تعد قضايا التعويضات العمالية من القضايا الشائكة في المحاكم المصرية لأنها تعد من اكثر القضايا المرهقة سواء للعامل أو صاحب العمل أو حتي القاضي الذي يقوم بإصدار الحكم في القضية.. العامل قد يجد نفسه فجأة بين سندان القانون ومطرقة صاحب العمل وقد يفقد الأمل في الحصول علي حقه لأنه قد يحصل علي حكم نهائي ويفشل في تنفيذه لأن القانون لا يلزم صاحب العمل بهذا الأمر فالثغرات القانونية وألاعيب المحامين وأصحاب الأعمال تطيل أمد التقاضي وبالتالي يستغرق نظر القضية فترات زمنية طويلة مما يصيب العامل باليأس والإحباط في الحصول علي حقه. ووفقا للبيانات الصادرة عن الاتحاد العام لنقابات عمال مصر والنقابات المستقلة والمراكز الحقوقية المعنية في الشأن العمالي فإن أغلب القضايا العمالية المتداولة في المحاكم تكون بسبب عمليات الفصل سواء كان تعسفيا أو طبقا لأحكام القانون. في البداية قالت قيادات نقابية إن هناك حوالي69 ألف عامل مفصول حصلوا علي أحكام قضائية نهائية بعودتهم للعمل بخلاف400 ألف قضية عمالية و30 شركة علي القائمة السوداء لفصل العمال وكل هذه الإحصائيات المرعبة تضع وزير القوي العاملة كمال أبو عيطة في مأزق بسبب عجز الحكومة عن حل ازمة العمال المفصولين وهي القضاية التي كان يتبناها ويطالب بها قبل ان يشغل منصب وزير القوي العاملة. ولعل أهم أسباب فصل العمال هو المشاركة في النشاط النقابي وقيادة العمال في استخدام حقهم المشروع في الاعتصام أو الإضراب للحصول علي حقوقهم. من جهته يقول وزير القوي العاملة والهجرة كمال أبو عيطة إن اجمالي إعانات الطوارئ المنصرفة للعاملين بالمنشآت من صندوق إعانات الطوارئ للعمال بالوزارة بلغت حتي نهاية سبتمبر الماضي نحو213.0 مليون جنيه استفاد منها242981 عاملا في1217 منشأة. وأضاف أن صرف الاعانات تم وفقا للضوابط الواردة باللائحة التنفيذية للقانون الصادر بإنشاء الصندوق بشأن منح الإعانات التي تحدد تلك الإعانات بواقع100% من الأجر الأساسي للعامل بحد أدني200 جنيه شهريا, وذلك وفقا للغرض من إنشاء الصندوق, الذي يتمثل في تقديم إعانات للعاملين بالمنشآت التي يعترض نشاطها بعض المشكلات التي تؤدي إلي توقف جزئي أو كلي للنشاط. ويقول عبد الفتاح إبراهيم رئيس اتحاد العمال إن الاتحاد قرر إنشاء وحدة مركزية للمفاوضات الجماعية لحل النزاعات التي تنشأ بين إدارات الشركات والنقابات واللجان النقابية في مختلف المواقع مشيرا إلي أن الاتحاد سيقوم بإنشاء وحدات فرعية علي مستوي النقابات العامة ال24 لتمارس عملها القانوني والتشريعي لإيجاد حلول مناسبة وعاجلة وإقامة علاقات عمل متوازنة وتحسين شروط وظروف العمل بين الأطراف المختلفة.ولفت إلي أن المسئولين بوحدة المفاوضة الجماعية التي سيتم الإعلان عن تشكيلها خلال أيام ستعمل علي دفع قيادات النقابات العامة من أجل القيام بدورهم وتفعيل الاتفاقيات والقوانين الخاصة في هذا الشأن وإجراء تعديل تشريعي يحفظ كرامة العامل ومناشدة المحاكم بعدم إطالة أمد النزاعات. ويقول عبد المنعم الجمل أمين صندوق اتحاد العمال ورئيس النقابة العاملة للعاملين بالبناء والأخشاب أن هناك ثغرات كبيرة في القانون تساعد علي في تعطيل الأحكام الصادرة للعمال سواء بالعودة للعمل او الحصول علي التعويض بسبب الفصل التعسفي لأن القانون لا يلزم صاحب العمل بضرورة عودة العامل المفصول وبالتالي يعود العامل مجددا للمحكمة من اجل المطالبة بالحصول علي التعويض وهي قضية تستغرق مدة زمنية طويلة مما يصيب العامل بالإحباط لأن صاحب العامل يماطل ويسوف في منح العامل حقوقه القانونية. ويطالب الجمل بضرورة وجود محاكم مختصة تصدر أحكاما سريعة وناجزة لحفظ حقوق العامل والقيام بتعديل تشريعي لتغليظ العقوبات المنصوص عليها في القانون بالنسبة لصاحب العمل الذي يرفض عودة العامل وتعويضه حتي لو وصلت العقوبة إلي الحبس والغرامة المالية الكبيرة لأن الغرامات المفروضة بالقانون عبارة عن مبالغ هزيلة وبالتالي يتلاعب أصحاب الأعمال بالعمال وبالأحكام القضائية. ويضيف أن عودة العامل المفصول إلي عمله دون رغبة صاحب العمل يحتويها قدر كبير من المخاطر لأنه في هذه الحالة لا أمان علي مستقبل العامل الذي قد يتعرض لمكائد من صاحب العمل من اجل التخلص منه مشيرا إلي ضرورة أن يكون القانون اكثر صرامة وتشددا لإجبار صاحب العمل علي الالتزام بحقوق العمال.وطالب عبد المنعم الجمل أن يكون هناك عقاب لكل من يذهب إلي المحكمة بدون وجه حق لأنه يعطل سير الأحكام القضائية ويرهق القضاة وفي هذه الحالة لن يذهب الي المحكمة إلا من يشعر انه صاحب حق حيث إنه في كثير من الأحيان يكون العامل وصاحب العمل ليسا أصحاب حق وهناك الكثير من القضايا تكون كيدية. ويؤكد الجمل ان غالبية القضايا العمالية تكون بسبب الفصل التعسفي من جانب صاحب العمل أما في حالات الإصابات فهناك تأمين إصابة عمل يحصل العامل بموجبه علي حقه من التأمينات الاجتماعية والتأمين الصحي ولكن لابد من عمل محضر بنوعية الإصابة ومكانها وإبلاغ التأمينات الاجتماعية والتأمين الصحي بالحادث والعمل علي إنهاء الإجراءات بسرعة لأن البيروقراطية والروتين في أحيان كثيرة تتسبب في ضياع حقوق العمل وأحيانا يتم التلاعب في نوعية الإصابات وبالتالي إهدار حق العامل في الحصول علي التعويض وفي حالات الإصابة يكون العلاج علي نفقة التامين الصحي وتقوم التأمينات الاجتماعية بمنح العامل المصاب تعويضا أو معاشا عن نسبة العجز وفي أحيان أخري يقوم صاحب العمل بتعويض العامل بشكل ودي وخاصة في الحالات التي يكون فيها المصنع او المنشأة غير مستوفية لشروط السلامة والصحة المهنية حتي لا تتم إدانة صاحب العمل في الحادث. ويشير إلي ان هناك بعض الحالات يضيع فيها حق العامل لأن صاحب العمل لا يقوم بالإبلاغ عن الحادث بسبب عدم استيفاء منشأته شروط السلامة والصحة المهنية. ويقول انه في حوالي90% من القضايا العمالية المرفوعة من العمال ضد أصحاب الأعمال يكون الفصل التعسفي هو السبب الرئيسي لتحريك دعوي التعويض أو العودة للعمل. ويري الجمل أن تجاهل بعض المنشآت تحديث البيانات الخاصة بالعامل مثل محل الاقامة الجديد في حالة تغيير محل الإقامة يضيع حق العامل في الحصول علي حقه لأن بعض المحامين في بعض المنشآت يقومون بمراسلة العامل علي عنوانه القديم حتي لا يتمكن من حضور الجلسات للمطالبة بحقه وفي نفس الوقت قد يكون العامل سببا في المشكلة بسبب عدم قيامه بتحديث بيانات في ادارة شئون العاملين بالمنشأة التي يعمل بها. ويقول صلاح الأنصاري, القيادي العمالي إن عودة العمال المفصولين يعد تحقيقا للعدالة الاجتماعية, خاصة هؤلاء العمال الذين تم فصلهم بسبب نشاطهم النقابي, ولتصديهم للفساد بالشركات, ولمحاولتهم إنشاء نقابات في القطاع الخاص والاستثماري والقطاع العام. وأضاف أن هناك أحكاما قضائية صدرت بعودة العمال, ولم يتم تنفيذ هذه الأحكام حتي الآن, وهناك عمال فصلوا نتيجة الاستغناء عنهم بسبب الأزمة المالية العالمية, مثل شركات الحفر والتنقيب عن البترول, وعمال فصلوا بسبب الغياب, ولكنهم أكدوا بالمستندات أنهم فصلوا تعسفيا. المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية قال في تقرير له إن أسباب فصل العمال مختلفة منها الفصل بسبب النشاط النقابي, وإنشاء نقابات مستقلة, وتنظيم العمال اعتصاما أو إضرابا للمطالبة بحقوقهم, وفصل بسبب تخفيض العمالة, وفصل الرؤساء للعمال الفردي والاضطهادي. ويقول شعبان خليفة, رئيس النقابة العامة للعاملين بالقطاع الخاص إن مشكلة العمال المفصولين تمثل قنبلة موقوتة لأن عدد القضايا العمالية في مصر400 ألف قضية, تتداول بالمحاكم منذ4 سنوات ولم يفصل فيها حتي الآن مشيرا إلي أن عدد العمال المفصولين في مصر69 ألف عامل, لديهم أحكام قضائية باتة ونهائية واجبة النفاذ بالعودة إلي عملهم, ولم تنفذ السلطة التنفيذية هذه الأحكام, لأنها عجزت أمام سلطة وجبروت أصحاب الأعمال. وأضاف أن السلطة القضائية بطيئة جدا في تداول القضايا, ما يصيب العمال بالإحباط لعدم القدرة علي مصروفات القضاء وأتعاب المحاماة, وهو مشرد لا دخل له, ما يجعله يترك حقه ويصطف في طابور البطالة الذي لا ينتهي, وذلك كله لعدم وجود' عدالة سريعة', وسلطة تنفيذية قادرة علي تنفيذ الأحكام.