شيخ الأزهر يبحث مع ولي عهد الفجيرة سبل الحفاظ على منظومة الأسرة وتمكين الشباب    الداخلية تضبط 231 سلاحًا و417 قضية مخدرات خلال 24 ساعة    طلبات الرئيس    وزير الخارجية يطلع نظيره البلجيكي على محفزات الاستثمار في السوق المصري (صور)    الضاوي يدخل في الصفقة، الأهلي يقترب من شراء مصطفى العش    بعد 26 سنة زواج و3 أبناء.. طلاق أحمد السقا ومها الصغير (إنفوجراف)    الأوقاف تحذر الشباب من مشاهدة المحتوى الإباحي: طريق للإدمان والظلام النفسي    وزير الصحة يستجيب لاستغاثة أب يعاني طفله من عيوب خلقية بالقلب    مقتل نائب أوكراني سابق مقرب من روسيا بإطلاق نار قرب مدريد    تصعيد دموي جديد في بلوشستان يعمق التوتر بين باكستان والهند    «الإسكان الاجتماعي» يبدأ إتاحة كراسة شروط «سكن لكل المصرين7»    ماركا: عرض أفريقي للتعاقد مع كريستيانو رونالدو    بيراميدز يكشف سبب غياب إيجولا عن مواجهة صنداونز في نهائي أفريقيا    جوارديولا يهدد إدارة مانشستر سيتي بالاستقالة بسبب الصفقات    «يرافقني أينما ذهبت».. تصرف مفاجئ من محمود فايز بعد ارتباطه ب الأهلي (تفاصل)    رواج في شراء الأضاحي بالوادي ىالجديد.. والبيطري يحدد الشروط السليمة لاختيارها    القبض على صيدلي هارب من 587 سنة سجن بمحافظة القاهرة    مصرع طفل داخل بيارة بالإسماعيلية    قومى المرأة بالبحر الأحمر تطلق مبادرة معا بالوعي نحميها بمشاركة نائب المحافظ    ولي عهد الفجيرة: مقتنيات دار الكتب المصرية ركيزة أساسية لفهم التطور التاريخي    أفلام موسم عيد الفطر السينمائي تحقق 217 مليون و547 ألف جنيه في 7 أسابيع عرض    52 شهيدا في غزة منذ الفجر.. ومسعفون يجمعون أشلاء الشهداء بأكياس بعد تناثر أجسادهم    نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة يستجيب لاستغاثة مواطن طفله يعاني من عيوب خلقية في القلب    تحرير 151 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    وزير الشباب يستقبل بعثة الرياضيين العائدين من ليبيا في العاصمة الإدارية    محافظ القليوبية يَشهد إحتفالية ختام الأنشطة التربوية بمدرسة السلام ببنها    الرئيس السيسى ل الحكومة: ليه ميتعملش مصنع لإنتاج لبن الأطفال في مصر؟    مباحث تموين المنوفية تضبط كيانات مخالفة لإنتاج وتوزيع منتجات غذائية    وزير خارجية تركيا: الحرب الروسية الأوكرانية تشهد نقطة تحول على طريق الحل الدبلوماسي    طلاب الاعدادية الأزهرية يختتمون امتحانات الفصل الدراسي الثاني بالمنيا    بوتين في كورسك.. رمزية استعادة الأرض ودور كوريا الشمالية    جلسة مرتقبة من مسؤولي الأهلي للتعاقد مع ثنائي البنك.. إعلامي يكشف    لمواليد برج الحمل.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من مايو 2025    «بنسبة 100%».. شوبير يكشف مفاوضات الأهلي مع مدافع سوبر    إي اف چي القابضة تحقق أداء تشغيليا قويا بدعم النمو المستمر لكافة قطاعات الأعمال    قبل أيام من حلوله.. تعرف على أبرز استعدادات السكة الحديد ل عيد الأضحى 2025    أسعار الحديد والأسمنت في السوق المصرية اليوم الأربعاء 21 مايو 2025    توفير فرص عمل لذوي الهمم في القطاع الخاص بالشرقية    "هندسة بني سويف الأهلية" تنظم زيارة لمركز تدريب محطة إنتاج الكهرباء بالكريمات    السيسي: تمهيد الأراضي الزراعية أمام القطاع الخاص لدفع التنمية    تراجع سعر الجنيه الاسترلينى بمنتصف تعاملات اليوم الأربعاء 21-5-2025    بعد زواج 26 عاماً.. أحمد السقا يعلن انفصاله عن مها الصغير    رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق: أيام الحج فرصة عظيمة لتجديد أرواح المسلمين.. فيديو    فتاوى الحج.. دليلك في حالة المرض    خلال 24 ساعة.. ضبط 49941 مخالفة مرورية متنوعة    ضبط شركة سياحية غير مرخصة بتهمة النصب والاحتيال على المواطنين    اليوم العالمي للشاي.. قصة اكتشافه وأساطير متعلقة به في الثقافة الصينية    استخراج جسم معدني خطير من جمجمة طفل دون مضاعفات بمستشفى الفيوم الجامعي    محافظ أسيوط يتفقد مدرسة النيل الإعدادية ويكرم المتفوقين رياضيًا – صور    بالصور- محافظ أسيوط ينقل مريضة بسيارته الخاصة لاستكمال علاجها    هل يجوز سفر المرأة للحج بدون مَحْرَم؟..الأزهر للفتوى يجيب    بوتين: نخوض حرباً ضد النازيين الجدد    وزير الخارجية الأمريكي: لم نناقش ترحيل الفلسطينيين إلى ليبيا    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    المستشار محمود فوزي: قانون الإجراءات الجنائية اجتهاد وليس كتابا مقدسا.. لا شيء في العالم عليه إجماع    الإيجار القديم.. محمود فوزي: الملاك استردوا استثماراتهم.. الشقة كانت تُباع بألف وتُؤجر ب15 جنيهًا    ملحن آخر أغنيات السندريلا يفجّر مفاجأة عن زواج سعاد حسني وعبدالحليم حافظ سرا    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو عهد جديد .. دعم التوجه الديموقراطي والاقتصادي في مصر
نشر في الأهرام الاقتصادي يوم 27 - 04 - 2014

الديموقراطية مفهوم فضفاض يبدأ ببساطه كما تعلمناها في المراحل الاولي من التعليم بانها حكم الشعب بالشعب لكنها من الممارسة وتجارب الدول التي نهضت وتقدمت كانت الديموقراطية احدي دعائم تلك النهضة والتقدم, وعلي صعيد التجربة المصرية كان غياب الديموقراطية سببا من اسباب الانتكاسات التي واجهتها في محاولاتها للنهوض والتقدم خلال الستين سنة الماضية, اي منذ قيام ثورة52 وحتي الان. وفي اعتقادي ان قيام ثورتين شعبيتين في غضون الثلاثة اعوام الماضية( ثورتي يناير2011 ويونيه2013) جعلت مفهوم الديموقراطية اكثر وضوحا وتحديدا, حيث اصبحت تعني الشفافية والتواصل المستمر بين الشعب وممثليه المنتخبين( رئيسا ونوابا) فضلا عن قبول الاخر بفكره المعتدل والمقبول من الشعب, واخيرا سيادة القانون دون تمييز بين حاكم ومحكوم. هذه هي الاعمدة الثلاثة لمفهوم الديموقراطية.
واليموقراطية بهذا المعني, تعد الضامن الاساسي للاستقرار بمفهومة الواسع وهي الشرط المسبق للنهوض والتقدم في المجالات كافة, لانها ببساطة شديدة تفجر الطاقات الكامنة والفكر الخلاق وتفتح ابواب الامل غير الزائف امام الشعب للمشاركة الخلاقة كما انها تدعم الانتماء الوطني. لقد ان الاوان ان يبدأ شعب مصر اولي خطواته نحو تعلم وعشق الديموقراطية وادمانها لان من يجربها لا يمكن ان يعيش بدونها, فهي بمثابة الماء والهواء النقي لكي بنعم الانسان بالحياة الكريمة علي ارضه.
وحديثا تعدي مفهوم الديموقراطية البعد السياسي الي ابعاد متعددة منها الاجتماعي( الديموقراطية الاجتماعية) من خلال توفير العدالة الاجتماعية وتأمينها باقامة منظومة الحماية الاجتماعية التي لا يمكن ان تتحقق الا من خلال ايجاد البعد الاقتصادي للديموقراطية( الديموقراطية الاقتصادية) التي تتحقق من خلال منع الاحتكارات وزيادة درجة التنافسية في الاقتصاد من خلال تشجيع وحماية المشروعات الصغيرة والمتناهية والمتوسطة مع ايجاد تشريعات واجهزة رقابية تضمن ضبط ايقاع تلك المنظومة.
ان شيوع درجة عالية من التنافسية تجعل دولاب العمل الاقتصادي يعمل لصالح كل من المنتج والمستهلك, فالمنتج في سعيه الدائب نحو تعظيم ارباحه وفي اطار مسئوليته الاجتماعية سوف يجد ويجتهد من اجل مزيد من الخلق والابتكار وادخال احدث الاساليب في التكنولوجيا لكي يخفض من تكلفته ويحسن من جودة منتجاته ومن ثم تزيد قدرته علي المنافسة داخليا وخارجيا لادراكه انها منافسة قطع رقبة ان لم يأخذ باسباب العلم والتكنولوجيا. اما المستهلك فانه سينعم بحصوله علي السلع والخدمات باسعار معتدلة نسبيا وباعلي جودة ممكنة في مقابل كل جنيه ينفقه من دخله المكتسب بعد جهد وتعب ثمنا لتلك المنتجات. كما ان المنافسة تضمن الا تتفاقم الفجوة بين دخول المنتجين من رجال الاعمال من ناحية والعاملين من ناحية اخري.
من المفيد ايضا, ان نشير الي انه لا تنمية بدون اصحاب المبادرة الفردية( منظمي نشاط الاعمال). فكلنا نعلم ان الافراد يختلفون فيما بينهم من حيث الملكات والمهارات التي وهبها الله لكل فرد, ففي مجال نشاط الاعمال الذي يعنينا في هذا الخصوص, هناك المنظم او المايسترو الذي حباه الله بقدرة فطرية علي تنظيم ومزاولة الاعمال حيث نعرفه من خلال ثلاث سمات اساسية هي: ميله الفطري لأن يكون له نشاطه الانتاجي الخاص, كما انه محب للمخاطرة المحسوبة اي انه جريء وغير متردد, واخيرا فانه بالفطرة لديه قدرة عقلية هائلة علي توليد افكار جديدة او علي الاقل تحسين الافكار القائمة. ان هذه الموهبة التنظيمية الفطرية يصقلها التعليم والتدريب وتتسم بالندرة الشديدة اي واحد من بين كل ألف شخص, لذا لابد من الحرص عليها واحتضانها من قبل الحكومة لان تلك العناصر مثلها مثل الملكة في خلية النحل حيث لن تنتج آلاف الشغالات عسلا بدون تلك الملكة, هذه طبيعة الله في خلقه. لذا فاننا اذا آمنا بناموس الخلق والحياة علينا الحفاظ علي هذه الفئة وجذبها لمزاولة نشاطها داخل البلاد. الغريب ان امريكا باسترادها لتلك النخب استطاعت ان تكون, ضمن عوامل اخري, اكبر القوي العظمي في غضون500 عام, بينما ذات تاريخ تعدي الخمسة آلاف سنة لم تستطع ان تحقق ذلك والسبب ببساطة يعزي اهدارنا لهذا الموهبة التنظيمية او الاستهانة بها ووصمها بانهم مجموعة من الصوص خلقوا لنهب ثروات الشعوب حتي اصبح ذلك ضمن الموروث الثقافي لنا في مصر. لقد ان الاوان في ان نصحح كثيرا من المفاهيم التي رسخنا لها بطريقة مغلوطة خلال الستين سنة الماضية.
كذلك, من المهم ان نؤكد ضرورة تحديد العلاقة بين الادوار التي تقوم بها الحكومات وتلك التي يقوم بها الفرد( القطاع الخاص), فالفرد هو العنصر الاصيل في العملية الانتاجية سواء تمثل ذلك في صاحب العمل او العامل. فلقد خلق الله الفرد لكي يعمر في الارض( النشاط الاقتصادي) ولكن الله لم يخلق حكومة, ولكن الذي اوجدها هو الفرد لعدم قدرته علي القيام ببعض المهام التي اوكلها لمجموعة من الافراد قام باختيارهم( بانتخابهم) واسماهم بالحكومة لكي تعمل تلك الحكومة علي خدمتهم وترعي مصالحهم من خلال القيام بتلك المهام الموكلة للحكومة مع التزام الافراد بدفع جزء من دخلهم فيما يعرف بالضريبة, التي يحمل فعلها المضارع معني الالم, يمولون بها قيام الحكومة بتلك المهام التي يمكن تلخيصها في عشر مهام اساسية هي ما يلي:
1- تقديم خدمة الدفاع من خلال اقامة جيش قوي يحمي حدود الدولة التي يقطنها هؤلاء الافراد حتي يعملوا بجد واجتهاد في زيادة وتيرة النشاط الاقتصادي.
2- تقديم خدمة الامن من خلال اقامة جهاز بوليسي يكون في خدمة الافراد بان يحمي حياتهم وممتلكاتهم.
3- توفير خدمة العدالة الناجزة, من خلال اقامة منظومة تشريعية وقضائية لصيانة حرية الافراد وضمان حقوقهم في اسرع وقت ممكن, حيث ان العدالة البطيئة هي ظلم بين.
4- اقامة شبكة متكاملة من البنية التحتية تعد حجر الزاوية في تقدم الامم وانتشار الافراد وتعميرهم لكل بقعة من بقاع الوطن, التي تتمثل في شبكات الطرق والكباري والمجاري ومحطات الطاقة والمياه والاتصالات... الخ
5- توفير خدمات اجتماعية باعلي مستوي ممكن في مجالات التعليم والرعاية الصحية وتقديمها لغير القادرين علي تحمل اعبائها والحصول عليها من المؤسسات الخاصة. فهذه الخدمات حق لكل فرد وضرورة لتعزيز كفاءتة كرأس مال بشري.
6- القيام بمهام البحث والتطوير والابتكار من خلال اقامة ونشر مراكز البحث والتأهيل العلمي والتكنولوجي, فبدونه لن يتحقق التقدم والرقي المنشود لحياة الافراد.
7- حماية البيئة من التعديات بكل اشكالها سواء من التلوث او تآكل طبقات الغلاف الجوي وارتفاع منسوب المياه وغرق اليابسة واندسار الحضارة الانسانية.
8- حماية حقوق الملكية بما فيها الفكرية حتي يستطيع الفرد الاستمرار في نشاطه الاقتصادي وهو آمن بحيث يمكنه ذلك من بذل مزيد من الجهد من نشاطه البدني والفكري والابداعي.
9- اضطلاع الحكومة بمهام تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال استخدام سياساتها العامة والاقتصادية لعلاج السلبيات الناجمة عن فشل آليات السوق الحر اولا باول.
10-توفر الحكومة مناخا جاذبا للاستثمار من خلال منظومات تسهيل مزاولة نشاط الاعمال لجميع الافراد سواء تمثلت في منظومات كل من تبسيط الاجراءات والتصاريح والضرائب والضمان الاجتماعي وحرية انتقال العمل والدخول الي الاسواق والتحويلات النقدية وتوفير وتدقيق البيانات والاحصاءات.
لقد كان تغول الحكومات والانظمة المتعاقبة في مصر علي النشاط الفردي والخاص ومزاحمتها لهم عنوة علي اسس ايديولوجية ما انزل الله بها من سلطان احد الاسباب الرئيسية لما نحن فيه الان من مشاكل اقتصادية معقدة مليئة بمنظومات عفا عليها الزمان التي تكونت علي مدار الستة عقود الماضية ومن كثرة ما اجري عليها من عمليات ترقيعية اصبحت منظومات مشوهة وفاسدة. لقد ان الاوان ان نقوم بجهد من اجل فك واعادة بناء تلك المنظومات علي اسس جديدة.
وفي ضوء ما سبق, نجد ان ما يدعو الي الاستغراب ان الحكومات والانظمة المتعاقبة التي حكمت مصر علي مدار الستة عقود الماضية لم تفلح لا في القيام بمهامها العشر, المذكورة عاليه, والموكولة اليها من قبل شعبها كما ينبغي, ولا هي نجحت في تحقيق التنمية الاقتصادية كما وعدت شعبها علي مدار تلك العقود الستة السابقة. لقد ادمنت الحكومات عملية الشكوي المستمرة من الشعب من حبه للعمل لدي الحكومة( الميري) حتي لو كان في ترابه والشكوي المريرة من انه استمرأ الدعم السخي الذي يذهب ثلثاه لغير المستحقين, ومازالت الحكومة تشتكي فلتشرب الحكومة مما روته, فهذا ما جنته يداها من تدخلها السافر في شئون الفرد وتناست انه العنصر الاصيل الذي خلقه الله لكي يعمر في الارض وليس الحكومة التي صنعها الفرد لكي تقوم بمهامها العشر الموكولة اليها من قبل الشعب.
ثانيا: ملامح البرنامج لاصلاح السياسات والهياكل الاقتصادية ومحاربة الفقر.
1- الوضع الاقتصادي الراهن
ظل جسم الاقتصاد المصري يعاني نزيفا داخليا وخارجيا, يتمثل ذلك النزيف الداخلي في تفاقم عجز الموازنة البالغ نحو14% والدين العام الذي تعدي نسبة95% كنسبة من اجمالي الناتج المحلي علي الترتيب. لقد اصبحت هذه النسب بعيدة كل البعد عن النسب الامنة عالميا التي يجب الا تتجاوز3% و60% علي الترتيب. كما يتمثل النزيف الخارجي في تفاقم عجز المعاملات الجارية بميزان المدفوعات وعلي الاخص الميزان التجاري لمصر مما ادي الي استنزاف مزيد من احتياطيات البنك المركزي من النقد الاجنبي ومن ثم انخفاض قيمة الجنيه مقابل العملات الاجنبية خاصة الدولار الامريكي.
هذه الظاهرة المرضية الحادة ما هي الا اعراض لما يعانيه الاقتصاد المصري من مشاكل اقتصادية معقدة التي تتمثل في انخفاض معدلات النمو الاقتصادي الحقيقي الي مستويات متدنية تبلغ نحو2% كمتوسط سنوي خلال الثلاث سنوات الماضية. ويعزي ذلك للانخفاض الشديد الذي لحق بالاستثمارات المحلية( وطنية وعربية واجنبية) حيث لم تتعدي نسبتها نحو15 من الناتج المحلي الاجمالي وهو ما ادي الي زيادة معدلات البطالة التي بلغت نحو13.5% من قوة العمل المدنية, كل ذلك حدث بسبب شيوع حالة عدم الاستقرار الامني والسياسي. كذلك ارتفعت معدلات الاسعار والتضخم بدرجة اصبحت تشكل عبئا ثقيلا يعاني منه كل من افراد الطبقة المتوسطة والدنيا. لقد نتج عن ذلك ان نسبة من يعيشون تحت خط الفقر قد ارتفع عام2010 من نحو25% الي26.5% من شعب مصر. لقد حدث ذلك بسبب انخفاض معدلات النمو ومن ثم انخفاض معدلات الزيادة في المعروض الكلي من السلع والخدمات هذا فضلا عن ضعف قدرة الدولة علي الاستيراد لتعويض النقص في معدلات المعروض من تلك السلع والخدمات بسبب ندرة ما هو متاح من النقد الاجنبي.
2- كيفية الخروج من الازمة الاقتصادية الراهنة
علي اي الاحوال لقد حدث كل ذلك بسبب غياب الديموقراطية في ابسط صورها وهي احترام النظم لحرية وحقوق الانسان المصري فضلا عن سوء ادارة الاقتصاد المصري علي مدار الستة عقود الماضية, حيث بدأت التجربة الاشتراكية في مصر ولكنها لم تفلح في احداث التنمية والتقدم المنشود, بعدها تمت تجربة الانفتاح بما له وما عليه, ولم يستكمل مشواره, واخيرا تمت تجربة اقتصاد السوق غير المنضبط في اسوأ صوره بنكهة الفساد والتوريث صوره شأنها شأن باقي الدول الاشتراكية سابقا, ثم شاءت الصدف ان تأتي إلينا بنظام يقحم الدين في الاقتصاد وفي اشياء اخري. لقد آن الاوان ان نبدأ في التحول الديموقراطي وفي ادارة الاقتصاد المصري بكفاءة وحرفية بعيدة كل البعد عما درجنا عليه سابقا.
يجب ان تتوافر لهذا البرنامج سبعة ملامح اساسية تتضمن تحقيق الانطلاق الاقتصادي والاجتماعي. الا ان ذلك مرهون بتحقيق متطلبين رئيسيين, يتمثل اولهما في ضرورة تحقيق قدر عال من الاستقرار الامني والسياسي النسبي, وثانيهما دعم التوجه نحو ارساء قواعد الديموقراطية بمفهوميها السياسي والاقتصادي. اما عن أهم تلك الملامح التي يجب ان يتسم بها هذا البرنامج:
1-أن يكون برنامجا وطنيا خالصا يقوم باعداده وتصميمه نخبة من الخبراء المصريين المشهود لهم بالكفاءة والخبرة الطويلة كل في مجال تخصصه, فابناء مصر المخلصون ادري بشعابها.
2- ان يكون برنامجا( وليس خطة) اصلاحيا شاملا وجذريا يقوم علي اساس تفكيك كل المنظومات التي عفا عليها نصف قرن من الزمان واصبحت مشوهة ومعقدة فاسدة, واعادة تصميمها بشكل يجعلها اكثر ملاءمة لمقتضيات القرن الحادي والعشرين الذي نعيشه الان. وتتمثل اهم تلك المنظومات في: الدعم بكل اشكاله والاجور والتأمينات الاجتماعية والضرائب وقطاع الاعمال الاعمال العام ودور الدولة في النشاط الاقتصادي وهياكل اسواق العمل والمنتجات ومنظومات الخدمات الاجتماعية( التعليم والصحة).. الخ.
3-ان يكون برنامجا طويل الاجل لا يقل نطاقه الزمني عن عشر سنوات نظرا لكونه معني باصلاحات هيكلية جذرية, علي ان يتم الانتهاء من تصميمه واقراره من مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية المنتخبة بنهاية هذا العام الميلادي(2014) ثم يتم البدء في تطبيقه وتنفيذه مع بداية العام الميلادي(2015) علي ثلاث مراحل اساسية تتمثل المرحلة الاولي في تحقيق التعافي الاقتصادي علي مدار اربع سنوات ثم تليها المرحلة الثانية لتحقيق تسارع النمو والتنمية المستدامة لمدة اربع سنوات اخري, ثم اخيرا التجهيز لمرحلة الاعداد للانطلاق الاقتصادي لمدة عامين بعدها يكون الاقتصاد المصري جاهزا للانطلاق في معراج النمو الذاتي مع بداية العام الميلادي(2025).
4- ان يكون البرنامج متدرجا ومتسقا ومترابطا في عناصره حتي لا يتعرض جسم الاقتصاد المصري لانتكاسات وهزات تقلل من قدرته علي التعافي والتسارع والانطلاق خلال الفترة الزمنية المرصودة(10 سنوات). ان هذا البرنامج الطموح الذي يعتمد علي عملية تفكيك منظومات عديدة مشوهة ومتداخلة بعضها مع البعض بصورة معقدة تحتاج من تلك المجموعة الوزارية حرفية شديدة في تحديد اولويات عمليات التفكيك وتتابعSequences وترتيب تلك العملية.
5-ان يكون البرنامج مقبولا اجتماعياSociallyAcceptable, اي يلقي قبولا من غالبية شرائح الشعب المصري خاصة الفقراء ومحدودي الدخل من خلال ممثليه الجدد في مجلس النواب القادم. هنا يتم التشديد علي اهمية تعزيز مكونات شبكة الحماية والامان الاجتماعي( الدعم النقدي, ضمان حد ادني لمستوي معيشي كريم للمواطن, تحقيق الاستقرار في الاسعار, صياغة افضل للتأمينات الاجتماعية والتأمينات ضد البطالة, جودة خدمات تعليمية وصحية, تصاعدية ضريبية عادلة, اضطلاع مؤسسات الصندوق الاجتماعي وبنك ناصر الاجتماعي بدور اكثر فاعلية في تشجيع الصناعات الصغيرة والمتناهية في الصغر, قوانين عمل اكثر انصافا). كذلك من المفيد ان يتم اتباع نمط جديد لتوزيع ثمار النمو من اسفل الي اعليBottom-Up وليس من اعلي الي اسفلTop-Down كما كان متبعا طوال الاربعين سنة الماضية التي ساهمت في زيادة حدة الفقر. ان قبول البرنامج اجتماعيا يفوت الفرصة علي اصحاب المصالح( الجماعات المستفيدة من استمرار تلك المنظومات الفاسدة وكذلك الجماعات الداعية الي نشر اعمال العنف والارهاب) لاستغلال الشريحة العريضة من الفقراء ومحدودي الدخل والمهمشين للقيام بالتصدي لمقاومة الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الجذرية التي نحن بصدد البدء في تنفيذها.
6- ان يتمتع البرنامج بمصداقية في الاوساط المالية العالمية وان يكون بمثابة شهادة ثقة للاقتصاد المصري بانه قادر علي تخطي جميع الصعاب. يمكن لمصر تحقيق ذلك من خلال استخدام حقها كعضو مؤسس لكل من صندوق النقد والبنك الدوليين منذ انشائهما عام1945 في استدعاء خبراء كلتا المؤسستين لاجراء مراجعة دقيقة لعناصر ذلك البرنامج الوطني الشامل. ان هاتين المؤسستين تعدان بيوت خبرة مالية واقتصادية دولية تمكنت منذ انشائها وعلي مدي نحو69 سنة, من تكوين ومراكمة خبرات اقتصادية ومالية نادرة. ان مطالبة مصر لهاتين المؤسستين الماليتين العالميتين بتقديم هذا العون الفني انما ينبع من ان مصر دولة مؤسسة لهما كما ان لمصر حصصا مالية لديهما ومن ثم يكون لها الحق في مطالبتهما بتقديم هذا العون. هذا فضلا عن اننا نريد الاستعانة بهما لاجراء ثلاثة اختبارات اساسية, اولها, التأكد من جودة البرنامج وقدرته, اذا ما نفذ, علي ان يتعافي الاقتصاد من عثرته الحالية وتعزيز قدرته علي سداد التزاماته المالية, وثانيها, التأكد من تسببه في الاضرار بأوضاع الفقراء ومحدودي الدخل في مصر ومن ثم تفادي حدوث هزات اجتماعية وسياسية تؤثر علي نجاح تنفيذ البرنامج, وثالثها, التأكد من أن البرنامج سوف يحظي بقبول مجتمعي واسع النطاق.
7-ان يتوافر للبرنامج تعهدات تمويلية ميسرة تقدمها دول مانحة ومؤسسات مالية عالمية تكون كافية لتنفيذ البرنامج علي مدار فترة العشر سنوات القادمة وتحقيق اهدافه بنجاح. لذا يكون من الضروري اجراء تقدير للفجوة التمولية التي يواجهها الاقتصاد المصري لكل سنة علي حدة حتي يمكن سدها.
والسؤال الذي يطرح نفسه الان ما هي مصادر التمويل المختلفة التي يمكنها تدبير تلك الحزمة المالية:
أ. مصادر التمويل الرسمية العربية الثنائية( السعودية, دولة الامارات العربية, دولة الكويت) التي تتسم بكونها ميسرة ونسب المنح في قروضها مرتفعة نسبيا.
ب. مصادر التمويل الرسمية متعددة الاطراف( صندوق النقد الدولي, مجموعة البنك الدولي, بنك التنمية الافريقي, البنك الاوربي لاعادة الاعمار والتنمية, البنك الاسلامي للتنمية... الخ) التي تتسم بكون قروضها ميسرة وذات اسعار فائدة تتراوح بين1.25%-1.5% وفترة سداد تتراوح ما بين3.25-6 سنوات لقروض صندوق النقد, وبين20-40 سنة لقروض باقي المؤسسات المالية وهي فترات كافية لالتقاط الانفاس, هذا فضلا عن تقديمها لفترة سماح تتراوح ما بين5-10 سنوات تسدد خلالها الفوائد فقط دون اصل الدين.
ج. ضخ مزيد من الاستثمارات الاجنبية خاصة العربية منها من خلال تحسين مناخ الاستثمار بالاسراع في حل المنازعات القائمة بين المستثمرين( المصري والعربي والاجنبي) بخصوص العقود التي ابرمت في عهد نظام الرئيس الاسبق مبارك واجراء مراجعة شاملة للقوانين الاقتصادية لتسهيل مزاولة نشاط الاعمال وتوفير الطاقة اللازمة لهؤلاء المستثمرين بسعرها الحقيقي.
ثالثا: تعظيم الاستفادة الكاملة للطاقات السياحية الكامنة لمصر.
تلعب السياحة دورا هاما في اقتصاديات العديد من دول العالم, حيث تشير البيانات المتاحة لعام2013, إلي ان الولايات المتحدة تأتي في المرتبة الاولي بايراد قدره نحو116 مليار دولار(62 مليون سائح) اما من حيث عدد السائحين, فتأتي فرنسا في المرتبة الاولي سياحيا حيث زارها نحو80 مليون سائح( بايراد قدره54 مليار دولار). تليها الصين بعدد68 مليون سائح تقريبا(48.5 مليار دولار). وفي المرتبة الرابعة تأتي اسبانيا بعدد يبلغ نحو57 مليون سائح(60 مليار دولار), اما ايطاليا فيأتي ترتيبها الخامس بعدد46 مليون سائح(43 مليار دولار). وتأتي تركيا في المرتبة السادسة عالميا والرابعة علي مستوي اوروبا حيث زارها31.5 سائح(26 مليار دولار), بعدها تأتي انجلترا والمانيا وماليزيا والمكسيك في المرتبة السابعة وحتي المرتبة العاشرة وبحد ادني23.5 مليون سائح للأخيرة.
اما بالنسبة لقطاع السياحة في مصر فلم يستغل منه سوي نسبة20% من طاقته الكامنة, لقد حقق هذا القطاع اقصي مستوي من الاعداد الساحية عام2010 حيث بلغت تلك الاعداد نحو14.5 مليون سائح باجمالي ايراد يبلغ نحو13 مليار دولار. ولكن شهد اداءه تراجعا خلال العامين الماضيين منذ قيام ثورة25 يناير2011 بسبب عدم الاستقرار الامني والسياسي. من الجدير بالذكر أن مصر كانت تحتل المرتبة رقم26 في ترتيب دول المقاصد عام2010, ثم تراجعت إلي المرتبة43 عام2011, ووصلت في عام2012 إلي المرتبة رقم66.. حتي خرجت نهائيا من تصنيف الدول المستهدفة للسائحين في عام2013. وسوف تعمل حكومة الوفد الموازية علي استعادة مصر لتصنيفها السياحي من خلال تكليف وزير للداخلية ذي خبرة واسعة في التعامل مع الوضع الامني الحالي باسلوب عصري ومتحضر.
يساهم قطاع السياحة بنسبة11 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي, ويشكل المصدر الثاني للنقد الأجنبي ويستوعب نحو5.4 مليون فرد, الا ان طموحاتنا لا تقف عند هذا الحد, فبالرغم من الارتباك الراهن في المشهد السياحي, امامنا تحد كبير لوضع خطة طموحة تسعي لمضاعفة عدد السائحين لمصر لتبلغ تدريجيا نحو30 مليون سنويا خلال السنوات العشر القادمة بايراد سياحي يبلغ نحو25 مليار دولار سنويا. ولبلوغ هذا الهدف فان الامر يتطلب اتخاذ ما يلي:
1- مراجعة شاملة للقوانين المتعلقة بهذا القطاع لمنع التضارب وتعدد الجهات الرقابية وتعقيد الاجراءات.
2- العمل فورا علي تحقيق الاستقرار الامني باتخاذ كل ما من شأنه اعطاء اشارات ايجابية للمنظمات السياحية العالمية والاقليمية.
3- تكليف وزير السياحة بتبني خطة استراتيجية تعمل علي النهوض بهذا القطاع حتي تتبوأ مصر مكانتها السياحية اللائقة عالميا.
4- التنسيق بين المنظومات السياحية والثقافية والاثار والاعلام مع التوعية بان الاسلام السياسي ليس مناهضا للنشاط السياحي.
5- رفع مستوي الوعي السياحي بين جميع شرائح الشعب المصري, وهنا يلعب الاعلام مهمة غاية في الاهمية.
6- الاهتمام بالتدريب المستمر للكوادر البشرية العاملة في هذا النشاط لتقديم خدمة سياحية اكثر احترافية مما هي عليه الان من خلال تقديم برامج تدريبية احترافية وارسال البعثات والمشاركة في تصميم برامج تعليمية وعملية سياحية مع مؤسسات خاصة عالمية.
7- زيادة تنافسية هذا القطاع من حيث الجودة والاسعار, فيما يتعلق بتنافسية الاسعار يمكن ان تقدم الحكومة مزيدا من المزايا والدعم المؤقت الي ان يتعافي هذا القطاع.
8- الاهتمام بسلامة شبكة الطرق ووسائل المواصلات والاتصالات لتقليل المخاطر التي يتعرض لها السائح عند زيارة المقاصد السياحية المختلفة في مصر.
--------------
خبير بصندوق النقد الدولي سابقا وأستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.