شارك بالملف: نهلة أبوالعز - عبدالناصر منصور - حلمى الشرقاوى عندما أطلق الرئيس السيسى فور تولية المسئولية العديد من المشروعات القومية الكبرى التى تمتد لتشمل العديد من القطاعات الانتاجية والخدمية لم تكن المهمة سهلة ولم تكن »المليارات« التى تحتاجها هذه المشروعات متاحة فى خزانة الدولة المصرية . الشعب من جانبه أدرك ايضا أن المهمة ليست سهلة وأن صعوبات التمويل تمثل مشكلة كبرى و إن لم يمنعه هذا الادراك من تبنى هذه المشروعات والتحليق معها فى حلم قومى كبير ينقل البلاد من حال الى حال ،ومن ثم راح افراد الشعب يعبئون مدخراتهم المحدودة لتجمع 86 مليار جنيه في أسبوع لتمويل مشروع واحد هو مشروع شق قناة السويس الجديدة. ورغم صعوبة المهمة وتعاظم حجم التمويل المطلوب الذى قد تقترب فى تقديرات بعض الخبراء من مبلغ التريلون جنيه إلا أن قطار المشروعات القومية العملاقة انطلق وتحولت البلاد علي مدى الشهور القليلة الماضية الي مايشبه ورشة الاعمار الكبيرة فعندما تمضي علي الطرق الرئيسية تجد حجم اعمال غير عادى وعندما تنظر الي خريطة المشروعات تجدها تمس كل القطاعات الحيوية تقريبا وعندما تقارن معدلات التنفيذ تشعر أن المسألة فى غاية الجدية وأن مبدأ المسئولية والمحاسبة يجرى تفعيله ربما لأول مرة فى مصر علي نحو جاد فقد ذكر الرئيس السيسى أنه يمنح المسئول فرصتين فقط والتالتة تابتة. كل هذه التفاصيل تدعونا الي طرح السؤال الكبير وهو من أين يمكن أن تأتى بالتمويل الكافى لكل هذه المشروعات فى توقيت واحد ولا تحمل فاتورة الديون العامة أعباء جديدة ؟! وبعبارة أخرى من يمول احلام المصريين فى مستقبل افضل؟! هل البنوك لديها مايكفى ؟ هل البورصة قادرة علي حشد تمويل كبير وعبر آليات غير تقليدية؟ هل صناديق الاستثمار النوعية وهل المؤسسات الاقليمية الدولية يمكن أن تسهم ولو بجزء معقول؟! هل صندوق »تحيا مصر« الذى لم يجمع سوى 6 مليارات جنيه من أصل 001 مليار كانت مستهدفة وفكرته المستندة الي معانى الولاء الوطنى والتكاتف الشعبي والعدالة الاجتماعية سيكون »عونا« تمويليا لهذه المشروعات أم ربما يكون عبئا عليها؟! تساؤلات مشروعة تشغل بال المواطن البسيط ومجتمع الأعمال والحكومة والمؤسسات المالية وهى تساؤلات لم تعد تحتاج الإجابة عليها تنظيرا اكاديميا ، بل تحتاج بوضوح الي أفكار محددة ذات ملامح وسيقان تقف علي الارض ولا تحلق فى الخيال نحن نحتاج إلى تريليون جنيه علي الأقل من أين نأتى بهم؟ هذا هو سؤال المستقبل فى مصر والتحدى الذى يجب أن ينخرط فيه ملايين الشعب لذلك نطرحه للنقاش العام على صفحات هذا العدد. محمود عبدالعظيم ////////////////// يجمع مصرفيون وقيادات بنوك علي قدرة الجهاز المصرفى فى مصر علي توفير جانب كبير من التمويل المطلوب للمشروعات القومية التى يجرى تنفيذها أو تلك التى تستعد الدولة لإطلاقها فى الفترة المقبلة. هذا الإجماع يستند الي مجموعة من العوامل الموضوعية فى مقدمتها توافر قاعدة ضخمة من السيولة توازى 4.1 تريليون جنيه ودائع -أرقام أغسطس- ونسبة توظيف منخفضة فى معظم البنوك حيث لاتتجاوز هذه النسبة 54 بالمئة فى أفضل الاحوال عالميا مقارنة بأكثر من 07 بالمئة فى المتوسط عالميا الي جانب توافر جدوى اقتصادية ومزايا تنافسية فى المشروعات المطروحة يجعل من تمويلها قرارا استثماريا جيدا. وقال هؤلاء إن قيام البنوك بتمويل المشروعات القومية لن يكون علي حساب توفير الائتمان المطلوب للقطاع الخاص بل يمكن أن يمضي المساران بالتوازى لإحداث مستوى مقبول من النمو الاقتصادى. هنا رصد لشهادت عدد من رؤساء وقيادات البنوك ومؤسسات تمويلية إقليمية حول قضية تمويل المشروعات القومية. بداية يؤكد اسماعيل حسن المحافظ الأسبق للبنك المركزى ورئيس بنك مصر وايران أن وجود رغبة قوية لدور محورى تلعبه البنوك فى تمويل المشروعات القومية لن يكون له تأثير علي التمويل المتاح للقطاع الخاص لأن البنوك بطبيعتها تنتهج سياسة تنويع المخاطر وتوزيع المحافظ عند منح الائتمان فتجدها تقرض الشركات الكبيرة والأفراد وتشترى الدين الحكومى وتوزع محافظها فى جميع القطاعات حسب خطة كل بنك الائتمانية وبالتوازى مع الطلب المتاح لديها علي الائتمان. وتابع البنوك لديها جاهزية عالية لمنح الائتمان للمشروعات القومية ليس فقط لتأدية دورها الوطنى فى مساندة الاقتصاد ولكن هذه المشروعات مصدر ربحية تستهدف البنوك تمويلها بشكل اساسى . واشار الي أن المركزى لديه من الاجراءات مايمكنه من زيادة حجم محافظ البنوك الموجهة لتمويل المشروعات القومية مثل خفض نسب الاحتياطى الإلزامى مؤكدا أن التمويل الشعبى لايزال يمثل فرصة كبيرة لإتاحة التمويل للمشروعات القومية كما حدث فى شهادات قناة السويس التى جمعت 16 مليار جنيه خلال 8 أيام فقط. وقال إن الصيغ غير التقليدية فى التمويل بإمكانها المساهمة فى ذلك شريطة أن تجد بنية تشريعية وقوانين تنظم عملها مثل الصكوك باعتبارها اداة تمويلية مهمة منتشرة عالميا وحققت نجاحا كبيرا فى الدول الأجنبية والعربية. وفى نفس السياق أكد محمود أبوالعيون المحافظ الاسبق للبنك المركزى مستشار صندوق الكويت للتنمية الاقتصادية ،أن الحصول علي تمويل من الصناديق العربية والمؤسسات الدولية لايزال يمثل فرصة عظيمة أمام الاقتصاد المصرى فى ظل تحسن الأوضاع السياسية بالبلاد ووجود خطط استثمارية تشمل مشروعات للبنية التحتية وعلي رأسها مشروه قناة السويس الجديدة ومشروعات الطرق والاستصلاح الزراعى خاصة أنها قطاعات تفتح شهية الصناديق العربية. وتابع الصناديق العربية فرصة في التمويل دون تحميل أعباء إضافية تثقل كاهل الأجيال القادمة لأنها تقرض بضمان المشروع وهو أمر جيد فالحكومة تضمن تنفيذ المشروعات القومية والصناديق العربية تمول والمؤتمر الاقتصادى سيكون فرصة كبيرة لعرض هذه المشروعات علي المستثمرين العرب ومسئولى الصناديق السيادية بدول الخليج فلطالما نادينا بعرض هذه المشروعات علي الصناديق العربية ولكن مع وجود هذا المؤتمر فالفرصة لاتزال سانحة علي وصفه لجذب المزيد من الاستثمارات للسوق المصرية. وفى نفس السياق أكد حسام ناصر عضو مجلس ادارة البنك الاسلامى للتنمية أن المؤسسات الدولية وعلي رأسها البنك الاسلامى للتنمية لاتمانع فى تمويل المشروعات التنموية والقومية فى مصر مشيرا الي أن هذه المؤسسات تمنح قروضا ميسرة بفائدة قد لاتتجاوز 5.3٪ وهو ما يمثل فرصة جيدة للحصول علي تمويل بنسبة فائدة متدنية مقارنة بالائتمان الممنوح من البنوك والمؤسسات المحلية وحتى تتاح للأخيرة الفرصة كاملة لتمويل مشروعات اقراض القطاع الخاص. وتابع الاصلاحات الاقتصادية التى شهدتها البلاد أخيرا فى الدعم ستعزز من فرصنا حال طلب الحصول علي قروض من مؤسسات دولية خاصة وأن هذه الاصلاحات ستقلص من عجز الموازنة لدى الحكومة وتمكنها من اصلاح العوار الحالى الذى تراكمت سلبياته عاما بعد الآخر. وقال إن الاقتراض من المؤسسات الدولية خيار مهم ويجب أن تلتفت اليه الحكومة وهذا لايعنى أن الابتعاد عن البنوك المحلية التى لها دور رئيس فى عملية إتاحة التمويل اللازم لاستكمال هذه المشروعات. وشدد على أن البنوك لن تتأثر محافظها التمويلية بتوجية الائتمان للمشروعات القومية علي حساب إقراض القطاع الخاص فتنويع المخاطر جزء أصيل من سياسات كل البنوك عالميا ومحليا. ومن جانبه أكد محمد عباس فايد نائب الرئيس والعضو المنتدب لبنك عودة أن تمويل البنوك للمشروعات القومية لايتعارض بأى حال مع إتاحتها الائتمان للقطاع الخاص خاصة وأن السيولة بالبنوك تقدر بنحو تريليون و7.345 مليار جنيه حتى سبتمبر الماضى ودائما ما تبحث البنوك عن توظيفات آمنة نسبيا لأموال مودعيها. واشار الى أن البنوك لم تتوقف عن منح الائتمان للقطاع الخاص ولكن الطلب المتراجع نسبيا منذ ثورة 52 يناير هو الذى أدى إلي تراجع أوزان محافظ القروض الموجهة للقطاع الخاص مقارنة بإقراض الحكومة. وتابع :البنوك تقرض دائما أى مشروع ذى جدارة ائتمانية دون الاعتماد فقط على كونه ائتمان حكومى أو قطاع خاص ولكن جدارة العميل الائتمانية وقدرته علي الوفاء بالتزاماته المالية هى محور اساس فى منح الائتمان من عدمة. وتوقع فايد أن تقوم البنوك بدور رئيسى فى منح الائتمان للقطاع الخاص والمشروعات القومية خلال 5102 فى ظل استقرار الأوضاع السياسية والانتعاشة المتوقعة للاقتصاد بعد الإعلان عن تنفيذ مشروعات قومية مثل محور قناة السويس واستصلاح الأراضي الزراعية ومشاريع الطرق وفي نفس السياق أكد أيمن ياسين رئيس قطاع تمويل الشركات الكبرى بالبنك الأهلي المصرى أن القطاع الخاص هو أكبر مستفيد من تمويل البنوك لمشروعات البنية التحتية والمشروعات القومية الكبرى لأنه هو الذى يقوم بتنفيذ هذه العمليات وبالتالي فهو مستفيد من إتاحة التمويل اللازمة لتنفيذ المشروعات القومية فى خلق فرص تشغيل تتطلب الحصول علي تمويل بنكى. وأشار إلي أن دور البنوك فى تمويل المشروعات القومية هو تمويل المنفذ والأخير هنا يمثله بشكل أساسى القطاع الخاص سواء شركات عقارية أو شركات بنية تحتية أو اتصالات ومرافق. وتابع فرص إتاحة التمويل للقطاع الخاص مرتبطة بزيادة الطلب علي الائتمان فى قطاعات ذات جدارة ائتمانية فالبنوك لديها جاهزية لتمويل أي قطاع لدية جدارة ائتمانية قوية تؤهله للحصول على التمويل. ويؤكد محسن رشاد مدير عام المؤسسات المالية والعلاقات الخارجية بالبنك العربى الافريقى الدولي أن الاقتراض من المؤسسات الخارجية بهدف إتاحة الائتمان لمشروعات قومية مقبول خاصة وأن هذه المشروعات رغم أنها تدر عائدا علي الأمد البعيد إلا أنها ذات جدوى يمكن الاقتراض لتنفيذها. وتابع الاقتراض الخارجى يعد طريقا للحصول علي الائتمان لتمويل المشروعات القومية بفائدة أقل بكثير من الاقتراض المحلي ولكن النظر إلي تحميل أعباء اضافية علي الدين الخارجى الذى يقدر حاليا بنحو 69 مليار دولار يجب أن يضعه المسئولون فى اعتبارهم عند الاقتراض ،رغم أن هذه القيمة لاتزال حاليا فى الحدود الآمنة مقارنة بالناتج القومى. وتابع الصيغ التمويلية غير التقليدية لم تنشر بالقدر الذى يؤهلها لأن يكون لها دور محورى فى أتاحة التمويل للمشروعات القومية كذلك فإنه علي الرغم من اعتماد اللوائح المنظمة لعمل صناديق الاستثمار وتسهيل تدشين الصناديق العقارية بشكل أساسى إلا أنها لم تمثل لاعبا رئيسيا فى التمويل حتى الآن نتيجة التحولات الضريبية التى شهدتها البلاد أخيرا وانتظار المزيد من النشاط الاقتصادى. واشار الي أن الصيغ الأخرى مثل الصكوك الإسلامية التصقت لدى الكثيرين ببيع المال العام والأصول المملوكة للدولة وكذلك لم تشهد تدشين قوانين خاصة بها تشريعيا لذلك فانها لن يعول عليها فى تمويل المشروعات القومية ما لم تخرج بشكل قانونى ويسمح بالتعامل بها. من جانبه أكد حسن عبدالعزيز الخبير المصرفى أن السندات يمكن أن تكون بديلا ملائما لتمويل المشروعات القومية خلال الفترة الحالية خاصة وأنها لا تكلف الدولة مقابل فوائد تتحملها الأجيال القادمة. وقال عبدالعزيز إن أهم ما يميز السندات العائدية ضمانها بالمشروع المنفذ دون فوائد تراكمية الى جانب انها تخفف العبء عن ميزانية الدولة فبمقدور الحكومة حينها بناء المستشفيات والكبارى والمشروعات المتعلقة بالبنية التحتية دون أن تحمل اعباء مالية تضغط على الموازنة حيث يمكن توجيه الأموال المستخدمة فى الإنفاق علي مشروعات البنية التحتية لقطاعات اخرى يستفيد منها المواطن. وتابع التغيرات الجوهرية التى شهدها الاقتصاد أخيرا مثل رفع التصنيف الائتمانى للبلاد ستعزز من قدرة الدولة علي طرح سندات دولارية بالاسواق الخارجية باعتبارها طريقة ذات فوائد منخفضة بعض الشئ مقارنة بالاقتراض الداخلي من الجهاز المصرفى. ومن جانبه أكد عادل عامر رئيس مركز المصريين للدراسات الاقتصادية أن اللجوء للتمويل الشعبى قد يكون حلا ملائما لتامويل المشروعات القومية ولكن شريطة أن تكون الفائدة تنافسية مع العوائد التى تقدمها البنوك والدليل علي إمكان نجاح هذه الفكرة شهادات قناة السويس والتى حققت نجاحا كبيرا استطاعت جذب 16 مليار جنيه خلال 8 أيام فقط. واضاف: الاقتراض الداخلي من البنوك يجب أن يكون فى أضيق الحدود ولابد أن توظف سيولة البنوك فى تمويل المشروعات الموجهة للقطاع الخاص. وتابع قائلا: الاستقرار السياسى الذى تشهده البلاد حاليا سيجذب المزيد من المستثمرين الأجانب للسوق وسيؤثر بالتبعية علي حجم تدفقات العملة الأجنبية فى شكل استثمارات بما يخفف الضغوط علي الجهاز المصرفى وتحميله عبء سداد جزء من الدين الحكومى. من جانبه أكد سعيد زكى عضو مجلس ادارة البنك المصرى الخليجى أن التقارب مع الدول الخليجية بالتزامن مع قرب انتخابات مجلس النواب ودراسة قوانين اقتصادية منها »الصكوك« سيؤدى الي نمو فرص الصكوك باعتبار منطقة الخليج أحد أهم مراكز انطلاق استثمارات الصكوك عالميا. وتابع: الصكوك أداة تمويلية ملائمة، تخفف اعباء الاستدانة من الخارج لا سيما أنها مضمونة بالمشروع نفسه وليست بفوائد تراكمية كما هو الحال فى الأدوات الخاصة بالاستدانة الأخرى. واشار الي أن الصكوك اداة تمويلية منتشرة عالميا ولا ترتبط فقط بدول اسلامية أو عربية ونتائج الطروحات السابق للصكوك عالميا تكشف عن اقبال كبير من دول اساس تعاملاتها المالية »تقليدية« فى المقام الاول.