محافظ كفر الشيخ يفتتح أول مشتل نخيل مجتمعى بقرية أبو شعلان.. صور    وزير البترول: نستهدف التعاون مع توتال إنرجيز لتطوير منظومة النقل الآمن للمنتجات البترولية    الاتحاد الأوروبي: دخول القوات الإسرائيلية إلى مدينة غزة سيفاقم الوضع الإنساني    استشهاد وإصابة 37 فلسطينيا فى مجزرة جديدة للاحتلال الإسرائيلى بمدينة غزة    جريزمان يقود هجوم أتلتيكو مدريد أمام ليفربول بدوري الأبطال    إطلاق دوري المدارس بالتعاون بين وزارة التربية والتعليم وشركة استادات برعاية الشباب والرياضة    أول صورة من واقعة التنقيب عن الآثار داخل مكتب صحة دشنا في قنا    بدء المؤتمر الصحفي لمهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة بالمجلس الأعلى للثقافة    وزير مالية الاحتلال: غزة "كنز عقاري" ونناقش مع واشنطن تقاسم السيطرة على الأرض    فليك: لن نضع ضغوطًا على يامال.. وراشفورد لديه الكثير ليقدمه    لوكاس بيرجفال يشيد بالصلابة الدفاعية لتوتنهام منذ بداية الموسم    بوتين يبحث هاتفيًا مع رئيس وزراء الهند الأزمة الأوكرانية وتطورات العلاقات الثنائية    محافظ الإسكندرية يشهد حفل استقبال المعلمين الجدد    المستشرقون ليسوا دائمًا مغرضين.. اللا زمن فى القرآن الكريم.. أنموذجًا!    الصحة: انتهاء أعمال إحلال وتجديد وحدة جراحات الرمد والعيون بمستشفي الشيخ زايد التخصصي    "الأرصاد": أمطار غزيرة على منطقة نجران    مصرع شخص والبحث عن آخرين في ترعة بسوهاج    عاجل.. استمرار تدفق المساعدات عبر معبر رفح وسط تصعيد عسكري غير مسبوق في غزة    "بسبب إسرائيل".. إسبانيا تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026    بالذكاء الاصطناعي.. رضوى الشربيني تستعيد ذكريات والدها الراحل    موعد عرض الحلقة الأولى من مسلسل المؤسس عثمان 7 على قناة الفجر الجزائرية وترددها    9 فرص عمل جديدة في الأردن (التخصصات ورابط التقديم)    احتجاجات واسعة في لندن ضد زيارة ترامب لبريطانيا    مدارس «القليوبية» تستعد لاستقبال مليون و373 ألف طالب    إصابة شاب بإصابات خطيرة بعد أن صدمه قطار في أسوان    وزيرة التنمية المحلية تتابع جاهزية المحافظات لموسم الأمطار والسيول    أيمن عبدالعزيز يعلن تمسكه بعدم العمل في الأهلي.. وسيد عبدالحفيظ يرد    كيليان مبابي يعلن غيابه عن حفل الكرة الذهبية 2025    محافظ بورسعيد يفتتح حضانة ومسجد ويتفقد مركز شباب مدينة سلام مصر    حقيقة اختفاء 5 قطع أثرية من المتحف اليوناني في الإسكندرية    تعيين نائب أكاديمي من جامعة كامبريدج بالجامعة البريطانية في مصر    فوائد السمسم، ملعقة واحدة لأبنائك صباحا تضمن لهم صحة جيدة    إحالة شكاوى مرضى في وحدة طب الأسرة بأسوان للتحقيق    بعد نشر صورة مع جدها الفنان محمد رشدي.. من هي البلوجر فرح رشدي؟    خالد الجندى: الإنسان غير الملتزم بعبادات الله ليس له ولاء    حكم ما يسمى بزواج النفحة وهل يصح بشروطه المحددة؟.. الإفتاء توضح    80%ملكية أمريكية.. ملامح الاتفاق الجديد بين الولايات المتحدة والصين بشأن "تيك توك"    قناة السويس تشهد عبور السفينة السياحية العملاقة AROYA وعلى متنها 2300 سائح    أول يومَين بالمدارس أنشطة فقط.. خطاب رسمي ل"التعليم" لاستقبال الأطفال    البنك المركزي: القطاع الخاص يستحوذ على 43.3% من قروض البنوك بنهاية النصف الأول من 2025    عاجل- رئيس الوزراء: مصر ثابتة على مواقفها السياسية والإصلاح الاقتصادي مستمر رغم التحديات الإقليمية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17سبتمبر2025 في المنيا    هل يجوز لى التصدق من مال زوجى دون علمه؟.. الأزهر للفتوى يجيب    ضبط المتهم بذبح زوجته بسبب خلافات بالعبور.. والنيابة تأمر بحبسه    تحديث بيانات المستفيدين من منظومة دعم التموين.. التفاصيل    مفتى الجمهورية: ما يجرى فى غزة جريمة حرب ووصمة عار على جبين العالم    المنيا.. تنظيم قافلة طبية مجانية في بني مزار لعلاج 280 من المرضى غير القادرين    وزارة الصحة تطلق أول مسار تدريبى لمكافحة ناقلات الأمراض    وزير الري: الاعتماد على نهر النيل لتوفير الاحتياجات المائية بنسبة 98%    وزير التعليم يبحث مع وفد الشيوخ الفرنسي تعزيز التعاون المشترك    شاب يلقى مصرعه حرقًا بعد مشادة مع صديقه في الشرقية    بايرن ميونخ يتأهب للحفاظ على رقم مميز ضد تشيلسي في دوري أبطال أوروبا    اجتماع طارئ للمكتب التنفيذي لاتحاد المحاكم والمجالس الدستورية العربية    ملكة إسبانيا فى زيارة رسمية لمصر.. أناقة بسيطة تعكس اختياراتها للموضة    "البديل الذهبي" فلاهوفيتش يسرق الأضواء وينقذ يوفنتوس    منال الصيفي تحيي الذكرى الثانية لوفاة زوجها أشرف مصيلحي بكلمات مؤثرة (صور)    رانيا فريد شوقي تستعيد ذكريات طفولتها مع فؤاد المهندس: «كان أيقونة البهجة وتوأم الروح»    خطوات إضافة المواليد على بطاقة التموين 2025.. الأوراق المطلوبة والفئات المستحقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية الدولار المصرى

أنا وغيرى من المصريين فى حاجة إلى وقفة مع النفس،‮ ‬نراجع فيها أوضاعنا الاقتصادية الداخلية،‮ ‬ونحاول أن نتفهم من خلالها جيدا الوضع الحقيقى الراهن لاقتصادنا القومي‮. ‬هذه الوقفة الموضوعية مع النفس ليست أمرا‮ ‬غريبا فذلك ما تحرص عليه‮ ‬غالبية دول العالم المتقدم من حين لآخر،‮ ‬لكى تضمن دائما تحقيق أوضاع أفضل لمسار نموها الاقتصادى وتطورها الاجتماعي‮. ‬فمشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية تتشابك وتترابط مع بعضها وبالتالى لا‮ ‬يجوز لنا أن نعالج هذه المشاكل بشكل جزئى دون النظرة الشاملة للأمور،‮ ‬وحلول مشاكلنا الاقتصادية‮ ‬يجب ألا تتم فقط فى ضوء الحسابات الاقتصادية البحتة،‮ ‬وإنما‮ ‬يجب أن تراعى الأبعاد الاجتماعية والسياسية وبما‮ ‬يحافظ على الاستقرار الاقتصادى والسلام الاجتماعي‮. ‬إن جوهر مشكلتنا الاقتصادية‮ ‬ينحصر فى اختلال مستمر بين الموارد المتاحة ذاتيا وحجم الاحتياجات الفعلية التى‮ ‬يحتاجها شعبنا أى أننا نعيش ونستخدم موارد أكثر مما نملك وهنا لب الداء‮. ‬ولا‮ ‬ينبغى تحديد الأهداف بشكل عشوائى أو انتقائى لا علاقة له بأوضاع مصر وظروفها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أو أن تصاغ‮ ‬طبقا لأهواء أو ضغوط طارئة بل‮ ‬يجب أن تتفق مع مقتضيات تطوير الواقع الراهن ونقله إلى أوضاع أفضل باستمرار‮.‬
نسمع من حين لآخر بعض الآراء التى تنادى بأجندات مختلفة لا تستند إلى دراسات متعمقة بل هى ردود فعل لأحداث معينة نكتشف بعد حين ضررها الكبير على اقتصادنا الوطنى‮. ‬ولعل حكاية الدولار المصرى مثال قوى لما‮ ‬يحمله من تبعات سلبية على اقتصانا الوطنى إذا أخذنا بنظرة الآخرين التى تحاول الخروج عنه‮. ‬وإلى أى مدى‮ ‬يستمر ارتفاع الدولار أو بمعنى أصح انخفاض الجنيه ؟ هل بلغ‮ ‬بالفعل المستوى الأدنى له؟
كثيرا ما نسمع ونقرأ عن أن هيمنة الدولار بدأت تتزعزع انطلاقا من توفر بدائل،‮ ‬مثل اليورو الأوروبى والين اليابانى والجنيه الاسترلينى،‮ ‬فضلا عن أن السلة التى تتضمن هذه العملات وغيرها،‮ ‬صارت تشكل وسيلة متاحة لتغطية الكثير من التعاملات الدولية بأقل تضخم وأكثر حفظا للقيمة‮. ‬ويرى المتابعون لتاريخ العملات،‮ ‬أنه ليس قانونا طبيعيا أبديا أن‮ ‬يظل الدولار دوما على القمة‮. ‬فقد احتل الجنيه الإسترلينى القمة فى القرن التاسع عشر،‮ ‬ثم تفوق عليه الدولار الأمريكى فى النصف الأول من القرن العشرين‮. ‬وقد‮ ‬يأتى اليوم الذى‮ ‬يستسلم فيه الدولار أيضاً‮ ‬لمنافس آخر قوى‮. ‬ولكنهم‮ ‬يؤكدون استبعاد ذلك اليوم بالنسبة للدولار‮. ‬والمناورات التى تتبناها الولايات المتحدة فى سياساتها النقدية والمالية قائمة على المراهنة بأن قوة الدولار لا تنبع من قيمته بل من عدم توفر أى إمكانية للانقلاب عليه وظهور بديل آخر‮. ‬وصانع القرار الأمريكى‮ ‬يعتبر الدولار الأمريكى هو أحد أهم أسلحة الدمار الشامل،‮ ‬من‮ ‬يقترب منه أو‮ ‬يحاول النيل منه‮ ‬يجد عقابا أشد فتكا من القنابل النووية‮. ‬والحوارات التى تجرى قى أجهزة الإعلام العالمية والمحلية وعبر صفحات الانترنت حول تدهور الدولار وبروز عملات جديدة لتحل محله حوارات تنقصها الدقة العلمية،‮ ‬بل العكس أن كثيرا من الدول الدائنة للولايات المتحدة والمستثمرين الأجانب لا‮ ‬يريدون للدولار أن‮ ‬يتهاوى أو أن تحل محله عملة أخرى‮ . ‬كما أن كثيرا من المؤشرات التى تنشر عن الدولار أغلبها بعيدة عن الصحة،‮ ‬حتى فى قلب الأزمة المالية رأينا عكس ما كان‮ ‬ينشر عنه‮. ‬فكثيرا ما تلجأ الإدارة الأمريكية،‮ ‬منذ عدة سنوات،‮ ‬إلى تغطية آثار هذه الكوارث باستنباط سياسات نقدية عديدة‮ ‬ينتج عنها انخفاض فى قيمة الدولار على أمل امتصاص العديد من مشاكلها الأخرى،‮ ‬بناء على قناعة تقول إن موقع الدولار دوليا لن‮ ‬يتأثر نظراً‮ ‬إلى انه لا توجد عملة بديلة تستطيع أن تلعب دور المقاصّة الدولية فى المعاملات التجارية الرئيسية،‮ ‬ولعدم احتجاج اللاعبين الدوليين الرئيسيين على توالى الانخفاض فى قيمة الدولار‮. ‬وتعمل القوة العسكرية والاقتصادية الأمريكية على تعزيز الثقة فى الدولار باعتباره ملاذا آمنا‮.‬
والشيء اللافت للنظر أيضا أن الديون الأمريكية تؤدى دورا مراوغا،‮ ‬لأنها تلزم الدائنين بإبقاء مساندتهم للدولار،‮ ‬للحفاظ على قيمة ديونهم‮. ‬أى أن الولايات المتحدة،‮ ‬بينما تعمد إلى طباعة المزيد من الورق الخالى من القيمة،‮ ‬فإنها تعتمد على الدائنين أنفسهم لشراء المزيد من ذلك الورق،‮ ‬وذلك لكى لا تنخفض قيمة ديونهم أكثر فأكثر‮. ‬أى أن الاقتصاد الأمريكى‮ ‬يحصل على سلع من الخارج ويدفع ثمنها بديون من أطراف أخرى فى الخارج‮. ‬لقد استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية فى العقود الأخيرة توظيف عملتها وجعلها عملة العملات من خلال صناعة‮ «‬هالة مقدسة‮» ‬حول الدولار لتزرع الثقة لدى المستثمرين فى هذه العملة أو سندات الخزينة الأمريكية‮. ‬فكل من اشترى سندات الخزانة الأمريكية‮ ‬يعلم أنه لا‮ ‬يمكنه أن‮ ‬يتخلى عن الدولار كعملة دولية لأن أمواله واستثماراته فى السندات ستتهدد بالضياع فى حال انهيار الدولار‮. ‬وكل من باع إلى الولايات المتحدة الأمريكية سلعاً‮ ‬وحصل على دولارات هزيلة‮ ‬يعلم أن سقوط الدولار‮ ‬يعنى ضياع ادخاراته وأرباحه التجارية‮. ‬ومن ثم فإن كل الدول التى تحتفظ بالدولار كاحتياطات وغطاء لعملاتها المحلية تعلم أن اقتصادها وعملاتها ستنهار مع انهيار الدولار‮. ‬والنقطة الجديرة بالملاحظة أن مكانة الدولار كعملة دولية لم تتراجع،‮ ‬حيث أفاد بنك التسويات الدولية فى المسح الذى‮ ‬يجريه كل ثلاث سنوات بأن حصة الدولار فى صفقات النقد الأجنبى على مستوى العالم ارتفعت من‮ ‬85٪‮ ‬فى عام‮ ‬2010‮ ‬إلى‮ ‬87٪‮ ‬فى عام‮ ‬2013‮ . ‬كذلك قدرة الدولار على الصمود تثير الدهشة حقا‮. ‬فعندما اندلعت الأزمة المالية العالمية فى عام‮ ‬2008،‮ ‬استجاب المستثمرون العالميون بالفرار إلى الولايات المتحدة وليس منها‮. ‬ومن الواضح أنهم لا‮ ‬يزالون‮ ‬ينظرون إلى سندات الخزانة الأمريكية باعتبارها الملاذ الآمن والدولار بوصفه العملة الدولية الأولى‮. ‬وبوجه عام،‮ ‬زاد الأجانب بصورة حادة حيازاتهم من الأصول المالية الأمريكية‮. ‬فيحتفظ المستثمرون الأجانب حاليا بنحو‮ ‬5,‬6‮ ‬تريليون دولار أمريكى فى صورة سندات حكومية أمريكية،‮ ‬مقابل واحد تريليون دولار أمريكى فى عام‮ ‬2000‮ . ‬وقام المستثمرون الأجانب،‮ ‬أثناء الأزمة المالية الأخيرة بشراء سندات من الخزانة الأمريكية بقيمة‮ ‬3,‬5‮ ‬تريليون دولار أمريكي‮. ‬وحتى مع استمرار ارتفاع الدين العام الحكومى إلى‮ ‬16,‬8‮ ‬تريليون دولار أمريكى،‮ ‬وظل المستثمرون الأجانب،‮ ‬يزيدون باطراد حصتهم من ذلك الدين‮ . ‬ويرجع كثير من الخبراء ظهور الولايات المتحدة بهذا الوضع الخاص فى التمويل العالمى إلى حجم اقتصادها فحسب،‮ ‬وإنما إلى مؤسساتها‮ - ‬الحكومة الديمقراطية،‮ ‬والمؤسسات العامة،‮ ‬والأسواق المالية،‮ ‬والإطار القانونى‮ - ‬التى لا تزال،‮ ‬على عيوبها،‮ ‬تضع المعيار للعالم‮.‬
خلاصة القول‮: ‬إن الدولار الأمريكى لايزال هو السيد ومن‮ ‬يقترب منه محاولا أن‮ ‬يستبدل به عملة أخرى لا‮ ‬يلومن إلا نفسه‮ - ‬فكما قلنا مرارا هو أحد أهم أسلحة الدمار الشامل،‮ ‬ولعل ما حدث لصدام حسين خير مثال،‮ ‬ففى الأول من نوفمبر‮ ‬2000‮ ‬قام صدام حسين بعمل ما‮ (‬هناك من‮ ‬يعتقد أنه بذلك قرر مصيره‮). ‬فقد طلب من الأمم المتحدة‮ (‬التى تراقب صفقات النفط العراقية،‮ ‬فى إطار العقوبات‮) ‬أن تقرر أسعار نفطه باليورو وليس بالدولار‮.‬
وبعد فترة قصيرة من ذلك بدل أرصدته من العملة الصعبة بالعملة الأوروبية،‮ ‬وقد جلب كثيراً‮ ‬من السخرية لنفسه فى حينه‮. ‬فقد كان اليورو‮ ‬يساوى‮ ‬80‮ ‬سنتا‮. ‬وهذا الإجراء تسبب فى أول تصدع للدولار‮. ‬وإذا ما قررت دول منظمة أوبك الانتقال المنظم إلى تحديد سعر بضاعتها باليورو‮. ‬فالتدفق العالمى من الدولار إلى اليورو سيدفع الولايات المتحدة نحو أزمة‮. ‬وكانت الحكومة العراقية واضحة فى استخدام قوتها الاقتصادية لاغراض سياسية‮. ‬فالعراق الذى كان الزبون الرئيسى للقمح الأمريكى والأرز الطويل الحبة فى الثمانينيات،‮ ‬ثم أصبح المشترى الأكبر للقمح من أستراليا والأرز من فيتنام‮. ‬هذا التحول السريع ما هو إلا درس لكل من‮ ‬يحاول تغيير وجهة وارداته من مكان لآخر بدون مقدمات‮. ‬والمتابع للدولار المصرى‮ ‬يجد أنه ليس له علاقة بالوضع العالمى للدولار‮. ‬ويعتقد البعض أنه ارتفع ارتفاعا كبيرا خلال الفترة القصيرة الماضية،‮ ‬لكن الحقيقة تشير إلى أن الدولار لم‮ ‬يرتفع بل الجنيه المصرى هو الذى انخفض مقابل الدولار،‮ ‬والأسباب الحقيقية وراء انخفاض قيمة الجنيه تعود إلى قصور فى قدراتنا التصديرية وزيادة فى الواردات ومادامت هناك زيادة فى الواردات لا تقابلها زيادة فى الصادرات سيستمر تدهور الجنيه وهذه مسألة تحتاج إلى تغيير فى السياسات الاقتصادية وفى التوجهات الاقتصادية‮. ‬فالدولار الأمريكى‮ ‬يجوب العالم بحرية كاملة وعندما‮ ‬يدخل الحدود المصرية تصيبه سهام العارفين ببواطن الأمور ليحاصروه فى قلاع حصينة،‮ ‬ولقد تعددت تلك القلاع بعضها بفعل التشريعات والقوانين التى صدرت لجذب الاستثمار الأجنبى والبعض الآخر تحرمه القوانين مثل تجارة المخدرات التى باتت تستولى على أكثر من‮ ‬3‮ ‬مليارات دولار سنويا،‮ ‬وبين هذا وذاك تعددت الأنشطة التى تلهث وراءه فبدءا من الأنشطة الرياضية التى أصبحت تعول عليه كثيرا فى استقدام المدربين،‮ ‬حتى الصناعة المصرية التى كنا نعول عليها فى الماضى وكنا نتحدث على ضرورة زيادة نسبة المكون المحلى ليصل إلى أكثر من‮ ‬80٪‮ ‬نجدها الآن قد عزفت عن استخدام المكون المحلى بحجة المنافسة فى الخارج،‮ ‬وقد وصلت نسبة المكون المحلى حتى فى الصناعات التحويلية إلى‮ ‬10٪‮ ‬مفضلة المكون الأجنبى لأسباب متعددة مما‮ ‬يعنى نزيفا جديدا للعملة الصعبة مع تدنى الإنتاجية التى هى أساس حركة أسعار الصرف،‮ ‬مرورا بفواتير الغذاء والدواء المستوردة من الخارج،‮ ‬إضافة إلى استقدام أعلى التكنولوجيات لإنتاج سلع لا تصلح للتصدير،‮ ‬كذلك بعض المشروعات الحكومية هى الأخرى اعتمدت على المكون الأجنبى،‮ ‬إضافة إلى استقدام شركات أجنبية للنظافة،‮ ‬والتوسع المستمر فى استيراد أجهزة المحمول التى تتصف بالتطور السريع،‮ ‬والصفقات المشبوهة التى تتم عن طريق المضاربات والتى تشارك فيها بعض البنوك والتى تضخ كميات كبيرة من الدولارات لبعض الشركات المضاربة لتحقيق أرباح فى نظير الحصول على فائدة من وراء هذه الصفقات،‮ ‬وتحويلات حصة الشريك الأجنبى فى عمليات التنقيب عن البترول فى مصر وشركات الاستثمار،‮ ‬إضافة إلى الظروف العالمية والإقليمية التى أثرت بشكل مباشر على دخل السياحة وما ترتب عليه من نقص فى النقد الأجنبى وارتفاع فى الأسعار‮. ‬والشروط التى تفرضها المؤسسات الدولية والتى تحتوى على الكثير من التفاصيل التى تجعل الحكومات تركز جهودها على تلبية متطلبات القرض بدلا من التركيز على تحسين معيشة شعوبها وهذه الاشتراطات المفصلة لا تقدم للحكومات كثيرا من الخيارات عند تصميم سياسات الإصلاح حتى إنها تعتبر فى الغالب بمثابة هجوم على السيادة الوطنية‮. ‬وهناك تعاطف متزايد من قبل المسئولين بالبنك الدولى وصندوق النقد الدولى من ضرورة وضع قيود على بعض أنواع تدفق رأس المال‮. ‬فالمال الداخل‮ ‬يمكنه أن‮ ‬يخرج بأسرع مما دخل‮. ‬وكثير من الدول وضعت قيودا على سرعة نقل الأموال إلى الخارج‮. ‬فانخفاض الجنيه له نتائج مدمرة على اقتصادنا،‮ ‬فارتفاع سعر الدولار إزاء الجنيه‮ ‬يعنى أن ديون مصر قد زادت من الناحية العملية بنفس النسبة،‮ ‬أما بالنسبة للمشروعات الاقتصادية فإن أى مكون وسيط فى الإنتاج‮ ‬يتم استيراده من الخارج سوف‮ ‬يرفع ثمنه مما‮ ‬يؤثر على الأسعار،‮ ‬ويظهر فى شكل موجة‮ ‬غلاء تصيب المجتمع كله‮. ‬لابد من إغلاق مصادر المضاربة على قيمة الجنيه من خلال معرفة مسار القروض التى تمنحها البنوك وفى أى الأنشطة تُوجه وأن تكون هناك رقابة حقيقية من جانب البنوك على إنفاق هذه القروض والغرض الذى من أجله منحت تلك القروض‮. ‬لا‮ ‬يصح أن نترك الاقتصاد الحقيقى ونذهب جميعا للتجارة فى الأراضى ونعود باقتصادنا إلى اقتصاد القرن الخامس عشر‮. ‬انخفاض قيمة الجنيه هو انعكاس حقيقى لتدنى معدل زيادة الإنتاجية فى مصر،‮ ‬فمعدل الإنتاجية هو الذى‮ ‬يحدد سعر الصرف بين العملات فى العالم‮. ‬والجزء الآخر من القضية وهو المرتبط بالاستثمار لأنه لا‮ ‬يوجد حقن لاستثمار جديد دخلت إلى مجالات إنتاجية تسد الفجوات السلعية خاصة البنود الغذائية المختلفة وندفع فيها فاتورة عالية‮. ‬العلاج النقدى والمالى ليس هدفا فى حد ذاته وليس الهدف أن‮ ‬يرتفع الجنيه أو‮ ‬ينخفض المهم العمل على ايجاد حزمة من السياسات والأدوات لتشجيع الحد من الاستيراد ودفع عجلة الصناعة على أساس الاعتماد على المكون المحلى والحد من استنزاف العملات الأجنبية فى مجالات لا تضيف قيمة مضافة للاقتصاد الوطنى‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.