« كل قديم له حنين» كلمات قد يكون مكانها الأدب والشعر والعلاقات الاجتماعية ولكن الاقتصاد لا يعرف سوى الأرقام والجدوى من الشىء أو عدمه.. كيانات عملاقة أنشئت على ارض مصر كان لها تاريخ عريق ودور مؤثر فى الحياة الاقتصادية.. ولكنها بفعل العقلية الجامدة لم تعرف طريق التطور والملاءمة للغة العصر الذى يبحث عن كل جديد فباتت »محلك سر« وأصبحت تغنى على أطلال ما كانت تحققه فى غابر الزمان.. ويأتى السؤال حاليا ملحا فارضا نفسه ما مصير هذه الكيانات هل تعبأ كلها فى سلة واحدة ونلقى بها فى مستودع الآثار أم تضخ بها دماء الحياة من جديد لتعود كسابق عهدها منتجةرابحة بصورة تتلاءم مع الواقع، أم نفرق فيما بينها ونعيد الى الحياة ما يقبل التجديد ونترك ما لا جدوى منه ؟ خبراء الاقتصاد أجابوا بشىء من التفصيل عن هذه الأسئلة خلال السطورالتالية: فى البداية يقول د. ابراهيم فوزى وزير الصناعة الأسبق إنه من الخطأ تعميم اتجاه واحد فى تطوير الأنشطة والصناعات بمعنى الاعتماد على تطوير الكيانات القديمة فقط أو انشاء كيانات جديدة فقط والتخلص من كل ما هو قديم فالدولة يمكن أن تتخذ من الأسلوبين معا وسيلة للتطوير فعلى سبيل المثال الكيانات الكبيرة مثل الحديد والصلب وغزل المحلة لابد من ان تخضع للتطوير ويتم ذلك من خلال خطة إعادة هيكلة التى سوف تزيد من العائد الاقتصادى الذى تدره هذه الشركات. ويضيف قائلا: أما بالنسبة للشركات الصغيرة فإنه فى كثير من الأحيان تكلفة الاصلاح أعلى من العائد الاقتصادى المرتقب من هذه الشركات إذن فالمعيار الأساسى هو التكلفة والعائد فلا تعمل بمبدأ «انسف حمامك القديم» . ويقول د. فوزى انه لابد من وجود لجان متخصصة لوضع خطط الاصلاح لهذه الشركات وان تتضمن خبراء محايدين لوضع خطة اصلاح فعالة لأنه فى معظم الاحوال تكلفة انشاء الكيانات الكبيرة أكبر بكثير من تكلفة اصلاحها فتكلفة انشاء وضع جديد للحديد والصلب أكثر بكثير من إصلاح كيان قائم حتى لو كان على درجة كبيرة من التعثر دون ان نغفل دائما مبدأ التكلفة والعائد. ويؤكد د. فوزى أن مشكلة قطاع الاعمال العام انه قد تم بيع الشركات والمصانع ولم توجه حصيلة البيع للاصلاح او لتطوير الصناعات القائمة وبالتالى فإن هذه الشركات لم تشهد أى تطوير منذ ما يزيد على 20 عاما وبالتالى اصبح من الضرورى اعادة هيكلة هذه الشركات فلا بديل آخر أمامها فإما ان »تصلح« او أن تنتهى مع عدم الالتزام بوجود قاعدة واحدة للتعميم على باقى شركات قطاع الاعمال العام، فكل حالة لابد أن تدرس على حدة ولابد ان تكون الشركات ذات القدرات الانتاجية العالية التى أمامها فرص تصديرية جيدة على رأس قائمة الشركات التى يتم تطويرها وإصلاحها. أما د. على السلمى نائب رئيس الوزراء ووزير قطاع الاعمال الأسبق فيقول إن «القديم» استثمر فيه ملايين الجنيهات وبه معدات وموجودات مادية كثيرة فضلا عن وجود عنصر بشرى على قدر من الخبرة فلا يمكن ان »نتخلص منه« ونعمل جديدا فهذه القاعدة لا يمكن تطبيقها على شركات قطاع الاعمال العام فالشركات قابلة للاصلاح والتطوير ولكن إذا تم تشخيص مشكلتها بشكل جيد وشرع فى تنفيذ الحل فقد تكون مشكلتها فى نقص التمويل او سوء الإدارة او عدم جودة المنتجات.. إلى غيره من المشكلات فلا بد من تحليل الأسباب التى أدت الى الوضع السيئ للشركات والكشف عن الأسباب الحقيقية لذلك ووضع برنامج حاسم للتدخل لإخراج الشركات من حالة التعثر وإعادتها مرة أخرى إلى مسار المنافسة مع القطاع الخاص. تأخر برنامج الإصلاح ويقول د. السلمى ان برنامج الاصلاح قد تأخر كثيرا فالشركات فى حاجة الى التدخل منذ 10 سنوات سابقة وكلما أسرعت الدولة فى إنقاذ هذه الشركات أضافت موارد جديدة للموازنة العامة للدولة فبدلا من ان تساهم هذه الشركات فى الناتج القومى وتقلل من الاستيراد أصبحت عبئا ونزيفا جديدا لموارد الدولة مما تعانيه من خسائر. ويرى د. السلمى أن الإصلاح الحقيقى لشركات قطاع الاعمال العام يبدأ بالاصلاح الادارى فالشركات فى حاجة الى ادارة واعية جديدة تقف على نقاط الضعف والعيوب التى تعانيها الشركات وتبدأ فى الإصلاح فلا يوجد شركة فى العالم لم تعان من ازمات ولكن حل الأزمة يرتبط برغبة مالكى الشركة فى الإصلاح ويرتبط بمعالجة سبب المشكلة أو الأزمة التى تعانى منها الشركة ولعل أزمة التمويل من اهم المشكلات التى تعانى منها شركات قطاع الاعمال العام، وقد تتم معالجة ذلك من خلال شركاء أو من خلال طرح اسهم الشركات فى بورصة الأوراق المالية او الحصول على قروض من البنوك فهناك بدائل كثيرة، المهم هو معرفة سبب الداء وتأتى خطوات علاجية من خلال بدائل عديدة. تصويبات إدارية ويقول د. عبد المنعم نجيب نائب وزير القوى العاملة ان المعيار فى قرار الاصلاح او البدء من جديد مرتبط بدراسة المقومات الانتاجية الموجودة فى كل شركة فلا يمكن ان يكون هناك ادارة فاشلة بالكامل فبالتأكيد هناك عنصر قوة فى الشركات ومن ثم لابد من استغلالها لإعادة بناء الكيان مرة أخرى سواء تحديث التكنولوجيا المستخدمة او تطوير تشكيلة المنتجات أو غيره وعلى الدولة ان تضع الاختيارات التالية أمامها إما البدء من جديد وإما تطوير الشركات القائمة وبيع بعض الاصول غير المستغلة لإحداث هذا التطوير، إلا أن الشىء المؤكد أنه لا يمكن ان تستمر الشركات فى تسجيل المزيد من الخسائر. ويرى د. عبد المنعم أن البعد الاجتماعى المرتبط بالعمالة يضمنه القانون فبطبيعة الحال تطوير او نقل او انشاء كيان جديد للدولة لا يأتى على حساب العمالة الموجودة فى هذه الشركات ولكن ليس معنى ذلك ان العمالة لا تؤدى ما عليها من واجبات فى مقابل مراعاة حقوقها وان تسعى الى إيقاف عمليات التطوير او الاصلاح تحت مسمى »الحفاظ على حقوق العمالة«. ويقول المهندس محمد أبو شادى رئيس شركة النصر للسيارات سابقا: إن هناك جدوى اقتصادية من إصلاح شركة النصر للسيارات لاسيما أن الشركة تمتلك أصولا ضخمة غير مستغلة يمكن تسييلها لتوفير تمويل للإصلاح وتحتاج ايضا الى عناصر عمالية جديدة مدربة بعد خروج كل العاملين بالشركة بنظام المعاش المبكر وفى حاجة الى الاستعانة بالخبرة الأجنبية لخروج منتج يحظى بقبول فى سوق السيارات. ويرى المهندس ابو شادى ان الشركة يمكن عودتها مرة أخرى ولكن تحتاج الى جهد كبير وأموال ضخمة لذلك ويأتى قبل ذلك كله هو وجود ارادة من الدولة لاعادة شركة النصر للسيارات مرة أخرى. ويؤكد ابو شادى ان اختيار الشريك الأجنبى وتوفير التمويل يأتى بعد قرار عودتها مرة أخرى »للحياة« وبعد هذا القرار شركة النصر للسيارات أمامها «عمل ضخم» لكى تعود مرة أخرى لسابق سمعتها وشعبيتها لدى المجتمع المصرى وايضا الدول العربية كما كانت مسبقا. أما د. ابراهيم العيسوى الخبير الاقتصادى فيرى أن هناك استثمارات ضخمة تم ضخها فى الكيانات الكبرى مثل الحديد والصلب وغزل المحلة او النصر للسيارات وإذا لم يتم الحفاظ على هذه الكيانات فمعناه إهدار لهذه الملايين والحفاظ عليها بتطويرها سواء من خلال تجديد التكنولوجيا المستخدمة او اعادة الاصلاح المالى والادارى فمصر لم تعد تحتمل إهدار المزيد من الموارد المالية فغير صحيح ان الكيانات التى تم انشاؤها فى الستينيات تعد كيانات بالية او غير ذات قيمة لكنها فقط كيانات مرتقبة وفى حاجة الى علاج ومادام هذا العلاج اصبح متاحا فليس من المستحيل ان تستعيد هذه الكيانات سابق عهدها من القوة والنجاح فهذه الشركات لا تمتلك فقط السمعة السابقة بل تمتلك أصولا رأسمالية ضخمة »يلهث« المستثمر الأجنبى وراءها للاستفادة منها. ويضيف د. العيسوى قائلا: إن من أهم ملامح النهوض بهذه الصناعات علاج الأسباب المرتبطة بضعف القدرة التسويقية للشركات مثل المنافسة غير العادلة من المنتج المستورد الردىء فلابد من وجود حماية للصناعات المصرية وان كانت حماية مؤقتة فلا يوجد دولة فى العالم لا يوجد لديها حماية لمنتجاتها المحلية وهذه الحماية لا تتعارض أبدا مع حرية السوق وقوانين منظمة التجارة العالمية. ويؤكد د. العيسوى ضرورة الحفاظ على الأصول المصرية وإعداد دراسة جدوى سليمة لاصلاح هذا الاصل فتحسين ما فى أيدينا أكثر وفرة من انشاء جديد لا يوجد لديه مميزات الأصل القديم.