لأول مرة.. خريجو المدارس الفنية والتكنولوجيا مؤهلون للالتحاق بكليات الحاسبات    مصادرة 37 مكبر صوت من التكاتك المخالفة بحملة بشوارع السنبلاوين في الدقهلية    وزير العمل يزور عمالًا مصريين في صربيا    تعرف على أسعار الخضراوات والفواكه مساء اليوم السبت 31 مايو 2025    رويترز: إيران تعتبر تقرير وكالة الطاقة الذرية حول برنامجها النووي له دوافع سياسية    سياسي عماني: متفائل بمستقبل المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة حول البرنامج النووي    وفاة الرئيس الأسبق لإنتر ميلان الإيطالي    سيف الجزيري يقود هجوم الزمالك أمام فاركو    بالصور.. طقس الإسكندرية العاصف يخلّف دمارا على الكورنيش وتجمعا لمياه الأمطار داخل نفق للمشاة    تعرف على تفاصيل ألبوم تامر حسني الجديد "لينا معاد"    حظك اليوم السبت 31 مايو 2025 وتوقعات الأبراج    فضل صيام يوم عرفه وكيفية الاستعداد    بعد 9 مواسم.. الأهلي يعلن رحيل السولية    إنتر ميلان يطارد النجمة الرابعة في نهائي دوري أبطال أوروبا 2025    تخفيضات على تذاكر مصر للطيران تزامنا مع إجازات عيد الأضحى المبارك    محافظ أسيوط ووزير الموارد المائية والري يتفقدان أعمال تطهير الترع    على باب الوزير!    تجربته الأولى.. جون هيتينجا مدربا ل أياكس    وزير التربية والتعليم يبحث مع منظمة "يونيسف" وضع خطط لتدريب المعلمين على المناهج المطورة وطرق التدريس    وزير التعليم العالي ومحافظ المنوفية ورئيس جامعة المنوفية يفتتحون مركز الاختبارات الإلكترونية بكلية الحقوق بجامعة المنوفية    وزير الخارجية ل"صوت الأمة": السياسة الخارجية المصرية تستند لمبدأ "الاتزان الاستراتيجي"    بدر عبد العاطى وزير الخارجية ل"صوت الأمة": مصر تعكف مصر على بذل جهود حثيثة بالشراكة مع قطر أمريكا لوقف الحرب في غزة    "حياة كريمة" تبدأ تنفيذ المسح الميداني في المناطق المتضررة بالإسكندرية    شبكة المنظمات الأهلية: الاحتلال دمّر بنى اقتصادية ويستهدف المؤسسات الإغاثية    غدا على المسرح الكبير بدار الأوبرا .. مي فاروق تحيي حفلا غنائيا بقيادة المايسترو مصطفي حلمي    وزارة الصحة تعلن خطة التأمين الطبي لعيد الأضحى المبارك وموسم الاجازات الصيفية بجميع المحافظات    أيمن أبو عمر يوضح أعظم العبادات والطاعات في عشر ذي الحجة    من أول ساعة.. كيف يستفيد جسمك من الإقلاع عن التدخين؟    استخراج حجر بطارية ألعاب من مريء طفل ابتلعه أثناء اللعب.. صور    سقوط طالبة من سلم الدور الأول بكلية البنات عين شمس والجامعة تنقلها لمستشفي الطوارئ    البحيرة: الانتهاء من أعمال رصف شارع الروضة بدمنهور لتحقيق السيولة المرورية    بعد انتهاء أزمتها.. آية سماحة توجه الشكر لنقابة المهن التمثيلية    إصابة طالب ومراقب باعياء وتشنج خلال امتحان اللغة العربية للشهادة الإعدادية بالمنيا    محمد الريفي عن طليقته: ربنا يكرمها ويكرمني.. ومستحيل أتكلم عن الماضي    أفضل الأدعية المستجابة عند العواصف والرعد والأمطار    خبير شؤون روسية: أوروبا فوجئت بطول أمد النزاع بين موسكو وكييف    ماذا قالت وكالة الطاقة الذرية في تقريرها عن أنشطة إيران؟    رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك في حفل تنصيب ريموند سمعان راعيًا للكنيسة بطهنشا    كيف تعامل مستشفى قنا العام مع حالة الولادة لمصابة بفيروس HIV؟ .. مصدر طبي يكشف ل«الشروق»    مصدر كردي: وفد من الإدارة الذاتية الكردية يتجه لدمشق لبحث تطبيق اتفاق وقّعته الإدارة الذاتية مع الحكومة السورية قبل نحو 3 أشهر    أوبك + تقرر زيادة الإنتاج بمقدار 411 ألف برميل يوميا في يوليو    برأة راندا البحيري من تهمة سب وقذف طليقها    ماذا يأكل الحجاج؟ بعثات الحج السياحية تشارك في جلسة «تذوّق الوجبات»    250 مليون نحلة طليقة في الهواء بعد انقلاب شاحنة.. ماذا حدث في واشنطن؟    توريد 483 ألف طن قمح لصوامع المنيا منذ بدء موسم 2025    معالم سانت كاترين السياحية استقبلت 4 آلاف سائح خلال أسبوع    أبطال فيلم المشروع X يحتفلون بعرضه في الكويت.. اليوم وغدًا    جنايات القاهرة تقضي بالسجن المشدد 7 سنوات لرجل أعمال أنهى حياة زوجته بالتجمع الخامس    قبل وقفة عرفة.. «اليوم السابع» يرصد تجهيزات مشعر عرفات "فيديو"    اليوم.. البابا تواضروس يترأس عشية رشامة 8 أساقفة جدد    الزمالك وفاركو.. استعداد أمني مشدد لتأمين مباراة الجولة الأخيرة من بطولة الدوري    سحب 700 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    لمكافحة التلاعب بأسعار الخبز.. ضبط 4 طن دقيق مدعم بالمحافظات    رسوم ترامب والسباق الانتخابي الكوري الجنوبي: من يحسم المواجهة؟    الإفتاء تكشف كفارات الحج التي وضعها الشرع    جراديشار: شاركت في مباراة بيراميدز ولم أكن أعرف أسماء لاعبي الأهلي    سويلم: الأهلي تسلم الدرع في الملعب وحسم اللقب انتهى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 31-5-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العشق الممنوع للديون الخارجية

‮‬في‮ ‬حياة كل مجتمع نوعية من القضايا والمشاكل‮. ‬هناك قضايا حقيقية تتعلق بواقع هذا المجتمع وبمستقبله وهي‮ ‬قضايا تمس أغلبية الناس وتؤثر على مصالحهم وحياتهم اليومية‮. ‬وهناك قضايا زائفة أو مصطنعة تظهر على سطح المجتمع من آن لآخر قد تثير الانتباه وقد تشد اهتمام الصحافة وأدوات الإعلام ولكن بعد أن‮ ‬يزول الغبار نكتشف أنها لم تكن سوى فقاعات ومظاهر لمشاكل أكثر عمقا‮. ‬المفروض أن تقدم مؤسساتنا السياسية والتشريعية والتنفيذية القدوة في‮ ‬ذلك وأن تتحاشى الغوص في‮ ‬القضايا الزائفة،‮ ‬وألا تضيع وقتها الثمين في‮ ‬مثل هذه الأمور‮. ‬والقضايا الزائفة أو المؤقتة كثيرة ومتعددة‮. ‬وتخطىء مؤسسات الدولة إذا انصرفت إليها فهي‮ ‬بذلك تضع نفسها في‮ ‬موقع رد الفعل،‮ ‬وتجعل سلوكها مرهونا بهذه المسائل‮. ‬فهل هناك خلل في‮ ‬الأولويات وفىما هو الأهم والمهم؟ أم أن هناك من‮ ‬يريدون تحويل اهتمامنا من القضايا الحيوية والحاسمة في‮ ‬تاريخنا والتي‮ ‬عليها سوف‮ ‬يتوقف مستقبلنا إلى قضايا أخرى سوف تستغرق الوقت والجهد وتنتهي‮ ‬إلى لاشيء،‮ ‬ونظل في‮ ‬حلقة مفرغه نناقش نفس القضايا،‮ ‬ونجتر ذات الأفكار والحجج،‮ ‬ونظل في‮ ‬أماكننا‮ « ‬محلك سر‮ «‬هل هذا هو المقصود؟‮ ‬
ومن أبرز مظاهر الخلل في‮ ‬أولوياتنا هى تلك المتعلقة بالدين العام وخاصة الشق الخارجي‮ ‬منه‮ . ‬فالاعتماد المتزايد على القروض الخارجية من شأنه أن‮ ‬يضعف المركز السياسي‮ ‬والأمني‮ ‬لمصر‮ . ‬فلا‮ ‬يحق لأي‮ ‬إنسان مصري‮ ‬أن‮ ‬يقلل من خطورة مشكلة الديون الخارجية المستحقة على مصر‮. ‬فقد أصبح تسديد الدين عائقا أساسيا أمام إشباع الحاجات الإنسانية مثل الحصول على الماء الصالح للشرب والغذاء الكافي‮ ‬والعلاج الأساسي‮ ‬والتعليم الإبتدائي‮ ‬والبني‮ ‬التحتية الأساسية‮. ‬ولا‮ ‬يصح أن تكون هناك استراتيجية اقتصادية تقوم على مبدأ تعظيم الاقتراض من الخارج بل‮ ‬يجب أن‮ ‬يكون قوام الاستراتيجية هو الاعتماد بالدرجة الأولى على الذات وعلى القدرات المحلية مع تطويرها‮ ‬،‮ ‬وأن‮ ‬يكون عنصر الاقتراض من الخارج عنصرا مكملا لا عنصرا أساسيا في‮ ‬خططنا الخاصة بتمويل التنمية الاقتصادية‮ . ‬كذلك لم تعد التنمية تهدف إلى اللحاق بالدول الصناعية المتقدمة فهذا سراب أو وهم وإنما إلى الوفاء بالاحتياجات الأساسية لأغلبية المواطنين‮. ‬ولم تعد التنمية هي‮ ‬استخدام أحدث ما وصل إليه العلم من تكنولوجيا ومخترعات فهذا إهدار للموارد واستنزاف لها وإنما هي‮ ‬توظيف التكنولوجيا الملائمة بما‮ ‬يناسب أهداف المجتمع وموارده المتاحة‮.‬
ولقد تعدى الدين الخارجي‮ ‬المصري‮ ‬حاجز ال‮ ‬46‮ ‬مليار دولار‮ ‬،‮ ‬وهو مستحق لمصلحة دائنين رسميين‮ (‬حكوميين‮) ‬ولمؤسسات تنموية متعددة الأطراف وإقليمية‮. ‬ولقد اقترب الدين الخارجي‮ ‬من الخطوط الحمراء مما قد‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى تفاقم الوضع مسببا أزمة خطيرة قد تؤثر على الاقتصاد القومي‮ ‬كله.وأن المقارنات التي‮ ‬يبديها خبراء الاقتصاد عن نسب الديون بالصادرات من السلع والخدمات أو بالنسبة إلى الناتج المحلي‮ ‬الإجمالي‮ ‬قد تكون صحيحة لدول متقدمة وذات مرونة في‮ ‬اتخاذ القرارات الاقتصادية لكن عند تطبيق هذه النسب على بلد مثل مصر نكون مثل الذي‮ ‬يساعد شخصا على الانتحار لاختلاف الظروف الاقتصادية واختلافات استراتيجيات التنمية في‮ ‬العقود الأخيرة وآثار الأزمة المالية العالمية التي‮ ‬غيرت وستغير الكثير من استراتيجيات التنمية التي‮ ‬درجنا على دراستها عقودا طويلة وأصابت عقولنا بالشلل الاقتصادي‮ . ‬هناك اليوم عدد من الدول‮ ‬يجهلون حقيقة التغيرات العالمية ويتكالبون على إنشاء مناطق تصدير وتوفير معونات الدعم لمشاريع تجميع منتجات المؤسسات المتعددة الجنسيات‮ ‬،‮ ‬ويرون أن النمو القائم على التصدير هو السبيل المطلوب،‮ ‬في‮ ‬حين أن كثيرا من الدول المتقدمة‮ ‬غيرت من استراتيجيتها وخاصة في‮ ‬الشق المتعلق بالتصدير كالصين‮ ‬،‮ ‬وحين تصبح الولايات المتحدة وغيرها من البلدان المتقدمة اقتصادياً‮ ‬أقل ترحيبا بصادرات البلدان النامية،‮ ‬فليس من المرجح أن تنجح الأسواق الناشئة السريعةالنمو في‮ ‬سد الفراغ‮ ‬وتوفير الدفعة الكافية للنمو القائم على التصدير‮. ‬وتميل رسوم الاستيراد إلى الارتفاع في‮ ‬البلدان النامية،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬يزيد من صعوبةالوصول إلى أسواقها‮. ‬فضلاً‮ ‬عن ذلك فإن الدول النامية تتنافس في‮ ‬إنتاج سلع متشابهة سلع استهلاكية ذات مستويات متنوعة من الجودة وهذا‮ ‬يعني‮ ‬أن سياسة التوسع في‮ ‬التجارة بين الجنوب والجنوب تبدو حتى أسوأ من سياسة التوسع في‮ ‬التجارة بين الشمال والجنوب‮. ‬كل هذا‮ ‬يعني‮ ‬أن التصدير سوف‮ ‬يصبح مهمة أكثر صعوبة‮. ‬ومن ثم بات على الجميع أن‮ ‬يدركوا‮ ‬أن النجاح على الأمد البعيد ما زال‮ ‬يعتمد على ما‮ ‬يحدث في‮ ‬الداخل وليس الخارج‮.‬
والغريب في‮ ‬موضوع الديون الخارجية لمصر أنها تعكس بصورة واقعية أساليب إدارة الاقتصاد وتضارب المصالح وسوء الفهم لما‮ ‬يحدث خارج بلادنا‮ .‬فقد وصل الأمر إلى عدم معرفتنا بحقيقة ديوننا الخارجية‮ ‬،‮ ‬حيث ثار جدل كبير حول حجم المديونية الخارجية لمصر وكثرت الأرقام التى نشرت حول حجم الديون،‮ ‬بعضها من جانب الحكومة المصرية من جانب المهتمين بشئون الاقتصاد المصرى وبعضها من المصادر الخارجية سواء من حكومات الدول الدائنة أو المؤسسات المالية مثل صندوق النقد الدولى‮. ‬والغريب أن الاختلاف في‮ ‬الأرقام كان كبيرا‮ ‬،‮ ‬حيث أعلن صندوق النقد الدولي‮ ‬في‮ ‬تقريره السنوي‮ ‬عن اقتصاد مصر أن الديون الخارجية فاقت ثلاثين بليون دولار في‮ ‬نهاية عام‮ ‬1984‮ ‬،‮ ‬بينما كان الرقم الذي‮ ‬أعلنه وزير التخطيط أمام مجلس الشعب فى مارس‮ ‬1985‮ ‬لا‮ ‬يزيد على‮ ‬14‮ ‬بليون جنيه‮ ‬،‮ ‬وفي‮ ‬حديث لوزير التخطيط في‮ ‬23‮ ‬سبتمبر‮ ‬1985‮ ‬ذكر أن ديون مصر الخارجية بلغت‮ ‬16‮ ‬ألف مليون جنيه وأن الفرق في‮ ‬الأرقام بين بيانه أمام مجلس الشعب وهذا الرقم الأخير‮ ‬يرجع إلى زيادة استخدام مصر للديون المتاحة لها من الخارج هذا العام‮ . ‬وقد أكد‮ ‬هذا الرقم الأخير محافظ البنك المركزي‮ ‬في‮ ‬حديثه المنشور بجريدة أخبار اليوم بتاريخ‮ ‬24‮ ‬سبتمبر‮ ‬1985.‬‮ ‬هذا التناقض الكبير بين الأرقام الكثيرة المذكورة‮ ‬يرجع الى عدة إسباب‮: ‬أولا‮. ‬اختلاف أساس احتساب قيمة الدولار بالعملة المصرية من جهة الى أخرى وهذا الاختلاف‮ ‬يمكن أن‮ ‬يؤدى الى تفاوت كبير في‮ ‬قيمة الدين الخارجي‮ ‬معبرا عنه بالجنيه المصرى فلو اقترضت مصر مبالغ‮ ‬من دول ومؤسسات وشركات مختلفة بلغت بالدولار ما‮ ‬يوازى‮ ‬100‮ ‬مليون دولار فإن قيمة هذا الدين معبرا عنها بالجنيه المصرى سوف تكون كالآتى بافتراض عدة أسعار للدولار الأمريكى الذي‮ ‬أخذ أسعارا عدة‮: ‬39‮- ‬70‮ - ‬135‮- ‬185‮ ‬225‮ ‬جنيها للدولار في‮ ‬ذلك الوقت مع أن أبسط القواعد في‮ ‬التمويل أن الدولار‮ ‬يسدد بالدولار‮ .‬
والنقطة الأخرى التي‮ ‬أدت إلى هذا التضارب أنه‮ ‬يجب أن نفرق بين الديون الخارجية التي‮ ‬تم سحبها وإنفاقها بالفعل والمبالغ‮ ‬الأخرى التي‮ ‬تم الارتباط عليها فقط ولكن لم‮ ‬يتم سحبها أو صرفها بعد‮ ‬،‮ ‬وقد حدث كثيرا بالنسبة لحالة لمصر‮ ‬،‮ ‬فكثيرا ما تعقد القروض الأجنبية في‮ ‬الوقت‮ ‬غير المناسب‮ ‬،‮ ‬والدليل على ذلك أنه كثيرا ما‮ ‬يتم عقد القرض سواء مع دولة معينة أو بنك معين أو حتى مع البنك الدولي‮ ‬،‮ ‬ثم لا‮ ‬يتم سحب كل أو معظم القرض إلا بعد مرور فترة طويلة‮ . ‬ونحن نعلم أنه بمجرد توقيع عقد القرض فإنه‮ ‬يتم دفع عمولة ارتباط تصل إلى حوالي‮ ‬نصف في‮ ‬المائة من قيمة القرض‮ ‬،‮ ‬ويتم دفع هذه العملة عن الجزء الذي‮ ‬لم‮ ‬يتم به من قيمة القرض‮ . ‬لكن كانت هناك أسباب كثيرة أدت إلى تفاقم مشكلة الديون الخارجية‮ ‬يمكن إجمالها في‮ (‬الزيادة السكانية‮ - ‬انخفاض معدل الادخار القومي‮ - ‬انخفاض حصيلة الصادرات‮ - ‬التوسع في‮ ‬الإنفاق المدني‮ ‬والعسكري‮ - ‬سوء استخدام القروض‮ ..‬الخ‮) . ‬كذلك استخدام القروض في‮ ‬أغراض استهلاكية أي‮ ‬في‮ ‬تمويل شراء السلع الغذائية وغيرها من السلع الاستهلاكية‮ . ‬استخدام قدر كبير من الأموال الأجنبية في‮ ‬تمويل تجارة المخدرات وغيرها من الممنوعات.واستخدام القروض في‮ ‬تعويض الانخفاض في‮ ‬معدل الادخار المحلي‮ ‬وذلك بدلا من استخدام هذه القروض في‮ ‬زيادة معدل الاستثمار القومي‮ ‬،‮ ‬والسبب الآخر هو حمى القروض التي‮ ‬انتابت المجتمع المصري‮ ‬فالاختلاف في‮ ‬حجم القروض الخارجية‮ ‬يأتي‮ ‬من تعدد الجهات التي‮ ‬تقوم بالاقتراض وعدم التنسيق فيما بينها‮.‬
لقد كتبنا مرارا عن بيزنس القروض الخارجية‮ . ‬فهل نقترض من البنك الدولي‮ ‬لإصلاح البنوك والبورصة المصرية وللتمويل العقاري‮ ‬والخبر‮ « ‬رصد كل من البنك الدولي‮ ‬وبنك التنمية الإفريقي‮ ‬مليار دولار كقروض ميسرة لمصر تسدد على‮ ‬18‮ ‬سنة وبفترة سماح‮ ‬6‮ ‬سنوات‮» . ‬أليس من باب المصلحة للبنك الدولي‮ ‬أن تكون هذه القروض منحا‮ !! ‬وما هذا السخاء في‮ ‬قروض تكبل البلاد بمديونية ترتفع‮ ‬يوما بعد‮ ‬يوم وغير مخصصة لمشروعات إنتاجية بحته؟‮. ‬والغريب أن معظم الدول تحصل على منح من المؤسسات والمنظمات الدولية للإصلاح المالي‮ ‬وللبنية الأساسية‮ ‬،‮ ‬وعندما تأتي‮ ‬إلى مصر تتحول إلى قروض،‮ ‬هل هناك بالفعل مافيا وراء تحويل
المنح إلى قروض؟‮. ‬كما أن جهلنا بالسوق الخارجي‮ ‬يجعلنا نقع ضحية المتلاعبين في‮ ‬الأسواق ونحاذر من أي‮ ‬خطوة نتخذها في‮ ‬السوق الخارجي‮ ‬،‮ ‬لأننا مهما حاولنا أن نستفيد من ظرف طاريء فهناك من‮ ‬يسلبنا كل ما كسبناه في‮ ‬لحظة‮ . ‬وليس أدل على ذلك،‮ ‬ما أصدرته الحكومة المصرية في‮ ‬29‮/‬6‮/‬2001‮ ‬من سندات دولارية في‮ ‬الأسواق الدولية بقيمة‮ ‬1.‬5‮ ‬مليار دولار في‮ ‬إصدارين‮: ‬الأول بقيمة‮ ‬500‮ ‬مليون دولار لمدة خمس سنوات بفائدة تدفعها الحكومة المصرية بمعدل‮ ‬7.‬6٪‮ ‬من القيمة الأسمية للسند،‮ ‬أما الإصدار الثاني‮ ‬فيبلغ‮ ‬مليار دولار لمدة عشر سنوات بفائدة‮ ‬8.‬75٪،‮ ‬ومن العجب أن حصيلة هذه السندات المليار ونصف تقوم الحكومة المصرية باستثمارها في‮ ‬شراء أذون خزانة أمريكية بفائدة‮ ‬1.‬2٪‮ ‬في‮ ‬حين أن الحكومة المصرية تدفع عنها فائدة حوالى‮ ‬8٪‮ ‬مما‮ ‬يشير إلى أن مصر تخسر لصالح أمريكا فرق هذه الفوائد أي‮ ‬أن مصر تخسر سنويا حوالى‮ ‬69538000‮ ‬دولار لصالح الخزانة الأمريكية‮.‬
هل نستدين هذه القروض لإصلاح البنوك والبورصة ولتضاف إلى الأموال التي‮ ‬تغدق على المكاتب الاستشارية ومكاتب التدريب باسم تحديث الصناعة‮ ‬،‮ ‬أموال نستدينها لنبعثرها على أغراض لا تدر أي‮ ‬عائد والحجة أن هذه الأموال المقترضة بفائدة لا تذكر في‮ ‬عالم ارتفعت فيه الفوائد إلى أرقام فلكية‮ ‬،‮ ‬حتى ولو كان القرض بدون فوائد‮ ‬،‮ ‬فالمشكلة تكمن في‮ ‬أعباء السداد التي‮ ‬تزداد‮ ‬يوما بعد‮ ‬يوم‮ ‬،‮ ‬فأي‮ ‬قرض حتى ولو كانت فائدته صفرا فهو سيمثل عبئا شديدا لتغير الظروف الدولية وتصاعد حدة التوترات وتصاعد منحنى العملات الأجنبية مقابل الجنيه المصري‮ . ‬وأن جزءا هاما من الديون الخارجية‮ ‬،‮ ‬وهى قروض ميسرة ومقدمة من الحكومات وخاصة الحكومة الأمريكية‮ ‬،‮ ‬يحيط بها العديد من السلبيات مما‮ ‬يقلل من فعاليتها ونذكر منها‮ : ‬أن جزءا كبيرا من قيمة القرض‮ ‬يعود إلى الدول المانحة له‮ (‬وخاصة الولايات المتحدة‮ ) ‬في‮ ‬شكل دراسات جدوى وأتعاب خبراء عالية التكاليف‮ . ‬وقد وصلت تكلفة دراسات الجدوى ومرتبات الخبراء الأمريكيين لمشروع الصرف الصحي‮ ‬بمدينة الاسكندرية إلى حوالي‮ ‬90‮ ‬مليون دولار‮ . ‬ومن الجدير بالذكر أن الحكومات المانحة للقرض هى التي‮ ‬تحدد هذه الأرقام وعادة ما تكون أرقاما مبالغ‮ ‬فيها بالمقارنة بأي‮ ‬دراسة‮ ‬يتم ترتيب عملية تمويلها والتفاوض بشأنها بواسطة قطاع البترول في‮ ‬مصر مثلا‮ .‬ومن الممكن جدا التفاوض مع المسئولين الأمريكيين أو‮ ‬غيرهم ومحاولة ضغط مصروفات الدراسة‮ ‬،‮ ‬ولكن الموظفين الحكوميين والخبراء المصريين لا‮ ‬يحاولون ذلك خوفا على مراكزهم وطمعا في‮ ‬الاستفادة المباشرة من هذه الدراسات وما تتضمنه من السفر الكثير إلى الخارج،‮ ‬أن الجانب الأمريكي‮ ‬وكذلك الدول الأخرى المانحة للقروض الميسرة‮ ‬يصر على استخدام وسائل النقل الخاصة به والملاحظ أن تكلفة النقل بالسفن الأمريكية‮ ‬أعلى تكلفة في‮ ‬العالم‮ .‬
وفي‮ ‬النهاية أن كل دولار من المعونة‮ ‬يعود ثلثاه إلى الولايات المتحدة‮ ‬،‮ ‬فليس من المستحب ولا من المفيد أن نقبل بسهولة ما‮ ‬يعرض علينا من قروض حكومية مقيدة قد لا نكون في‮ ‬حاجة ماسة إليها في‮ ‬الوقت الحاضر‮ ‬،‮ ‬فالإدارة الناجحة هي‮ ‬التي‮ ‬تعمل على تحقيق الاعتماد الذاتي‮ ‬وليس إلى الاستدانة لسد الفجوات،‮ ‬علينا جميعا أن نوقف عمليات الاستدانة‮ ‬،‮ ‬ويجب أن تكون الديون الخارجية من طبيعة إنتاجية وليست من طبيعة استهلاكية‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.