ظاهرة انتشار مراكز التسوق المليئة بالماركات العالمية فى دول نامية أو فقيرة أمر يثير الانتباه. البعض يفسرها بزيادة شريحة الطبقة المتوسطة حيث تتوقع شركة ماكينزى تضاعف عدد الأسر التى يزيد دخلها على 70 ألف دولار سنويا فى الأسواق الناشئة ثلاث مرات بحلول عام 2025 . وهناك من يراها غزوا تجاريا. أما البعض الآخر فيفسرها بأنها مرآة الفساد وغسيل الأموال فى تلك الدول. المهم أن سلع الرفاهية بيزنس كبير يمثل الصينيون عنصرا مهما فيه ومتابعته تفيد الشركات بصفة عامة. فى العاصمة الفيتنامية هانوى هناك تقليد جديد للمقبلين على الزواج بالتقاط صور الزفاف والخلفية ليست منظرا طبيعيا رومانسيا وإنما أحد محلات العلامات التجارية الشهيرة مثل لويس فوتون أو جوتشى. العروسان ليس بإمكانهما ارتداء ساعة من كارتييه أو حذاء من شانيل لكنهما يأملان أن يكونا يوما ما عملاء لتلك المحلات العالمية وحتى ذلك الحين يمكنهم الاكتفاء بالتقاط صور أمامها . مستقبل صناعة الرفاهية كان موضوع التقرير الخاص الذى تناولت فيه مجلة الايكونومست ظاهرة مراكز التسوق الكبيرة فى الدول النامية حيث تبحث شركات سلع الرفاهية عن الأثرياء الجدد فيها. فمنذ الستينيات أصبحت دول الشرق الأوسط منطقة جاذبة لشركات سلع الرفاهية، وفى السبعينيات تحول اليابانيون إلى عملاء مهمين لتلك الشركات لكن اليوم الصينيين هم أثرياء العالم الجدد الذين تتربص بهم الشركات. فبدلا من الذهاب إلى المسارح يذهب الصينيون إلى مراكز التسوق. يذكر انه على مدى العشرين سنة الماضية تضاعف عدد مستهلكى سلع الرفاهية ثلاث مرات إلى 330 مليون شخص وفقا لشركة «بين آند كومباني» لأبحاث السوق، والمثير للانتباه هنا ارتفاع حجم إنفاقهم على كل ما هو ثمين من ساعات، مجوهرات، ملابس وغيرها من السلع الشخصية بوتيره تعادل ضعف معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى العالمى. ومعظم مشترى تلك السلع ليسوا جميعهم من الأثرياء فبعضهم من ميسورى الحال الذين يتراوح دخلهم السنوى بين 150 و188 ألف يورو . ظاهرة تهافت المستهلكين على العلامات التجارية خلقت مليارديرات أكثر مما فعلت شركات التكنولوجيا فى سيليكون فالى ومن بين هؤلاء برنارد ارنولت صاحب ماركة لويس فوتون ومنافسه فرانسوا هنرى الذى يملك ماركة جوتشى . لكن السلع الشخصية مجرد بند من بنود امبراطورية الرفاهية التى تشمل صناعات عديدة فى قطاعات الرعاية الصحية إلى البنوك. بالرغم من عدم اهتمام المحللين بتلك القطاعات هناك خدمات صحية ومالية على درجة عالية من الرفاهية بحيث لا تقدم سوى للأثرياء فقط. ولكن وفقا للمفهوم الشائع لسلع وخدمات الرفاهية تم إنفاق 1.8 تريليون دولار عليها فى عام 2012 . واكبر حصة منه كانت من نصيب قطاع السياحة والسفر، يليه السيارات ثم السلع الشخصية. تواجه الصناعة تحدى محاولة الوصول والانتشار العالمى الواسع وفى الوقت نفسه الحفاظ على طابعها المميز من خصوصية تجذب العملاء. وعادة الاهتمام يكون بالسلع الشخصية التى يمكن اتساع نطاق عملائها فالسيارات الفارهة واليخوت ظهورها محدود لكن قطاعات أخرى تشهد نموا كبيرا فى عدد عملائها مثل الفنادق. فى الوقت نفسه تكلفة الإنتاج ليست هى المعيار فى التسعير وعادة ما يكون الاستثمار الرأسمالى متواضعا كذلك لكن هناك سلعا كلما ارتفع سعرها زاد الطلب عليها لأنها تعطى حالة ما من الخصوصية. خريطة صناعة الرفاهية: لا تزال أوروبا هى صانعة الرفاهية فى العالم مع استحواذ ماركاتها على 70٪ من السوق. فألمانيا مشهورة بصناعة السيارات واليخوت وايطاليا هى مصنع الموضة الفرنسية والجلود علاوة على ماركاتها الخاصة. ويرى مدير محلات هارودز أن الرفاهية من الصناعات القليلة التى تتمتع أوروبا فيها بميزة تنافسية، ومن الواضح أن أمريكا تسعى لمنافستها بسلع رفاهية أرخص نسبيا. أما الصين وهى مستهلك شره فلا تزال فى بداية الطريق كمصدر لسلع الرفاهية. وقدرت سوق سلع الرفاهية فى الصين بنحو 18.9 مليار دولار فى عام 2013 . وخلال عام 2014 كانت هناك بعض العوامل التى أثرت على الصناعة على مستوى العالم، من أبرزها: أزمة اوكرانيا والعقوبات الغربية على روسيا التى أدت إلى انخفاض مشتريات الأثرياء الروس من سلع الرفاهية . وبالنسبة لليابانيين كانت مشترياتهم جيدة فى بداية العام لكنها انخفضت فيما بعد بسبب فرض ضريبة إضافية. وباء ايبولا فى إفريقيا، ومظاهرات فى هونج كونج حيث يقوم الصينيون بالتسوق كان له أثره السلبى. وفى الصين تباطؤ النمو والاهم حملة مكافحة الفساد خفضت مشتريات الصينيين الذين يمثلون حاليا» ثلث الطلب العالمى على سلع الرفاهية. تغييرات أخرى تشهدها السوق. فى الدول الغنية لم يعد الاهتمام بالامتلاك بقدر خوض تجارب جديدة والشباب فى كل مكان لديهم فكرهم الخاص عن استهلاك الرفاهية بفضل مواقع التواصل الاجتماعى والتجارة الالكترونية. ومن أكبر الشركات فى هذا المجال لويس فوتون العلامة التجارية الأولى فى العالم التى افتتحت أول متجر لها فى الصين عام 1992 . وتقدر مبيعاتها فى 2013 بنحو 36.4 مليار دولار. يليها شركة ريتشمونت صاحبة العلامات التجارية كارتييه وفان كليف للمجوهرات بنحو 13.3 مليار دولار. ومعظم العلامات التجارية لسلع الرفاهية تمتلكها شركات عائلية التى تقوم بتوزيع منتجاتها بنفسها ممايعطيها هوامش ربحية اكبر وعلى سبيل المثال لويس فوتون تبيع فقط من خلال شبكة متاجر خاصة بهاعبارةعن462نقطةبيع. من ناحية أخرى لم تكن سياسة الانتشار الواسع لزيادة الأرباح دائما ناجحة فبعض العلامات التجارية لسلع الرفاهية فقدت بريقها وتميزها بحصول عدد اكبر من المستهلكين عليها. على سبيل المثال فى عام 2004 وضعت جوتشى هدف مضاعفة مبيعاتها خلال 8 سنوات ومن اجل تحقيق الهدف أنتجت عددا اكبر من الحقائب وهو ما اضر بعلامتها التجارية. وتمثل الصين أهمية كبيرة بالنسبة لصناعة الرفاهية كمعظم الصناعات الاخرى. فثلث سلع الرفاهية فى العالم يشتريها صينيون سواء من الصين، هونج كونج، تايوان أو بقية العالم. ولذلك كانت الصين قارب نجاة الصناعة بعد الأزمة العالمية فى 2008 . ومنذ ذلك الحين 70-80٪ من النمو العالمى للقطاع يؤول للصين وفقا لبنك باركليز. غير أن الإصلاحات التى يقوم بها الرئيس الصينى ضد البذخ بمثابة ثورة ناشئة وكذلك حملة مكافحة الفساد أيضا كان لها تأثير إذ أسفرت عن انخفاض المبيعات والنمو. وعلى سبيل المثال انخفضت واردات الساعات السويسرية التى يرتديها المسئولون الصينيون 10٪ فى الشهور التسعة الأولى من 2014 . الأثرياء الجدد الذين تعول عليهم الشركات هم الجيل الجديد فى الصين وهم مجموعة من المستهلكين نتاج سياسة الطفل الواحد لفترة الثمانينيات والتسعينيات الذين يستحوذون على اهتمام ودخل آبائهم وربما أجدادهم أيضا. وبحسب خبراء الثقة بالنفس لديهم تترجم إلى مشتريات، ومن ثم حتى إذا تباطأ النمو الصينى فسيكون هناك عدد أكبر من المستهلكين أصحاب دخول أعلي. ووفقا لتقديرات بنك بى ان بى باريبا إنفاق الأثرياء (الذين لا يقل دخلهم عن 75 ألف يورو) على سلع الرفاهية سوف يتضاعف أربع مرات بحلول عام 2020 . الجدير بالذكر ما أشارت إليه إحصائيات من قيام الصينيين بمعظم مشترياتهم من خارج البلاد سواء خلال سفرياتهم أو عن طريق الانترنت حيث ترفع الضرائب والجمارك المفروضة على الواردات من أسعار سلع الرفاهية التى يمكن شراؤها من أوروبا مثلا بأقل 40-50٪. وحسب دراسة لمجموعة بوسطن الاستشارية مستقبل التسوق رقمى، فبحلول عام 2026 سيكون معظم مستهلكى سلع الرفاهية هم جيل الألفية الذين يعتمدون على الانترنت فى كل شىء. وهكذا نصحت الدراسة الشركات بضرورة الاهتمام بعنصر التكنولوجيا لديها من أجل استقطاب تلك الشريحة . وقد توصلت الدراسة أيضا إلى اتجاه الجيل الجديد من الأثرياء لتفضيل «الاستمتاع» عن «التملك»، بمعنى أنهم يفضلون القيام بتجارب جديدة سواء من خلال السفر أو الذهاب الى أماكن ساحرة عن شراء الأشياء. وخلال الأسبوع الذهبى للتسوق هذا العام فى الصين ارتفعت مبيعات المحلات التجارية 30٪ ولكن المطاعم والفنادق شهدت زيادة 52٪. فى الوقت نفسه جيل الألفية حريص على ألا يتم تصنيع سلع الرفاهية بطريقة تضر البيئة أو العمال مما يعنى أن سمعة الشركة فى هذا المجال باتت مهمة. وعلى سبيل المثال ثلثا الموظفين فى شركة «بربري» تحت سن الثلاثين ويستخدمون الفيس بوك وغيره من أجل التواصل مع بعضهم ومع العملاء. ومؤخرا» عقدت اتفاقية مع أمازون من أجل وضع قائمة بمنتجاتها على الموقع. كانت الشركة بالفعل قد ارتفعت مبيعاتها بنسبة 14٪ خلال الستة أشهر المنتهية فى سبتمبر الماضى بفضل مبيعاتها عن طريق الانترنت. غير انه من ناحية أخرى تعد مسألة بيع سلع الرفاهية عبر الانترنت شيئا صعبا فالذى يشترى ما هو غالى الثمن يرغب عادة فى رؤيته على الطبيعة. فى الزمن الماضى كان خلق علامة تجارية عالمية يستغرق ثلاثين عاما من الجهود التسويقية لكن اليوم وبفضل الانترنت يمكن تحول شركة محلية إلى العالمية.