القاهرة الإخبارية: بدء تحرك شاحنات المساعدات المصرية باتجاه معبر رفح تمهيدًا لدخولها إلى غزة    إسرائيل تعلن عن هدن إنسانية في قطاع غزة    جوتيريش يدعو إلى وقف إطلاق النار بين كمبوديا وتايلاند    «برشلونة وآرسنال».. مواعيد مباريات اليوم الأحد والقنوات الناقلة    كارول سماحة تنعى زياد الرحباني بكلمات مؤثرة وتوجه رسالة ل فيروز    وزير الثقافة: نقل صنع الله إبراهيم إلى معهد ناصر بالتنسيق مع وزارة الصحة    ريم أحمد: أعتز بشخصية «هدى» في «ونيس».. لكنني أسعى للتحرر من أسرها    القنوات الناقلة ل مباراة برشلونة وفيسيل كوبي الودية.. وموعدها    القصة الكاملة لحادث انهيار منزل في أسيوط    درجة الحرارة 47.. إنذار جوي بشأن الطقس والموجة الحارة: «حافظوا على سلامتكم»    تنسيق الجامعات 2025.. الكليات المتاحة لطلاب الأدبي في المرحلة الأولى    تحالف بقيادة قوات الدعم السريع يعلن تشكيل حكومة موازية في السودان    توقف جزئي ب «جزيرة الدهب».. مصدر يكشف سبب انقطاع المياه في محافظة الجيزة    احمِ نفسك من موجة الحر.. 8 نصائح لا غنى عنها لطقس اليوم    إصابة 11 شخصًا بحادث طعن في ولاية ميشيغان الأميركية    الجنرال الصعيدي.. معلومات عن اللواء "أبو عمرة" مساعد وزير الداخلية للأمن العام    الخامسة في الثانوية الأزهرية: «عرفت النتيجة وأنا بصلي.. وحلمي كلية لغات وترجمة»    الثالث علمي بالثانوية الأزهرية: نجحت بدعوات أمي.. وطاعة الله سر التفوق    «تجاوزك مرفوض.. دي شخصيات محترمة».. نجم الأهلي السابق يفتح النار على مصطفى يونس    «حريات الصحفيين» تعلن دعمها للزميل طارق الشناوي.. وتؤكد: تصريحاته عن نقابة الموسيقيين نقدٌ مشروع    «الحشيش مش حرام؟».. دار الإفتاء تكشف تضليل المروجين!    ما حكم شراء السيارة بالتقسيط عن طريق البنك؟    أمين الفتوى: الأفضل للمرأة تغطية القدم أثناء الصلاة    بعد فتوى الحشيش.. سعاد صالح: أتعرض لحرب قذرة.. والشجرة المثمرة تُقذف بالحجارة    دبلوماسيون: مصر وقفت صامدة ضد تهجير أهالي غزة ولا أحد ينكر دورها    "سنلتقي مجددًًا".. وسام أبوعلي يوجه رسالة مفاجئة لجمهور الأهلي    عكاظ: الرياض لم يتلق مخاطبات من الزمالك بشأن أوكو.. والمفاوضات تسير بشكل قانوني    نيجيريا يحقق ريمونتادا على المغرب ويخطف لقب كأس أمم أفريقيا للسيدات    وسام أبو علي يودع جماهير الأهلي برسالة مؤثرة: فخور أنني ارتديت قميص الأهلي    5 أسهم تتصدر قائمة السوق الرئيسية المتداولة من حيث قيم التداول    "مستقبل وطن المنيا" ينظم 6 قوافل طبية مجانية ضخمة بمطاي.. صور    أعلى وأقل مجموع في مؤشرات تنسيق الأزهر 2025.. كليات الطب والهندسة والإعلام    سم قاتل في بيت المزارع.. كيف تحافظ على سلامة أسرتك عند تخزين المبيدات والأسمدة؟    خلال ساعات.. التعليم تبدأ في تلقي تظلمات الثانوية العامة 2025    مصرع شخصين وإصابة 2 آخرين في حادث تصادم دراجة بخارية وتوك توك بقنا    قبل كتابة الرغبات.. كل ما تريد معرفته عن تخصصات هندسة القاهرة بنظام الساعات المعتمدة    مستشفى بركة السبع تجري جراحة طارئة لشاب أسفل القفص الصدري    بدء المؤتمر الجماهيري لحزب "الجبهة الوطنية" في المنوفية استعدادًا لانتخابات الشيوخ 2025    عيار 21 بعد الانخفاض الكبير.. كم تسجل أسعار الذهب اليوم الأحد محليًا وعالميًا؟    سعيد شيمي يكشف أسرار صداقته مع محمد خان: "التفاهم بينا كان في منتهى السهولة    تامر أمين يعلّق على عتاب تامر حسني ل الهضبة: «كلمة من عمرو ممكن تنهي القصة»    ماكرون يشكر الرئيس السيسى على جهود مصر لحل الأزمة فى غزة والضفة الغربية    استشهاد 3 فلسطينيين وإصابات جراء قصف الاحتلال شقة سكنية في غزة    سعر المانجو والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الأحد 27 يوليو 2025    محافظ الدقهلية يتدخل لحل أزمة المياه بعرب شراويد: لن أسمح بأي تقصير    خالد الجندي: من يُحلل الحشيش فقد غاب عنه الرشد العقلي والمخ الصحيح    عطل مفاجئ في محطة جزيرة الذهب يتسبب بانقطاع الكهرباء عن مناطق بالجيزة    وزير الثقافة: نقل الكاتب صنع الله إبراهيم إلى معهد ناصر بالتنسيق الصحة    الأمم المتحدة: العام الماضي وفاة 39 ألف طفل في اليمن    وفاة وإصابة 3 أشخاص إثر انقلاب سيارة ربع نقل داخل ترعة بقنا    بسبب ماس كهربائي.. السيطرة على حريق بمنزل في البلينا بسوهاج    جامعة الجلالة تُطلق برنامج "التكنولوجيا المالية" بكلية العلوم الإدارية    القاهرة وداكار على خط التنمية.. تعاون مصري سنغالي في الزراعة والاستثمار    البنك الأهلي يعلن رحيل نجمه إلى الزمالك.. وحقيقة انتقال أسامة فيصل ل الأهلي    التراث الشعبي بين التوثيق الشفهي والتخطيط المؤسسي.. تجارب من سوهاج والجيزة    عاجل- 45 حالة شلل رخو حاد في غزة خلال شهرين فقط    حلمي النمنم: جماعة الإخوان استخدمت القضية الفلسطينية لخدمة أهدافها    تقديم 80.5 ألف خدمة طبية وعلاجية خلال حملة "100 يوم صحة" بالإسماعيلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية الدولار المصرى

أنا وغيرى من المصريين فى حاجة إلى وقفة مع النفس،‮ ‬نراجع فيها أوضاعنا الاقتصادية الداخلية،‮ ‬ونحاول أن نتفهم من خلالها جيدا الوضع الحقيقى الراهن لاقتصادنا القومي‮. ‬هذه الوقفة الموضوعية مع النفس ليست أمرا‮ ‬غريبا فذلك ما تحرص عليه‮ ‬غالبية دول العالم المتقدم من حين لآخر،‮ ‬لكى تضمن دائما تحقيق أوضاع أفضل لمسار نموها الاقتصادى وتطورها الاجتماعي‮. ‬فمشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية تتشابك وتترابط مع بعضها وبالتالى لا‮ ‬يجوز لنا أن نعالج هذه المشاكل بشكل جزئى دون النظرة الشاملة للأمور،‮ ‬وحلول مشاكلنا الاقتصادية‮ ‬يجب ألا تتم فقط فى ضوء الحسابات الاقتصادية البحتة،‮ ‬وإنما‮ ‬يجب أن تراعى الأبعاد الاجتماعية والسياسية وبما‮ ‬يحافظ على الاستقرار الاقتصادى والسلام الاجتماعي‮. ‬إن جوهر مشكلتنا الاقتصادية‮ ‬ينحصر فى اختلال مستمر بين الموارد المتاحة ذاتيا وحجم الاحتياجات الفعلية التى‮ ‬يحتاجها شعبنا أى أننا نعيش ونستخدم موارد أكثر مما نملك وهنا لب الداء‮. ‬ولا‮ ‬ينبغى تحديد الأهداف بشكل عشوائى أو انتقائى لا علاقة له بأوضاع مصر وظروفها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أو أن تصاغ‮ ‬طبقا لأهواء أو ضغوط طارئة بل‮ ‬يجب أن تتفق مع مقتضيات تطوير الواقع الراهن ونقله إلى أوضاع أفضل باستمرار‮.‬
نسمع من حين لآخر بعض الآراء التى تنادى بأجندات مختلفة لا تستند إلى دراسات متعمقة بل هى ردود فعل لأحداث معينة نكتشف بعد حين ضررها الكبير على اقتصادنا الوطنى‮. ‬ولعل حكاية الدولار المصرى مثال قوى لما‮ ‬يحمله من تبعات سلبية على اقتصانا الوطنى إذا أخذنا بنظرة الآخرين التى تحاول الخروج عنه‮. ‬وإلى أى مدى‮ ‬يستمر ارتفاع الدولار أو بمعنى أصح انخفاض الجنيه ؟ هل بلغ‮ ‬بالفعل المستوى الأدنى له؟
كثيرا ما نسمع ونقرأ عن أن هيمنة الدولار بدأت تتزعزع انطلاقا من توفر بدائل،‮ ‬مثل اليورو الأوروبى والين اليابانى والجنيه الاسترلينى،‮ ‬فضلا عن أن السلة التى تتضمن هذه العملات وغيرها،‮ ‬صارت تشكل وسيلة متاحة لتغطية الكثير من التعاملات الدولية بأقل تضخم وأكثر حفظا للقيمة‮. ‬ويرى المتابعون لتاريخ العملات،‮ ‬أنه ليس قانونا طبيعيا أبديا أن‮ ‬يظل الدولار دوما على القمة‮. ‬فقد احتل الجنيه الإسترلينى القمة فى القرن التاسع عشر،‮ ‬ثم تفوق عليه الدولار الأمريكى فى النصف الأول من القرن العشرين‮. ‬وقد‮ ‬يأتى اليوم الذى‮ ‬يستسلم فيه الدولار أيضاً‮ ‬لمنافس آخر قوى‮. ‬ولكنهم‮ ‬يؤكدون استبعاد ذلك اليوم بالنسبة للدولار‮. ‬والمناورات التى تتبناها الولايات المتحدة فى سياساتها النقدية والمالية قائمة على المراهنة بأن قوة الدولار لا تنبع من قيمته بل من عدم توفر أى إمكانية للانقلاب عليه وظهور بديل آخر‮. ‬وصانع القرار الأمريكى‮ ‬يعتبر الدولار الأمريكى هو أحد أهم أسلحة الدمار الشامل،‮ ‬من‮ ‬يقترب منه أو‮ ‬يحاول النيل منه‮ ‬يجد عقابا أشد فتكا من القنابل النووية‮. ‬والحوارات التى تجرى قى أجهزة الإعلام العالمية والمحلية وعبر صفحات الانترنت حول تدهور الدولار وبروز عملات جديدة لتحل محله حوارات تنقصها الدقة العلمية،‮ ‬بل العكس أن كثيرا من الدول الدائنة للولايات المتحدة والمستثمرين الأجانب لا‮ ‬يريدون للدولار أن‮ ‬يتهاوى أو أن تحل محله عملة أخرى‮ . ‬كما أن كثيرا من المؤشرات التى تنشر عن الدولار أغلبها بعيدة عن الصحة،‮ ‬حتى فى قلب الأزمة المالية رأينا عكس ما كان‮ ‬ينشر عنه‮. ‬فكثيرا ما تلجأ الإدارة الأمريكية،‮ ‬منذ عدة سنوات،‮ ‬إلى تغطية آثار هذه الكوارث باستنباط سياسات نقدية عديدة‮ ‬ينتج عنها انخفاض فى قيمة الدولار على أمل امتصاص العديد من مشاكلها الأخرى،‮ ‬بناء على قناعة تقول إن موقع الدولار دوليا لن‮ ‬يتأثر نظراً‮ ‬إلى انه لا توجد عملة بديلة تستطيع أن تلعب دور المقاصّة الدولية فى المعاملات التجارية الرئيسية،‮ ‬ولعدم احتجاج اللاعبين الدوليين الرئيسيين على توالى الانخفاض فى قيمة الدولار‮. ‬وتعمل القوة العسكرية والاقتصادية الأمريكية على تعزيز الثقة فى الدولار باعتباره ملاذا آمنا‮.‬
والشيء اللافت للنظر أيضا أن الديون الأمريكية تؤدى دورا مراوغا،‮ ‬لأنها تلزم الدائنين بإبقاء مساندتهم للدولار،‮ ‬للحفاظ على قيمة ديونهم‮. ‬أى أن الولايات المتحدة،‮ ‬بينما تعمد إلى طباعة المزيد من الورق الخالى من القيمة،‮ ‬فإنها تعتمد على الدائنين أنفسهم لشراء المزيد من ذلك الورق،‮ ‬وذلك لكى لا تنخفض قيمة ديونهم أكثر فأكثر‮. ‬أى أن الاقتصاد الأمريكى‮ ‬يحصل على سلع من الخارج ويدفع ثمنها بديون من أطراف أخرى فى الخارج‮. ‬لقد استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية فى العقود الأخيرة توظيف عملتها وجعلها عملة العملات من خلال صناعة‮ «‬هالة مقدسة‮» ‬حول الدولار لتزرع الثقة لدى المستثمرين فى هذه العملة أو سندات الخزينة الأمريكية‮. ‬فكل من اشترى سندات الخزانة الأمريكية‮ ‬يعلم أنه لا‮ ‬يمكنه أن‮ ‬يتخلى عن الدولار كعملة دولية لأن أمواله واستثماراته فى السندات ستتهدد بالضياع فى حال انهيار الدولار‮. ‬وكل من باع إلى الولايات المتحدة الأمريكية سلعاً‮ ‬وحصل على دولارات هزيلة‮ ‬يعلم أن سقوط الدولار‮ ‬يعنى ضياع ادخاراته وأرباحه التجارية‮. ‬ومن ثم فإن كل الدول التى تحتفظ بالدولار كاحتياطات وغطاء لعملاتها المحلية تعلم أن اقتصادها وعملاتها ستنهار مع انهيار الدولار‮. ‬والنقطة الجديرة بالملاحظة أن مكانة الدولار كعملة دولية لم تتراجع،‮ ‬حيث أفاد بنك التسويات الدولية فى المسح الذى‮ ‬يجريه كل ثلاث سنوات بأن حصة الدولار فى صفقات النقد الأجنبى على مستوى العالم ارتفعت من‮ ‬85٪‮ ‬فى عام‮ ‬2010‮ ‬إلى‮ ‬87٪‮ ‬فى عام‮ ‬2013‮ . ‬كذلك قدرة الدولار على الصمود تثير الدهشة حقا‮. ‬فعندما اندلعت الأزمة المالية العالمية فى عام‮ ‬2008،‮ ‬استجاب المستثمرون العالميون بالفرار إلى الولايات المتحدة وليس منها‮. ‬ومن الواضح أنهم لا‮ ‬يزالون‮ ‬ينظرون إلى سندات الخزانة الأمريكية باعتبارها الملاذ الآمن والدولار بوصفه العملة الدولية الأولى‮. ‬وبوجه عام،‮ ‬زاد الأجانب بصورة حادة حيازاتهم من الأصول المالية الأمريكية‮. ‬فيحتفظ المستثمرون الأجانب حاليا بنحو‮ ‬5,‬6‮ ‬تريليون دولار أمريكى فى صورة سندات حكومية أمريكية،‮ ‬مقابل واحد تريليون دولار أمريكى فى عام‮ ‬2000‮ . ‬وقام المستثمرون الأجانب،‮ ‬أثناء الأزمة المالية الأخيرة بشراء سندات من الخزانة الأمريكية بقيمة‮ ‬3,‬5‮ ‬تريليون دولار أمريكي‮. ‬وحتى مع استمرار ارتفاع الدين العام الحكومى إلى‮ ‬16,‬8‮ ‬تريليون دولار أمريكى،‮ ‬وظل المستثمرون الأجانب،‮ ‬يزيدون باطراد حصتهم من ذلك الدين‮ . ‬ويرجع كثير من الخبراء ظهور الولايات المتحدة بهذا الوضع الخاص فى التمويل العالمى إلى حجم اقتصادها فحسب،‮ ‬وإنما إلى مؤسساتها‮ - ‬الحكومة الديمقراطية،‮ ‬والمؤسسات العامة،‮ ‬والأسواق المالية،‮ ‬والإطار القانونى‮ - ‬التى لا تزال،‮ ‬على عيوبها،‮ ‬تضع المعيار للعالم‮.‬
خلاصة القول‮: ‬إن الدولار الأمريكى لايزال هو السيد ومن‮ ‬يقترب منه محاولا أن‮ ‬يستبدل به عملة أخرى لا‮ ‬يلومن إلا نفسه‮ - ‬فكما قلنا مرارا هو أحد أهم أسلحة الدمار الشامل،‮ ‬ولعل ما حدث لصدام حسين خير مثال،‮ ‬ففى الأول من نوفمبر‮ ‬2000‮ ‬قام صدام حسين بعمل ما‮ (‬هناك من‮ ‬يعتقد أنه بذلك قرر مصيره‮). ‬فقد طلب من الأمم المتحدة‮ (‬التى تراقب صفقات النفط العراقية،‮ ‬فى إطار العقوبات‮) ‬أن تقرر أسعار نفطه باليورو وليس بالدولار‮.‬
وبعد فترة قصيرة من ذلك بدل أرصدته من العملة الصعبة بالعملة الأوروبية،‮ ‬وقد جلب كثيراً‮ ‬من السخرية لنفسه فى حينه‮. ‬فقد كان اليورو‮ ‬يساوى‮ ‬80‮ ‬سنتا‮. ‬وهذا الإجراء تسبب فى أول تصدع للدولار‮. ‬وإذا ما قررت دول منظمة أوبك الانتقال المنظم إلى تحديد سعر بضاعتها باليورو‮. ‬فالتدفق العالمى من الدولار إلى اليورو سيدفع الولايات المتحدة نحو أزمة‮. ‬وكانت الحكومة العراقية واضحة فى استخدام قوتها الاقتصادية لاغراض سياسية‮. ‬فالعراق الذى كان الزبون الرئيسى للقمح الأمريكى والأرز الطويل الحبة فى الثمانينيات،‮ ‬ثم أصبح المشترى الأكبر للقمح من أستراليا والأرز من فيتنام‮. ‬هذا التحول السريع ما هو إلا درس لكل من‮ ‬يحاول تغيير وجهة وارداته من مكان لآخر بدون مقدمات‮. ‬والمتابع للدولار المصرى‮ ‬يجد أنه ليس له علاقة بالوضع العالمى للدولار‮. ‬ويعتقد البعض أنه ارتفع ارتفاعا كبيرا خلال الفترة القصيرة الماضية،‮ ‬لكن الحقيقة تشير إلى أن الدولار لم‮ ‬يرتفع بل الجنيه المصرى هو الذى انخفض مقابل الدولار،‮ ‬والأسباب الحقيقية وراء انخفاض قيمة الجنيه تعود إلى قصور فى قدراتنا التصديرية وزيادة فى الواردات ومادامت هناك زيادة فى الواردات لا تقابلها زيادة فى الصادرات سيستمر تدهور الجنيه وهذه مسألة تحتاج إلى تغيير فى السياسات الاقتصادية وفى التوجهات الاقتصادية‮. ‬فالدولار الأمريكى‮ ‬يجوب العالم بحرية كاملة وعندما‮ ‬يدخل الحدود المصرية تصيبه سهام العارفين ببواطن الأمور ليحاصروه فى قلاع حصينة،‮ ‬ولقد تعددت تلك القلاع بعضها بفعل التشريعات والقوانين التى صدرت لجذب الاستثمار الأجنبى والبعض الآخر تحرمه القوانين مثل تجارة المخدرات التى باتت تستولى على أكثر من‮ ‬3‮ ‬مليارات دولار سنويا،‮ ‬وبين هذا وذاك تعددت الأنشطة التى تلهث وراءه فبدءا من الأنشطة الرياضية التى أصبحت تعول عليه كثيرا فى استقدام المدربين،‮ ‬حتى الصناعة المصرية التى كنا نعول عليها فى الماضى وكنا نتحدث على ضرورة زيادة نسبة المكون المحلى ليصل إلى أكثر من‮ ‬80٪‮ ‬نجدها الآن قد عزفت عن استخدام المكون المحلى بحجة المنافسة فى الخارج،‮ ‬وقد وصلت نسبة المكون المحلى حتى فى الصناعات التحويلية إلى‮ ‬10٪‮ ‬مفضلة المكون الأجنبى لأسباب متعددة مما‮ ‬يعنى نزيفا جديدا للعملة الصعبة مع تدنى الإنتاجية التى هى أساس حركة أسعار الصرف،‮ ‬مرورا بفواتير الغذاء والدواء المستوردة من الخارج،‮ ‬إضافة إلى استقدام أعلى التكنولوجيات لإنتاج سلع لا تصلح للتصدير،‮ ‬كذلك بعض المشروعات الحكومية هى الأخرى اعتمدت على المكون الأجنبى،‮ ‬إضافة إلى استقدام شركات أجنبية للنظافة،‮ ‬والتوسع المستمر فى استيراد أجهزة المحمول التى تتصف بالتطور السريع،‮ ‬والصفقات المشبوهة التى تتم عن طريق المضاربات والتى تشارك فيها بعض البنوك والتى تضخ كميات كبيرة من الدولارات لبعض الشركات المضاربة لتحقيق أرباح فى نظير الحصول على فائدة من وراء هذه الصفقات،‮ ‬وتحويلات حصة الشريك الأجنبى فى عمليات التنقيب عن البترول فى مصر وشركات الاستثمار،‮ ‬إضافة إلى الظروف العالمية والإقليمية التى أثرت بشكل مباشر على دخل السياحة وما ترتب عليه من نقص فى النقد الأجنبى وارتفاع فى الأسعار‮. ‬والشروط التى تفرضها المؤسسات الدولية والتى تحتوى على الكثير من التفاصيل التى تجعل الحكومات تركز جهودها على تلبية متطلبات القرض بدلا من التركيز على تحسين معيشة شعوبها وهذه الاشتراطات المفصلة لا تقدم للحكومات كثيرا من الخيارات عند تصميم سياسات الإصلاح حتى إنها تعتبر فى الغالب بمثابة هجوم على السيادة الوطنية‮. ‬وهناك تعاطف متزايد من قبل المسئولين بالبنك الدولى وصندوق النقد الدولى من ضرورة وضع قيود على بعض أنواع تدفق رأس المال‮. ‬فالمال الداخل‮ ‬يمكنه أن‮ ‬يخرج بأسرع مما دخل‮. ‬وكثير من الدول وضعت قيودا على سرعة نقل الأموال إلى الخارج‮. ‬فانخفاض الجنيه له نتائج مدمرة على اقتصادنا،‮ ‬فارتفاع سعر الدولار إزاء الجنيه‮ ‬يعنى أن ديون مصر قد زادت من الناحية العملية بنفس النسبة،‮ ‬أما بالنسبة للمشروعات الاقتصادية فإن أى مكون وسيط فى الإنتاج‮ ‬يتم استيراده من الخارج سوف‮ ‬يرفع ثمنه مما‮ ‬يؤثر على الأسعار،‮ ‬ويظهر فى شكل موجة‮ ‬غلاء تصيب المجتمع كله‮. ‬لابد من إغلاق مصادر المضاربة على قيمة الجنيه من خلال معرفة مسار القروض التى تمنحها البنوك وفى أى الأنشطة تُوجه وأن تكون هناك رقابة حقيقية من جانب البنوك على إنفاق هذه القروض والغرض الذى من أجله منحت تلك القروض‮. ‬لا‮ ‬يصح أن نترك الاقتصاد الحقيقى ونذهب جميعا للتجارة فى الأراضى ونعود باقتصادنا إلى اقتصاد القرن الخامس عشر‮. ‬انخفاض قيمة الجنيه هو انعكاس حقيقى لتدنى معدل زيادة الإنتاجية فى مصر،‮ ‬فمعدل الإنتاجية هو الذى‮ ‬يحدد سعر الصرف بين العملات فى العالم‮. ‬والجزء الآخر من القضية وهو المرتبط بالاستثمار لأنه لا‮ ‬يوجد حقن لاستثمار جديد دخلت إلى مجالات إنتاجية تسد الفجوات السلعية خاصة البنود الغذائية المختلفة وندفع فيها فاتورة عالية‮. ‬العلاج النقدى والمالى ليس هدفا فى حد ذاته وليس الهدف أن‮ ‬يرتفع الجنيه أو‮ ‬ينخفض المهم العمل على ايجاد حزمة من السياسات والأدوات لتشجيع الحد من الاستيراد ودفع عجلة الصناعة على أساس الاعتماد على المكون المحلى والحد من استنزاف العملات الأجنبية فى مجالات لا تضيف قيمة مضافة للاقتصاد الوطنى‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.