شاهد.. هتافات حماسية من الجماهير خلال مباراة بيراميدز وسيراميكا كليوباترا    تشكيل باريس سان جيرمان لمواجهة نيس في الدوري الفرنسي    الحكومة تكشف تفاصيل جديدة عن وصول 14 مليار دولار من أموال صفقة رأس الحكمة    وكلاء وزارة الرياضة يطالبون بزيادة مخصصات دعم مراكز الشباب    بعد تشغيل محطات جديدة.. رئيس هيئة الأنفاق يكشف أسعار تذاكر المترو - فيديو    أبومازن: اجتياح قوات الاحتلال رفح الفلسطينية كارثة يدفع ثمنها الأبرياء    وزارة النقل تنعى هشام عرفات: ساهم في تنفيذ العديد من المشروعات المهمة    مخاطر الإنترنت العميق، ندوة تثقيفية لكلية الدعوة الإسلامية بحضور قيادات الأزهر    وزارة النقل تنعى الدكتور هشام عرفات وزير النقل السابق    رئيس المعاهد الأزهرية يتفقد بيت شباب 15 مايو لاستقبال طلاب ثانوية غزة    المشدد 7 سنوات لمتهم بهتك عرض طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة بكفر الشيخ    «جوزي الجديد أهو».. أول تعليق من ياسمين عبدالعزيز على ظهورها بفستان زفاف (تفاصيل)    طاقم عمل A MAD MAX SAGA في العرض العالمي بمهرجان كان (فيديو)    «الشعب الجمهوري» يهنئ «القاهرة الإخبارية» لفوزها بجائزة التميز الإعلامي العربي    أمير عيد يكشف ل«الوطن» تفاصيل بطولته لمسلسل «دواعي السفر» (فيديو)    هل الحج بالتقسيط حلال؟.. «دار الإفتاء» توضح    أمين الفتوى يحسم الجدل حول سفر المرأة للحج بدون محرم    خالد الجندي: ربنا أمرنا بطاعة الوالدين فى كل الأحوال عدا الشرك بالله    رئيس جامعة المنصورة يناقش خطة عمل القافلة المتكاملة لحلايب وشلاتين    يكفلها الدستور ويضمنها القضاء.. الحقوق القانونية والجنائية لذوي الإعاقة    "الزراعة" و"البترول" يتابعان المشروعات التنموية المشتركة في وادي فيران    الكويت تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الاحتلال الإسرائيلي للامتثال إلى قرارات الشرعية الدولية    محافظ مطروح: ندعم جهود نقابة الأطباء لتطوير منظومة الصحة    زياد السيسي يكشف كواليس تتويجه بذهبية الجائزة الكبرى لسلاح السيف    بث مباشر مباراة بيراميدز وسيراميكا بالدوري المصري لحظة بلحظة | التشكيل    رغم تصدر ال"السرب".. "شقو" يقترب من 70 مليون جنية إيرادات    جامعة قناة السويس ضمن أفضل 400 جامعة دولياً في تصنيف تايمز    الطاهري: القضية الفلسطينية حاضرة في القمة العربية بعدما حصدت زخما بالأمم المتحدة    إصابة 4 مواطنين في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    رجال أعمال الإسكندرية تتفق مع وزارة الهجرة على إقامة شراكة لمواجهة الهجرة غير الشرعية    مدعومة من إحدى الدول.. الأردن يعلن إحباط محاولة تهريب أسلحة من ميليشيات للمملكة    الزراعة: زيادة المساحات المخصصة لمحصول القطن ل130 ألف فدان    فرحة وترقب: استعدادات المسلمين لاستقبال عيد الأضحى 2024    إصابة عامل صيانة إثر سقوطه داخل مصعد بالدقهلية    «تضامن النواب» توافق على موازنة مديريات التضامن الاجتماعي وتصدر 7 توصيات    الحكومة توافق على ترميم مسجدي جوهر اللالا ومسجد قانيباي الرماح بالقاهرة    ماذا قال مدير دار نشر السيفير عن مستوى الأبحاث المصرية؟    أبرزها «الأسد» و«الميزان».. 4 أبراج لا تتحمل الوحدة    مفتي الجمهورية من منتدى كايسيد: الإسلام يعظم المشتركات بين الأديان والتعايش السلمي    تحديد نسبة لاستقدام الأطباء الأجانب.. أبرز تعديلات قانون المنشآت الصحية    صور.. كريم قاسم من كواليس تصوير "ولاد رزق 3"    إسرائيل تتحدى العالم بحرب مأساوية في رفح الفلسطينية    أمين الفتوى: الصلاة النورانية لها قوة كبيرة فى زيادة البركة والرزق    الصحة: تقديم الخدمات الطبية ل898 ألف مريض بمستشفيات الحميات    حكم وشروط الأضحية.. الإفتاء توضح: لا بد أن تبلغ سن الذبح    للنهائى الأفريقي فوائد أخرى.. مصطفى شوبير يستهدف المنتخب من بوابة الترجى    قطع الكهرباء عن عدة مناطق بمدينة بنها الجمعة    "النقد الدولي" يوافق على قروض لدعم اقتصاد غينيا بيساو والرأس الأخضر    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13238 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    الصحة تشارك في اليوم التثقيفي لأنيميا البحر المتوسط الخامس والعشرين    ضبط 123 قضية مخدرات في حملة بالدقهلية    أحمد مجدي: السيطرة على غرفة خلع ملابس غزل المحلة وراء العودة للممتاز    بعد الصين.. بوتين يزور فيتنام قريبا    تشاهدون اليوم.. نهائي كأس إيطاليا وبيراميدز يستضيف سيراميكا    وزارة العمل: 945 فرصة عمل لمدرسين وممرضات فى 13 محافظة    قيادي ب«حماس»: مصر بذلت جهودا مشكورة في المفاوضات ونخوض حرب تحرير    بشرى سارة للجميع | عدد الاجازات في مصر وموعد عيد الأضحى المبارك 2024 في العالم العربي    ريال مدريد يكتسح ألافيس بخماسية نظيفة في ليلة الاحتفال بالليجا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحليل ... البعد الدولي في مياه النيل

ليس في العالم كله, بلاد تدين بكيانها ووجودها, ويتوقف مستقبلها بل حياتها, علي ماء نهر, كما تتوقف حياة مصر والسودان علي نهر النيل. ولئن كان المهندسون, قد عكفوا علي دراسة هذا النهر منذ زمن بعيد ودأبوا في بحثه أعواما, فإنهم ليشعرون اليوم وفي هذا الظرف العصيب أن في أعناقهم واجبا لا يعادله واجب, هو أن يبسطوا لأبناء أمتهم ولأمم العالم وللسياسيين المصريين قبل غيرهم, الأسباب التي تدعو إلي الاستمساك بوحدة السودان أولا وبوحدة وادي النيل ثانيا ومقاومة كل محاولة ترمي إلي انفصامها, وأن يبينوا لهم ما يعود علي البلاد من اليسر والرخاء حين تتحقق الوحدة وما يصيبها من العسر والشقاء حين يتصدع بناؤها. إن واجبنا يحتم علينا أن نثبت لأهل مصر والسودان أولا وللعالم كله ثانيا أن مصر لا يمكن أن تعيش بغير السودان الموحد وأن السودان الموحد لا يمكن أن يعيش بغير مصر. إن الماضي لم يكن طيبا بقدر ما نتذكره اليوم. والغد قد يكون أشد خطورة نتيجة لهذا. وفي الوقت نفسه, ننجرف مع التيار ونحن غافلون عن خطر المياه الهادرة التي تحملنا معها إلي صخور المصب التي قد تتحطم عليها كل آمالنا في نهاية المطاف. والذين يبحثون عن نهر آخر, هم رجال وطنيون يريدون الخير لمصر, لكن بعض تلك المشاريع تؤسس وتقيم أطر وقواعد جديدة تحمل تهديدات مستقبلية لنيلنا العظيم. فمصر هي النيل, وبدونه لا كيان لها ليس فقط من حيث مائه وإنما كذلك من حيث تربته. والحقيقة أيضا هي أن النيل بدوره نهر غير عادي بأي مقياس, جيولوجيا, جغرافيا, تاريخيا أو حضاريا. فهو نهر متفرد بين الأنهار, كما أن مصر من جانبها بلد متفرد في حوضه هو الآخر. وثانيا: النيل, هذا النهر العجيب بل الغريب بالفعل, يخرق القاعدة من البداية ليس مرة واحدة بل مرتين وذلك لصالح مصر. فالنيل, نهر مخالف في اتجاهه لكل أنهار القارة تقريبا, فهو يتجه طوليا من الجنوب إلي الشمال بينما هي في معظمها عرضية تتجه من الشرق إلي الغرب أو من الغرب إلي الشرق. ولقد كان هيرودوت هو الذي لاحظ هذه الظاهرة أو سجل هذه المخالفة حين تحدث عن هذا النهر الذي يجري' بعكس' الأنهار الأخري. ونجد بضع قواعد أساسية في هيدرولوجية الحوض تصدق من الكاجيرا أول المنابع حتي العطبرة آخر الروافد وتتدرج كالانحدارات تنازليا أو تصاعديا كلما اتجهنا من الجنوب إلي الشمال وكلها تعمل لتحصيل مياهه لحساب مصر وتوصيلها إليها في النهاية. والثنية والجنادل وطبيعة المجري تأتي لتصلح ما أفسده المناخ. فشدة انحدار النهر هنا وسرعة تدفقه, مع ضيق المجري وعمقه, تقلل فرص التبخر والسطح المعرض له. وفضلا عن هذا فإن الثنية, وإن تكن عائق مواصلات وملاحة, إلا أنها بانحناءاتها القوسية الطويلة تعمل كمنظم طبيعي لوصول مياه الفيضان إلي مصر فلا تتدفق فجأة ومرة واحدة, ومن ثم كانت عامل امتصاص لخطر الفيضانات العالية بالذات. وإن كانت هذه مزايا جيدة لحفظ مياه النيل من الضياع فهي عائق كبير في مشروع الطرح الجديد من نهر الكونغو.
غير أن أهمية هضبة البحيرات كمورد إنما تتحدد وتبرز تماما في فصل التحاريق قبل الفيضان مباشرة حين تقدم صلب الإمدادات, أي أن البحيرات وإن ساهمت فقط بخمس مائية النيل أثناء الفيضان, فإنها علي العكس تساهم بنحو أربعة الأخماس أثناء التحاريق. وعلي الجملة فإن66% من مياه مصر جميعا تستمد في المتوسط من النيل الأزرق وحده. كذلك فرغم أن العطبرة أغزر روافد النيل قاطبة من حيث الرواسب النهرية, فإن قلة مائيته لا تنقل منها إلي مصر مثلما ينقل الأزرق. ولهذا فإن النيل الأزرق هو الباني الحقيقي لأرض مصر, مثلما هو المورد الأول لمائها. وبعامة فلولا الفيضان الحبشي لفقد النيل نفسه في الصحراء قبل أن يصل إلي مصر.
علينا أن ندرك أن المستعمرين هم أول من نبهوا إلي خطورة التحكم في مياه النيل, فخلال فترة الاستعمار الأوروبي لإفريقيا, أبرمت المملكة المتحدة عدة ترتيبات, تتعلق بالمعاهدات والبروتوكولات, مع قوي أخري بشأن النيل, ودخلت المملكة المتحدة في ترتيبات المعاهدات والبروتوكولات مع قوي أوروبية أخري بشأن منطقة نفوذها في وادي النيل. فعلي سبيل المثال, وقعت إيطاليا والمملكة المتحدة بروتوكولا في15 أبريل1891 حول تخطيط حدود مجال نفوذ كل منهما في شرق إفريقيا. وقد نصت المادة الثالثة من البروتوكول علي تعهد حكومة إيطاليا بأن لا تنشئ علي نهر اتبارا أي مشاريع ري أو غيرها مما قد يغير جريانه في النيل. وعلاوة علي ذلك, كانت هناك الاتفاقية بين بريطانيا العظمي ودولة الكونغو المستقلة, التي تعدل الاتفاقية الموقعة في بروكسل بتاريخ12 مايو1894 بشأن مناطق نفوذ بريطانيا العظمي ودولة الكونغو المستقلة في شرق إفريقيا وإفريقيا الوسطي, الموقعة في لندن بتاريخ9 مايو1906 وقد نصت علي أن' حكومة دولة الكونغو المستقلة تتعهد بعدم إنشاء, أو السماح بإنشاء, أي مشاريع علي نهر سيمليكي أو ايسانغو أو بالقرب منهما, من شأنها أن ينقص حجم المياه التي تصب في بحيرة ألبرت, إلا بالاتفاق مع الحكومة السودانية. وقد تجلي الحرص علي مصالح المملكة المتحدة, علي سبيل المثال, في تبادل المذكرات بين الحكومتين البريطانية والإيطالية بشأن' تنظيم استخدام مياه نهر غاش' روما,12 و15 يونيو1925. وأبرمت المملكة المتحدة معاهدتين رئيسيتين مع مصر وإثيوبيا. الأولي بين إثيوبيا والمملكة المتحدة, بشأن الحدود بين السودان الإنجليزي- المصري وإثيوبيا وإريتريا, تم توقيعها في أديس أبابا, بتاريخ15 مايو1902. وهي اتفاقية تتعلق بتخطيط الحدود. وقد تعهد الإمبراطور الإثيوبي مينيليك الثاني بألا يقوم بلده بإدخال أي تطوير علي النيل الأزرق وبحيرة تانا يشار إليها هنا باسم بحيرة تسانا أو( السوبات) من شأنه أن يغير حجم تدفق النيل. وقد وعد الإمبراطور بموجب المادة الثالثة, بأن لا ينشئ أو يسمح بإنشاء, أي مشروع عبر النيل الأزرق أو بحيرة تسانا أو السوبات, من شأنه أن يوقف تدفق مياهها في النيل إلا بالاتفاق مع حكومة صاحب الجلالة البريطانية وحكومة السودان.
وقد شكلت اتفاقية مياه النيل لعام1929, التي كانت تعرف سابقا بوصفها تبادلا للمذكرات بين حكومة صاحب الجلالة في المملكة المتحدة والحكومة المصرية بشأن استخدام مياه النيل لأغراض الري, القاهرة,7 مايو1929, شكلت معلما هاما في تاريخ نهر النيل. وقد نصت أحد أهم الفقرات علي ما يلي: باستثناء ما يتم بالاتفاق المسبق مع الحكومة المصرية, لا يجوز إنشاء مشاريع ري أو توليد طاقة أو اتخاذ تدابير علي نهر النيل وفروعه, أو علي البحيرات التي يتدفق منها, في حال كون كل ذلك في السودان أو في بلدان تخضع للإدارة البريطانية, من شأنها, إذا تمت بطريقة تلحق الضرر بمصالح مصر, إما أن تخفض كمية المياه الواصلة إلي مصر, أو أن تغير من تاريخ وصولها, أو تخفض مستواه.
وقد اشترطت اتفاقية1929 أيضا علي أن إنشاء تلك المشاريع يجب أن يكون تحت المراقبة المباشرة للحكومة المصرية. وتم الاتفاق أيضا علي أنه يجب, قبل الاضطلاع بهذه المشاريع, أن يتم اتفاق مصر مع السلطات المحلية في السودان بشأن التدابير اللازمة لحماية المصالح المحلية.
وتمثلت اتفاقيات أخري سبقت الاتفاقية بين الجمهورية العربية المتحدة وجمهورية السودان, المعنية بالاستخدام الكامل لمياه النيل, والموقعة في القاهرة بتاريخ8 نوفمبر1959, بتبادل المذكرات بين المملكة المتحدة وإيطاليا حول إعطاء امتيازات بشأن سد في بحيرة تسانا وسكة حديد عبر الحبشة من إريتريا إلي الصومال الإيطالي, وقعت في روما بتاريخ14 و20 ديسمبر1925 وبتبادل للمذكرات يمثل اتفاقية بين حكومة المملكة المتحدة وحكومة مصر بشأن إنشاء سد شلالات أوين في أوغندا, القاهرة16 يوليو1952 و5 يناير1953 ثم اتفاقية بين الجمهورية العربية المتحدة وجمهورية السودان من أجل الاستخدام الكامل لمياه النيل, موقعة في القاهرة في8 نوفمبر1959 بعد استقلال السودان في1956, تم إبرام اتفاقية بين السودان ومصر في1959 بشأن بناء سد أسوان العالي وتحديد مخصصات المياه للبلدين. وقد تم تحديد ذلك كما يلي:5,18 مليار متر مكعب للسودان, و5,55 مليار متر مكعب لمصر و10 مليارات من الأمتار المكعبة بوصفها خسائر من خزان سد أسوان العالي.
وتجدر الإشارة إلي أنه في الخمسينيات اختارت مصر بناء سد أسوان لتعادل تدفق الماء غير المستقر من عام إلي عام, وقد تم رفض خيار القيام بذلك من خلال خزانات أعلي النهر, حيث ستكون هذه الخزانات خارج أراضي مصر, وستصبح مصر أسيرة لجيرانها أعلي النهر, ولكن خيار أعلي النهر هذا سيكون أكثر فاعلية بصورة واضحة لقلة الخسارة بسبب البخر فعليا عنها في بحيرة ناصر. وبناء علي ذلك التخطيط الذي يتضمن جميع دول حوض النيل بالكامل ستزيد الكمية الكلية للمياه المتاحة, ولكن هذا قد يتطلب تعاونا وثيقا بين الدول التي تقع علي ضفاف النهر لتوفير إمدادات دائمة للمياه لمصر, ولذا تواجه دول حوض النيل سيناريو لمصلحة الأطراف كافة.
الملاحظ للتغيرات التي تصاحب خريطة الشرق الأوسط الجديد تركز علي لاعبين جدد هم إيران وإسرائيل وإثيوبيا بعد خروج كل من مصر والسعودية وتركيا. وقد كتبنا مرارا وتكرارا عن أكذوبة الصراع الأمريكي الإيراني منذ أكثر من عقدين وحتي عندما تحركت الأساطيل الأمريكية تجاه الخليج لضرب إيران كتبنا محذرين من أكذوبة الصراع الأمريكي الإيراني. واليوم نري معالم الخريطة يتم ترسيمها من جديد بالتركيز علي المثلث القديم إسرائيل وإيران وإثيوبيا, حيث نظر الغرب إلي إثيوبيا باعتبارها شريكا استراتيجيا لا يمكن الاستغناء عنه لقوي المجتمع الدولي الراغبة في منع منطقة شرق إفريقيا بالكامل من الانزلاق إلي الفوضي. ولكن علي الرغم من التقدم الذي أحرزته إثيوبيا, فإن المجتمع الدولي( وخاصة الغرب) كان مترددا في اعتبار البلاد شريكا استراتيجيا فإن إثيوبيا لديها الفرصة الآن للظهور كزعيمة إقليمية لا ينازعها أحد حقها في الزعامة. إن زعامة إثيوبيا لمنطقة القرن الإفريقي من شأنها أن تجلب التغيير الدائم في هذا الجزء المتجاهل من العالم. ولقد حان الوقت لمنح إثيوبيا الأدوات الدبلوماسية التي تحتاج إليها لتمكينها من تحقيق هذه الغاية.
فمنذ انعقاد مؤتمر برلين في العام1883, وهو المؤتمر الذي أطلق عليه ليوبولد الثاني ملك بلجيكا' مؤتمر تقسيم كعكة إفريقيا', افترض الغرب لنفسه حقوقا شاملة علي المنطقة الواقعة إلي الجنوب من الصحراء الكبري الإفريقية. إلا أن النفوذ الغربي هناك بات الآن في مواجهة تحد واضح من جانب الصين, التي تتوق إلي وضع يدها علي الاحتياطي الإفريقي الوفير من المعادن والموارد الطبيعية, مثلها في ذلك مثل الغرب.
فإفريقيا تشكل' الهدف السهل' الوحيد المتبقي في العالم حيث تستطيع القوي الخارجية أن تتنازع سعيا إلي الحصول علي مواردها المعدنية. ويدرك الأفارقة بفضل خبراتهم القديمة أن الدول الكبري لا أصدقاء لها, بل مصالح تسعي إلي تحقيقها, ومن هنا استفادت الصين من دروس المستعمر, فاكتسبت الصين قدرا كبيرا من التأييد في أنحاء القارة كافة, وذلك من خلال استغلالها لمشاعر الاستياء المشتركة المناهضة للاستعمار, والتعامل مع القارة بقدر كبير من الجدية. والصراع الدائر الآن في إفريقيا هو صراع بين الغرب والصين بدءا من ليبيا التي استحوذت علي أكثر من20 بليون دولار استثمارات صينية قبل سقوط القذافي, وحتي جنوب القارة, فاستفادت السودان, التي تمد الصين ب7% من إجمالي وارداتها من النفط, بأضخم الاستثمارات الصينية في المنطقة. وتمتلك شركة النفط الوطنية الصينية40% من أسهم شركة النيل الكبري للنفط, كما استثمرت3 آلاف مليون دولار أمريكي في إنشاء مصافي التكرير ومد خطوط الأنابيب. فضلا عن ذلك, ينتشر في جنوب السودان أربعة آلاف جندي من جيش التحرير الشعبي الصيني لحراسة أحد خطوط أنابيب النفط. فضلا عن ذلك فإن نجاح الصين في غضون عقد واحد من الزمان في تبديل موازين القوي في إفريقيا, وزحزحة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلي المرتبتين الثالثة والرابعة, بل ومنافسة فرنسا علي المرتبة الأولي باعتبارها الشريك الرئيسي للقارة علي الصعيدين الاقتصادي والتجاري, كان سببا في انزعاج هؤلاء المنافسين إلي حد كبير.
لكن وجه الخطورة في هذا الصراع انعكس علي المياة الإفريقية, ففي عام2012, حذر تقرير مشترك من قبل هيئات استخباراتية أمريكية من أن استخدام المياه كسلاح في الحرب أو أداة للإرهاب قد يصبح أكثر احتمالا في بعض المناطق. وقد دعا مجلس العمل المشترك, الذي يتألف من أكثر من ثلاثين رئيسا سابقا من رؤساء الدول أو الحكومات, إلي اتخاذ تدابير عاجلة لمنع بعض البلدان التي تعاني من نقص شديدة في المياه من التحول إلي دول فاشلة. ومن جانبها, رفعت وزارة الخارجية الأمريكية مسألة المياه إلي مستوي' المصالح المركزية للسياسية الخارجية الأمريكية'. إن المياه تختلف عن غيرها من الموارد الطبيعية. ففي كل الأحوال, هناك بدائل للعديد من الموارد, بما في ذلك النفط, ولكن لا توجد بدائل للمياه. وهناك محاولات متعددة من جانب الولايات المتحدة بشأن إقامة عدد من السدود في إثيوبيا تعود إلي عقود مضت, ففي عام1935 حصلت شركة أمريكية علي إذن من إثيوبيا بإنشاء سد علي منفذ بحيرة تانا. غير أن البريطانيين أوقفوا ذلك بموجب أحكام اتفاقية1929 وكانت الدراسات حول سد النهضة( الألفية) قد بدأت منذ عام1946 بواسطة مكتب الاستصلاح الأمريكي, في دراسة موسعة حددت26 موقعا لإنشاء السدود, أهمها أربعة سدود علي النيل الأزرق الرئيسي. وحمل سد الألفية في تلك الدراسة اسم سد بوردرBorder وبعد أن أعلنت الحكومة الإثيوبية تدشين المشروع, وإسناده إلي شركة سالينيSalini الإيطالية بالأمر المباشر, وأطلقت عليه مشروع إكسProjectX, قامت بالفعل بوضع حجر الأساس للمشروع في الثاني من أبريل2011, وقررت تغيير الاسم إلي سد الألفية الكبيرGrandMillenniumDam ثم تغير الاسم للمرة الثالثة في الشهر نفسه ليصبح سد النهضة الإثيوبي الكبير.
والخطورة الثانية التي لم يتنبه إليها احد هي صعود الصين باعتبارها قوة مائية مهيمنة لا مثيل لها في التاريخ الحديث. فلم يسبق لأي دولة أخري أن تمكنت من فرض مثل هذا القدر من الهيمنة النهرية التي لا ينازعها فيها أحد علي إحدي قارات العالم, من خلال التحكم في منابع أنهار دولية متعددة والسيطرة علي تدفقات هذه الأنهار عبر الحدود. إن الصين, الدولة الأعظم نشاطا في مجال بناء السدود علي مستوي العالم حيث شيدت ما يزيد قليلا علي نصف ما يقرب من خمسين ألف سد ضخم علي كوكب الأرض تعمل علي تعظيم نفوذها بسرعة كبيرة في مواجهة جيرانها من خلال إنشاء مشاريع هندسية مائية ضخمة علي الأنهار العابرة للحدود.
لقد تغيرت خريطة المياه في قارة آسيا جوهريا بعد انتصار الشيوعية في الصين عام1949. وتنبع أغلب الأنهار الدولية المهمة في آسيا من مناطق تم ضمها قسرا إلي جمهورية الصين الشعبية. فهضبة تايوان, علي سبيل المثال, تعد المستودع الأضخم للمياه العذبة علي مستوي العالم ومصدر أعظم أنهار آسيا, بما في ذلك تلك التي تعتبر شريان الحياة للبر الرئيسي للصين وجنوب آسيا وجنوبها الشرقي. وهناك مناطق صينية أخري مماثلة تحتوي علي منابع أنهار مثل إرتيش, وإيلي, وآمور, التي تتدفق إلي روسيا وآسيا الوسطي. وهذا يجعل من الصين مصدرا لتدفقات المياه العابرة للحدود إلي أكبر عدد من البلدان في العالم. ورغم ذلك فإن الصين ترفض مجرد التفكير في تقاسم المياه أو قبول التعاون المؤسسي مع دول المصب لهذه الأنهار.
وفي حين تلتزم الدول المجاورة التي تتقاسم أنهارا مشتركة في جنوب شرق وجنوب آسيا باتفاقيات المياه التي أبرمتها فيما بينها بعد مفاوضات, فإن الصين لم تبرم أي معاهدة خاصة بالمياه مع أي من الدول المجاورة التي تشترك معها في أنهار. والأسوأ من ذلك أن الصين تتجاهل التعاون المتعدد الأطراف بين دول أحواض الأنهار في حين تدعو إلي التعددية علي المسرح العالمي. وفي ظل هيمنة الصناعة الصينية الآن علي سوق معدات الطاقة المائية, فقد برزت الصين أيضا بوصفها الدولة الأعظم نشاطا في بناء السدود في الخارج. فمن كشمير التي تسيطر عليها باكستان إلي ولايتي كاتشين وشان في بورما المضطربة, عملت الصين علي توسيع أنشطة بنائها للسدود إلي مناطق متنازع عليها ومناطق أخري مزقتها التمردات المسلحة, وذلك علي الرغم ردود الفعل العكسية في الداخل.
ان المجلس الوطني الذي يسعي لزيادة طاقة الصين الاستيعابية فيما يتعلق بالطاقة الكهرومائية بمقدار120 جيجاوات قد حدد54 سدا جديدا- بالاضافة الي السدود التي يتم تشييدها حاليا- كمشاريع بناء رئيسة في خطة قطاع الطاقة المعدلة لغاية2015.
إن هرولة الصين لبناء المزيد من السدود يهدد بتعكير العلاقات في اسيا مما يؤدي الي المزيد من التنافس علي المياه ويعيق التقدم البطيء الحاصل من اجل تحقيق تعاون واندماج اقليمي لاضفاء الطابع المؤسسي علي هذا الموضوع. لو استمرت الصين علي مسارها الحالي المتهور فإن آفاق نظام مبني علي أساس الاحكام والقوانين سوف ينتهي للابد.والخطورة تزداد أكثر عندما تتحرك الصين بحرية في إفريقيا مستغلة مهارتها وكفاءتها في بناء السدود, فهي تتقدم إلي إفريقيا بصفتها الدولة النموذج في بناء السدود فهي تسعي إلي بناء جيل جديد من السدود العملاقة, في الوقت الذي تلاشت فيه عملية بناء السدود بشكل عام في الغرب والمعارضة المتصاعدة عليها بين الناس في ديمقراطيات اخري كاليابان والهند. كما تنقل إلي القارة عقلية الربح والخسارة التي تميز حسابات الصين المتعلقة بالمياه, بالإضافة إلي أن الصين شهدت تحولا ثابتا من مركزية السلطة إلي اللامركزية خلال الأعوام الأخيرة, الأمر الذي يجعل من الصعب علي مكتب الدولة لحماية البيئة أن يؤثر علي السياسات علي الصعيدين الإقليمي والمحلي.
وهناك مؤشرات أخري علي أن تصبح التنمية المستدامة المبدأ المنظم لسياسات الدول واقتصادياتها. وقد اتفقت حكومات العالم علي وضع هدف التنمية المستدامة في قلب أجندة التنمية العالمية في مرحلة ما بعد عام2015.
والخطورة في هذا المبدأ الجديد أنه في المنتدي الاقتصادي العالمي في دافوس العام الماضي, وصف الخبراء خطر المياه بأنه واحد من أعلي أربعة مخاطر تواجه الشركات في القرن الحادي والعشرين والآن بدأت شركات كبري تستحوذ بالفعل علي بيانات المخاطر المائية. فقد سألت شركة ماكدونالدز علي سبيل المثال أكثر من350 من أكبر الكيانات الموردة لها أن تعد تقارير عن تعرضها لمخاطر المياه. والواقع أن دمج مخاطر المياه مع بطاقة الأداء البيئي التابعة لشركة ماكدونالدز تشكل خطوة مهمة في إشراك الموردين, ليس فقط بشأن كفاءة استخدام المياه, بل وأيضا في الإشراف العام, بما في ذلك التعاون مع أصحاب المصلحة المحليين في مستجمعات المياه.
إن إدارة مخاطر المياه تتحول الآن إلي ممارسة معتادة من صميم الممارسات التجارية. والواقع أن أكثر من تسعين موقعا عليCEOWaterMandate التابع لميثاق الأمم المتحدة العالمي تعهدوا بتطوير وتنفيذ سياسات استدامة المياه وممارساتها والتقرير عنها في كل من عملياتهم وعمليات مورديهم, والعمل مع أصحاب المصلحة بعيدا عن عملياتهم من أجل التصدي لمخاطر المياه. وتؤكد الشركات الرائدة أن الإدارة المستدامة لموارد المياه تعود بالفائدة علي جميع المشاركين.
ورغم أن العديد من المديرين التنفيذيين استخفوا تقليديا بقدر المخاطر الناجمة عن تغير المناخ وتدهور الموارد, فإن فهم المخاطر المتعلقة بالمياه والعمل علي الحد منها هو مجرد وسيلة واحدة تبدأ بها الشركات في دمج إدارة الموارد الطبيعية في استراتيجياتها وعملياتها الأساسية. ويستثمر قادة الأعمال الأذكياء في أدوات جديدة قادرة علي توفير بيانات شاملة وحديثة, وتتجه الشركات بشكل متزايد إلي ما هو أبعد من مجرد الاعتراف بالمخاطر الطبيعية ونحو تطوير الاستجابات الاستراتيجية لهذه المخاطر. وقد انضم معهد الموارد العالمية إلي شركات مثل جولدمان ساكس, وجنرال إليكتريك, وشركة شل لتطوير أحد المواقع علي الإنترنت تحت مسمي أكوادكت, للمساعدة في قياس مخاطر المياه ورسم خرائط لها. ويستخدم هذا المنبر أحدث البيانات وأحدث تقنيات تصميم النماذج لتقديم صورة ثرية واضحة محببة لمخاطر المياه في مختلف أنحاء العالم. وبفضل تمكينها بهذه البيانات, يصبح بوسع الشركات أن تتخذ قرارات أفضل وأكثر استنارة. ومع تزايد عدد الشركات التي تفعل هذا, فإن المتلكئين سوف يجدون أنفسهم عاجزين عن المنافسة, وسوف يضطرون هم أيضا إلي العمل قبل أن يأتي الطوفان القادم أو موجة الجفاف التالية.
كانت المنافسة الجيوسياسية الدولية المحتدمة علي الموارد الطبيعية سببا في تحويل بعض الموارد الاستراتيجية إلي محركات للصراع علي السلطة. فقد تحولت موارد المياه العابرة للحدود الوطنية إلي مصدر نشط بشكل خاص للمنافسة والصراع, فانطلق سباق محموم لبناء السدود وارتفعت دعوات متنامية تطالب الأمم المتحدة بالاعتراف بالمياه باعتبارها مصلحة أمنية أساسية.
ومن المنتظر أن يفرض الانحباس الحراري العالمي علي الإمدادات من مياه الشرب ضغوطا متزايدة, حتي مع ارتفاع مستوي سطح المحيطات واشتداد قوة وتواتر العواصف وزيادة أحداث الطقس المتطرفة الأخري. والواقع أن التوسع الاقتصادي والديموجرافي السريع تسبب بالفعل في تحويل القدرة علي الوصول إلي مياه الشرب إلي قضية كبري عبر أقسام كبيرة من العالم. وقد عملت التغيرات التي طرأت علي أساليب الحياة علي تحفيز الزيادة في معدل استهلاك الفرد من المياه, مع تسبب ارتفاع الدخول في تشجيع تغير الأنظمة الغذائية, وخاصة ارتفاع مستويات استهلاك اللحوم, التي يتطلب إنتاجها عشرة أمثال المياه المطلوبة في المتوسط لإنتاج السعرات الحرارية والبروتينات النباتية.
نحن في حاجة إلي برنامج وطني قومي لمواجهة التحدي المائي ولمواجهة المخططات الخارجية, حيث عمل الغرب في العقود السابقة علي إجهاض أي نهضة اقتصادية عربية حقيقية, والشباب الثائر اليوم, الذي يحمل رايات وطنية صنعت أغلبها في الصين, لا يحمل حلولا للمشاكل الاقتصادية التي انتفض من أجلها. فالمسألة ليست مجرد أحلام بل هي مسألة خيارات وبرامج اقتصادية. إن معطيات الواقع- التي لا يمكن رسم ملامح الأحلام إلا علي حدودها- هي أكبر من معطيات الواقع المادي. إن القدرة علي التغيير لابد أن تنطلق من المسار العقلي وليس العاطفي. وحتي النخبة السياسية اثبتت انها مجرد نخبة هاوية في مجال السياسة فكيف الحال إذا ما طرحت أمامها, معركة الأمن المائي ؟ إن استنساخ تجارب الماضي في التعامل مع ملف النيل لا تفيد بعد المتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية وإبعاد المتخصصين في الملف المائي وإعلان جنوب السودان عزمه الانضمام إلي اتفاقية عنتيبي وعدم الاعتراف باتفاقية1959 التي تعطي مصر حصتها الحالية من مياه النيل, وتعطيها الحق في الحصة الإضافية المتوقعة من مشروعات أعالي النيل في حالة تنفيذها والتي تقع جميعها في جنوب السودان ومن بينها مشروع قناة جونجلي. ضرورة عدم اللعب علي أشياء لا تفيدنا بالمرة فهناك سيل من الأحاديث حول إنشاء مشروع نهر الكونغو أو أن أرض السدود الإثيوبية هي أراض سودانية, أو أن السدود الإثيوبية فوائدها أعظم من ضررها. إن السدود الإثيوبية ستحول مصر إلي صحراء لانقطاع المياه والطمي, والذين يتحدثون عن إيجابياته فهم يتحدثون من خلال افتراضات لم يتم اثباتها بعد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.