الحديث عن ترشيد الدعم أصبح مثل الاسطوانة " المشروخة" التى تعيد نفس المقطع الموسيقى عدة مرات دون أن تتجاوزه الى مقطع آخر جديد. فكما كنا نسمع من حكومات ما قبل ثورة يناير أن الدعم لا يصل الى مستحقيه وأنه يجب ترشيد الدعم وأن الهدف هو محدودو الدخل وليس الاغنياء أصحاب الملايين الذين يركبون السيارات الفارهة ويسكنون الفيلات وينفقون على ابنائهم مئات الآلاف كل عام فى المدارس الخاصة.. ويبدو أن الحكومات كلها كانت تخشى من ثورة الجياع فى حال رفع الدعم عن السلع الاساسية فكانت تفضل أن يرتفع عجز الموازنة وأن تتسول المنح بدلا من مواجهة المشكلة التى يمكن أن تهدد بقاءهم فى مقاعدهم. وما نخشاه هو أن تفكر حكومة د. هشام قنديل بنفس الطريقة وتزداد الازمة، خاصة أن هناك تصريحات متضاربة خرجت علينا من وزراء فى نفس الحكومة تؤكد أن ترشيد الدعم سيبدأ مراحله الاولى خلال أيام كما جاء على لسان وزير الاستثمار أسامة صالح، ثم ما أعلنه وزير البترول اسامة كمال من اتجاه الحكومة نحو رفع الدعم عن البنزين 95، ثم يأتى مسئولون حكوميون آخرون ليؤكدوا أنه لا نية لرفع الدعم عن الوقود أو الخبز وأنه لا صحة للشائعات أو بمعنى أصح لتصريحات وزراء ومسئولين بالحكومة. وكلما سألت صديقا أو زميلا ممن ليس لديهم غاز فى منازلهم يؤكد أنه يشترى انبوبة البوتاجاز بما يتراوح بين 30 و40 جنيها، وكثيرون منهم يؤكدون أنهم يشترون رغيف الخبز ب 25 أو 50 قرشا تبعا للمتوافر لدى البائع.. وهنا يصبح السؤال اذا كان كثيرون يتحملون اعباء شراء السلع بما يقترب من سعرها بدون الدعم فلماذا لا تكون لدينا الجرأة لمصارحة الشعب بأن الحل حتى يصل الدعم الى مستحقيه هو أن نحرر اسعار بعض السلع أو نقترب من سعرها الحقيقى، لأن الازمات تنشأ عندما يكون الطلب أكثر من العرض وحينما يكون الفارق بين سعر البيع والتكلفة الحقيقية كبيرا، وغالبا ما يستفيد من ذلك السماسرة والوسطاء. وبالرغم من أن معظم دول العالم حتى الدول الغنية تدعم الفقراء والمستحقين من ابنائها من أجل تقريب الفوارق بين الطبقات وتحقيق السلام الاجتماعى وتنشئة اجيال متوازنة نفسيا وصحيا، فإن الحل فى مصر الآن بعد أن تعقدت المشكلة هو أن نبدأ بتحرير سلعة واحدة فقط تليها سلعة أخرى ثم ثالثة وهكذا حتى تصل الى فك هذا الاشتباك بين الدعم الضخم الذى يحقق عجزا كبيرا فى الموازنة العامة للدولة وبين وصول الدعم الى من يستحقه بصفته حقا له لكى يصبح مواطنا صالحا ومنتجا فى المجتمع. وعلينا عندما نختار سلعة لتحريرها أن نبدأ بالسلعة الأقل أهمية للمواطن التى يكون تأثيرها اقل نسبيا على الاسرة المصرية وليكن السكر أو زيت الطعام مثلا مع ترشيد ما يصرف على بطاقات التموين لأن كثيرين من اصحاب البطاقات التموينية يؤكدون أنهم فى أحيان كثيرة يحصلون على حصتهم شهرا ويتركون للبقال شهرا آخر خاصة أن أغلب اصحاب البطاقات يتركونها لدى البقال حتى يستطيع أن يحصل لهم على حصتهم وتخزينها لديه حتى طلبها. الحلول الوسط لن تفيد ولن تجعل المواطن يثق فى قدرة الحكومة على حل مشاكله بعد أن أثبتت المواءمات السياسية فشلها فى حل الازمات. [email protected]