أثار اقتراح أسامة صالح وزير الاستثمار، الخاص بإنشاء شركة قابضة واحدة تضم كافة الشركات التابعة لقطاع الأعمال العام باعتباره أحد الملامح الرئيسية لمشروع قانون تطوير قطاع الأعمال العام، ردود فعل واسعة بين مؤيد ومعارض للاقتراح. يري البعض أن إصلاح قطاع الأعمال العام لن يتم إلا بضخ استثمارات جديدة فيه وهو ما يمكن أن يتم دون الحاجة إلي إنشاء شركة قابضة جديدة شرط توافر التمويل. ويري آخرون أن الاقتراح محاولة لاستعادة فكرة جهاز إدارة الأصول المملوكة للدولة التي كانت أحد الاقتراحات التي ظهرت في أعقاب إلغاء الوزارة في 2010 ودعاوي الاعتماد علي الدمج باعتباره حلاً مثالياً لأزمة القطاع وباعتراف أحد رؤسائه في هذا الوقت، المهندس عادل الموزي الذي تولي الإشراف علي القطاع بعد الثورة، حيث تنبأ بأن الظروف لن تكون في صالح شركات قطاع الأعمال العام وأن الأفضل للجميع أن يتم دمج الشركات والاكتفاء بنحو 50 شركة كبيرة تعمل ككيانات عملاقة تكون قادرة علي الاستمرار والعمل. اقتراح وزير الاستثمار يعني أن الشركات بوضعها الحالي لن تنصلح أحوالها، وجاء في تصريح «صالح» أن مشروع القانون يتضمن تطبيق تجربة فيتنام عن طريق تأسيس شركة قابضة عامة تئول إليها ملكية الشركات القابضة التابعة لوزارة الاستثمار إلي جانب الشركات التي يصدر بتحديدها قرار من رئيس الوزراء، وأشار إلي أن الكيان الجديد سيكون أداة الدولة لمراقبة أداء شركات قطاع الأعمال العام علي أسس مالية واقتصادية وليس علي أسس خدمة البعد الاجتماعي علي أن يكون لهذا الكيان الحق في إجراء عمليات استحواذ ودمج وضخ استثمارات جديدة داخلياً وخارجياً. ووفقاً للبيانات الرسمية فإن هناك 9 شركات قابضة تتبعها نحو 147 شركة تابعة مملوكة للدولة هي كل ما يضمه قطاع الأعمال العام التابع لوزارة الاستثمار حالياً، ورغم أنها تعمل في كافة القطاعات الحيوية التي تتلامس مع احتياجات المواطنين فقد فشلت الدولة ومنذ القانون 203 لسنة 1991 في أن تجود أداءها لصالح الاقتصاد القومي بل باتت تلك الكوكبة من الشركات تواجه ظروفاً صعبة وأزمات عديدة وتراكماً مقلقاً لمشكلات ليس لها حل وتزداد صعوبة عاماً بعد آخر، وكشفت الجمعيات العامة للشركات القابضة التي انتهت قبل أيام عن تراجع أرباح القطاع وانخفاض الاستثمارات فيه، فضلاً عن عدم وضوح الرؤية المستقبلية لما قد يئول إليه حال قطاع الأعمال العام. في أعقاب تولي المهندس عادل الموزي مسئولية الإشراف علي قطاع الأعمال العام بعد الثورة قدم الرجل رؤية لإنقاذ الشركات مستمدة من تجارب عدد آخر من الدول وتقوم علي فكرة الالتفات إلي الشركات الناجحة والاهتمام بها ودمج الشركات الأقل حظاً في أخري لخلق كيانات قوية والاستعانة بفكرة الكيان الكبير. والفكرة التي تطرحها وزارة الاستثمار لها مثيل في عدد من الدول مثل «سابك» في المملكة العربية السعودية، التي تعد من كبري الشركات العالمية، ثم تجربة ماليزيا في شركة «خزانة» وهي أيضاً كيان عملاق قائم علي ملكية الأصول المملوكة للدولة هناك وتدخل في كافة المشروعات الكبري والعملاقة داخل البلاد وخارجها. «لا حاجة لنا لشركات جديدة».. كان هذا رأي المهندس عادل جزارين - الخبير الاقتصادي رئيس مجلس إدارة شركة النصر للسيارات الأسبق - الذي قال: إنه لا داعي لشركات جديدة، ويكفينا الشركات الموجودة، وأشار إلي أن الدولة لو أرادت أن تعمل الشركات الموجودة بكامل قوتها ستجعلها تعمل.. وقال: إن التفكير في إنشاء شركة جديدة يمثل عبئاً علي قطاع الأعمال العام الذي ينتظر الإرادة والتمويل وضخ الاستثمارات لكي يعمل بكامل طاقته. ويؤكد عزت محمود عبده - رئيس مجلس إدارة شركة عمر أفندي - أن قطاع الأعمال العام ليس في حاجة إلي شركات جديدة ولكنه في حاجة إلي إدارة واعية ذات خبرة لإدارة الشركات الموجودة بكفاءة عالية والبحث عن حلول للمشكلات التي تواجه الشركات، والمعروفة للجميع، وطالب «محمود» بأن تكون معايير دمج الشركات معايير موضوعية بحيث لا تؤثر علي الشركات وترفع خسائرها. ويري اللواء محمد يوسف - رئيس الشركة القابضة للنقل البري والبحري - أن الدولة لابد أن تكون حاضرة ومسيطرة علي بعض الجوانب الاقتصادية حتي تتمكن من إحداث توازن في السوق، مشيراً إلي أن هذا يتم في أغلب دول العالم، مؤكداً ضرورة الحفاظ علي شركات الغزل والنسيج، كما أن شركة مثل الملاحة الوطنية تعد الشركة الوحيدة المملوك أسطولها للدولة، ولابد من الحفاظ عليها، كذلك شركة مثل النصر لصناعة السيارات، لابد أن يعود دورها ولابد من الحفاظ علي شركة الحديد والصلب وشركة السكر والصناعات التكاملية.. ويري «يوسف» أنه لابد من انتقاء الشركات العملاقة والاحتفاظ بها. «هل الدولة مقتنعة بدور قطاع الأعمال العام وتري فيه فرصة اقتصادية مهمة؟.. من الإجابة عن هذا السؤال يمكن النظر إلي الأطروحة الجديدة».. هكذا أكد المهندس يحيي حسين عبدالهادي - رئيس مركز إعداد القادة لإدارة الأعمال - الذي يري أن الاهتمام بشركات قطاع الأعمال العام يكون أولاً بإنشاء وزارة مستقلة له تهتم بكافة تفاصيله وإذا كانت الدولة تريد النهضة فلا نهضة بدون الاقتصاد الإنتاجي، والفكرة القائمة علي إنشاء شركة قابضة للقوابض هي نفس الفكرة التي طرحت من قبل في شكل كيان جهاز إدارة الأصول المملوكة للدولة، والمشكلة أن النية بالنسبة لقطاع الأعمال العام غير واضحة، ففي وقت سابق كانت الشركات أشبه ب «رجس من عمل الشيطان» لابد من التخلص منها، والآن المطلوب أن يكون النظر إلي القطاع من منطلق أنه كيان موجود «أبني عليه وأستفيد منه»، والأمر يتطلب اهتماماً أكبر ليس بإنشاء شركة جديدة ولكن بتوضيح النوايا تجاه القطاع، وفي وقت كان تسند الوزارة لأقدم رؤساء الشركات ما كان يعني أنه لا اهتمام بالقطاع.