الغرامات التى تفرض على البنوك بين حين وآخر - لن يكون آخرها التلاعب فى أسواق العملات الأجنبية - تكشف مدى الحاجة إلى الإصلاح المصرفى وخطة إصلاح القطاع المصرفى العالمي، المعروفة باسم "بازل 3" (نسبة إلى المدينة السويسرية التى يتخذها بنك التسويات الدولية مقراً له) جاءت ضمن الجهود الدولية فى هذا المجال ولكن مدى فاعليتها وما إذا كانت البنوك ستبحث عن ثغرات فى القواعد الجديدة وتستغلها كما فعلت من قبل سوف يتضح عند أول أزمة يتعرض لها القطاع . ------------ مؤخرا أجرت السلطات الأوروبية ما يسمى باختبارات "الإجهاد" على أكبر البنوك فى منطقة اليوور أملا فى التعرف على قدرة تلك البنوك على تحمل الخسائر فى حال حدوث أزمة فى المستقبل. وبالفعل جاءت النتيجة كما يرجو الجميع باجتياز 82٪ من البنوك الأوروبية اختبارات التحدى التى شملت 130 بنكا. ولكن وعلى الرغم من تصريح البنك المركزى الأوروبى بان هذه النتيجة نقطة تحول مهمة فى الأزمة الاقتصادية التى تعانى منها المنطقة حاليا فإن صحيفة وول ستريت جورنال كان لها رأى آخر حيث أجرت اختبار لاختبارات البنوك والنتيجة كانت مثيرة للقلق. أشار تقرير للصحيفة الأمريكية إلى انه قد أجرى العديد من اختبارات "الإجهاد" على البنوك خلال السنوات الماضية التى استهدفت إظهار مدى تشديد القواعد المصرفية وان البنوك باتت على الطرق الصحيح للإصلاح. ولكن الواقع شىء آخر. وذكر التقرير على سبيل المثال أن بنك "ديكسيا" البلجيكى حصل على شهادة النجاح فى هذه الاختبارات فى عام 2011 . قبل أن يتم إنقاذه من قبل الحكومتين البلجيكية والفرنسية بثلاثة أشهر فقط. وفى عام 2012 أيضا تجاهلت الاختبارات التى أجريت على البنوك الاسبانية انكشافها على الأصول الخطرة مثل الديون البرتغالية. هذه المرة كان من المفترض أن تكون اختبارات البنك المركزى الاوروبى أكثر دقة ولكن فى حين قدر أكاديميون ومراكز أبحاث الفجوة التمويلية لدى البنوك الأوروبية بمبلغ إجمالى يتراوح بين 60 و750 مليار دولار جاءت نتيجة البنك المركزى الاوروبى بأن البنوك فى حاجة إلى رأس مال جديد بقيمة 30 مليار دولار فقط . تقرير وول ستريت جورنال أرجع السبب فى تباين النتائج إلى بعض المسائل الفنية فى احتساب معدل التضخم وما إلى ذلك لكنه أثار الشكوك مرة أخرى بخصوص مدى سلامة الجهاز المصرفى الأوروبي. وفى نفس السياق أشارت صحيفة فاينانشال تايمز إلى عدم امتثال البنوك الأوروبية إلى قواعد بازل 3 وقالت وفقا لتقييم لجنة بازل للرقابة على البنوك: إن بنوك الاتحاد الأوروبى لم تستوف جميع قواعد بازل 3 وإنها فى وضع أقل من مثيلتها الأمريكية . التقييم الذى شمل بنوكا من سويسرا واليابان بالإضافة إلى البنوك الامريكية والأوروبية أفاد بامتثال البنوك الأمريكية لقواعد بازل وهو ما أثار حفيظة مسئولى الاتحاد الأوروبى ودفعهم لاتهام اللجنة بعدم الحيادية . أما على الصعيد الأمريكى فالكل فى انتظار نتائج اختبارات الإجهاد السنوية التى يجريها أيضا مجلس الاحتياطى الفيدرالى التى ستحدد وضع البنوك الأمريكية ومدى حاجتها لمزيد من رأس المال والسيولة. ويذكر انه فى مطلع 2013 قد وافقت لجنة بازل للإشراف على البنوك على تخفيف القواعد التى ستطبق فى 2015 على البنوك الدولية فى مجال السيولة من اجل مواجهة الأزمات الكبرى، حيث أعيد النظر فى الجدول الزمنى لتطبيق هذه النسبة. ولكن بصفة عامة بعض من أهم القواعد المصرفية التى تم اعتمادها بعد الأزمة المالية العالمية فى عام 2008 سوف تدخل حيز التنفيذ بعد أسابيع قليلة مع بداية عام 2015، حيث كان الجدل والبطء الشديد فى تنفيذ القانون مع مقاومة البنوك للتنظيم تحت زعم أن القيود الجديدة سوف تقلل الأرباح. ولكن هل ستصبح البنوك أكثر أمانا بعد تفعيل تلك القواعد ؟ هذا ما سيتضح فى المستقبل. والقواعد الخمس الجديدة للبنوك فى 2015 هي: قواعد بازل للسيولة وهى قاعدة ملزمة للبنوك فى أنحاء العالم بتحسين السيولة لديها والاحتفاظ بما يكفى من أصول سهلة البيع لتلبية التزاماتها طوال ثلاثين يوما حتى ولو نضبت مصادر التمويل بالكامل. تأثيرها: تضمن عدم تعثر البنوك فى حالة عدم قدرتها على الاقتراض فى وقت الأزمة حيث تلزمها بالاحتفاظ بمزيد من النقدية أو السندات الحكومية. غير أن تلك السندات تقل عوائدها عن الأصول الخطرة ومن ثم هذا يعنى انخفاض الإيرادات. ومع ذلك بحلول يناير 2015 لن يكون على البنوك أن تكون قد جمعت سوى 60٪ من المبالغ المطلوبة أصلاً. وسيكون بالإمكان عندئذ زيادة حصة السيولة تدريجياً حتى نسبة 10٪ سنوياً لبلوغ نسبة 100٪ بحدود 2019 . نسبة الرفع المالي سوف يتم تنفيذها على البنوك فى جميع أنحاء العالم. وتفرض على البنوك مستوى معينا من القروض الرأسمالية فى هيكل رأس المال، وتشمل الأصول التى كانت تعتبر خالية من المخاطر وفقا لقواعد سابقة، مثل السندات الحكومية. تأثيرها: تقول البنوك إن استثناء الأصول المنخفضة المخاطر سوف يشجع على زيادة الأصول الأكثر خطورة، مثل سندات الشركات. ولكن فى رأى المنظمين قيود مثل قاعدة السيولة سوف تمنع البنوك من ذلك. قاعدة فولكر (تحمل اسم الرئيس السابق للبنك المركزى الأمريكي). وتغطى البنوك الأمريكية والعمليات الأمريكية للبنوك العالمية. القاعدة تمنع البنوك من المضاربة فى الأوراق المالية والمشتقات وعقود السلع بأموالها الخاصة فى سعى من السلطات الأمريكية لمنع البنوك الكبرى من الإقدام على إجراءات محفوفة بالمخاطر بما يهدد الشركات أو النظام المالي. تأثيرها: سوف تقلل تعرض البنوك لمخاطر انهيار الأسواق، لكنها أيضا ستلغى مصدرا مهما للأرباح. وتسعى البنوك إلى إقناع المنظمين بتأجيل الحظر وتقول: إنها ترغب فى مهلة حتى يتسنى لها بيع حيازاتها من تلك الأصول بأسعار جيدة، ولا تكون مضطرة إلى البيع بسرعة بثمن بخس. الحد من مكافآت المصرفيين سوف يتم تطبيقه فى الاتحاد الأوروبي. وتفرض حدا أقصى على مكافآت المصرفيين بضعف مرتبهم. تأثيرها: من أجل التحايل على هذه القاعدة، بدأت البنوك فى زيادة الراتب الأساسى للموظفين وهو ما سيترتب عليه أعباء إضافية نظرا لصعوبة خفض الرواتب فى حالة ضائقة مالية. صندوق للطوارئ سوف يغطى بنوك منطقة اليورو. وهو عبارة عن صندوق تمويل مشترك بقيمة 55 مليار يورو (69 مليار دولار) ويمول عبر اقتطاعات من البنوك ذاتها من أجل مساعدة البنوك المتعثرة. تأثيره: سيتم جمع الأموال على مدار ثمانية أعوام. ويبدى البعض اعتراضه على مبلغ الصندوق باعتباره مبلغا هزيلا ويقولون انه لن يكفى حتى لإنقاذ بنك أوروبى متوسط الحجم. كان التقرير الأخير لبنك التسويات الدولية عن الآثار المترتبة على بازل 3 على البنوك قد أفاد بأن معظم البنوك قد استوفت معايير بازل 3 . الدراسة شملت 227 بنكا . هذه القواعد فى رأى كثيرين سوف تسفر عن نوع ما من زيادة الأمان للنظام المالى وربما فى الوقت نفسه تعزيز النمو الاقتصادى ولو قليلا "مستقبلا". بالنسبة للمستثمرين. تأثيرها سيكون متباينا لكنها بالتأكيد ستسفر عن وجود أسواق أكثر أمانا للراغبين فى الاستثمار فى السندات وربما توفر استقرارا أكبر لسوق الأسهم. فهم قواعد بازل 3 سوف يتيح للمستثمرين تحليل مستقبل القطاع المالى بشكل أفضل ورسم صورة أوضح عن الاقتصاد العالمى والنظام المالى الدولى . مثل اى قواعد تنظيمية أخرى، التأثير الكامل لبازل 3 سوف يتحدد بناء على كيفية تنفيذها. هذا بالإضافة إلى اعتماد تحركات الأسواق المالية الدولية على مجموعة من العوامل أبرزها التنظيم المالي. ومع ذلك من الممكن تحديد بعض التأثيرات المحتملة على المستثمرين. من المرجح أن يكون تأثير تشديد القواعد المصرفية ايجابيا بالنسبة لمستثمرى سوق السندات نظرا لكون السندات المصدرة من قبل البنوك استثمارا أكثر أمانا. أما التأثير على أسواق العملات فهو أقل وضوحا لكن زيادة الاستقرار المالى الدولى سوف يفيد الجميع. وأخيرا تأثير بازل3 على أسواق الأسهم غير مؤكد . إذا رأى المستثمرون قيمة أكبر للاستقرار المالى أكثر من احتمال نمو أعلى قليلا .