافة لما حققته إيران من نجاحات فى مجالات النظافة وإنشاء الحدائق العامة والمرور والنقل العام والإدارة المحلية وإنهاء مشكلة الدعم وتحسين مستوى الحياة وكل ذلك فى إطار الشرعية الدولية. [email protected]