إذا كانت المقدمات لا تتغير, فكيف ننتظر أن تتغير النتائج ؟!.. وإذا ظلت القوانين الاقتصادية كما هي لا تتغير ولا تتبدل, فكيف لنا أن نتوقع نتائج أفضل للأداء الاستثماري؟!.. فالقانون كما أنه يعبر عن الواقع, فإنه يمثل أيضا أداة لتطوير هذا الواقع. إن الاستثمار في مصر تحكمه مجموعة من القوانين أهمها القانون رقم8 لسنة1997 الخاص بضمانات وحوافز الاستثمار, وقانون الشركات رقم159 لسنة1981, وتعديلاتهما. وهذه القوانين حين صدرت كانت متسقة مع الظروف التي كانت سائدة وقتئذ. وإذا كنا نتفق علي أن القانون يجب أن يأتي انعكاسا للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة, والظروف التي تمر بها, لذلك كان لابد من اتساق السياسة التشريعية مع السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة. وعلي ذلك كان من أوجب الواجبات علي الحكومة مراجعة القوانين الاقتصادية لتكون أكثر اتساقا مع التغيرات الجوهرية التي يمر بها المجتمع المصري الآن, وإلا كنا كمن يحرث في البحر. هذه المراجعة لا تقتصر علي وضع القواعد التي تستجيب للحاجات الاجتماعية والاقتصادية, وتتوخي العدالة, وتتسم بالوضوح, بل لابد أن تشمل أيضا الأجهزة والآليات والإجراءات التي تضمن وضع هذه القواعد موضع التطبيق الفعلي بصورة ناجزة. ولأن التشريع يساعد علي تهيئة المناخ الاقتصادي الملائم, فإنه بقدر ما تنجح الحكومات في إصدار التشريعات المناسبة والملائمة لأوضاعها المحلية, والمتجاوبة مع المتغيرات الدولية, بقدر ما ينعكس ذلك في استجابة المزيد من المستثمرين, فترتفع أحجام الاستثمار وتتزايد معدلات النمو. لقد شهدت العقود الاربعة الماضية- منذ بداية تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي- تطورات تمخض عنها عدد من التشريعات الاستثمارية المتعاقبة التي تستهدف تحرير الاقتصاد القومي, وإفساح مجال أوسع للنشاط الخاص كقطاع رائد أو محرك رئيسي لعملية التنمية. ويمكن اعتبار القانون43 لسنة1974 يمثل بداية التحول الاساسي في منهج ادارة الاقتصاد القومي باتجاه آليات السوق, إلا أنه مع ضآلة النتائج الاقتصادية التي تحققت في ظل هذا القانون, فقد تم تعديله بالقانون32 لسنة1977. ومع ما واجهته عملية تحرير الاقتصاد القومي من صعوبات عامي1977 و1984, وتفاقم مشكلة المديونية الخارجية في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي, اتجه المشرع الي إصدار القانون230 لسنة1989 ومع تطبيق برامج الاصلاح الاقتصادي خلال سنوات التسعينيات صدر القانون8 لسنة1997 استجابة لما استجد من متغيرات. إن نمو الاقتصاد القومي اصبح يتوقف علي نمو وتعاظم الاستثمار الخاص- الوطني والاجنبي- خاصة في ظل محدودية الدور الاستثماري للحكومة, الامر الذي يتطلب تهيئة بيئة تشريعية اكثر تجاوبا مع المتغيرات المحلية والدولية. لقد كان الوضع السائد في الماضي يعبر عن تنافس المستثمرين ورجال الاعمال في كسب رضا الدول المضيفة, والتأثير فيها. انقلب هذا الوضع- الآن- رأسا علي عقب, فإذا بالدول تتنافس فيما بينها لجذب الاستثمارات. وفي ظل تعاظم حدة المنافسة الدولية علي جذب الاستثمارات الخاصة فإن تهيئة الإطار القانوني المناسب للاستثمار تعد إحدي المهام العاجلة للحكومة, باعتبارها أحد العناصر الهامة لتحسين بيئة الاستثمار, واستقرار المعاملات, ورفع درجة الثقة في جدارة النظام الاقتصادي ككل, وهذه كلها تمثل شروطا جوهرية لاستقطاب الاستثمارات الخاصة. لذلك يمكن القول بأن توافر عناصر الانتاج, واتساع حجم السوق, وإصلاح هياكل الاسعار, تعتبر شروطا ضرورية, ولكنها ليست كافية بذاتها لتحقيق المزيد من الجذب الاستثماري الخاص للاقتصاد القومي. إن توفير الحماية القانونية وتيسير المعاملات والاجراءات التي يتضمنها الاطار القانوني السليم هي التي تشجع علي التراكم الرأسمالي, وتؤدي الي تخفيض تكلفة المعاملات, وتسهم في منح المستثمرين الشعور بالاستقرار الحقيقي الذي يحتاج إليه أي استثمار طويل الأجل.