لا مجال لتلك التكهنات التى تتحدث عن انخفاض منسوب الفاعلية فى العلاقات بين القاهرةوالرياض، بعد تولى الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الأمور فى المملكة العربية السعودية، خلفا للعاهل الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز الذى أحدث نقلة نوعية فى مستوى ونوعية وحجم هذه العلاقات الى حد الشراكة الاستراتيجية، خاصة بعد وقائع ثورة الثلاثين من يونيو فى مصر وقيام نظام جديد فيها على أنقاض نظام جماعة الإخوان المسلمين الذى استمر عاما واحدا محدثا خلاله العديد من التداعيات السلبية سواء على المستوى الوطنى أو على المستوى الإقليمى أو المستوى الدولى، ويمكن إرجاع ذلك الى جملة من الأسباب: أولا: إن الملك سلمان لم يكن غائبا عن رسم السياسات والتوجهات التى كانت تنفذ خلال حكم الملك الراحل عبد الله فهو الذى كان يمسك بملف العلاقات مع القاهرة بشكل خاص فى أعلى دوائر صنع القرار، وبالتالى فإن كل ما جرى من تطورات إيجابية فى هذا المنحى سواء سياسى أو اقتصادى أو أمنى كان يحظى بقبوله، ويعمل على منحه قوة دفع بحكم موقعه وليا للعهد فى المملكة وانطلاقا من قناعاته الشخصية تجاه مصر وأهمية استقرارها ودورها فى المرحلة الراهنة التى يواجه فيها النظام الإقليمى العربى مجموعة من المخاطر ذات العيار الثقيل، وحسبما يقول الدكتورعبد الحميد الطحاوى أستاذ العلاقات الدولية وعميد معهد الدراسات الآسيوية بالقاهرة، فإن مواقف الملك سلمان تجاه مصر متعددة ولا يمكن حصرها لأنها تدخل ضمن إطار التوجه السعودى الكامل نحو دعم مصر، وهو يبدى دوما حرصا على تعزيز العلاقات معها سواء فى موقعه السابق أو موقعه الجديد. ثانيا: إن سياسة المملكة العربية السعودية تجاه مصر تتسم بالاستقرار وهى من ثوابت توجهاتها الخارجية منذ مؤسسها الأول الملك عبد العزيز بن سعود ، وعلى حد تعبير السفير رخا أحمد حسن، عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية - لن يحدث تراجع خلال حكم الملك سلمان بن عبد العزيز فى مستوى هذه العلاقات، بل ستشهد تقاربًا فى المرحلة المقبلة من أجل التصدى للتحديات المشتركة بين البلدين ومواجهة الموجة الإرهابية التى تجتاح المنطقة. والمعنى ذاته يؤكده الدكتور نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية، فالملك سلمان يتمتع برؤية عميقة لا تقل عن رؤية الملك الراحل تجاه مصر والقضايا العربية، وفى السياق ذاته يؤكد الدكتور عمار على حسن، أستاذ علم الاجتماع السياسى أن العلاقات بين القاهرةوالرياض لن تشهد أى تغيرات، لعدة أسباب منها التقارب المصرى السعودى والتعاون الاستراتيجى المشترك بين البلدين فى مواجهة عدة قضايا مثل تهديد الإرهاب، بالإضافة إلى الأوضاع فى اليمن وقضية الدفاع عن مضيق باب المندب. ثالثا: الملك سلمان لم يعرف عنه تبنى مواقف سلبية تجاه مصر والمصريين وفى هذا الصدد يقول الدبلوماسى المخضرم سيد قاسم المصرى السفير المصرى الأسبق بالرياض الذى عمل فيما بعد مساعدا لوزير الخارجية ويعمل حاليا مستشارا للأمين العام لمنظمة التعاون الاسلامى بجدة: إن الملك سلمان عندما كان أميرا للرياض على مدى خمسة عقود لم يكن يغلق باب مجلسه أمام المصريين العاملين فى السعودية فقد كان يتلقى شكاواهم ويعمل على تذليها وهو الذى تولى الإشراف على اللجنة الشعبية لدعم المجهود الحربى لمصر وسوريا بعد حرب يونيو 1967 ومن ثم فإنه يجزم بعدم تعرض العلاقات المصرية السعودية فى عهده لأى تغيير أو تراجع. رابعا : ما يقال فى هذا الصدد بأن عودة السديريين الى الحكم بقوة بعد إمساكهم بمقاليد ومفاصل هياكله عبر التعيينات الأخيرة التى أقرها الملك سلمان بعد مبايعته بساعات، فضلا عن إعفائه خالد التويجرى رئيس الديوان الملكى الذى كان يعرف بأنه كاتم أسرار الملك الراحل عبد الله ومهندس العلاقات المصرية السعودية فى عهده ينطوى فضلا عن المصالحة مع قطر على إشارات سلبية تجاه مصر يفتقر الى المصداقية ويمثل نوعا من العبث لأن كل هذه المعطيات تتم وفق إعادة ترتيب البيت السعودى ولا تعكس أى دلالات تجاه مصر أو غيرها من الأطراف الإقليمية التى تتعامل معها المملكة العربية، حيث لم يعرف عن ملك أو أمير سعودى سديرى أو غير سديرى وهى تقسيمات تعزف عليها السياسات الغربية انتهاج مواقف مناوئه لمصر حتى على الرغم من وقوع بعض التناقضات السياسية معها فى بعض المراحل فوفقا لما صرح به مؤخرا رجال الاعمال أحمد درويش الأمين العام للجمعية السعودية المصرية فإن المملكة العربية العربية السعودية حريصة على الالتزام بوصية الملك عبد الله بدعم مصر اقتصاديا الذى كان صاحب الشرارة الأولى والدعوة لعقد مؤتمر اقتصادى عالمى لبحث سبل دعم مصر اقتصاديا خلال الفترة القادمة متوقعا مشاركة أكثر من 1000 شركة ومستثمر سعودى بالمؤتمر الاقتصادى المقرر عقده فى مارس المقبل بشتى القطاعات. تحديات الاقتصاد وعلى ذكر الاقتصاد يجمع المراقبون على أن الملك سلمان بن عبد العزيز يواجه جملة من التحديات المهمة على هذا الصعيد ولعل فى مقدمتها تحدى انخفاض أسعار النفط، وكان لافتا فى هذا الصدد حدوث ارتفاع طفيف فى أسعار النفط فور الإعلان عن وفاة الملك عبد الله فجر يوم الجمعة قبل الماضى ثم وقوع ارتفاع فى البورصة السعودية فور الانتقال السلس للسلطة فى المملكة وتعهد الملك سلمان بالاستمرار على نفس النهج فيما يتعلق بالطاقة والسياسة الخارجية وحسب منظور بعض المحللين فإن سوق الأسهم ربما يستفيد من هذه التطورات حيث سيسعى الملك سلمان إلى اتخاذ إجراءات تحظى بقبول شعبى مثل زيادة أجور العاملين فى القطاع الحكومى إضافة إلى خطوات أخرى قد تؤدى إلى زيادة إنفاق المستهلكين وقد تكون هناك إجراءات «لتجديد العقد الاجتماعي» فى شكل مزيد من الإنفاق الحكومى على الرعاية الاجتماعية والبنية التحتية والدفاع والمساعدات الخارجية. ومن المتوقع أن يركز العاهل السعودى الجديد فى سياسته الاقتصادية على خلق الوظائف، وتنفيذ مشروعات بمليارات الدولارات فى مجال البنية التحتية، للحيلولة دون أن يثير هبوط النفط أى توترات اجتماعية أو أن يزعزع الثقة فى مناخ الأعمال. وبينما يدير العاهل الجديد مرحلة الانتقال السياسى خلال الشهور المقبلة، سيتعين عليه أن يتعامل مع تلك الضغوط للحد من معدل البطالة الذى بلغ 11.8٪ العام الماضى بحسب البيانات الرسمية ووفقا لما يلفت اليه عماد مستقي، الخبير الاستراتيجى لاستشارات الأسواق الناشئة، فإن الملك سلمان قد يواجه الضغوط المتعلقة بضمان الدعم الشعبى عن طريق زيادة رواتب القطاع الحكومى وغيرها من الإجراءات ربما تشمل تلك الخطوات إجراءات مكلفة مثل منح مساكن مجانية للشباب المتزوجين حديثا، أو قروض استهلاكية تتحمل الحكومة تكلفتها لكن اقتصاديين آخرين ورجال أعمال يرون أنه لم يعد لدى المملكة متسعا لمعالجة المشاكل عن طريق الإنفاق، لاسيما فى وجود مخاطر أن يظل النفط رخصيا لسنوات. وفى هذا الصدد يقول جون سفاكياناكيس، المدير الإقليمى لشركة «أشمور» لإدارة الأصول فى الرياض: انه لا يمكن للمملكة أن تلجأ لرفع الإنفاق إلى ما لا نهاية فى مناخ يتسم بانخفاض الدخل من النفط لافتا الى أن موازنة 2015، التى أعلن عنها الشهر الماضى والتى تضمنت ارتفاعا هامشيا للإنفاق الحكومى بنسبة 0.6 ٪ مقارنة بميزانية 2014، وهى أقل زيادة خلال عقود، تشمل فى الواقع خفضا طفيفا للإنفاق بحسب المعايير المعدلة على اساس التضخم، لكنه رجح أن يستمر الإنفاق الحكومى السخى على خلق الوظائف، وعلى التعليم من أجل توفير قوة عاملة قادرة على المنافسة، وعلى تحديث نظام الرعاية الصحية، وعلى تنفيذ المشروعات الضخمة مثل مشروع مترو الرياض البالغة قيمته 22.5 مليار دولار والمتوقع الانتهاء منه بحلول 2019 والكثير من تلك المشروعات محورية للتعامل مع التحديات الطويلة الأمد التى قد يواجهها الملك سلمان، ومن بينها كبح جماح النمو الهائل لاستهلاك النفط، كى لا يؤدى إلى تآكل الإمدادات المتاحة للتصدير، وتنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط كى تتمكن المملكة من البقاء عندما ينضب النفط بعد عقود من الآن ولا شك أن القيادة الجديدة تدرك أنه سيتعين عليها مواجهة تلك القضايا لضمان مستقبل البلاد، وهناك إجماع على ذلك بالفعل داخل الحكومة. ويتوقع الخبراء أن يُسَرّع الملك سلمان من الوتيرة البطيئة لبعض الإصلاحات السياسية، وأن يتبنى إصلاحات جديدة تأجلت من قبل لما تتسم به من تعقيدات وحساسية سياسية فعلى سبيل المثال تعمل المملكة على خلق مزيد من المنافسة فى بعض القطاعات مثل الطيران، وتتحرك نحو جعل النظام القضائى أسرع وأكثر شفافية فى التعامل مع القضايا التجارية كما ستبدأ هذا العام فى فتح سوق الأسهم أمام المؤسسات الأجنبية للاستثمار المباشر. لكن حتى الآن أحجمت السلطات عن تطبيق إصلاحات أخرى، مثل خفض دعم الطاقة لتخفيف العبء على المالية العامة للبلاد. كما أن قرار فرض رسوم على الأراضى غير المطورة استغرق سنوات من الدراسة، وهو قرار من شأنه أن يمد السوق السكنية بالمزيد من الأراضى وأن يحد من نقص المساكن، علاوة على ذلك فإن أحد الإصلاحات الاجتماعية المحتملة وهى السماح للنساء بقيادة السيارات من شأنه أن يوفر دعما كبيرا للاقتصاد، حيث سيجعل عمل المرأة أكثر سهولة وسيشجع على امتلاك السيارات، ويقلص الحاجة لتعيين مئات الآلاف من السائقين الأجانب. وينظر الخبراء الى قرار العاهل السعودى الجديد بالإبقاء على «علىّ النعميى» فى توليه حقيبة البترول دلالة على أن السياسة النفطية للمملكة ستظل كما هى دون تغيير ومن المتوقع أن يستمر الملك الجديد فى انتهاج سياسة أوبك الرامية للإبقاء على مستوى الإنتاج لحماية حصة المنظمة فى السوق من المنتجين المنافسين. على أى حال فإن تقارير الخبراء تؤكد أنه لن يكون لدى الملك سلمان مدخل مختلف عن المدخل الذى تبنته حكومة الملك عبد الله فيما يتعلق بالاقتصاد، ولكنه سيجد نفسه مضطرا للتعامل مع الوقائع الاقتصادية المتغيرة مثل تراجع أسعار النفط ومع ذلك ستظل عملية فطم الاقتصاد عن الاعتماد على النفط وتنويعه، وفتح الباب أمام القطاع الخاص، ضرورية خاصة أن إنتاج النفط وتنقيته يمثل ما نسبته 47٪ من النشاط الاقتصادى السعودى حسب احصائية للبنك المركزى السعودى فى عام 2013 ومن المتوقع أن يتم العمل خلال الفترة القادمة على تنمية القطاع الخاص، بهدف مراجعة سياسات الإنفاق العام، وهو أمر كان الملك عبد الله مترددا فى القيام به على خلفية عدم الاستقرار الذى كانت تعيشه المنطقة وذلك باعتبارأن واحدا من أهم التحديات التى ستواجه الملك سلمان يتعلق بالشباب، حيث تبلغ نسبة الشباب دون سن ال 25 عاما 47٪، ما يعبد الطريق أمام تحول ديمغرافى بطريقة لا يمكن لنظام التوظيف الذى تتبعه الحكومة تحمله، لاسيما أن أغلبية العاملين فى القطاع الخاص هم من غير السعوديين وهو وضع حاول الملك عبد الله تغييره، من خلال فرض نظام «الكوتة» على الشركات الخاصة لتوظيف مواطنين سعوديين، ومن خلال تغيير قوانين العمل عام 2013، التى حظرت على الأجانب إدارة شركات ومؤسسات بشكل مستقل دون كفالة من المواطنين، ويتطلب تغيير هذه الوضعية منح الحوافز والفرص للسعوديين كى يشاركوا فى القطاع الخاص، التى ما زالت محدودة، فى ضوء الأجور العالية والمنافع المتوفرة فى القطاع العام ومن هنا فالتحول باتجاه تنويع الإنتاج الاقتصادى يقتضى «تغييرا فى بنية الحوافز». وفيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية تجاه الاستثمار الأجنبى التى أصبحت أكثر انفتاحا فى عهد الملك عبد الله، فإنها ستشهد استمرارا بل دعما كبيرا فى ظل الملك سلمان، الذى يحيط نفسه بمستشارين يدعمون سياسة السوق الحر، وهو ما أكده محمد آل الشيخ رئيس هيئة السوق المالية السعودية أن المملكة ماضية فى طريقها لفتح السوق أمام الاستثمار الأجنبى المباشر خلال النصف الأول من العام الحالى وذلك فى مداخلته أمام منتدى التنافسية الدولى فى دورته الثامنة الذى عقد الأسبوع الماضى بالرياض فى حين لفت المهندس عبد اللطيف العثمان محافظ الهيئة العامة للاستثمارالى أن المملكة شهدت خلال العقد الماضى نهضة وتطورا فى مختلف المجالات، من أهمها، فيما يتعلق بالاستثمار، دخول المملكة إلى منظمة التجارة العالمية، وصدور وتعديل العديد من الأنظمة مع التطوير المستمر للقضاء التجارى وقضاء التنفيذ، وتضاعف حجم الاستثمارات الأجنبية فى المملكة عدة مرات، وتضاعف الناتج المحلى مع انخفاض الدين العام ليصل إلى نحو 2٪ فقط من الناتج المحلى الإجمالي، مشيرا إلى أن صندوق النقد الدولي فى تقريره الأخير أكد أن الاقتصاد السعودى وفقا لتلك المؤشرات كان خلال العقد الماضى بين أفضل دول مجموعة ال20 أداءً .