ميزان مدفوعات مصر هو السجل الذى يحتوى على متحصلاتها من العملة الاجنبية عن الصادرات من السلع والخدمات والتحويلات الجارية والاستثمارات الاجنبية والقروض، وعلى مدفوعاتها مقابل استيراد هذه السلع والخدمات والتحويلات للخارج وما قد تستثمره فى الدول الاجنبية، والجزء الاخير فى ميزان المدفوعات هو عبارة عن بنود الموازنة التى تحقق التساوى بين الجانبين المدين والدائن او المدفوعات والمتحصلات. ويقسم الميزان الى عدة تقسيمات منها الحساب الجارى الذى ينقسم بدوره الى الميزان التجارى ويحتوى على صادرات السلع ووارداتها، ثم ميزان الخدمات والتحويلات الجارية. ورصيد هذا الجزء يعبر عنه برصيد الحساب الجارى وهو الذى يبين حقيقة المعاملات مع العالم الخارجى. والجزء الثانى هو المعاملات الرأسمالية من استثمارات وقروض. وقد يكون رصيده موجبا او سالبا. ومجموع رصيد الحساب الجارى ورصيد الحساب الرأسمالى هو الرصيد الكلى لميزان المدفوعات . وقد يكون بالحساب الجارى عجز الا ان الرصيد الكلى لميزان المدفوعات قد يكون فائضا وذلك نتيجة لكبر فائض الحساب الرأسمالى اذا كانت الدولة تحصل على مبالغ كبيرة فى صورة استثمارات اجنبية مباشرة او غير مباشرة وعلى قروض خارجية. وتشكل اوضاع ميزان المدفوعات فى مصر مشكلة كبيرة اذ انه يعانى من عجز مزمن منذ فترة طويلة.. وهذا ما يفسر الاتجاه الطويل الاجل، لانخفاض قيمة الجنيه المصرى مقابل العملات الاجنبية القابلة للتحويل. فقد كان الدولار يساوى نحو 70 قرشا فى عام 1978 ولا يوجد اسعار سوق سوداء، ثم اصبح نحو 3.4 جنيه فى عقد التسعينيات من القرن العشرين، واصبح حاليا فى البنوك 7.20 جنيه مع وجود اسعار السوق السوداء، نظرا لعدم قدرة الجهاز المصرفى على تلبية احتياجات المستوردين المشروعة جميعها. وهذا الانخفاض فى قيمة الجنيه المصرى يؤدى الى ارتفاع تكلفة السلع المستوردة ومنها سلع اساسية مثل القمح وزيت الطعام كما يؤدى الى تآكل ارصدة البلاد من العملات الاجنبية والذهب. ومن ثم يتطلب الاصلاح الاقتصادى فى مصر ضرورة علاج ميزان المدفوعات وتحويله من العجز الى الفائض حتى نستطيع سداد ما علينا من مديونية خارجية، ونعيد بناء احتياطياتنا الدولية بما يعمل على تجنيب الاقتصاد المصرى من الآثار الضارة للأزمات والتذبذبات الدولية. وكى نصف العلاج يجب ان نحلل اوضاع هذا الميزان فى السنوات القليلة الماضية التى منها نضع ايدينا على المصادر الرئيسية لهذا الخلل. الميزان التجارى: ان من اكبر المشكلات الاقتصادية التى تواجه مصر هى العجز الكبير المزمن فى الميزان التجارى حيث تزيد وارداتها على صادراتها السلعية بمقدار 25.2 مليار دولار فى 2009/2008 ارتفع الى نحو 34 مليار دولار فى 2012/2011 وهو يزيد على قيمة الصادرات فى هذا العام اذ بلغت نحو 25 مليار دولار. انظر الجدول رقم 1، ومعنى هذا ان نسبة الصادرات السلعية الى الواردات السلعية كانت نحو 42.3٪ وهى نسبة متدنية جدا وكانت اهم صادراتنا الوقود فى عام 2013/2012 بمبلغ 12 مليار دولار والسلع المصنعة 10.5 مليار دولار واهمها الاسمدة 0.9 مليار دولار والمنسوجات القطنية 0.8 مليار دولار والملابس الجاهزة 0.7 مليار دولار . اما السلع المصنعة الاخرى المصدرة فتشمل على مصنوعات حديد وصلب ومنتجات صيدلية والصابون. وهى منتجات ليست على درجة عالية من التكنولوجيا وكذلك فان القيمة المضافة بها ليست مرتفعة. اما السلع نصف المصنعة فكان متوسط صادراتها خلال الفترة 2009/2008 2013/2012 نحو مليارى دولار. وبلغت الواردات السلعية فى عام 2013/2012 نحو 57.5 مليار دولار اهمها السلع الوسيطة بنسبة 27.8٪ ، والسلع الاستهلاكية المعمرة وغير المعمرة 22.4٪، اما السلع الاستثمارية فكانت نسبتها 17٪ وبلغت نسبة واردات الوقود والزيوت المعدنية ومنتجاتها نسبة 9.5٪ من اجمالى الصادرات السلعية، واذا اضفنا اليها صادرات البترول الخام التى بلغت نحو 3.1 مليار دولار، فتكون واردات البترول ومنتجاته اكبر من صادراتنا ومعنى هذا اننا اصبحنا دولة مستوردة صافية بعد ان كنا مصدرين وهذا يضع عبئا كبيرا على احتياجاتنا من العملات الاجنبية. ويلاحظ ان وارداتنا من القمح فى تزايد مستمر اذ كانت 1.2 ملياردولار زادت الى 2.5 مليار دولار فى عام 2011/2010 ورغم انخفاضها فى عام 2013/2012 الى مليارى دولار فانها مازالت كبيرة جدا على دولة لها امكانات زراعية ملموسة. وترجع الزيادة فى كل من واردات الوقود والقمح اى الطاقة والغذاء الى عاملين رئيسيين هما: زيادة معدل الاستهلاك بنسبة مرتفعة جدا يدخل فيها الفقد والهدر والضياع، والى تزايد معدل السكان الى ما يفوق 5.2٪ سنويا بعد أن كان قد انخفض الى نحو 9.1٪ قبل عام 5002 . وكل هذه الحقائق تتجسد فى ارتفاع نسبة عجز الميزان التجارى الى الناتج المحلى الاجمالى حيث كانت 3.31٪ فى عام 8002/9 انخفضت الى 6.11٪ فى عام 2102/31 وبمتوسط نحو 2.21٪ للفترة 80.9 الى 2102/31 وهى نسبة مرتفعة جدا وتظهر مدى اعتماد الاقتصاد المصرى على التجارة الخارجية كمستخدم ومستهلك للمنتجات الاجنبية وليس كمصدر صاف يؤدى الى خلق فرص عمل كبيرة ويكسب الاقتصاد المصرى الاثار الحميدة لمضاعفة الاستثمار واستغلال زيادة الطلب كمصدر رئيسى لرفع معدل نمو الناتج المحلى الاجمالى. ومن حسن حظ الاقتصاد المصرى أن يُخفف الوضع الردىء للميزان التجارى عن طريق ميزان الخدمات الذى يحقق فائضا وكذلك تحويلات المصريين العاملين فى الخارج، وبلغ صافى ميزان الخدمات 5.21 مليار دولار فى عام 8002/9 الا أنه تناقص كثيرا ليبلغ 7.6 مليار دولار فى عام 2102/31 وبمتوسط قدره نحو 0.8 مليار دولار للفترة 8002/9 - 2102/31 أما تحويلات المصريين العاملين بالخارج فقد زادت من 8.7 مليار دولار فى عام 9/8 الى 7.81 مليار دولار فى عام 21/31 أى بأكثر من 6.2 ضعفا (انظر الجدول رقم 2). ويقل الرصيد الكلى لميزان المدفوعات عن عجز الحساب الجارى الا أن ما يعتد به هو الرصيد الاخير، ومن الجدير بالذكر أن مصر ليست متلقية كبيرة للاستثمارات الاجنبية المباشرة، اذ بلغت 1.8 مليار دولار فى عام 8002/9 تناقصت تدريجيا الى أن بلغت نحو 3 مليارات دولار فقط فى عام 2102/31 وهذا ما يشير الى ضرورة تحسين مناخ الاستثمار اذا اردنا أن نحصل على نصيب متزايد من العملات الاجنبية. من الاستعراض السابق نستطيع أن نخلص الى ما يلى: 1 أن العجز المزمن فى ميزان المدفوعات يضغط فى اتجاه انخفاض سعر صرف الجنيه المصرى مقابل الدولار والعملات الاجنبية الاخرى واذا اردنا الحفاظ على سعر الصرف فيجب علاج عجز ميزان المدفوعات وتحويله الى فائض، عن طريق زيادة الانتاج ورفع كفاءته. 2 أن المشكلة الكبرى هى انخفاض صادرات السلع وارتفاع ارقام الواردات اى عجز الميزان التجارى، مما يعنى ضرورة زيادة الانتاج الزراعى والصناعى بدرجة كبيرة خاصة أن وارداتنا ليست على درجة كبيرة من العمق الفنى. 3 تبلغ نسبة السلع الاستهلاكية فى مجموع الواردات 22.4٪ وهى نسبة مرتفعة، ولا تزيد من الطاقة الانتاجية، وهو وضع غير صحى. 4 ان مصر كمستورد صاف للسلع والخدمات يعنى تسرب اثار زيادة الطلب الى الخارج ولا تستفيد مصر من الأثر المضاعف على العمالة وزيادة الانتاج. وفى الختام نقول إن اصلاح ميزان المدفوعات، واستقرار قيمة الجنيه المصرى، يتطلب اجراءات طويلة الاجل منها زيادة الانتاج ورفع الانتاجية، والحد من النمو السكانى، ويقيد الاستهلاك من اجل زيادة الادخار والاستثمار وهذه متغيرات طويلة الاجل نتناولها فى مقالات قادمة ان شاء الله.