أجمع خبراء الاقتصاد والاستثمار والتمويل على ان تخفيض قيمة الجنيه يمكن أن يكون له مردود سلبى طفيف على الاسعار بشرط ان تبدأ الحكومة فى تنفيذ سلسلة من الاجراءات الاصلاحية المحورية وضمان التنسيق بين المجموعة الوزارية الاقتصادية والبنك المركزى حتى لا تتفاقم الآثار السلبية لعملية التخفيض. فى المقابل اكد هؤلاء الخبراء ان الآثار الايجابية لتخفيض قيمة العملة تتضح نتائجها على الميزان التجارى اذا ما زادت الصادرات، وان الامر لا يتطلب وجود احتياطى كبير من العملات الاجنبية، واستشهدوا بتجربة التعويم عام 2003 التى صاحبتها عمليات اصلاح هيكلية دون ان يكون هناك رصيد كبير من الاحتياطى النقدى. هنا تحقيق يتناول رؤية هؤلاء الخبراء.. بداية تقول الدكتورة فائقة الرفاعى وكيل محافظ البنك المركزى الاسبق: ستكون هناك زيادة فى اسعار السلع التى تكون نسبة المكون الاجنبى كبيرة لكن هذه الزيادة ستكون اقل من قيمة التخفيض فى العملة المحلية، لكن المشكلة الملحوظة فى مصر ان كل السلع التى يدخل فى تركيبها مكون اجنبى او تكون محلية بنسبة %100 تتعرض للزيادة؛ لان التجار يغلب على تعاملاتهم طابع الاحتكار والجشع والرغبة فى المكسب السريع ويساعدهم على ذلك ضعف الاجهزة الرقابية وفقدان السيطرة على الاسواق التى يغلب عليها طابع العشوائية. وتقترح لمواجهة هذه المشكلة خاصة ان اجهزة الرقابة اثبتت عجزها وقصورها لاسباب عديدة على رأسها ضآلة الامكانات المادية والبشرية، بان تقوم وزارة التموين بالتوسع فى المنافذ التسويقية خاصة فى المحافظات و»القرى والنجوع« مع التركيز على السلع المدعمة والحرص على التوسع فى الانتاج المحلى لمواجهة احتياجات المواطنين خاصة لو علمنا ان الزيادة السكنية تصل 2 مليون نسمة كل عام، وان تحرص الحكومة على انتقاء الاستثمارات الانتاجية التى تعتمد على زيادة المكون المحلى فى تصنيع المنتجات، ولا تترك الحبل على الغارب للمستثمر الاجنبي، وهناك تجارب دولية ناجحة فى هذا المجال. - إصلاح هيكلى.. أفضل ويبدى الدكتور سلطان أبو على وزير الاقتصاد الأسبق، معارضته لتخفيض قيمة الجنيه فى هذه المرحلة؛ لأنه سبق تخفيضه عدة مرات مؤخرا وبنسبة %30، وأن التخفيض لن يكون له أي عوائد إيجابية على اقتصاد يعتمد على استيراد أكثر من 05% من الغذاء وكذا مستلزمات الانتاج والخامات الاساسية، علاوة على عجز الموازنة الذى يضغط على الاحتياطى من العملات وازمة الدين العام التى تتصاعد بشكل مخيف. ويطالب بنظرة اصلاحية شاملة للاقتصاد تعالج الخلل الهيكلى فى ميزان المدفوعات والميزان التجارى، وان تلجأ الحكومة الى تخفيض نفقاتها وزيادة الايرادات عبر استبدال السياسات المالية العقيمة التى يغلب عليها طابع البيروقراطية فى مختلف قطاعات الاقتصاد وانشطة الحياة اليومية، مشيرا الى ان تخفيض قيمة الجنيه لن يفيد على الاطلاق فى علاج الميزان التجارى المختل مع جميع الدول التى نتعامل معها. ويطالب بتطبيق الضريبة التصاعدية فور دوران عجلة الانتاج وتنقية مناخ الاستثمار بحيث ترتفع الى 35 ٪ على الشريحة العليا وهى نسبة معمول بها فى معظم البلدان الرأسمالية، وضرورة تخفيض رواتب الشريحة العليا من كبار الموظفين والمستشارين العاملين فى الجهاز الادارى بعدما لجأت الدولة الى تخفيض رواتب الوزراء مما يعطى مصداقية لافراد الشعب فى تصرفات الحكومة وسلوكها، وتقليل الهدر فى السلع اثناء نقلها الذى بلغ وفقا للدراسات التى اعدتها اكاديمية البحث العلمى الى 45 مليار جنيه وهو بذلك يفوق قيمة العائد الذى يساهم به قطاع النقل فى الناتج القومى البالغ 3 تريليونات جنيه. يضيف ان اعادة تنظيم الضرائب وفقا للاساليب العلمية وسرعة فض المنازعات تعيدان 100 مليار جنيه سنويا تضيع على الدولة نتيجة التهريب، وهذه المبالغ تكفى لاستغناء الحكومة عن فرض ضريبة جديدة ، وضرورة اعادة النظر فى سعر الفائدة فى ضوء التضخم وتشجيع البنوك على تمويل المشروعات خاصة المتوقفة. يختتم قائلا ان برنامج الاصلاح الاقتصادى يجب ان يكون شاملا ويشجع الاستثمار على المدى القصير والطويل. - تنسيق الإجراءات وتتوقع الدكتورة عالية المهدى عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الاسبق الا يحدث ارتفاع ملموس فى الاسعار بعد تخفيض قيمة الجنيه لان الزيادات السعرية قد حدثت بالفعل فى مراحل التخفيض السابقة، واذا طرأت زيادات سعرية فإنها ستكون بسيطة وليست بقفزات كبيرة. تضيف ان تنسيق الاجراءات بين البنك المركزى والحكومة بات ضروريا فى هذه الظروف لتخفيف آثار تخفيض العملة، والدليل على ذلك ان الحكومة عندما لجأت الى التعويم المدار للجنيه عام 2003 فلم يكن لدى المركزى اكثر من 3 مليارات دولار احتياطى، ولم ترتفع الاسعار بقفزات كبيرة لان هذا التعويم كان يصاحبه إصلاحات اقتصادية فى تجهيز البيئة المؤسسية مثل تنقية مناخ الاستثمار من خلال قانون جاذب للاستثمار وسرعة الفصل فى دعاوى الاستثمار وقانون جديد للعمل .. لذا فهى تطالب بسرعة إصدار مشروعات القوانين الجاذبة للاستثمار مثل قانون الشركات الموحد وقانون العمل والتأمينات الاجتماعية وانهاء النزاعات فى قضايا »البيزنس« والخروج الآمن من السوق ووجود شرطة متخصصة لتنفيذ الاحكام التى تصدرها المحاكم فى مجال »البيزنس« مثل تقليد وتزوير العلامات التجارية وقضايا الغش التجارى والاحتكار وغيرها. وتضيف ان الحكومة وضعت يدها على الداء ولايبقى امامها سوى التنفيذ على ارض الواقع بعد ان ظلت لسنوات طويلة تتعرض للنقد اللاذع من الخبراء والمجتمع المدنى ورجال الاعمال، وأصبحت الظروف الحالية ملحة وضاغطة للبدء فى عمليات الاصلاح دون الانتظار لتسلم شرائح قرض صندوق النقد. السلاسل التجارية تستنزف الدولار يقول الدكتور شريف دلاور استاذ الاستثمار والتمويل بالاكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا: انها معادلة يصعب تنفيذها لان هيكل الصناعة المحلية منذ عام 1995حتى قيام ثورة يناير 2011 يعتمد على مدخلات أجنبية بنسبة لاتقل عن 07% وتصل إلى 09٪ فى بعض الصناعات وهذا الهيكل يمثل نقطة ضغط كبيرة على العملات الاجنبية. مشيرا الى ان الحكومات التى تعاقبت بعد قيام ثورة 25 يناير 2011 حتى وقت قريب كانت تدعم العملة المحلية امام العملات الاجنبية فى شراء الخامات والسلع الرأسمالية والمنتجات الغذائية الاستراتيجية حتى نفد معظم الاحتياطى فى الوقت الذى نضبت فيه موارد النقد الاجنبى. يضيف ان الحكومة عندما فكرت فى جذب المستثمرين الخليجيين فتحت الباب على مصراعيه للسلاسل التجارية التى تستورد السلع الغذائية وبيعها فى الاسواق المحلية، وجذبت الشركات متعددة الجنسيات التى اتجهت الى تصنيع السلع الاستهلاكية التى لاتضيف اى رصيد للاقتصاد، ويساهم المكون المحلى فيها بنسب محدودة حتى النشاط الزراعى نسبة المكون المحلى فيه ضئيلة. يقول ان الطامة الكبرى ان هيكل الاقتصاد كان قائما بشكل كبير على تحويلات المصريين وعوائد السياحة وتحويلات القناة، ومع المتغيرات الدولية والمحلية ظهرت أزمة الاقتصاد المحلى خاصة ان المسئولين ركزوا اهتمامهم فى الاصلاح الاقتصادى على ضرورة إعادة هيكلة السياحة النقدية لإيقاف نزيف النقد الاجنبى، ولن يكن هناك اهتمام بالسياسات المالية التى تعد الاساس فى اختلال السياسات النقدية بل ان البورصة التى كانت يجب ان تعكس الوضع الاقتصادى كأداة للتمويل والرقابة على الشركات جرى استغلالها كمنفذ لتهريب النقد الاجنبى واستنزافه من خلال المضاربات إضافة الى اختلال ميزان المدفوعات. يؤكد ان محصلة كل هذه الاثار السلبية تركزت كتلة كبيرة من النقد الاجنبى خارج الجهاز المصرفى، اى لدى السماسرة ومكتنزى الدولار من الافراد مما جعل هذا الجهاز يواجه تحديات لتمويل الاستثمارات خاصة ان الحكومات المتعاقبة التى حلت بعد ثورة 25 يناير لم تعالج هذه المشكلات من جذورها لكنها اكتفت بعلاج الاعراض الخارجية من خلال المسكنات ولم تتعرض للمشكلة من اساسها. يقترح تعيين نائب لرئيس الوزراء للمجموعة الاقتصادية يتولى التنسيق بين المجموعة الوزارية الاقتصادية ومحافظ البنك المركزى. ويرى فؤاد شاكر رئيس اتحاد المصارف العربية الاسبق ان العلاقة بين تخفيض سعر الجنيه واسعار السلع تختلف من دولة الى اخرى ويتوقف ذلك على نشاط الدولة التى تقدم على التخفيض وقدرتها على التصنيع القائم على المكون المحلى، مشيرا الى ان تخفيض قيمة الجنيه سيؤدى الى زيادة اسعار السلع التى تعتمد على المكون الاجنبى بنسب كبيرة تفوق نسبة التخفيض فى قيمة العملة المحلية بل ان هذا التخفيض سيطول السلع الغذائية الاساسية لانها تعتمد بشكل اساسى على السلع المستوردة مثل الزيوت النباتية التى نستوردها بنسبة 94% و55٪ للالبان الجافة ومنتجاتها والقمح والسكر ومواد التعبئة والتغليف وغيرها. يوضح ان وسائل الاعلام المحلية لعبت دورا كبيرا فى رواج السوق الموازى للدولار من خلال التركيز على فجوة الاحتياطى من العملات، اضافة الى وجود قوى خارجية معادية ومؤامرات فى الداخل تتربص بالاقتصاد الوطنى وتحاول ان تشيع الفوضى والارتفاعات السعرية غير المبررة.