مغازلة التيار الإسلامى الشعبى للمصريين بالداخل والخارج أصبح فرض عين يمارس طقوسه بأشكال وأساليب شتى وزراء المجموعة الاقتصادية والخبراء سواء ممن ينتمون لمؤسسات ذات خلفية إسلامية أو يؤمنون أن «الثروة لا دين لها» يحرك بوصلتها الربح المضمون. إحدى أدوات هذا الغزل العفيف التأكيد الإعلامى من جانب التنفيذيين على ضرورة إصدار أدوات مالية غير تقليدية على رأسها «الصكوك الإسلامية» لسد العجز فى فجوة التمويل المتاح بالسوق سواء للمشروعات المؤسسة للقطاع الخاص.. أو مشروعات النهضة التى بدأ تسريب بعض عناوينها.. بإعادة صياغة لمشروعات قومية كبرى انطلقت مبادراتها مع حكومة د. كمال الجنزورى الأولى مثل إقليم قناة السويس وشرق بورسعيد.. ووادى السيلكون أو التكنولوجيا.. اعتمادا على أن ذاكرة الشعب المصرى «من التيفال» لا تلتصق بها المعلومات أو الخطوات الحكومية السابقة.
وخاصة أن هذه المشروعات وأخواتها أدخلت - عمدا أو سهوا - أدراج الثلاجة الحكومية.. فلم تجد حكومة د. هشام قنديل «غضاضة» من إعادتها للحياة مرة أخرى. لا بأس - بالقطع - من التفاؤل فى التعامل مع المشاكل الاقتصادية المتراكمة منذ ما قبل ثورة 25 يناير.. والتى زادت حدتها.. حتى كتابة هذه السطور لدرجة وصمت فيها مصر اقتصاديا بأنها على شفا الإفلاس..ويصبح طوق النجاة الذى لا مفر من التعلق به إبرام اتفاق قرض صندوق النقد الدولى 8,4 مليار دولار لتستعيد مصر جدارتها الائتمانية عالميا.. بعد أن تم تخفيض تصنيفها الائتمانى عدة مرات.. ولكن فى المقابل الإفراط فى التفاؤل المشفوع دائما بالوجه «السمح».. «الباسم».. للدكتور هشام قنديل قد يجر قاطرة الوطن بأكملها إلى هوة سحيقة.. لا مخرج منها ويصبح واجبا شرعيا أن يجيب المختصون عن أسئلة تحيط بهذه الآلية المالية التى يراها البعض طوق نجاة أمام الحكومة لتدبير 30 مليار دولار مطلوبة للمشروعات الاستثمارية. وعلى الجانب الآخر يؤكد فريق ثان أنها «دغدغة» لمشاعر البسطاء.. فطرح الصكوك الإسلامية بالسوق له ضوابط وقواعد يجب توافرهاأولاًقبل التعلق ب«الحبال الدائبة».
فى البداية يرى محمد حمدى سالم رئيس بيت الخبرة المالية «فينكورب» أنه لا يمكن إنكار أهميتها كأداة مالية غير تقليدية متميزة متفقة مع الشريعة الإسلامية. ويراهن على نجاحها فى استقطاب أموال صناديق الاستثمار الإسلامى الدولى وشريحة هائلة من مدخرات المصريين بالداخل والخارج- ومنهم مليونا مصرى بالسعودية - يتعطشون لوعاء إسلامى شرعى، يتنوع بين «المرابحة - استصناع - مضاربة - إجارة - مشاركة - سلم» لكل منها ضوابط وأسس مختلفة وإن كانت مظلة «إسلامية» تحفها جميعا.بالإضافة للقاعدة العريضة التى انحازت للتيار السياسى الإسلامى فى الانتخابات الأخيرة. ويحذر من تأثير موجة التفاؤل المثارة حاليا- حكوميا - حول قدرة الصكوك الإسلامية على إطلاقها على حل مشكلة توافر التمويل المطلوب للمشروعات بتكلفة منخفضة.. فهو على حد قوله كلام يدغدغون به عواطف العامة وغير مقبول علميا فهى- أى الصكوك الإسلامية - مثل أى أداة مالية.. إذا ما توافرت شروط إصدارها نجحت فى جذب التمويل المطلوب.. فالتصنيف الائتمانى إذا ما جاء منخفضا انعكس سلبا على تكلفة المال المتولد عن الصك المصدر، وبالتالى فهى ليست طوق نجاة كما يتصور البعض.. بل قد تصبح أشبه بالاقتراض من البنوك. كانت هيئة الرقابة المالية قد انتهت من إعداد مسودة التعديلات المقترحة على القواعد المنظمة لإصدار صكوك التمويل فى اللائحة التنفيذية لقانون سوق رأس المال رقم 95 لسنة 1992 لاستكمال الإطار القانونى المنظم لإصدارها.. بالإضافة إلى ما أعلنه ممتاز السعيد وزير المالية من توجه لإصدار صكوك دولية بقيمة 2,2 مليار دولار تستخدم لسد جزء من احتياجاتها.. وهو ما لم يتم حتى الآن.. حيث يتطلب إصدارها: - إنشاء هيئة للرقابة الشرعية لسوق رأس المال فى مصر تختص بالرقابة على جميع العمليات المرتبطة بصكوك التمويل والتأكد من التزامها بأحكام الشريعة الإسلامية. - أن ينص صراحة فى التعديلات المقترحة على أن صكوك التمويل يقصد بها الصكوك التى تصدر وفق صيغ التمويل الإسلامى.. وأن أحكام الشريعة الإسلامية تطبق على جميع المعاملات والتصرفات المرتبطة بها. على الجانب الآخر يؤكد الدكتور إبراهيم عشماوى الأستاذ بالجامعة الأمريكية والخبير الاقتصادى.. أن الصناديق السيادية فى العديد من الدول والمؤسسات المالية بدأت تفكر فى التمويل من خلال الصكوك الإسلامية بعد بزوغ تجارب ناجحة لمجموعة من الدول - السعودية والإمارات - ماليزيا وأندونيسيا وتركيا - أخذت على عاتقها تمويل مشروعاتها العملاقةmega project ٍ من خلال الصكوك الإسلامية خاصة المشروعات المشتركة بين الحكومة والقطاع الخاصِ.p.p.p ِ آلية الصك الإسلامى ليست جديدة.. وليست بالضرورة أن تكون ذات صبغة معينة.. فقط لائحة شرعية تضع ضوابطه.
ويؤكد د. عشماوى أن هذه الصكوك قد تكون طوق نجاة حقيقيا لشركات قطاع الأعمال العام القابضة أو التابعة بتوفير تمويل مطلوب بضمان حكومى بعدما عزفت البنوك عن إقراضها.
أيضا وزارات مثل النقل والاستثمار يمكنها تدبير الاستثمارات اللازمة لمشروعاتها عن طريق هذه الصكوك ومنها على سبيل المثال القطار السريع بديلا عن ضخ استثمارات من موازنتها العامة التى لا يجاوز ما يخص موازنتها الاستثمارية 25٪ من مجملها.. ويقدر حجم الفجوة المطلوب تدبيرها بوسائل غير تقليدية ب 30 مليار دولار.
ويطالب د. عشماوى بالاهتمام بزيادة إنتاجية شركات قطاع الأعمال العام بعيدا عن الاقتراض المصرفى أو المعونات الأجنبية.. بإصدار الصكوك أيا كان مسماها.. ويرى أن تطرح الحكومة النوعين التجارى والإسلامى لعدم تمييز شريحة من شرائح المجتمع عن الأخرى.. بل نترك لكل منها الحق فى الاختيار.
ويؤكد أنه عادة ما تكون عوائد هذه الصكوك مرتفعة لدراسات الجدوى القوية والجدارة الاقتصادية للمشروعات التى ستمول من خلالها.. وفيها إحياء حقيقى للشراكة الوطنية لتنمية اقتصاد البلد.. وهو ما حققته تركيا وماليزيا.. ودون حاجة لتأسيس صناديق للثروة السيادية أسوة بالمملكة العربية السعودية التى تعد الأكبر على الإطلاق بين صناديق الثروة السيادية العالمية.. بل على مصر تشجيع مثل هذه الصناديق العربية والعالمية على شراء الصكوك الإسلامية المصرية توافقا مع نظم هذه الصناديق.
هناك بعض الحكومات مثل ماليزيا وإندونيسيا تفضل هذه النوعية من الصناديق.. وهو ما يعنى زيادة حجم الاستثمار الأجنبى غير المباشر من الصناديق السيادية فى مشروعات قومية بشرط توافر التشريعات والأطر القانونية اللازمة لتحقيق ذلك.. ومن المتوقع ظهوره للسوق من خلال مشروع بقانون مطلع .2013 أو أن يصدره رئيس الجمهورية - حيث يدخل ذلك ضمن صلاحياته - كإجراء عاجل وملح لتنشيط السوق المصرية تمويليا.. خاصة أن هناك صناديق كبرى تسعى لاقتناص الفرصة فى تدوير أموالها - دوليا - فى مشروعات مضمونة حكوميا مثل أذون الخزانة.
ويرى أنه من المفروض أن يقوم البنك المركزى بتحديد حصة من أذون الخزانة للبنوك الراغبة فى استثمار أموالها.. باعتبارها من أسهل وأضمن طرق الاستثمار.. بدلا من الاقتراض غير الآمن أو الذى تكتنفه المخاطر.. لتتجه لدورها الرئيسى الأصلى فى الإقراض لمشروعات خاصة وعامة.
ويكشف عن بعض الثقوب فى الثوب المصرفى.. ومنها أن 60٪ من البنوك العاملة فى مصر - 39 بنكا - تحقق 80٪ من أرباحها من استثمار أموالها بشراء أذون الخزانة. لأن البنك المركزى يشجع البنوك ضمنيا على ذلك.. بغض النظر عن التأثير السلبى لكلفة ذلك عند إقراض الحكومة بفائدة 16٪.
ويرى أن أحد الأساليب الناجحة فى تمويل الشركات المتعثرة من خلال إصدار الصكوك شريطة أن تكون ذات جدوى.. فلن يجدى شركات الغزل والنسيج طرح صكوك إسلامية أو غير إسلامية.. بل يجب أن تكون هناك دراسة جدوى استثمارية مدققة لهذه الشركات وإلا تحملت الدولة مسئولية سداد هذه الديون فيما بعد كما تورطت الحكومة فى الاقتراض من البنوك بفائدة 16٪.. وأيضا أذون الخزانة هى ورطة حكومية ستدفع ثمنها الأجيال القادمة.. هو ترحيل للمشكلة علينا الانتباه لذلك.
فهناك النموذج الماليزى، ينبغى الاهتمام به ومحاكاته.. فلديهم كيان اقتصادى يسمى «خزانة»، استثمارى حكومى قد يشبه الصناديق السيادية فى بعض الدول الأخرى.. يستثمر فى شركات حكومية وغير حكومية.. ويتم التمويل من خلال صكوك إسلامية. يتكرر نفس النموذج بالبرازيل، ولكن دون أن تصطبغ بالإسلام.
وقد نجح فى تحقيق طفرة هائلة فى أداء قطاع الأعمال مثل هيئة السكك الحديدية وهيئة البريد.. حصة الحكومة بها ضئيلة للغاية.. بعد أن تتخارج تدريجيا بتحقيق الأرباح المحققة اكتفاء بما يطلق عليه «السهم الذهبى».
ويتوقع د. إبراهيم عشماوى أن تسد هذه الصكوك إذا ما أسرعت الحكومة بإصدارها ما لا يقل عن 80٪ من الفجوة التمويلية الاستثمارية.. خاصة أن الحكومة طرحت مؤخرا خلال مؤتمر اليورمنى نحو 15 مشروعا متاحا للمشاركة بين الحكومة والقطاع الخاص فى أنشطة مهمة (مطارات - طرق - محطات كهرباء) يمكن أن يلعب التمويل الإسلامى دورا مهما فى تنفيذها.. وهى بالمناسبة نفس المشروعات التى سبق أن طرحتها الحكومة السابقة قبل ثورة 25 يناير بل الأمر ازداد سوءا الآن مع تقلص دور القطاع الخاص وإحجام البنوك عن التمويل لهذه المشروعات.. فالبديل الآمن الصكوك بشقيها الإسلامى والتجارى.