قبل سنوات عندما كانت أسعار النفط مرتفعة ومصادر الطاقة نادرة، أصدرت وكالة الطاقة الدولية تقريرا خاصا توقع «العصر الذهبي للغاز». وكان ذلك في عام 2011. وأشار التقرير آنذاك إلى أن النمو السريع للطلب، لا سيما من الاقتصادات الناشئة وكذلك توليد الكهرباء من الغاز، يمكن أن يؤدي الي استبدال الفحم بالغاز بحلول عام 2030. ولكن هل مازالت التوقعات بشأن الغاز متفائلة ؟ ناقش تقرير لمجلة الايكونومست آفاق الغاز الطبيعي في ظل التراجع الكبير الذي شهدته أسعار النفط خلال الشهور الماضية. هذا التفاؤل أصاب شركات الطاقة الكبرى . وشجعها ارتفاع الأسعار ونمو الطلب في شرق آسيا، وخاصة الصينواليابان،علي الاستثمار في مشاريع ضخمة في أماكن مثل أستراليا وبابوا غينيا الجديدة لإنتاج الغاز الطبيعي المسال LNGسواء عن طريق الحفر البحري، أو كما في حالة مشروع ولاية كوينزلاند لمجموعة بريتش جاز البريطانية لاستخراج الغاز الموجود في طبقات الفحم وهو المشروع الذي قدرت تكاليفه بنحو 20 مليار دولار. وبفضل طفرة الصخر الزيتي، بدأت أمريكا تستخدم المحطات الساحلية التي بنتها لاستيراد الغاز الطبيعي المسال، في تصديره. ولكن حدث شيء غير متوقع , وهو , ازدهار الفحم ,الذي يعد الوقود الأحفوري الأكثر تلويثا» للبيئة ، ولاسيما في أوروبا، وذلك في ظل منظومة تبادل الكربون الخاصة بالاتحاد الأوروبي -وهي أضخم سوق للكربون في العالم- فانخفاض سعر حصص ثاني اكسيد الكربون علاوة علي انخفاض سعر الفحم في الأسواق العالمية أدى إلي زيادة استخدام هذا الوقود في كل أوروبا (في حين كان الهدف تشجيع الحفاظ علي البيئة باستخدام وقود نظيف). وهكذا حل الفحم محل الغاز في توليد الطاقة -وليس العكس -. (هناك حديث عن قيام البرلمان الأوروبي بالتحرك لإصلاح النظام). ولذلك كان الطلب على الغاز الطبيعي المسال مستقرا» على مدى السنوات الثلاث الماضية. ومع إنخفاض أسعار النفط , هبطت أسعار الغاز الطبيعي في أمريكا الي أدنى مستوى منذ منتصف عام 2012. وفي اليابان هبطت الاسعار الي أدنى مستوى في خمس سنوات ولأقل من السعر الأوروبي للمرة الأولى في أربع سنوات. وربما كان هذا هو العصر الذهبي بالفعل، ولكن بالنسبة لمستهلكي الغاز فقط. اما بالنسبة للمستثمرين في منشآت الغاز الكبيرة فكما هو الحال مع أسعار النفط الامر يمثل مشكلة وخسائر. وضعف الطلب ووفرة المعروض تدفع اسعار الغاز الي الانخفاض (على الرغم من عدم وجود عامل الكارتل المنهار والمسمي في حالة النفط ب أوبك). وقد تمت إضافة ملايين البراميل من الانتاج الجديد مع بدء تشغيل المشاريع التي تم الاتفاق عليها عندما كانت أسعار الطاقة مرتفعة. ومن المقرر زيادة القدرة التصديرية العالمية بواقع الثلث، من 290مليون طن سنويا (طن متري سنويا) في نهاية عام 2013 إلى ما يقرب من 400 مليون طن سنويا بحلول عام 2018. ومن المتوقع أيضا تفوق أستراليا علي قطر لتصبح أكبر دولة مصدرة للغاز،بمضاعفة إنتاجها بثلاثة أضعاف قدرتها الحالية إلى 86 مليون طن سنويا بحلول عام 2020. وتبدأ أمريكا تصدير الغاز هذا العام. ومن المقرر أن يبدأ في العام المقبل انتاج مشروعين عملاقين للغاز الطبيعي المسال من حقول غاز قبالة ساحل غرب أستراليا. ومن أكبر مشاريع الغاز الطبيعي فى العالم مشروع لشركة شيفرون بنحو 30مليار دولار أمريكي، ومشروع لشركة شل بقيمة 13 مليار دولار , وكلاهما في الولايات المتحدة. وقد بدأ مشروع أكسون المقدر, بنحو 19 مليار دولار, في بابوا غينيا الجديدة شحن الغاز في مايو الماضي وقبل الموعد المحدد. ولكن حاليا» توقفت الاستثمارات الجديدة ولم يعلن عن مشاريع كبيرة للغاز الطبيعي المسال منذ شهور. ولأن تلك المشاريع تحتاج إلي تمويل ضخم فإنها تستدعي تنفيذها من خلال عقود طويلة الأجل، والتي تمثل 75٪ من التجارة العالمية. وإبرام عقود طويلة الأجل يعني أن انخفاض الأسعار لا يمثل مشكلة كبيرة للدول المنتجة كما هو الحال بالنسبة للدول النفطية. غير انه بالنسبة لشركات الطاقة، فإنه في ظل تلك العقود يكون انخفاض الأسعار غير مشجع للقيام باستثمارات ضخمة. في الوقت نفسه يسعي المشترون إلي الاستفادة من انخفاض الأسعار وعقد صفقات مربحة. وعلي سبيل المثال وقعت اليابان في العام الماضي عقودا للغاز بحوالي 16 دولارا للمليون وحدة . حاليا» من المتوقع أن تنخفض أسعار العقود إلى 11 دولارا أو أقل , مع انخفاض السعر الفوري إلي 7 دولارات.وبالنظر إلي تكلفة والشحن البحري، سوف يتكبد المصدرين الأمريكيين خسائر ضخمة. وتعتمد طموحات صناعة الغاز الطبيعي المسال على حدوث طفرة في الطلب. وبالفعل تبدى أمريكا اللاتينية اهتمام قوي بالغاز بشكل غير متوقع.كما ارتفعت واردات بريطانيا , وإندونيسيا،التي كانت من قبل دولة مصدرة ، تستورد الآن الغاز. ولكن الصورة على المدى القصير لا تبدو جيدة, وذلك في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين وضعفه في اليابان. حتى الاقتصادات القوية تستخدم الطاقة بجميع أنواعها بشكل أكثر كفاءة. من ناحية أخري يعاني الغاز من منافسة قوية من جانب أنواع الوقود الأخرى.فمن المرجح أن تقوم اليابان هذا العام بإعادة تشغيل بعض المحطات النووية ، ويمكن أن تستخدم النفط الرخيص في بعض محطات توليد الكهرباء. وبالنسبة للصين فإنها ماضية قدما في إنتاج الغاز ، وكذلك الفحم النظيف والطاقة المتجددة،والتي ستحل محل الغاز المستورد في توليد الطاقة. ويمكن للدول الأوروبية المستوردة للغاز استخدام الغاز الطبيعي المسال كورقة ضغط مع موردين مثل شركة جازبروم الروسية، غير أن الطلب الأوروبي يتراجع. في ظل تزايد اهتمام مستهلكي الطاقة بالبحث عن وقود نظيف , ولكن مع عدم التخلي كليا على النفط والغاز, يبدو مستقبل الغاز قويا». ومن المتوقع زيادة نمو الطلب على الغاز كوقود للنقل. فبعض شركات صناعة السيارات، مثل شركة فيات وكرايسلر, مهتمة بتصنيع موديلات تعمل بالغاز واقتصادياتها تجذب العملاء حتى في حالة انخفاض أسعار البنزين . والسبب في ذلك إن صناعة السيارات في أمريكا وأوروبا واليابانوالصين تجد صعوبة شديدة في تلبية المعايير البيئية المتعلقة بالانبعاثات الضارة .وأفضل طريقة للامتثال هي بيع المزيد من السيارات التي تعمل بالغاز. وبالفعل تشهد مبيعات السيارات التي تعمل بالغاز الطبيعي المضغوط CNGازدهارا» في الهندوالصين. وقد بدأت الهند التحول إلي الغاز الطبيعي المضغوط في تشغيل قطاراتها . في الوقت نفسه , المخاوف بشأن التلوث الذي يسببه النفط الثقيل المستخدم في المحركات البحرية دفع إلي فرض قواعد جديدة صارمة علي الانبعاثات في بحر البلطيق والمياه الساحلية الأمريكية. مما يشجع اتجاها جديدا بالتحول إلي السفن التي تعمل بالغاز الطبيعي المسال. ويشير خبراء إلي إن هناك حاجة إلي بناء منشآت تموين سفن بالغاز الطبيعي . حيث يعتبر العائق الرئيسي في الاتجاه الجديد بالتحول الي الغاز هو عدم كفاية منشآت إعادة تموين السفن مثلما يقول رئيس شركة فنلندية تبني المحركات البحرية التي تعمل بالغاز. ومن ثم فقد افتتحت أمريكا أخيرا» أول منشأة تموين غاز طبيعي مسال، في ميناء ولاية لويزيانا .وفي وقت سابق من هذا الشهر تم إجراء تجربة للتزود بالوقود. التحول إلي توليد الكهرباء في المصانع الصغيرة القريبة من المستهلكين (مما يخفض تكاليف التوزيع) يزيد أيضا الطلب على الغاز , على حساب أنواع أخرى من الوقود. وبحسب المسئول عن سياسة الطاقة في ولاية نيويورك، فإن محطات الطاقة الصغيرة التي تعمل بالغاز مجدية اقتصاديا» حاليا» أكثر من أي وقت مضى. بل إن بعض الشركات والمباني السكنية بدأت تعمل علي تثبيت مولدات غاز خاصة بها، وعدم الاعتماد على المحطات الرئيسية. التوقف عن تنفيذ مشاريع جديدة يعني أن نمو الطلب قد يفوق نمو العرض في غضون بضع سنوات . ,ومن ثم سوف تتقلص الوفرة الحالية ، مما يسمح للمنتجين باستعادة قوة التسعير. الأمر سوف يستغرق بعض الوقت، ولكن المكاسب ستكون كبيرة.