جهاد أزعور المدير الجديد لإدارة الشرق الأوسط بصندوق النقد الدولى قال الأسبوع الماضى: إن خفض معدل التضخم فى مصر ضرورى لإبقاء برنامج الإصلاح الاقتصادى فى البلاد على المسار الصحيح، وأضاف أننا بحاجة إلى معالجة التضخم لأن عدم معالجته ستكون له أثر اجتماعى كبير، كما سيزيد ارتفاع التضخم من صعوبات ضبط عجز الموازنة جراء اضطرار الحكومة إلى زيادة الإنفاق على الدعم، وهو ما قد يؤدى إلى موجة تضخمية ثانية! ولا يشارك أزعور الذى عمل وزيرا لمالية لبنان لسنوات، فى المفاوضات الجارية الآن بالقاهرة بين بعثة صندوق النقد الدولى والحكومة التى تنتهى يوم الخميس المقبل، وهى المراجعة الثانية لبرنامج الإصلاح الاقتصادى التى على ضوئها سيتم صرف الشريحة الثانية من قرض الصندوق التى تبلغ 1.2 مليار دولار. تصريحات أزعور إضافة إلى حديث كريستين لاجارد مديرة الصندوق عقب لقائها بالرئيس فى واشنطن قبل أسابيع التى أشادت فيه بتضحيات الشعب المصرى وتحمله تكاليف الإصلاح، توشى بجولة مفاوضات سهلة نسبيا تلك التى تجرى بالقاهرة حاليا، كما تشير كذلك إلى اتفاق إدارة الصندوق مع مطالب السياسيين فى مصر بشأن ضرورة محاربة غول التضخم باعتباره أهم التحديات التى تواجه البلاد ليس فقط على الصعيد الاجتماعى بل واقتصاديا كذلك، فالتضخم المرتفع يفقد شهية المستثمرين المحتملين للعمل فى السوق المحلى ريثما تستقر الأحوال وتتضح الرؤى فيما يتعلق بالعملة وبالأسعار وبتأثيرات كل ذلك فى تكلفة الإنتاج .. وعلى الناس. أزعور قال إن موجة التضخم الحالية هى الأعلى خلال ثلاثة عقود، والصحيح أن معدلات التضخم الراهنة هى غير مسبوقة على الإطلاق بعد أن تجاوزت 30 % الشهر الماضى والسبب فى ذلك واضح وهو أن التلكؤ والتباطؤ فى انتهاج إجراءات الإصلاح لسنوات طويلة دفعت الحكومة لاتخاذ عدة خطوات نقدية ومالية مؤلمة دفعة واحدة تراوحت بين تعويم الجنيه وفرض الضريبة المضافة وتخفيف الدعم عن البترول والكهرباء، وقد كان معلوما للحكومة كما هو معلوم لصندوق النقد أن هذه الإجراءات سوف تقفز بمعدلات التضخم إلى مستويات قياسية لكن ما ليس معلوما بالقدر الكافى المدى الزمنى المقدر لانحسار هذه الموجة التضخمية، والإجراءات المضادة المطلوبة لعودة التضخم إلى معدلاته الطبيعية. هذه الإجراءات تختلف عن جهود الرئيس السيسى الذى يلتزم بها أمام المصريين بطرح سلع غذائية معينة بأسعار منخفضة ولاسيما فى مناطق محدودى الدخل أو التزامه أيضا بتوفير مساكن شبه مجانية لسكان العشوائيات أو بأسعار اقتصادية للشباب، فهذه إجراءات اجتماعية وسياسية لاشك أنها محل ترحيب وتقدير غير أنها تختلف عن الإجراءات المالية والنقدية المطلوبة لكبح الموجة التضخمية الراهنة والناجمة عن المضى قدما فى برنامج الإصلاح. تقرير صدر عن صندوق النقد الدولى منتصف الأسبوع الماضى توقع أن ينخفض معدل التضخم فى مصر إلى 17% بحلول نهاية العام دون أن يذكر تفاصيل، وتوقع التقرر أيضا أن يبلغ معدل النمو السنوى فى نهاية العام المالى الحالى إلى 3.5 % مقابل تقديرات حكومية تصل به إلى 4 %. وسواء كان هذا الرقم أو ذاك فإن النسبة لا توحى من الناحية الاقتصادية على إمكانية تراجع التضخم إلى النصف، وبالتالى فهناك حاجة لإجراءات أخرى لمواجهة هذا الغول الذى يهدد بتآكل نتائج الإصلاح وفق مدير الشرق الأوسط فى صندوق النقد بنفسه. زيادة الإنتاج والإنتاجية هى الحل النهائى والمثالى ليس فقط للقضاء على التضخم ولكن للتخلص من كل ما نحن فيه من متاعب، ولاشك أن هناك جهودا صادقة فى هذا الاتجاه ولاسيما على صعيد الاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة وكذلك إصدار قانون الاستثمار الذى يبدو أنه تخلص من كثير من عورات القانون السابق، ومع ذلك فإن حصد نتائج هذه الإصلاحات سوف يستغرق بعض الوقت، كما أن تحسين مناخ الاستثمار والنهوض بالصناعة وتنمية المشروعات الصغيرة يحتاج كذلك إلى التخلص من معدلات التضخم المرتفعة التى نراها الآن. مواجهة التضخم تحتاج إلى إجراءات صعبة من بينها الحد من السيولة والمعروض النقدى وهو إجراء له تكاليفه، كما أن رفع الفائدة لتقارب مستويات التضخم الراهنة هو إجراء عادل من الناحية الاجتماعية لكن آثاره فى رفع تكلفة الإقراض يجب تحملها.. ربما لهذا السبب قرر مجلس إدارة البنك المركزى تأجيل مناقشة هيكل أسعار الفائدة إلى جلسته المقررة فى 21 مايو الحالى.